مثل الفلق، لأنها إحدى المعوذتين.
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم ومن علينا بكتابه المبين، وخصه بمعجز دل على تنزيله، ومنع من تبديله، وبين به صدق رسوله، وجعل ما استودعه على نوعين: ظاهراً جلياً وغامضاً خفياً يشترك الناس في علم جلية ويختص العلماء بتأويل خفية حتى يعم الإعجاز، ثم يحصل التفاضل والامتياز.ولما كان ظاهر الجلي مفهوما بالتلاوة، وكان الغامض الخفي لا يعلم إلا من وجهين: نقل واجتهاد جعلت كتابي هذا مقصورا على تأويل ما خفي علمه، وتفسير ما غمض تصوره وفهمه، وجعلته جامعاً بين أقاويل السلف والخلف، وموضحاً عن المؤتلف والمختلف، وذاكراً ما سنح به الخاطر من معنى يحتمل، عبرت عنه بأنه محتمل، ليتميز ما قيلب مما قلته ويعلم ما استخرج مما استخرجته.
وعدلت عما ظهر معناه من فحواه اكتفاء بفهم قارئه وتصور تالية، ليكون أقرب مأخذاً وأسهل مطلباً.
وقدمت لتفسيره فصولا، تكون لعمله أصولا، يستوضح منها ما اشتبه تأويله، وخفي دليله، وأنا أستمد الله حسن معونته، وأسأله الصلاة على محمد وآله وصحابته.
سمى الله القرآن في كتابه بأربعة أسماء:
أحدها: القرآن، قال الله عز وجل: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا الْقُرآنَ﴾.
والثاني: الفرقان قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾.
والثالث: الكتاب قال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾.
والرابع: الذكر قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾.
فأمَّا تسميته بالقرآن ففيه تأويلان:
أحدهما: وهو قول عبد الله بن عباس، مصدر من قولك قَرَأْتُ أي بينت، استشهاداً بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأَناهُ فَاتِّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ يعني إذا بيناه فاعمل به.
(تريك إذا دخلت على خلاء | وقد أمنت عيون الكاشحينا) |
(ذراعي عيطل أدماء بكر | هجان اللون لم تقرأ جنبينا) |
فأما تسيمته بالفرقان، فلأن الله عز وجل فرق بين الحق والباطل، وهو قول الجماعة، لأن أصل الفرقان هو الفرق بين شيئين.
وأمَّا تسميته بالكتاب، فلأنه مصدر من قولك كتبت كتابا، والكتاب هو خط الكاتب حروف المعجم مجموعة ومتفرقة، وسمي كتاباً وإن كان مكتوباً، كما قال الشاعر:
(تؤمل رجعة مني وفيها | كتاب مثل ما لصق الغراء) |
(لا تأمنن فزاريا خلوت به | على قلوصك واكتبها بأسياد) |
أحدهما: أنه ذكر من الله تعالى ذكر به عباده، وعرفهم فيه فرائضه وحدوده.
والثاني: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به، وصدق بما جاء فيه، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ يعني أن شرف له ولقومه.
وأما الزبور، فإنه مشتق من قولهم: زَبَرَ الكتاب يزبُره إذا كتبه، ومنه قول الشاعر:
(عرفت الديار كرقم الكتا | ب يزبره الكاتب الحميري) |
(أنجبت أيام والديه معا | إذ نجلاه فنعم ما نجلا) |
فصل
روى أبو بردة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع، عن النبي ﷺ أنه قال: " أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطول، ومكان الإنجيل المثاني، ومكان الزبور المئين، وفضلني ربي بالمفصل ".
فأما السبع الطول، فالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف
أما (المئون) فهي ما كان من سور القرآن عدد آية مائة آية أو تزيد عليها شيئاً أو تنقص عنها شيئاً. وأما المثاني، ففيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها السور التي عني الله فيها القصص والأمثال والفرائض والحدود، وهذا قول عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير.
والثاني: أنها فاتحة الكتاب، وهو قول الحسن البصري، قال الراجز:
(نشدتكم بمنزل القرآن | أم الكتاب السبع من مثاني) |
(نثين من آي من القرآن | والسبع سبع الطول الدواني) |
(حلفت بالسبع اللواتب طولت | ومائتين بعدها قد أمنت) |
(وبمثاني ثنيت وكررت | وبالطواسين التي قد ثلثت) |
(وبالحواميم التي قد سبقت | وبالتفاصيل التي قد فصلت) |
واختلفوا في أول المفصل على ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو قول الآكثرين: أنه سورة محمد ﷺ إلى سورة الناس.
والثالث: وهو قول ابن عباس: من سورة الضحى إلى الناس، وكان يفصل في الضحى بين كل سورتين بالتكبير، وهو رأي قراء مكة.
فصل
وأما السورة من سورة القرآن، وتجمع سورا ففيها لغتان:
إحداهما: بهمز.
والأخرى: بغير همز.
فأما السورة بغير همز، فهي المنزلة من منازل الارتفاع، ومن ذلك سمي سور المدينة لارتفاعه على ما يحويه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
(ألم تر أن الله أعطاك سورة | ترى كل ملك دونها يتذبذب) |
وأما السورة بالهمزة، فهي القطعة، التي قد فضلت من القرآن على سواها وأبقيت منه، لأن سؤر كل شيء بقيته بعدما يؤخذ منه ولذلك سمي ما فضل في الإناء بعد الشرب منه سؤرا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا شربتم فأسئروا " يعني
(فبانت قد أسأرت في الفؤا | د صدعا على نأيها مستطيرا) |
وأما الآية من القرآن، ففيها تأويلان:
أحدهما: إنما سميت آية لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها، لأن الآية العلامة، ومنه قول الله تعالى: ﴿ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عبدا لأولنا وآخرنا وآية منك﴾ يعني علامة منك لإجابتك دعاءنا. وقال الشاعر، وهو عبد بني الحسحاس:
(ألكني إليها - عمرك الله - يا فتى | بآية ما جاءت إلينا تهاديا) |
(ألا أبلغا هذا المعرض آية | أيقظان قال القول أو قال ذو حلم) |
وروي أبو حازم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: " نزل القُرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر (ثلاث
وروى محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم غفور رحيم ".
