تفسير سورة البلد

تفسير النسفي

تفسير سورة سورة البلد من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي.
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم سورة البلد مكية وهى عشرون آية

لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (١)
﴿لآ أُقْسِمُ بهذا البلد﴾ أقسم سبحانه بالبلد الحرام وبما بعده على أن الانسان خلف مغمورا فى مكابدة المشاق واعتراض بين القسم والمقسم عليه بقوله
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (٢)
﴿وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد﴾ أي ومن المكابدة أن مثلك على عظم حرمتك يستحل بهذا البلد يعني مكة كما يستحل الصيد في غير الحرم عن شر حبيل يحرمون أن يقتلوا بها صيدا أو يستحلون أخراجك وقتلك فيه تثبيت لرسول الله ﷺ وبعث على احتمال ما كان يكابد من أهل مكة وتعجيب من حالهم في عداوته أوسلى رسول الله بالقسم ببلده على أن الإنسان لا يخلو من مقاساة الشدائد واعتراض بأن وعده فتح مكة تتيما للتسلية والتنفيس عنه فقال وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد أي وأنت حل به في المستقبل تصنع فيه ما تريده من القتل والأسر وذلك أن الله تعالى فتح عليه مكة وأحلها له وما نحت على أحد قبله ولا أحلت له فأحل ما شاء وحرم ما شاء قتل ابن خطل
وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن صبابة وغيرهما وحرم دار
643
أبي سفيان ونظير قوله وَأَنتَ حِلٌّ في الاستقبال قوله إِنَّكَ مَيّتٌ وأنهم ميتون وكفاك دليلاً على أنه للاستقبال أن السورة مكية بالاتفاق وأين الهجرة من وقت نزولها فما بال الفتح
644
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (٣)
﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾ هما آدم وولده أو كل والد وولده أو إبراهيم وولده وما بمعنى من أو بمعنى الذي
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (٤)
﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان﴾ جواب القسم ﴿فِى كَبَدٍ﴾ مشقة يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة وعن ذي النون لم يزل مربوطاً بحبل القضاء مدعواً إلى الائتمار والانتهاء
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)
والضمير في ﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أحد﴾ لبعض صناديد قريش الذى كان رسول الله يكابد منهم ما يكابد ثم قيل هو أبو الاشدو قيل الوليدين المغيرة والمعنى أيظن هذا الصنديد القوي في قومه المتضعف للمؤمنين أن لن تقوم قيامه ولن يقدر على الانتقام منه ثم ذكر ما يقوله في ذلك اليوم وأنه
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦)
﴿يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً﴾ أي كثيراً جمع لبدة وهو ما تلبد أى كثروا جتمع يريد كثرة ما أنفقه فيما كان أهل الجاهلية يسمونها مكارم ومعالي
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)
﴿أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ﴾ حين كان ينفق ما ينفق رياه وافتخاراً يعني أن الله تعالى كان يراه وكان عليه رقيباً ثم ذكر نعمه عليه فقال
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨)
﴿أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ﴾ يبصر بهما المرئيات
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (٩)
﴿ولسانا﴾ يعبر به عما في ضميره ﴿وَشَفَتَيْنِ﴾ يستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)
﴿وهديناه النجدين﴾ طريقي الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار وقيل الثديين
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ
ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)
﴿فَلاَ اقتحم العقبة وَمَا أَدْرَاكَ مَا العقبة فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا متربة ثم كان من الذين آمنوا﴾ يعني فلم يشكر تلك الآيادي والنعم بالأعمال الصالحة من فك الرقاب أو إطعام اليتامى والمساكين ثم بالإيمان الذي هو أصل كل طاعة وأساس كل خيريل غمط النعم وكفر بالمنعم والمعنى أن الإنفاق على هذا الوجه مرضي نافع عند الله لا أن يهلك ما له لبداً في الرياء والفخار وقلما تستعمل لا مع الماضى إلا مكررة وإنما لم تركر في الكلام الأفصح لأنه لما فسر اقتحام العقبة بثلاثة أشياء صار كأنه أعادلا ثلاث مرات وتقديره فلافك رقبة ولا أطعم مسكيناً ولا آمن والاقتحام الدخول والمجاوزة بشدة ومشقة والقُحمة الشدة فجعل الصالحة عقبة وعملها اقتحامالها لما في ذلك من معاناة المشقة ومجاهدة النفس وعن الحسن عقبة والله شديدة مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان والمراد بقوله مَا العقبة ما انتحامها ومعناه أنك لم تدركنه صعوبتها على النفس وكنه ثوابها عند الله وفك الرقبة تخليصها من
الرق والإعانة في مال الكتابة فَكَّ رَقَبَةً أو اطعم مكى وأبو عمرو وعلى الإبدال من اقتحم العقبة وقوله وَمَا أَدْرَاكَ ما العقبة اعتراض غيرهم فى فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ على اقتحامها فك رقبة اواطعام والمسغبة المجاعة والقربة القرابة والمتربة الفقر مفعلات من سغب إذا جاع وقرب في النسب يقال فلان ذو قرابتي وذو مقربتي وترب إذا افتقر ومعناه التصق بالتراب فيكون مأواه المزابل ووصف اليوم بذي مسغبة كقولهم همٌّ ناصب أي ذو نصب ومعنى ثم كان من الذين آمنوا أي دوام على الإيمان وقيل ثم بمعنى الواو وقيل إنما جاءبثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة عن العتق والصدفة لا فى الوقت إذا الإيمان هو السابق على غيره ولا يثبت عمل صالح إلا به ﴿وَتَوَاصَوْاْ بالصبر﴾ عن المعاصي وعلى الطاعات والمحن التي يبتلى بها المؤمن ﴿وَتَوَاصَوْاْ بالمرحمة﴾ بالتراحم فيما بينهم
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨)
﴿أولئك أصحاب الميمنة﴾ أى الموصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩)
﴿والذين كفروا بآياتنا﴾ بالقرآن أو بدلائلنا ﴿هم أصحاب المشأمة﴾ أصحاب الشمال والميمنة والمشأمة اليمين والشمال أو اليمن والشؤم أي الميامين على أنفسهم والمشائيم عليهن
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
﴿عليهم نار مؤصدة﴾ وبالهمزة أبو عمرو وحمزة وحفص أي مطبقة من أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وأغلقته والله أعلم
646
سورة الشمس مكية وهى خمس وعشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

647
سورة البلد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَلَد) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بالقَسَم بـ(البَلَد الحرام)، وهو (مكَّة المكرَّمة)، موطنُ نشأة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفعًا لشأنه، واشتملت السورةُ الكريمة على تثبيتِ المسلمين، وسُنَّةِ الله في هذه الحياة؛ من المكابدة والمشقَّة وعدم الراحة، وبيَّنتْ طريقَيِ الخير والشر؛ داعيةً إلى توحيد الله، واتباع طريق الخير.

ترتيبها المصحفي
90
نوعها
مكية
ألفاظها
82
ترتيب نزولها
35
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
20
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* سورة (البَلَد):

سُمِّيت سورة (البَلَد) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(البَلَد الحرام)؛ قال تعالى: {لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا اْلْبَلَدِ} [البلد: 1].

1. خلقُ الإنسان في كَبَدٍ (١-٤).

2. تكليف الإنسان وضعفُه (٥-٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /135).

غرضُ السورة هو التنويه بـ(مكَّة المكرَّمة)، وبمُقام النبي صلى الله عليه وسلم فيها، والتذكيرُ بأسلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، وذمُّ الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /346).