تفسير سورة القارعة

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة القارعة من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحدادي اليمني .

﴿ الْقَارِعَةُ ﴾ ؛ القارعةُ من أسماءِ القيامة، سُميت بذلك، لأنَّها تقرعُ القلوبَ بالأهوالِ والأفزاعِ. والمعنى : ستأتيكَ القارعةُ، ويقال : إنَّ القارعةَ هي الصيحةُ العظيمة، وقولهُ تعالى :﴿ مَا الْقَارِعَةُ ﴾ ؛ تفخيمٌ لأمرِ القيامة، ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ﴾، تقديرهُ : القارعةُ ما هي ؟ وأيُّ شيء هي ؟ وما أعلَمَك ما هي لو لَمْ أُعلِمْكَ ؟ وهذا كما يقالُ : وأيُّ فقيهٍ؟
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ﴾ ؛ معناهُ : يوم يَمُوجُ الناسُ بعضُهم في بعضٍ حين يُخرَجون من قبورهم، كالجرادِ الكثير المتفرِّق الذي يدخلُ بعضهُ في بعضٍ، ويركبُ بعضهُ بعضاً يعني الغوغاءَ، وهي صغارُ الجرادِ، نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ ﴾[القمر : ٧] وسُمي الجرادُ فَرَاشاً ؛ لأنه يتَفرِشُ حين يتفرَّقُ، ويقالُ الفراشُ ما يطير حولَ السِّراجِ من البَقِّ ونحوهِ، وإنما شبَّهَ الناسَ يومئذ بالفراشِ ؛ لأنَّهم يذهَبون في ذلك اليومِ على وُجوهِهم لا يدرون من أينَ يجيئون، ولا أين يذهَبون.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ﴾ ؛ معناهُ : تصيرُ في ذلك اليومِ بعدَ القوَّة والشدة كالصُّوف، والمنفوشُ : المندوفُ، وذلك أوهَى ما يكون من الصُّوف.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ﴾ ؛ يعني بالطَّاعات والحسناتِ، ﴿ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ﴾ ؛ أي ذاتِ رضىً يرضَاها اللهُ، وَقِيْلَ : معنى ﴿ رَّاضِيَةٍ ﴾ أي مَرْضِيَّة.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ ﴾ ؛ أي خفَّت من الأعمالِ الصالحة فمسكَنهُ ومأواهُ الهاويةُ، يأوي إليها، كما يأوي الولدُ إلى أُمه. وَقِيْلَ : يَهوِي على أُمِّ رأسهِ في النار دَركَةً من دركاتِ النار.
واختلَفُوا في كيفيَّة وزنِ الأعمال، فقال بعضُهم : توزَنُ صحائفُ الحسَنات في كفَّة، وصحائفُ السِّيئات في كفَّة. وقال بعضُهم : يخلقُ الله من الحسَناتِ نوراً يكون علامةً للحسناتِ، فتوضعُ في كفَّة الحسناتٍ، ويخلقُ من السِّيئات ظُلمةً تكون علامةً للسِّيئات، فتوضعُ في كفَّة السيِّئات.
واختلَفُوا فيمَنْ يزنُ الميزانَ، قال بعضُهم : يتولاَّهُ ملَكٌ من الملائكةِ موكَّلٌ بالموازين. وقال بعضُهم : يتولاَّهُ جبريلُ فيَقِفُ بين الكفَّتين ويزنُ الأعمالَ، فمَن رجَحت حسناتهُ على سيِّئاته نادَى بصوتٍ يسمعهُ أهل الموقفِ : الآنَ فلانُ بنُ فلانٍ، سَعِدَ سعادةً لا شقاءَ بعدَها أبداً، ومَن رجَحتْ سيِّئاتهُ على حسناتهِ نادَى الملَكُ بصوتٍ يسمعهُ أهل الموقفِ : الآنَ فلانُ بنُ فلانٍ، شَقِيَ شقاوةً لا سعادةَ بعدَها أبداً.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ ﴾ ؛ أي ما أعلَمَك - يا مُحَمَّدُ - ما الهاويةُ لو لَمْ أُعلِمْكَ ؟ وهذه الهاءُ تسمى هاء السَّكْتِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ نَارٌ حَامِيَةٌ ﴾ ؛ تفسيرٌ للهاويةِ ؛ ومعناهُ : نارٌ قد تناهَتْ حرارَتُها منتهاها.
ويُروى :((أنَّ الْفُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ كَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ هَذِهِ السُّورَةَ قَطَعَتْهُ الْعَبْرَةُ مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ، فَفَارَقَ الدُّنْيَا وَمَا خَتَمَهَا)).
سورة القارعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القارعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (قُرَيش)، وقد افتُتحت بذكرِ اسم من أسماء القيامة؛ وهو (القارعة)، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولِها، وهولِ ما يسبقها من أحداث، وقد ذكرت السورةُ الكريمة مظاهرَ هذه الأهوال، وخُتمت بجزاء الناس على أعمالهم: بالإحسان إحسانًا وجِنانًا، وبالكفر عذابًا ونيرانًا.

ترتيبها المصحفي
101
نوعها
مكية
ألفاظها
36
ترتيب نزولها
30
العد المدني الأول
10
العد المدني الأخير
10
العد البصري
8
العد الكوفي
11
العد الشامي
8

* سورة (القارعة):

سُمِّيت سورة (القارعة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(القارعة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولها.

1. أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. وزنُ الأعمال صالحِها وفاسدِها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /309).

إثباتُ البعث وما يصاحِبُ يومَ القيامة من أهوال، وجزاءُ الناس على أعمالهم؛ فالصالحون من أهل الجِنان، والطَّالحون من أهل النيران.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /506).