اختلف المفسرون في تأويل السبعة الأحرف، التي نزل القرآن بها على أربعة أقاويل:
أحدها: معناه على سبعة معان، وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وجدل وقصص ومثل.
روى عون، عن أبي قلابة قال: بلغني أن النبي ﷺ قال: " أنزل القرآن على سبعة أحرف: أمر، ونهي، وترغيب، وترهيب، وجدل، ومثل، وقصص ".
والثاني: يعني سبع لغات مختلفة، لا مما يغير حكماً في تحليل ولا
والثالث: يريد على سبع لغات من اللغات الفصيحة، لأن بعض قبائل العرب أفصح من بعض لبعدهم من بلاد العجم، فكان من نزل القرآن بلغتهم من فصحاء العرب سبع قبائل.
والرابع: يريد على سبع لغات للعرب في صيغة الألفاظ، وإن وافقه في معناه، كالذي اختلف القراء فيه من القراءات والله أعلم.
فصل
فأما إعجاز القرآن الذي عجزت به العرب عن الإتيان بمثله، فقد اختلف العلماء فيه على ثمانية أوجه:
أحدها: أن وجه إعجازه، هو الإعجاز والبلاغة، حتى يشتمل يسير لفظه على كثير المعاني، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ فجمع في كلمتين، عدد حروفهما عشرة أحرف، معاني كلام كثير.
والثاني: أن وجه إعجازه، هو البيان والفصاحة، التي عجز عنها الفصحاء، وقصّر فيها البلغاء، كالذي حكاه أبو عبيد، أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: ﴿فاصدع بما تؤمر﴾ فسجد، وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام، وسمع آخر رجلا يقرأ: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِياً﴾ فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام.
(أستغفر الله لذنبي كله | قتلت إنسانا لغير حله) |
(مثل غزال ناعم في دله | فانتصف الليل ولم أصله) |
والثالث: أن وجه إعجازه، هو الوصف الذي تنقضي به العادة، حتى صار خارجا عن جنس كلام العرب، من النظم، والنثر، والخطب، والشعر، والرجز، والسجع، والمزدوج، فلا يدخل في شيء منها ولا يختلط بها، مع كون ألفاظه وحروفه في كلامهم، ومستعمله في نظمهم ونثرهم.
حكي أن ابن المقفع طلب أن يعارض القرآن، فنظم كلاما، وجعله مفصلا، وسماه سورا، فاجتاز يوما بصبي يقرأ في مكتب: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيِ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فرجع، ومحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض أبدا، وما هو من كلام البشر، وكان فصيح أهل عصره.
والرابع: أن وجه إعجازه، هو أن قارئه لا يكل، وسامعه لا يمل، وإكثار
والخامس: أن وجه إعجازه، هو ما فيه من الإخبار بما كان مما علموه، أو لم يعلموه، فإذا سألوا عنه، عرفوا صحته، وتحققوا صدقه، كالذي حكاه من قصة أهل الكهف، وشأن موسى والخضر، وحال ذي القرنين، وقصص الأنبياء مع أممها، والقرون الماضية في دهرها.
والسادس: أن وجه إعجازه، هو ما فيه من علم الغيب، والإخبار بما يكون، فيوجد صدقه وصحته، مثل قوله لليهود: ﴿قُلْ إنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِّنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادقِينَ﴾ ثم قال: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّمْوهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أيدِيِهِمْ﴾ فما تمناه واحد منهم، ومثل قوله تعالى لقريش: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ فقطع بأنهم لا يفعلون، فلم يفعلوا.
والسابع: أن وجه إعجازه، هو كونه جامعاً لعلوم لم تكن فيهم آلاتها، ولا تتعاطى العرب الكلام فيها، ولا يحيط بها من علماء الأمم واحد، ولا يشتمل عليها كتاب وقال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ وقال: ﴿تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم هو الحق ليس بالهزل من طلب الهدى من غيره ضل " وهذا لا يكون إلا عند الله الذي أحاط بكل شيء علماً.
واختلف من قال بهذه الصرفة على وجهين:
أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه، ولو تعرضوا لعجزوا عنه.
والثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له، مع كونه في قدرتهم ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه.
فهذه ثمانية أوجه، يصح أن يكون كل واحدٍ منها إعجازاً، فإذا جمعها القرآن وليس اختصاص أحدها بأن يكون معجزاً بأولى من غيره، صار إعجازه من الأوجه الثمانية، فكان أبلغ في الإعجاز، وأبدع في الفصاحة والإيجاز.
فصل
وإذا كان القرآن بهذه المنزلة من الإعجاز في نظمه ومعانيه، احتاجت ألفاظه
وقد روى سهل بن مهران الضبعين عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " فتمسك فيه بعض المتورعة ممن قلت في العلم طبقته، وضعفت فيه خبرته، واستعمل هذا الحديث على ظاهرهن وامتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، عند وضوح شواهده، إلا أن يرد بها نقل صحيح، ويدل عليها
ولهذا الحديث - إن صح - تأويل، معناه: أن من حمل القرآن على رأيه، ولم يعلم على شواهد ألفاظه، فأصاب الحق، فقد أخطأ الدليل.
وقد روى محمد بن عثمان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن ذلول ذو وجوه فاحْمِلُوهُ عَلَى أحسن وجوهه ". وفي قوله: " ذلول " تأويلان:
أحدهما: أنه مطيع لحامليه، حتى تنطلق فيه جميع الألسنة.
والثاني: أنه موضع لمعانيه، حتى لا تقصر [عنه] أفهام المجتهدين فيه.
