تفسير سورة القارعة

الدر المصون

تفسير سورة سورة القارعة من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون.
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿القارعة مَا القارعة﴾ كقولِه تعالى: ﴿الحاقة مَا الحآقة﴾ [الحاقة: ١٢] وكقولِه: ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين﴾ [الواقعة: ٢٧] وقد تقدَّما وقد عَرَفْتَ مِمَّا نقله مكي أنه يجوزُ رَفْعُ «القارعة» بفعلٍ مضمرٍ ناصبٍ ل «يومَ» وقيل: معنى الكلامِ على التحذير. قال الزجاج: «والعرب تُحَذِّر وتُغْري بالرفع كالنصبِ. وأنشد:
٤٦٣١ - لَجَديرون بالوفاءِ إذا ق لَ أخو النجدةِ السِّلاحُ السِّلاحُ
قلت: وقد تقدَّم ذلك في قوله: ﴿نَاقَةَ الله﴾ [الشمس: ١٣] فيمَنْ رفعَه. ويَدُلُّ
93
على ذلك قراءةُ عيسى ﴿القارعةَ ما القارعةَ﴾ بالنصب، وهو بإضمارِ فعلٍ، أي: احذروا القارعةَ و» ما «زائدةٌ. والقارعةُ الثانيةُ تأكيدٌ للأولى تأكيداً لفظياً.
94
قوله: ﴿يَوْمَ يَكُونُ﴾ : في ناصبِه أوجهٌ، أحدُها: مضمرٌ يَدُلُّ عليه «القارعةُ، أي: تَقْرَعُهم يومَ يكون. وقيل: تقديرُه: تأتي القارعةُ يومَ. الثاني: أنَّه» اذْكُرْ «مقدَّراً فهو مفعولٌ به لا ظرفٌ. الثالث: أنَّه» القارعة «قاله ابنُ عطية وأبو البقاء ومكي. قال الشيخ:» فإنْ كان يعني ابنُ عطيةَ عني اللفظَ الأولَ فلا يجوزُ للفَصْلِ بين العاملِ، وهو في صلةِ أل، والمعمولِ بأجنبيٍ وهو الخبرُ، وإن جَعَلَ القارعةَ عَلَماً للقيامة فلا يعملُ أيضاً، وإنْ عنى الثاني والثالثَ فلا يَلْتَئِمُ معنى الظرفيةِ معه «. الرابع: أنه فعلٌ مقدرٌ رافعٌ للقارعةِ الأولى، كأنه قيل: تأتي القارعةُ يومَ يكون، قال مكيٌّ. وعلى هذا فيكونُ ما بينهما اعتراضاً وهو بعيدٌ جداً منافرٌ لنَظْم الكلام. وقرأ زيد بن علي» يومُ «بالرفع خبراً لمبتدأ محذوفٍ، أي: وقتُها يومُ يكونُ.
قوله: ﴿كالفراش﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ خبراً للناقصةِ، وأَنْ يكونَ حالاً
94
مِنْ فاعلِ التامَّةِ، أي: يُوْجَدُون ويُحْشَرونَ شِبْهَ الفَراشَ، وهو طائرٌ معروفٌ وقيل: هو الهَمَجُ من البعوضِ والجَرادِ وغيرهما، وبه يُضْرَبُ المَثَلُ في الطَّيْشِ والهَوَجِ يقال:» أَطَيْشُ مِنْ فَراشة «وأُنْشد:
٤٦٣٢ - فَراشَةُ الحُلْمِ فِرْعَوْنُ العذابِ وإنْ يُطْلَبُ نَداه فكَلْبٌ دونَه كَلْبُ
وقال آخر:
٤٦٣٣ - وقد كانَ أقوامٌ رَدَدْتُ قلوبَهُمْ عليهم وكانوا كالفَراشِ من الجهلِ
والفَراشةُ: الماءُ القليل في الإِناءِ، وفَراشة القُفْلِ لشَبَهها بالفَراشة. وفي تشبيه الناسِ بالفَراشِ مبالغاتٌ شتى منها: الطيشُ الذي يلْحَقُهم، وانتشارُهم في الأرض، ورُكوبُ بعضِهم بعضاً، والكثرةُ والضَّعْفُ والذِّلَّةُ والمجيءُ مِنْ غيرِ ذَهابٍ. والقَصْدُ إلى الداعي من كل جهةٍ، والتطايرُ إلى النار. قال جرير:
95
والعِهْنُ تقدَّم في سأل.
96
والعِهْنُ تقدَّم في سأل.
قوله: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ : أي: هالكةٌ، وهذا مَثَلٌ. يقولون لمَنْ هَلَكَ: «هَوَتْ أمُّه» لأنه إذا هَلَكَ سَقَطَتْ أمُّه ثُكْلاً وحُزْناً. وعليه قولُ الشاعر:
٤٦٣٤ - إنَّ الفرزدقَ ما عَلِمْتَ وقومَه مثلُ الفَراشِ غَشِيْنَ نارَ المُصْطَلي
٤٦٣ - ٥- هَوَتْ أمُّه ما يَبْعَثُ الصبحُ غادياً وماذا يَرُدُّ الليلُ حين يَؤُوْبُ
وقرأ طلحة «فإمُّه» بكسرِ الهمزة. نَقَل ابنُ خالَوَيْه عن ابنِ دريد أنها لغةٌ. والنحويون لا يُجيزون ذلك إلاَّ إذا تقدَّمها كسرةٌ أو ياءٌ. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في سورةِ النساء، واختلافُ القُرَّاء فيه.
قوله: ﴿مَا هِيَهْ﴾ : مبتدأ وخبرٌ سادَّان مَسَدَّ المفعولَيْن ل «أَدْراك» وهو من التعليقِ و «هي» ضميرُ الهاويةِ، إنْ كانت الهاويةَُ كما قيل اسماً ل دَرَكَةٍ مِنْ دَرَكاتِ النار، وإلاَّ عادَتْ على الداهية المفهومةِ من الهاويةِ. وأسقط هاءَ السكتِ حمزةُ وَصْلاً. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا في الحاقة. و «نارٌ» خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هي نارٌ.
سورة القارعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القارعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (قُرَيش)، وقد افتُتحت بذكرِ اسم من أسماء القيامة؛ وهو (القارعة)، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولِها، وهولِ ما يسبقها من أحداث، وقد ذكرت السورةُ الكريمة مظاهرَ هذه الأهوال، وخُتمت بجزاء الناس على أعمالهم: بالإحسان إحسانًا وجِنانًا، وبالكفر عذابًا ونيرانًا.

ترتيبها المصحفي
101
نوعها
مكية
ألفاظها
36
ترتيب نزولها
30
العد المدني الأول
10
العد المدني الأخير
10
العد البصري
8
العد الكوفي
11
العد الشامي
8

* سورة (القارعة):

سُمِّيت سورة (القارعة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(القارعة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولها.

1. أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. وزنُ الأعمال صالحِها وفاسدِها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /309).

إثباتُ البعث وما يصاحِبُ يومَ القيامة من أهوال، وجزاءُ الناس على أعمالهم؛ فالصالحون من أهل الجِنان، والطَّالحون من أهل النيران.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /506).