تفسير سورة القارعة

أضواء البيان

تفسير سورة سورة القارعة من كتاب أضواء البيان المعروف بـأضواء البيان.
لمؤلفه محمد الأمين الشنقيطي . المتوفي سنة 1393 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

سُورَةُ الْقَارِعَة
قَوْلُهُ تَعَالَى: الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، وَقَالَ: كَالطَّامَّةِ وَالصَّاخَّةِ، وَالْآزِفَةِ، وَالْقَارِعَةِ. اهـ. أَيْ وَكَذَلِكَ الصَّاخَّةُ وَالسَّاعَةُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّيْءَ إِذَا عَظُمَ خَطَرُهُ كَثُرَتْ أَسْمَاؤُهُ.
أَوْ كَمَا رُوِيَ عَنِ الْإِمَامِ عَلِيٍّ: كَثْرَةُ الْأَسْمَاءِ تَدُلُّ عَلَى عِظَمِ الْمُسَمَّى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُتَرَادِفَاتِ، فَإِنَّ لِكُلِّ اسْمٍ دَلَالَةً عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ بِهِ.
فَالْوَاقِعَةُ لِصِدْقِ وُقُوعِهَا، وَالْحَاقَّةُ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهَا، وَالطَّامَّةُ لِأَنَّهَا تَطِمُ وَتَعُمُّ بِأَحْوَالِهَا، وَالْآزِفَةُ مِنْ قُرْبِ وُقُوعِهَا «أَزِفَتِ الْآزِفَةُ» مِثْلُ «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ»، وَهَكَذَا هُنَا.
قَالُوا: الْقَارِعَةُ: مِنْ قَرْعِ الصَّوْتِ الشَّدِيدِ لِشِدَّةِ أَهْوَالِهَا.
وَقِيلَ: الْقَارِعَةُ اسْمٌ لِلشِّدَّةِ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: قَرَّعَتْهُمُ الْقَارِعَةُ وَفَقَّرَتْهُمُ الْفَاقِرَةُ، إِذَا وَقَعَ بِهِمْ أَمْرٌ فَظِيعٌ.
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:
وَقَارِعَةٌ مِنَ الْأَيَّامِ لَوْلَا سَبِيلُهُمْ لَزَاحَتْ عَنْكَ حِينًا
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ [١٣ ٣١]، وَهِيَ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ. ُُ
وَقَوْلُهُ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ، تَقَدَّمَ قَوْلُهُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا جَاءَ «وَمَا أَدْرَاكَ» أَنَّهُ يُدْرِيهِ، وَمَا جَاءَ «وَمَا يُدْرِيكَ» لَا يُدْرِيهِ.
وَقَدْ أَدْرَاهُ هُنَا بِقَوْلِهِ: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [١٠١ ٤ - ٥]، وَهَذَا حَالٌ مِنْ أَحْوَالِهَا.
وَقَدْ بَيَّنَ بَعْضَ الْأَحْوَالِ الْأُخْرَى فِي الْوَاقِعَةِ بِأَنَّهَا خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [٥٦ ٣]، وَفِي الطَّامَّةِ وَالصَّاخَّةِ: يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ [٧٨ ٤٠].
وَقَوْلُهُ: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ [٨٠ ٣٤ - ٣٥].
وَأَيْضًا فَإِنَّ كُلَّ حَالَةٍ يَذْكُرُ مَعَهَا الْحَالَ الَّذِي يُنَاسِبُهَا، فَالْقَارِعَةُ مِنَ الْقَرْعِ وَهُوَ الضَّرْبُ، نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ مَعَهَا مَا يُوهِنُ قُوَى الْإِنْسَانِ إِلَى ضِعْفِ الْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ، وَيُفَكِّكُ تَرَابُطَ الْجِبَالِ إِلَى هَبَاءِ الْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ.
الْفَرَاشُ: جَمْعُ فَرَاشَةٍ.
وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَطِيرُ وَتَتَهَافَتُ فِي النَّارِ.
وَقِيلَ: طَيْرٌ رَقِيقٌ يَقْصِدُ النَّارَ وَلَا يَزَالُ يَتَقَحَّمُ عَلَى الْمِصْبَاحِ وَنَحْوِهِ حَتَّى يَحْتَرِقَ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ فِي إِمْلَائِهِ قَوْلَ جَرِيرٍ:
إِنَّ الْفَرَزْدَقَ مَا عَلِمْتُ وَقَوْمَهُ مِثْلَ الْفَرَاشِ غَشَيْنَ نَارَ الْمُصْطَلَى
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ غَوْغَاءُ الْجَرَادِ الَّذِي يَنْتَشِرُ فِي الْأَرْضِ وَيَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا مِنَ الْهَوْلِ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْفَرَّاءِ: أَنَّهُ الْهَمَجُ الطَّائِرُ مِنْ بَعُوضٍ وَغَيْرِهِ.
وَمِنْهُ الْجَرَادُ. وَيُقَالُ: هُوَ أَطْيَشُ مِنْ فَرَاشَةٍ قَالَ:
طُوَيْشٌ مِنْ نَفَرِ أَطْيَاشِ أَطْيَشُ مِنْ طَائِرَةِ الْفَرَاش
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍُُ
أَوْقَدَ نَارًا فَجَعَلَ الْجَنَادِبُ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهَا، وَهُوَ يَذُبُّهُنَّ عَنْهَا. وَأَنَا آخِذٌ بِحُجُزِكُمْ عَنِ النَّارِ وَأَنْتُمْ تَفَلَّتُونَ مِنْ يَدِي».
وَالْمَبْثُوثُ: الْمُنْتَشِرُ.
وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ [٥٤ ٧].
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيَانُهُ فِي سُورَةِ «اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ»، وَسُورَةِ «ق وَالْقُرْآنِ»، وَسُورَةِ «يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ». بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ وَصْفَهَا بِالْفَرَاشِ فِي أَوَّلِ حَالِهَا فِي الِاضْطِرَابِ وَالْحَيْرَةِ.
وَوَصْفَهُمْ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَوَحْدَةِ الِاتِّجَاهِ: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي [٥٤ ٨].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ.
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ بَيَانُ أَحْوَالِ الْجِبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بَدْئِهَا بِكَثِيبٍ مَهِيلٍ، ثُمَّ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، ثُمَّ تَسِيرُ كَالسَّرَابِ.
وَأَحَالَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا، كَقَوْلِهِ: تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ [٢٧ ٨٨].
وَتَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ «سَأَلَ سَائِلٌ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ.
فِي قَوْلِهِ: ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ دَلَالَةٌ عَلَى وَقْعِ الْوَزْنِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ.
وَالْمَوَازِينُ: يُرَادُ بِهَا الْمَوْزُونُ، وَيُرَادُ بِهَا آلَةُ الْوَزْنِ، كَالْمَعَايِيرِ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْمَعَايِيرَ بِالذَّرَّةِ وَأَقَلَّ مِنْهَا.
وَقَدْ جَاءَ نُصُوصٌ عَلَى وَضْعِ الْمَوَازِينِ وَإِقَامَتِهَا بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ.
وَتَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [٢١ ٤٧].
72
وَقَوْلُهُ: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ، قَالُوا: بِمَعْنَى مُرْضِيَّةٍ، وَرَاضِيَةٌ أَصْلُهَا مُرْضِيَّةٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ [٨٨ ٨ - ٩]، إِسْنَادُ الرِّضَى لِلْعِيشَةِ، عَلَى أَنَّهَا هِيَ فَاعِلَةُ الرِّضَى ; لِأَنَّ كَلِمَةَ الْعِيشَةِ جَامِعَةٌ لِنَعِيمِ الْجَنَّةِ وَأَسْبَابِ النَّعِيمِ، رَاضِيَةٌ طَائِعَةٌ لَيِّنَةٌ لِأَصْحَابِ الْجَنَّةِ، فَتُفَجَّرُ لَهُمُ الْأَنْهَارُ طَوَاعِيَةً، وَتَدْنُو الثِّمَارُ طَوَاعِيَةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [٦٩ ٢٣].
فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ: هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْبَلَاغَةِ بِإِطْلَاقِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ [٩٦ ١٧].
وَالنَّادِي: مَكَانُ مُنْتَدَى الْقَوْمِ، أَيْ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ.
وَالْمُرَادُ: مَنْ يَحُلُّ فِي هَذَا النَّادِي، وَيَكُونُ هُنَا أَطْلَقَ الْمَحَلَّ وَهُوَ مَحَلُّ الْعِيشَةِ، وَأَرَادَ الْحَالَّ فِيهَا.
وَعَلَى الثَّانِي: فَهُوَ إِسْنَادٌ حَقِيقِيٌّ مِنْ إِسْنَادِ الرِّضَى لِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ أَوْ قَامَ بِهِ. وَمِمَّا هُوَ جَدِيرٌ بِالذِّكْرِ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْبَيَانِيِّ لَيْسَ مُتَّجَهًا كَالْآيَةِ الْأُخْرَى ; لِأَنَّ الْعِيشَةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِغَيْرِهَا بَلْ هِيَ حَالَّةٌ، وَالْمَحَلُّ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الْجَنَّةُ وَالْعِيشَةُ حَالَّةٌ فِيهَا، وَهِيَ اسْمٌ لِمَعَانِي النَّعِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَكُونُ حَمْلُ الْإِسْنَادِ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَصَحُّ.
وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ: أَنَّ الْجَنَّةَ تُحِسُّ بِأَهْلِهَا وَتَفْرَحُ بِعَمَلِ الْخَيْرِ، كَمَا أَنَّهَا تَتَزَيَّنُ وَتَبْتَهِجُ فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا تَنَاظَرَتْ مَعَ النَّارِ. وَكُلٌّ يُدْلِي بِأَهْلِهِ وَفَرَحِهِ بِهِمْ، حَتَّى وَعَدَ اللَّهُ كُلًّا بِمِلْئِهَا.
وَنُصُوصُ تَلَقِّي الْحُورِ وَالْوِلْدَانِ وَالْمَلَائِكَةِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ بِالرِّضَى وَالتَّحِيَّةِ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ: لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ [٣٦ ٥٧]، أَيْ: لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُمْ شَيْءٌ.