وفي قوله: " ذو وجوه " تأويلان:
أحدهما: أن ألفاظه تحمل من التأويل وجوها لإعجازه.
الثاني: أنه قد جمع من الأوامر، والنواهي، والترغيب، والتحليل، والتحريم.
وفي قوله: " فاحملوه على أحسن وجوهه " تأويلان:
والثاني: أن يعمل بأحسن ما فيه، من العزائم دون الرخص، والعفو دون الانتقام، وهذا دليل على أن تأويل القرآن مستنبط منه.
فصل
فإذا صح جواز الاجتهاد في إستخراج معاني القرآن من فحوى ألفاظه، وشواهد خطابه، فقد قسم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وجوه التفسير على أربعة أقسام: فروى سفيان، عن أبي الزناد قال ابن عباس: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب بكلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل " وهذا صحيح.
أما الذي تعرفه العرب بكلامها، فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم.
وأما الذي لا يعذر أحد بجهالتهن فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة دلائل التوحيد.
وأما الذي يعلمه العلماء، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الأحكام.
وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.
وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح، غير أن ما لا يعذر أحد بجهالته
أحدهما: ما اختص الله تعالى بعلمه، كالغيوب فلا مساغ للإجتهاد في تفسيره ولا يجوز أن يؤخذ [إلا] عن توقيف، من أحد ثلاثة أوجه:
إما من نصٌّ في سياق التنزيل.
وإما عن بيان من جهة الرسول.
وإما عن اجماع الأمة على ما اتفقوا عليه من تأويل.
فإن لم يرد فيه توقيف، علمنا أن الله تعالى أراد لمصلحة استأثر بها، ألاَّ يطلع عباده على غييه.
والقسم الثاني: ما يرجع فيه إلى لسان العرب، وذلك شئيئان، اللغة والإعراب:
فأما اللغة، فيكون العلم بها في حق المفسر دون القارئ، فإن كان مما [لا] يوجب العمل، جاز أن يعمل فيه على خبر الواحد والإثنين، وأن يستشهد فيه من الشعر بالبيت والبيتين، وإن كان مما يوجب العمل، لم يعمل فيه على خبر الواحد والإثنين، ولا يستشهد فيه بالبيت والبيتين، حتى يكون نقله مستفيضًا، وشواهد الشعر فيه متناصرة.
وقد روى أبو حاضر، عن ابن عباس: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، أي علم القرآن أفضل؟ قال: " غريبه، فالتمسوه في الشعر ". وإنما خص الغريب لاختصاصه بإعجاز القرآن، وأحال عن الشعر لأنه ديوان كلامهم،
وأما الإعراب، فإن كان اختلافه موجبا لاختلاف حكمه وتغيير تأويله، لزم العلم به في حق المفسر وحق القارئ، ليتوصل المفسر إلى معرفة حكمه، ويسلم القارئ من لحنه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ".
وإن كان اختلاف إعرابه لا يوجب اختلاف حكمه، ولا يقتضي تغيير تأويله، كان العلم بإعرابه لازماً في حق القارئ ليسلم من اللحن في تأويلاته، ولم يلزم في حق المفسر لوصوله مع الجهل بإعرابه إلى معرفة حكمه، وإن كان الجهل بإعراب القرآن نقصاً عامّاً.
والقسم الثالث: ما يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء، وهو تأويل المتشابه، واستنباط الأحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العموم، والمجتهدون من علماء الشرع أخص بتفسيره من غيرهم حملاً لمعاني الألفاظ على الأصول الشرعية، حتى لا يتنافى الجمع بين معانيها وأصول الشرع، فيعتبر فيه حال اللفظ، فإنه ينقسم قسمين:
أحدهما: أن يكون مشتملاً على معنى واحد لا يتعداه، ومقصوراً عليه ولا يحتمل ما سواه، فيكون من المعاني [الجلية] والنصوص الظاهرة، التي يعلم مراد الله تعالى بها قطعا من صريح كلامه، وهذا قسم لا يختلف حكمه ولا يلتبس تأويله.
والقسم الثاني: أن يكون اللفظ محتملاً لمعنيين أو أكثر، وهذا على ضربين:
والضرب الثاني: أن يكون المعنيان [جليَّين، واللفظ مستعملاً فيهما حقيقةً، وهذا على ضربين:
أحدهما: أن يختلف أصل الحقيقة فيهما، فهذا ينقسم على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون أحد المعنيين مستعملاً في اللغة، والآخر مستعملاً في الشرع، فيكون حملُه على المعنى الشرعيِّ أولى من حملِهِ على المعنى اللَّغَويِّ، لأن الشرع ناقل.
والقسم الثاني: أن يكون أحد المعنيين مستعملاً في اللغة، والآخر مستعملاً في العرف، فيكون حمله على المعنى العرفي أولى من حمله على معنى اللغة، لأنه أقرب معهود.
والقسم الثالث: أن يكون أحد المعنيين مستعملاً في الشرع، والآخر مستعملاً في العرف، فيكون حمله على معنى الشرع أولى من حمله على معنى العرف لأن الشرع ألزم.
والضرب الثاني: أن يتفق أصل الحقيقة فيهما فيكونا مستعملين في اللغة على سواء، أو في الشرع، أو في العرف فهذا على ضربيين:
أحدهما: أن يتنافى اجتماعهما ولا يمكن استعمالهما كالأحكام الشرعية مثل القرء الذي هو حقيقة في الطهر، وحقيقة في الحيض، ولا يجوز للمجتهد أن يجمع بينهما، لتنافيهما، وعليه أن يجتهد رأيه في المراد فيهما بالأمارات الدالة عليه، فإذا وصل إليه، كان هو الذي أراده الله تعالى منه، وإن أدى اجتهاد غيره إلى الحكم الآخر، كان هو المراد منه فيكون مراد الله تعالى من كل واحد منهما، ما أداه اجتهاده إليه.
أحدهما: أن يكون مخيراً، للعمل في العمل على أيهما شاء.
