تفسير سورة القارعة

صفوة التفاسير

تفسير سورة سورة القارعة من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

اللغَة: ﴿القارعة﴾ اسم من أسماء القيامة، سميت بها لأنها تقرع الخلائق بأهوالها وأفزاعها، وأصلُ القرع الضرب بشدة وقوة، تقول العرب: قرعتهم القارعة وفقَرتهم الفاقرة، إِذا وقع بهم أمر فضيع ﴿المبثوث﴾ المنتشر المتفرق ﴿العهن﴾ الصوف ذو الألوان أو المصبوغ ﴿الهَاوِيَةٌ﴾ اسم لجهنم سميت بذلك لأنَّ الناس يهْوون بها أي يسقطون.
التفسِير: ﴿القارعة مَا القارعة﴾ أي القيامة وأيُّ شيء هي القيامة؟ إِنها في الفظاعة والفخامة بحيث لا يدركها خيال، ولا يبلغها وهمُ انسان فهي أعظم من أن توصف أو تصوَّر، ثم زاد في التفخيم والتهويل لشأنها فقال ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ ؟ أي أيُّ شيء أعلمك ما شأن القارعة في هولها على النفوس؟ إِنها تُفزع القلوب فحسب، بل تؤثّر في الاجرام العظيمة، فتؤثر في السموات بالإِنشقاق، وفي الأرض بالزلزلة، وفي الجبال بالدكّ والنسف، وفي الكواكب بالانتثار، وفي الشمس والقمر بالتكوير والانكدار إِلى غير ما هنالك قال أبو السعود: سميت القيامة قارعة لأنها تقرع القلوب والأسماع بفنون الأهوال والأفزاع، ووضع الظاهر موضع الضمير ﴿مَا القارعة﴾ تأكيداً للتهويل، والمعنى أيُّ شيء عجيب هي في الفخامة والفظاعة، ثم أكد هولها وفظاعتها بقوله ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ ؟ ببيان خروجها عن دائرة علوم الخلق، بحيث لا تكاد تنالها دراية أحد.. وبعد هذا التخويف والتشويق إِلى معرفة شيءٍ من أحوالها، جاء التوضيح والبيان بقوله تعالى ﴿يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث﴾ أي ذلك يحدث عندما يخرج الناسُ من قبورهم فزعين، كأنهم فراش متفرق منتشر هنا وهناك، يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع والحيرة قال الرازي: شبه تعالى الخلق وقت البعث ههنا بالفراش المبثوث، وفي آية أُخرى بالجراد المنتشر، أما وجه التشبيه بالفراش، فلأن
568
الفراش إِذا ثار لهم يتجه إِلى جهةٍ واحدة، بل كل واحدة منها تذهب إِلى غير جهة الأُخرى، فدلَّ على أنهم إِذا بُعثوا فزعوا، وأما وجه التشبيه بالجراج فهو في الكثرة، يصبحونن كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً، فكذلك الناس إِذا بُعثوا يموج بعضُهم في بعض كالجراد والفراش كقوله تعالى ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ﴾ [الكهف: ٩٩] ﴿وَتَكُونُ الجبال كالعهن المنفوش﴾ هذا هو الوصف الثاني من صفات ذلك اليوم المهول أي وتصير الجبال كالصوف المنتثر المتطاير، تتفرق أجزاؤها وتتطاير في الجو، حتى تكون كالصوف المتطاير عند الندف قال الصاوي: وإِنما جمع بين حال الناس وحال الجبال، تنبيهاً على أن تلك القارعة أثَّرت في الجبال العظيمة الصلبة، حتى تصير كالصوف المندوف مع كونها غير مكلفة، فكيف حال الإِنسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب!! ثم ذكر تعالى حالة الناس في ذلك اليوم، وانقسامهم إِلى شقي وسعيد فقال ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ أي رجحت موازين حسناته، وزادت حسناتُه على سيئاته ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ أي فهو في عيشة هنيءٍ رغيد سعيد، في جنان الخلد والنعيم ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾ أي نقصت حسناته عن سيئاته، أول يكن له حسناتٌ يُعتدُّ بها ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ أي فمسكنه ومصيره نار جهنم يهوي في قعرها، سَّماها أُماّ لأ، الأم مأوى الولد ومفرزعة، فنار جهنم تؤوي هؤلاء المجرمين، كما يأوي الأولاد إِلى أمهم، وتضمهم إِليها كما تضم الأم الأولاد إِليها قال أبو السعود: ﴿هَاوِيَةٌ﴾ اسم من أسماء النار، سميت بها لغاية عمقها وبعد مهواها، روي أن أهل النار يهوون فيها سبعين خريفاً ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ ؟ استفهام للتفخيم والتهويل أي وما أعلمك ما الهاوية؟ ثم فسَّرها بقوله ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ أي هي نار شديدة الحرارة، قد خرجت عن الحد المعهود، فإِن حرارة أي نارٍ إِذا سُعرت وأُلقي فيها أعظم الوقود لا تعادل حرارة جهنم، أجارنا الله منها بفضله وكرمه.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البديع والبيان نوجزه فيما يلي:
١ - الاستفهام للتفخيم والتهويل ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا القارعة﴾ ؟ ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ ؟
٢ - وضع الظاهر مكان الضمير للتخويف والتهويل ﴿القارعة مَا القارع﴾ ؟ والأصل أن يقال: القارعة ما هي؟
٣ - التشبيه المرسل المجمل ﴿يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث﴾ ذكرت أداة التشبيه وحذف وجه الشبه أي في الكثرة والانتشار، والضعف والذلة، ومثله ﴿كالعهن المنفوش﴾ أي في تطايرها وخفة سيرها فيسمى مرسلاً مجملاً.
٤ - المقابلة ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ ثم قابلها بقوله ﴿وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ وهو من المحسنات البديعية.
٥ - المجاز العقلي ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ أي راضٍ بها صاحبها ففيه اسناد مجازي.
569
٦ - الاحتباك وهو أن يحذف من موازينه ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ حذف من الأول (فأمه الجنة) وذكر فيها ﴿عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ وحذف من الآية الثانية (فهو في عيشة ساخطة) وذكر ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾ فحذف من كلٍ نظير ما أثبته في الآخر، وهو من المحسنات البديعية.
٧ - توافق الفواصل في الحرف الأخير، وهو واضح في السورة الكريمة.
تنبيه: الجمهور على أن الميزان حقيقي له كفتان ولسان، توزن فيه الصحف المكتوب فيها الحسنات والسيئات، وروي عن ابن عباس أنه يؤتى بالأعمال الصالحة على صور حسنة، وبالأعمال السيئة على صور قبيحة، فتوضح في الميزان، فمن رجحت حسناته سعد، ومن رجحت سيئاته شقي، والله أعلم.
570
سورة القارعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القارعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (قُرَيش)، وقد افتُتحت بذكرِ اسم من أسماء القيامة؛ وهو (القارعة)، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولِها، وهولِ ما يسبقها من أحداث، وقد ذكرت السورةُ الكريمة مظاهرَ هذه الأهوال، وخُتمت بجزاء الناس على أعمالهم: بالإحسان إحسانًا وجِنانًا، وبالكفر عذابًا ونيرانًا.

ترتيبها المصحفي
101
نوعها
مكية
ألفاظها
36
ترتيب نزولها
30
العد المدني الأول
10
العد المدني الأخير
10
العد البصري
8
العد الكوفي
11
العد الشامي
8

* سورة (القارعة):

سُمِّيت سورة (القارعة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(القارعة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولها.

1. أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. وزنُ الأعمال صالحِها وفاسدِها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /309).

إثباتُ البعث وما يصاحِبُ يومَ القيامة من أهوال، وجزاءُ الناس على أعمالهم؛ فالصالحون من أهل الجِنان، والطَّالحون من أهل النيران.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /506).