وَقَوْلُهُ: وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [٣٩ ٧٣].
وَقَوْلُهُ: فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ [٥٥ ٥٦].
وَقَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عَنْ رِضًى بِأَهْلِهِنَّ. وَمِنْهُ حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [٥٥ ٧٢]، أَيْ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ.
73
وَقَوْلُهُ: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [٧٦ ١٤]، وَنَحْوُ ذَلِكَ، مِمَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ بِنَفْسِهِ رَاضٍ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ.
وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ: فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ، هَلِ الْمُرَادُ بِأُمِّهِ مَأْوَاهُ وَهِيَ النَّارُ، وَأَنَّ هَاوِيَةً مِنْ أَسْمَائِهَا، أَمِ الْمُرَادُ بِأُمِّهِ رَأْسُهُ وَأَنَّ هَاوِيَةً مِنَ الْهُوِيِّ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ يَهْوِي فِي النَّارِ.
وَقَدْ بَحَثَ الشَّيْخُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ ذَلِكَ فِي دَفْعِ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ، وَلَا يَبْعُدُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ.
فَتَكُونُ «أُمُّهُ هَاوِيَةٌ»، وَهِيَ النَّارُ وَيُلْقَى فِيهَا مُنَكَّسًا تَهْوِي رَأْسُهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ بِمَعْنَى قَوْلِ لَبِيَدٍ:
فَالْأَرْضُ مَعْقِلُنَا وَكَانَتْ أُمَّنَا فِيهَا مَقَابِرُنَا وَفِيهَا نُوَلَدُ
وَعَلَى مَعْنَى الْهَاوِيَةِ الْبَعِيدَةِ وَالدَّاهِيَةِ، قَوْلُ الشَّاعِرِ:
يَا عَمْرُو لَوْ نَالَتْكَ رِمَاحُنَا كُنْتَ كَمَنْ تَهْوِي بِهِ الْهَاوِيَهْ
وَالْهَاوِيَةُ: مَكَانُ الْهَوِيِّ.
كَمَا قِيلَ:
أَكَلْتُ دَمًا إِنْ لَمْ أَرْعَكِ بِضَرَّةٍ بَعِيدَةِ مَهْوَى الْقُرْطِ مَيَّاسَةَ الْقَدّ
أَوْ طَيِّبَةَ النَّشْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».
نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَ.
وَقَدْ فَسَّرَ الْهَاوِيَةَ بِمَا بَعْدَهَا: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ [١٠١ ١٠ - ١١]. ُُ
74
وَقَدْ فَسَّرَ الْهَاوِيَةَ بِأَنَّهَا أَسْفَلُ دَرَكَاتِ النَّارِ. عِيَاذًا بِاللَّهِ.
وَقَدْ جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [١٠٤ ٤ - ٦].
وَالنَّبْذُ: الطَّرْحُ، مِمَّا يُرَجِّحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ إِمْكَانِ إِرَادَةِ الْمَعْنَيَيْنِ كَوْنُ أُمِّهِ هِيَ الْهَاوِيَةُ أَيِ النَّارُ، يَهْوِي فِيهَا عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ، وَذَلِكَ بِالنَّبْذِ فِي الْهَاوِيَةِ بَعِيدَةِ الْمَهْوَى، وَعَادَةُ الْجِسْمِ إِذَا أُلْقِيَ مِنْ شَاهِقٍ بَعِيدًا يُسْبِقُهُ إِلَى أَسْفَلَ أَثْقَلُهُ، وَأَثْقَلُ جِسْمِ الْإِنْسَانِ رَأْسُهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
75
سورة القارعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القارعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (قُرَيش)، وقد افتُتحت بذكرِ اسم من أسماء القيامة؛ وهو (القارعة)، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولِها، وهولِ ما يسبقها من أحداث، وقد ذكرت السورةُ الكريمة مظاهرَ هذه الأهوال، وخُتمت بجزاء الناس على أعمالهم: بالإحسان إحسانًا وجِنانًا، وبالكفر عذابًا ونيرانًا.

ترتيبها المصحفي
101
نوعها
مكية
ألفاظها
36
ترتيب نزولها
30
العد المدني الأول
10
العد المدني الأخير
10
العد البصري
8
العد الكوفي
11
العد الشامي
8

* سورة (القارعة):

سُمِّيت سورة (القارعة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(القارعة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولها.

1. أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. وزنُ الأعمال صالحِها وفاسدِها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /309).

إثباتُ البعث وما يصاحِبُ يومَ القيامة من أهوال، وجزاءُ الناس على أعمالهم؛ فالصالحون من أهل الجِنان، والطَّالحون من أهل النيران.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /506).