والضرب الثاني: أن يأخذ بأغلظ المذهبين حكماً.
والضرب الثاني من اختلاف المعنيين: ألا يتنافيا ويمكن الجمع بينهما فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يتساويا، ولا يترجح أحدهما على الآخر بدليل، فيكون المعنيان معاً مرادين، لأن الله تعالى لو أراد أحدهما النصب على مراده منهما دليلاً، وإن جاز أن يريد كل واحد من المعنيين بلفظين متغايرين لعدم التنافي بينهما، جاز أن يريدهما بلف واحد، يشتمل عليهما، ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة.
والضرب الثاني: أن يترجح أحدهما على الآخر بدليل، وهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون دليلاً على بطلان أحد المعنيين، فيسقط حكمهن ويصير المعنى الآخر هو المراد، وحكمه هو الثابت.
والضرب الثاني: أن يكون دليلاً على صحة أحد المعنيين فيثبت حكمه ويكون مراداً ولا يقتضي سقوط المعنى الآخر، ويجوز أن يكون مراداً، وإن لم يكن عليه دليل، لأن موجب لفظه دليل، فاستويا في حكم اللفظ، وإن ترجح أحدهما بدليل، فصارا مرادين معاً.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المعنى الذي يرجح بدليل أثبت حكماً من المعنى الذي تجرد عنه ولقوته بالدليل الذي ترجح به، فهذا أصل يعتبر [من] وجود التفسير، ليكون ما احتمله ألفاظ القرآن من اختلاف المعاني محمولاً عليه، فيعلم ما يؤخذ به ويعدل عنه.
فإن قيل: فقد ورد الخبر بما يخالف هذا الأصل المقرر، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ما نزل القرآن من آية إلا لها ظهر وبطن ولكل حرف
أما قوله: " ما نزل من القرآن من آية إلا لها ظهر وبطن " ففيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه أنك إذا فتشت عن باطنها وقسته على ظاهرها، وقفت على معناها، وهو قول الحسن.
والثاني: يعني أن القصص ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، وباطنها عظة للآخرين، وهذا قول أبي عبيد.
والثالث: معناه ما من آية إلا وقد عمل بها قوم، ولها قوم سيعملون بها، وهذا قول ابن مسعود.
والرابع: يعنى أن ظاهرها لفظها، وباطنها تأويلها، وهذا قول الجاحظ.
وأما قوله: " ولكل حرف حد " ففيه تأويلان:
أحدهما: معناه أن لكل لفظ منتهى، فيما أراده الله تعالى من عباده.
والثاني: أن لكل حكم مقدارا من الثواب والعقاب.
أحدهما: معناه ولكل غامض من الأحكام مطلع يوصل منه إلى معرفته، ويوقف منه على المراد به.
والثاني: معناه أن كل ما استحقه من الثواب والعقاب سيطلع عليه في الآخرة ويراه عند المجازاة.
فصل الاستعاذة
ثبت بالكتاب والسنة، أن يستعيذ القارئ لقراءة القرآن، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو نص الكتاب.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه ".
وفي الاستعاذة وجهان:
أحدهما: أنها الاستجارة بذي منعة.
والثاني: أنها الاستعاذة عن خضوع.
أحدهما أنها خبر يخبر به المرء عن نفسه، بأنه مستعيذ بالله.
والثاني: أنها في معنى الدعاء، وإن كانت بلفظ الخبر، كأنه يقول: أعذني يا سميع، يا عليم من الشيطان الرجيم، يعنى أنه سميع الدعاء، عليم بالإجابة.
وفي قوله: " من الشيطان " وجهان:
أحدهما: من وسوسته.
والثاني: من أعوانه.
وفي " الرجيم " وجهان:
أحدهما: يعني الراجم، لأنه يرجمُ بالدواهي والبلايا.
والثاني: أنه بمعنى المرجوم، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه مرجوم بالنجوم.
والثاني: أنه المرجوم بمعنى المشئوم.
وفيه وجه ثالث: أن المرجوم الملعون والملعون المطرود.
وقوله: " من نفخه ونفثه وهمزه " يعني بالنفخ: الكبر، وبالنفث: السحر، وبالهمز: الجنون، والله أعلم.
قال قتادة: هي مكية، وقال مجاهد: هي مدينة.
ولها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني.
روى ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: " هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني ". فأما تسميتها بفاتحة الكتاب فلأنه يستفتح الكتاب بإثباتها خطاً وبتلاوتها لفظاً.
فأما تسميتها بأم القرآن، فلتقدمها وتأخر ما سواها تبعاً لها، صارت أما لأنه
(على رأسه أم لها يقتدى بها | جماع أمور لا يعاصى لها أمر) |
(إذا كانت الخمسون أمك لم يكن | لرأيك إلا أن يموت طبيب) |
وأما [تسمية] مكة بأم القرى، ففيه قولان:
أحدهما: أنها سميت أم القرى، لتقدمها على سائر القرى.
والثاني: أنها سميت بذلك، لأن الأرض منها دحيت، وعنها حدثت، فصارت أما لها لحدوثها عنها، كحدوث الولد عن أمه.
وأما تسميتها بالسبع المثاني، فلأنها سبع آيات في قول الجميع.
وأما الثاني، فلأنها تثنى في كل صلاة من فرض وتطوع، وليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من [تسميته] غيرها به قال أعشى همدان:
(فلجوا المسجد وادعوا ربكم | وارسوا هذي المثاني والطول) |
(وصاحب يَمْتَعِسُ امْتِعاسا | يزدادُ من خَنسِه خناسا) |
(تسمع للحلْي وسواساً إذا انصرفت | كما استعان بريح عشرق زجل.) |
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لدينه القويم ومن علينا بكتابه المبين، وخصه بمعجز دل على تنزيله، ومنع من تبديله، وبين به صدق رسوله، وجعل ما استودعه على نوعين: ظاهراً جلياً وغامضاً خفياً يشترك الناس في علم جلية ويختص العلماء بتأويل خفية حتى يعم الإعجاز، ثم يحصل التفاضل والامتياز.ولما كان ظاهر الجلي مفهوما بالتلاوة، وكان الغامض الخفي لا يعلم إلا من وجهين: نقل واجتهاد جعلت كتابي هذا مقصورا على تأويل ما خفي علمه، وتفسير ما غمض تصوره وفهمه، وجعلته جامعاً بين أقاويل السلف والخلف، وموضحاً عن المؤتلف والمختلف، وذاكراً ما سنح به الخاطر من معنى يحتمل، عبرت عنه بأنه محتمل، ليتميز ما قيلب مما قلته ويعلم ما استخرج مما استخرجته.
وعدلت عما ظهر معناه من فحواه اكتفاء بفهم قارئه وتصور تالية، ليكون أقرب مأخذاً وأسهل مطلباً.
وقدمت لتفسيره فصولا، تكون لعمله أصولا، يستوضح منها ما اشتبه تأويله، وخفي دليله، وأنا أستمد الله حسن معونته، وأسأله الصلاة على محمد وآله وصحابته.
سمى الله القرآن في كتابه بأربعة أسماء:
أحدها: القرآن، قال الله عز وجل: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هذا الْقُرآنَ﴾.
والثاني: الفرقان قال الله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾.
والثالث: الكتاب قال الله تعالى: ﴿الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾.
والرابع: الذكر قال الله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ﴾.
فأمَّا تسميته بالقرآن ففيه تأويلان:
أحدهما: وهو قول عبد الله بن عباس، مصدر من قولك قَرَأْتُ أي بينت، استشهاداً بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأَناهُ فَاتِّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ يعني إذا بيناه فاعمل به.
(تريك إذا دخلت على خلاء | وقد أمنت عيون الكاشحينا) |
(ذراعي عيطل أدماء بكر | هجان اللون لم تقرأ جنبينا) |
فأما تسيمته بالفرقان، فلأن الله عز وجل فرق بين الحق والباطل، وهو قول الجماعة، لأن أصل الفرقان هو الفرق بين شيئين.
وأمَّا تسميته بالكتاب، فلأنه مصدر من قولك كتبت كتابا، والكتاب هو خط الكاتب حروف المعجم مجموعة ومتفرقة، وسمي كتاباً وإن كان مكتوباً، كما قال الشاعر:
(تؤمل رجعة مني وفيها | كتاب مثل ما لصق الغراء) |
(لا تأمنن فزاريا خلوت به | على قلوصك واكتبها بأسياد) |
أحدهما: أنه ذكر من الله تعالى ذكر به عباده، وعرفهم فيه فرائضه وحدوده.
والثاني: أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به، وصدق بما جاء فيه، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ يعني أن شرف له ولقومه.
وأما الزبور، فإنه مشتق من قولهم: زَبَرَ الكتاب يزبُره إذا كتبه، ومنه قول الشاعر:
(عرفت الديار كرقم الكتا | ب يزبره الكاتب الحميري) |
(أنجبت أيام والديه معا | إذ نجلاه فنعم ما نجلا) |
فصل
روى أبو بردة، عن أبي المليح، عن واثلة بن الأسقع، عن النبي ﷺ أنه قال: " أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطول، ومكان الإنجيل المثاني، ومكان الزبور المئين، وفضلني ربي بالمفصل ".
فأما السبع الطول، فالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف
أما (المئون) فهي ما كان من سور القرآن عدد آية مائة آية أو تزيد عليها شيئاً أو تنقص عنها شيئاً. وأما المثاني، ففيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها السور التي عني الله فيها القصص والأمثال والفرائض والحدود، وهذا قول عبد الله بن عباس وسعيد بن جبير.
والثاني: أنها فاتحة الكتاب، وهو قول الحسن البصري، قال الراجز:
(نشدتكم بمنزل القرآن | أم الكتاب السبع من مثاني) |
(نثين من آي من القرآن | والسبع سبع الطول الدواني) |
(حلفت بالسبع اللواتب طولت | ومائتين بعدها قد أمنت) |
(وبمثاني ثنيت وكررت | وبالطواسين التي قد ثلثت) |
(وبالحواميم التي قد سبقت | وبالتفاصيل التي قد فصلت) |
واختلفوا في أول المفصل على ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو قول الآكثرين: أنه سورة محمد ﷺ إلى سورة الناس.
والثالث: وهو قول ابن عباس: من سورة الضحى إلى الناس، وكان يفصل في الضحى بين كل سورتين بالتكبير، وهو رأي قراء مكة.
فصل
وأما السورة من سورة القرآن، وتجمع سورا ففيها لغتان:
إحداهما: بهمز.
والأخرى: بغير همز.
فأما السورة بغير همز، فهي المنزلة من منازل الارتفاع، ومن ذلك سمي سور المدينة لارتفاعه على ما يحويه، ومنه قول نابغة بني ذبيان:
(ألم تر أن الله أعطاك سورة | ترى كل ملك دونها يتذبذب) |
وأما السورة بالهمزة، فهي القطعة، التي قد فضلت من القرآن على سواها وأبقيت منه، لأن سؤر كل شيء بقيته بعدما يؤخذ منه ولذلك سمي ما فضل في الإناء بعد الشرب منه سؤرا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا شربتم فأسئروا " يعني
(فبانت قد أسأرت في الفؤا | د صدعا على نأيها مستطيرا) |
وأما الآية من القرآن، ففيها تأويلان:
أحدهما: إنما سميت آية لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها، لأن الآية العلامة، ومنه قول الله تعالى: ﴿ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عبدا لأولنا وآخرنا وآية منك﴾ يعني علامة منك لإجابتك دعاءنا. وقال الشاعر، وهو عبد بني الحسحاس:
(ألكني إليها - عمرك الله - يا فتى | بآية ما جاءت إلينا تهاديا) |
(ألا أبلغا هذا المعرض آية | أيقظان قال القول أو قال ذو حلم) |
وروي أبو حازم، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ قال: " نزل القُرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر (ثلاث
وروى محمد بن عمر، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنزل القرآن على سبعة أحرف، عليم حكيم غفور رحيم ".
اختلف المفسرون في تأويل السبعة الأحرف، التي نزل القرآن بها على أربعة أقاويل:
أحدها: معناه على سبعة معان، وهي أمر ونهي ووعد ووعيد وجدل وقصص ومثل.
روى عون، عن أبي قلابة قال: بلغني أن النبي ﷺ قال: " أنزل القرآن على سبعة أحرف: أمر، ونهي، وترغيب، وترهيب، وجدل، ومثل، وقصص ".
والثاني: يعني سبع لغات مختلفة، لا مما يغير حكماً في تحليل ولا
والثالث: يريد على سبع لغات من اللغات الفصيحة، لأن بعض قبائل العرب أفصح من بعض لبعدهم من بلاد العجم، فكان من نزل القرآن بلغتهم من فصحاء العرب سبع قبائل.
والرابع: يريد على سبع لغات للعرب في صيغة الألفاظ، وإن وافقه في معناه، كالذي اختلف القراء فيه من القراءات والله أعلم.
فصل
فأما إعجاز القرآن الذي عجزت به العرب عن الإتيان بمثله، فقد اختلف العلماء فيه على ثمانية أوجه:
أحدها: أن وجه إعجازه، هو الإعجاز والبلاغة، حتى يشتمل يسير لفظه على كثير المعاني، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ في القِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ فجمع في كلمتين، عدد حروفهما عشرة أحرف، معاني كلام كثير.
والثاني: أن وجه إعجازه، هو البيان والفصاحة، التي عجز عنها الفصحاء، وقصّر فيها البلغاء، كالذي حكاه أبو عبيد، أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ: ﴿فاصدع بما تؤمر﴾ فسجد، وقال سجدت لفصاحة هذا الكلام، وسمع آخر رجلا يقرأ: ﴿فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِياً﴾ فقال: أشهد أن مخلوقاً لا يقدر على مثل هذا الكلام.
(أستغفر الله لذنبي كله | قتلت إنسانا لغير حله) |
(مثل غزال ناعم في دله | فانتصف الليل ولم أصله) |
والثالث: أن وجه إعجازه، هو الوصف الذي تنقضي به العادة، حتى صار خارجا عن جنس كلام العرب، من النظم، والنثر، والخطب، والشعر، والرجز، والسجع، والمزدوج، فلا يدخل في شيء منها ولا يختلط بها، مع كون ألفاظه وحروفه في كلامهم، ومستعمله في نظمهم ونثرهم.
حكي أن ابن المقفع طلب أن يعارض القرآن، فنظم كلاما، وجعله مفصلا، وسماه سورا، فاجتاز يوما بصبي يقرأ في مكتب: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيِ الأمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فرجع، ومحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض أبدا، وما هو من كلام البشر، وكان فصيح أهل عصره.
والرابع: أن وجه إعجازه، هو أن قارئه لا يكل، وسامعه لا يمل، وإكثار
والخامس: أن وجه إعجازه، هو ما فيه من الإخبار بما كان مما علموه، أو لم يعلموه، فإذا سألوا عنه، عرفوا صحته، وتحققوا صدقه، كالذي حكاه من قصة أهل الكهف، وشأن موسى والخضر، وحال ذي القرنين، وقصص الأنبياء مع أممها، والقرون الماضية في دهرها.
والسادس: أن وجه إعجازه، هو ما فيه من علم الغيب، والإخبار بما يكون، فيوجد صدقه وصحته، مثل قوله لليهود: ﴿قُلْ إنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خَالِصَةً مِّنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادقِينَ﴾ ثم قال: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّمْوهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أيدِيِهِمْ﴾ فما تمناه واحد منهم، ومثل قوله تعالى لقريش: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ فقطع بأنهم لا يفعلون، فلم يفعلوا.
والسابع: أن وجه إعجازه، هو كونه جامعاً لعلوم لم تكن فيهم آلاتها، ولا تتعاطى العرب الكلام فيها، ولا يحيط بها من علماء الأمم واحد، ولا يشتمل عليها كتاب وقال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ وقال: ﴿تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم هو الحق ليس بالهزل من طلب الهدى من غيره ضل " وهذا لا يكون إلا عند الله الذي أحاط بكل شيء علماً.
واختلف من قال بهذه الصرفة على وجهين:
أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه، ولو تعرضوا لعجزوا عنه.
والثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له، مع كونه في قدرتهم ولو تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه.
فهذه ثمانية أوجه، يصح أن يكون كل واحدٍ منها إعجازاً، فإذا جمعها القرآن وليس اختصاص أحدها بأن يكون معجزاً بأولى من غيره، صار إعجازه من الأوجه الثمانية، فكان أبلغ في الإعجاز، وأبدع في الفصاحة والإيجاز.
فصل
وإذا كان القرآن بهذه المنزلة من الإعجاز في نظمه ومعانيه، احتاجت ألفاظه
وقد روى سهل بن مهران الضبعين عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " فتمسك فيه بعض المتورعة ممن قلت في العلم طبقته، وضعفت فيه خبرته، واستعمل هذا الحديث على ظاهرهن وامتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، عند وضوح شواهده، إلا أن يرد بها نقل صحيح، ويدل عليها
ولهذا الحديث - إن صح - تأويل، معناه: أن من حمل القرآن على رأيه، ولم يعلم على شواهد ألفاظه، فأصاب الحق، فقد أخطأ الدليل.
وقد روى محمد بن عثمان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " القرآن ذلول ذو وجوه فاحْمِلُوهُ عَلَى أحسن وجوهه ". وفي قوله: " ذلول " تأويلان:
أحدهما: أنه مطيع لحامليه، حتى تنطلق فيه جميع الألسنة.
والثاني: أنه موضع لمعانيه، حتى لا تقصر [عنه] أفهام المجتهدين فيه.
وفي قوله: " ذو وجوه " تأويلان:
أحدهما: أن ألفاظه تحمل من التأويل وجوها لإعجازه.
الثاني: أنه قد جمع من الأوامر، والنواهي، والترغيب، والتحليل، والتحريم.
وفي قوله: " فاحملوه على أحسن وجوهه " تأويلان:
والثاني: أن يعمل بأحسن ما فيه، من العزائم دون الرخص، والعفو دون الانتقام، وهذا دليل على أن تأويل القرآن مستنبط منه.
فصل
فإذا صح جواز الاجتهاد في إستخراج معاني القرآن من فحوى ألفاظه، وشواهد خطابه، فقد قسم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وجوه التفسير على أربعة أقسام: فروى سفيان، عن أبي الزناد قال ابن عباس: " التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب بكلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله عز وجل " وهذا صحيح.
أما الذي تعرفه العرب بكلامها، فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم.
وأما الذي لا يعذر أحد بجهالتهن فهو ما يلزم الكافة في القرآن من الشرائع وجملة دلائل التوحيد.
وأما الذي يعلمه العلماء، فهو وجوه تأويل المتشابه وفروع الأحكام.
وأما الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل، فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام الساعة.
وهذا التقسيم الذي ذكره ابن عباس صحيح، غير أن ما لا يعذر أحد بجهالته
أحدهما: ما اختص الله تعالى بعلمه، كالغيوب فلا مساغ للإجتهاد في تفسيره ولا يجوز أن يؤخذ [إلا] عن توقيف، من أحد ثلاثة أوجه:
إما من نصٌّ في سياق التنزيل.
وإما عن بيان من جهة الرسول.
وإما عن اجماع الأمة على ما اتفقوا عليه من تأويل.
فإن لم يرد فيه توقيف، علمنا أن الله تعالى أراد لمصلحة استأثر بها، ألاَّ يطلع عباده على غييه.
والقسم الثاني: ما يرجع فيه إلى لسان العرب، وذلك شئيئان، اللغة والإعراب:
فأما اللغة، فيكون العلم بها في حق المفسر دون القارئ، فإن كان مما [لا] يوجب العمل، جاز أن يعمل فيه على خبر الواحد والإثنين، وأن يستشهد فيه من الشعر بالبيت والبيتين، وإن كان مما يوجب العمل، لم يعمل فيه على خبر الواحد والإثنين، ولا يستشهد فيه بالبيت والبيتين، حتى يكون نقله مستفيضًا، وشواهد الشعر فيه متناصرة.
وقد روى أبو حاضر، عن ابن عباس: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، أي علم القرآن أفضل؟ قال: " غريبه، فالتمسوه في الشعر ". وإنما خص الغريب لاختصاصه بإعجاز القرآن، وأحال عن الشعر لأنه ديوان كلامهم،
وأما الإعراب، فإن كان اختلافه موجبا لاختلاف حكمه وتغيير تأويله، لزم العلم به في حق المفسر وحق القارئ، ليتوصل المفسر إلى معرفة حكمه، ويسلم القارئ من لحنه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ".
وإن كان اختلاف إعرابه لا يوجب اختلاف حكمه، ولا يقتضي تغيير تأويله، كان العلم بإعرابه لازماً في حق القارئ ليسلم من اللحن في تأويلاته، ولم يلزم في حق المفسر لوصوله مع الجهل بإعرابه إلى معرفة حكمه، وإن كان الجهل بإعراب القرآن نقصاً عامّاً.
والقسم الثالث: ما يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء، وهو تأويل المتشابه، واستنباط الأحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العموم، والمجتهدون من علماء الشرع أخص بتفسيره من غيرهم حملاً لمعاني الألفاظ على الأصول الشرعية، حتى لا يتنافى الجمع بين معانيها وأصول الشرع، فيعتبر فيه حال اللفظ، فإنه ينقسم قسمين:
أحدهما: أن يكون مشتملاً على معنى واحد لا يتعداه، ومقصوراً عليه ولا يحتمل ما سواه، فيكون من المعاني [الجلية] والنصوص الظاهرة، التي يعلم مراد الله تعالى بها قطعا من صريح كلامه، وهذا قسم لا يختلف حكمه ولا يلتبس تأويله.
والقسم الثاني: أن يكون اللفظ محتملاً لمعنيين أو أكثر، وهذا على ضربين:
والضرب الثاني: أن يكون المعنيان [جليَّين، واللفظ مستعملاً فيهما حقيقةً، وهذا على ضربين:
أحدهما: أن يختلف أصل الحقيقة فيهما، فهذا ينقسم على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون أحد المعنيين مستعملاً في اللغة، والآخر مستعملاً في الشرع، فيكون حملُه على المعنى الشرعيِّ أولى من حملِهِ على المعنى اللَّغَويِّ، لأن الشرع ناقل.
والقسم الثاني: أن يكون أحد المعنيين مستعملاً في اللغة، والآخر مستعملاً في العرف، فيكون حمله على المعنى العرفي أولى من حمله على معنى اللغة، لأنه أقرب معهود.
والقسم الثالث: أن يكون أحد المعنيين مستعملاً في الشرع، والآخر مستعملاً في العرف، فيكون حمله على معنى الشرع أولى من حمله على معنى العرف لأن الشرع ألزم.
والضرب الثاني: أن يتفق أصل الحقيقة فيهما فيكونا مستعملين في اللغة على سواء، أو في الشرع، أو في العرف فهذا على ضربيين:
أحدهما: أن يتنافى اجتماعهما ولا يمكن استعمالهما كالأحكام الشرعية مثل القرء الذي هو حقيقة في الطهر، وحقيقة في الحيض، ولا يجوز للمجتهد أن يجمع بينهما، لتنافيهما، وعليه أن يجتهد رأيه في المراد فيهما بالأمارات الدالة عليه، فإذا وصل إليه، كان هو الذي أراده الله تعالى منه، وإن أدى اجتهاد غيره إلى الحكم الآخر، كان هو المراد منه فيكون مراد الله تعالى من كل واحد منهما، ما أداه اجتهاده إليه.
أحدهما: أن يكون مخيراً، للعمل في العمل على أيهما شاء.
والضرب الثاني: أن يأخذ بأغلظ المذهبين حكماً.
والضرب الثاني من اختلاف المعنيين: ألا يتنافيا ويمكن الجمع بينهما فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يتساويا، ولا يترجح أحدهما على الآخر بدليل، فيكون المعنيان معاً مرادين، لأن الله تعالى لو أراد أحدهما النصب على مراده منهما دليلاً، وإن جاز أن يريد كل واحد من المعنيين بلفظين متغايرين لعدم التنافي بينهما، جاز أن يريدهما بلف واحد، يشتمل عليهما، ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة.
والضرب الثاني: أن يترجح أحدهما على الآخر بدليل، وهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون دليلاً على بطلان أحد المعنيين، فيسقط حكمهن ويصير المعنى الآخر هو المراد، وحكمه هو الثابت.
والضرب الثاني: أن يكون دليلاً على صحة أحد المعنيين فيثبت حكمه ويكون مراداً ولا يقتضي سقوط المعنى الآخر، ويجوز أن يكون مراداً، وإن لم يكن عليه دليل، لأن موجب لفظه دليل، فاستويا في حكم اللفظ، وإن ترجح أحدهما بدليل، فصارا مرادين معاً.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المعنى الذي يرجح بدليل أثبت حكماً من المعنى الذي تجرد عنه ولقوته بالدليل الذي ترجح به، فهذا أصل يعتبر [من] وجود التفسير، ليكون ما احتمله ألفاظ القرآن من اختلاف المعاني محمولاً عليه، فيعلم ما يؤخذ به ويعدل عنه.
فإن قيل: فقد ورد الخبر بما يخالف هذا الأصل المقرر، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ما نزل القرآن من آية إلا لها ظهر وبطن ولكل حرف
أما قوله: " ما نزل من القرآن من آية إلا لها ظهر وبطن " ففيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه أنك إذا فتشت عن باطنها وقسته على ظاهرها، وقفت على معناها، وهو قول الحسن.
والثاني: يعني أن القصص ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، وباطنها عظة للآخرين، وهذا قول أبي عبيد.
والثالث: معناه ما من آية إلا وقد عمل بها قوم، ولها قوم سيعملون بها، وهذا قول ابن مسعود.
والرابع: يعنى أن ظاهرها لفظها، وباطنها تأويلها، وهذا قول الجاحظ.
وأما قوله: " ولكل حرف حد " ففيه تأويلان:
أحدهما: معناه أن لكل لفظ منتهى، فيما أراده الله تعالى من عباده.
والثاني: أن لكل حكم مقدارا من الثواب والعقاب.
أحدهما: معناه ولكل غامض من الأحكام مطلع يوصل منه إلى معرفته، ويوقف منه على المراد به.
والثاني: معناه أن كل ما استحقه من الثواب والعقاب سيطلع عليه في الآخرة ويراه عند المجازاة.
فصل الاستعاذة
ثبت بالكتاب والسنة، أن يستعيذ القارئ لقراءة القرآن، فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهو نص الكتاب.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال: " أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه ".
وفي الاستعاذة وجهان:
أحدهما: أنها الاستجارة بذي منعة.
والثاني: أنها الاستعاذة عن خضوع.
أحدهما أنها خبر يخبر به المرء عن نفسه، بأنه مستعيذ بالله.
والثاني: أنها في معنى الدعاء، وإن كانت بلفظ الخبر، كأنه يقول: أعذني يا سميع، يا عليم من الشيطان الرجيم، يعنى أنه سميع الدعاء، عليم بالإجابة.
وفي قوله: " من الشيطان " وجهان:
أحدهما: من وسوسته.
والثاني: من أعوانه.
وفي " الرجيم " وجهان:
أحدهما: يعني الراجم، لأنه يرجمُ بالدواهي والبلايا.
والثاني: أنه بمعنى المرجوم، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه مرجوم بالنجوم.
والثاني: أنه المرجوم بمعنى المشئوم.
وفيه وجه ثالث: أن المرجوم الملعون والملعون المطرود.
وقوله: " من نفخه ونفثه وهمزه " يعني بالنفخ: الكبر، وبالنفث: السحر، وبالهمز: الجنون، والله أعلم.
قال قتادة: هي مكية، وقال مجاهد: هي مدينة.
ولها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني.
روى ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن رسول الله ﷺ قال: " هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني ". فأما تسميتها بفاتحة الكتاب فلأنه يستفتح الكتاب بإثباتها خطاً وبتلاوتها لفظاً.
فأما تسميتها بأم القرآن، فلتقدمها وتأخر ما سواها تبعاً لها، صارت أما لأنه
(على رأسه أم لها يقتدى بها | جماع أمور لا يعاصى لها أمر) |
(إذا كانت الخمسون أمك لم يكن | لرأيك إلا أن يموت طبيب) |
وأما [تسمية] مكة بأم القرى، ففيه قولان:
أحدهما: أنها سميت أم القرى، لتقدمها على سائر القرى.
والثاني: أنها سميت بذلك، لأن الأرض منها دحيت، وعنها حدثت، فصارت أما لها لحدوثها عنها، كحدوث الولد عن أمه.
وأما تسميتها بالسبع المثاني، فلأنها سبع آيات في قول الجميع.
وأما الثاني، فلأنها تثنى في كل صلاة من فرض وتطوع، وليس في تسميتها بالمثاني ما يمنع من [تسميته] غيرها به قال أعشى همدان:
(فلجوا المسجد وادعوا ربكم | وارسوا هذي المثاني والطول) |