تفسير سورة البلد

معاني القرآن

تفسير سورة سورة البلد من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله عز وجل :﴿ وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ﴾.
يقول : هو حلال لك أحله يوم فتح مكة لم يحل قبله، ولن يحل بعده.
وقوله عز وجل :﴿ وَوَالِدٍ وَما وَلَدَ ﴾.
أقسم بآدم وولده، وصلحت ( ما ) للناس، ومثله :﴿ وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى ﴾ وهو الخالق الذكر والأُنثى ومثله ﴿ فَانكِحُوا ما طابَ لَكُم مِن النِّسَاء ﴾، ولم يقل : من طاب. وكذلك :﴿ ولا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِن النِّساء ﴾ كل هذا جائز في العربية. وقد تكون :( ما ) وما بعدها في معنى مصدر، كقوله :﴿ والسَّماء وَما بَناها ﴾، ﴿ وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ﴾، كأنه قال : والسماء وبنائها ونفس وتسويتها. ووالد وولادته، وخلقه الذكر والأنثى، فأينما وجّهته فصواب.
وقوله عز وجل :﴿ لَقَدْ خَلَقْنا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾.
يقول : منتصبا معتدلا، ويقال : خلق في كبد، إنه خلق يعالج ويكابد أمر الدنيا وأمر الآخرة، [ ١٣٨/ا ] ونزلت في رجل من بني جمح كان يكنى : أبا الأشدين، وكان يجعل تحت قدميه الأديم العكاظي، ثم يأمر العشرة فيجتذبونه من تحت قدميه فيتمزق الأديم. ولم تزل قدماه.
فقال الله تبارك وتعالى :﴿ أَيَحْسَبُ ﴾ لشدته ﴿ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ﴾ والله قادر عليه.
وقوله عز وجل :﴿ أَهْلَكْتُ مالاً لُّبَداً ﴾.
اللبد : الكثير. قال بعضهم واحدته : لُبدة، ولُبَد جماع. وجعله بعضهم على جهة : قُثَم، وحُطَم واحدا، وهو في الوجهين جميعا الكثير. وقرأ أبو جعفر المدني. «مالاً لُبَّدا » مشددة مثل رُكّع، فكأنه أراد : مال لابِدٌ، ومالان لابدان، وأموالٌ لبَّد. والأموال والمال قد يكونان معنى واحد.
ثم قال : يقول : أنفقت مالاً كثيراً في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم وهو كاذب، فقال الله تبارك وتعالى :﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ في إنفاقه.
وقوله عز وجل :﴿ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَينِ ﴾.
النجدان : سبيل الخير، وسبيل الشر.
قال :[ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد ] حدثنا الفراء قال :[ حدثني الكسائي قال : حدثني قيس ] وحدثني قيس عن زياد بن علاقة عن أبي عمارة عن على رحمه الله في قوله جل وعز :﴿ وَهَدَيْناهُ النَّجْدَينِ ﴾ قال : الخير والشر.
وقوله عز وجل :﴿ فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ﴾.
ولم يُضَم إلى قوله :[ فلا اقتحم ] كلام آخر فيه ( لا ) ؛ لأن العرب لا تكاد تفرد ( لا ) في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر، كما قال عز وجل :﴿ فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى ﴾ و﴿ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، وهو مما كان في آخره معناه، فاكتفى بواحدة من أخرى.
ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بشيئين، فقال :﴿ فَكّ رَقبةً، أو أطعم في يومٍ ذي مسغبة ﴾، ثم كان [ من الذين آمنوا ] ففسرها بثلاثة أشياء، فكأنه كان في أول الكلام، فلا فعل ذا ولاذا ولاذا.
وقد قرأ العوام :﴿ فَكُّ رَقَبةٍ أو إِطعامٌ ﴾، وقرأ الحسن البصري :«فَكَّ رقبةً» وكذلك على بن أبي طالب [ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء قال : وحدثني محمد بن الفضل المروزي عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأها :«فَكَّ رقبةً أو أطعمَ» وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية ؛ لأن الإطعام : اسم، وينبغي أن يرد على الاسم اسم مثله، فلو قيل : ثم إن كان أشكلُ للإِطعام، والفك، فاخترنا : فَكَّ رقبةً لقوله :«ثم كان»، والوجه الآخر جائز تضمر فيه ( أَنْ )، وتلقى [ ١٣٨/ب ] فيكون مثل قول الشاعر :
ألا أيهاذا الزَّاجِري أحْضُرَ الْوغى وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدِي
ألأي ترى أن ظهور ( أن ) في آخر الكلام يدل : على أنها معطوفة على أخرى مثلها في أول الكلام وقد حذفها.
ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة بشيئين، فقال :﴿ فَكّ رَقبةً، أو أطعم في يومٍ ذي مسغبة ﴾، ثم كان [ من الذين آمنوا ] ففسرها بثلاثة أشياء، فكأنه كان في أول الكلام، فلا فعل ذا ولاذا ولاذا.
وقد قرأ العوام :﴿ فَكُّ رَقَبةٍ أو إِطعامٌ ﴾، وقرأ الحسن البصري :«فَكَّ رقبةً» وكذلك على بن أبي طالب [ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء قال : وحدثني محمد بن الفضل المروزي عن عطاء عن أبي عبد الرحمن عن علي أنه قرأها :«فَكَّ رقبةً أو أطعمَ» وهو أشبه الوجهين بصحيح العربية ؛ لأن الإطعام : اسم، وينبغي أن يرد على الاسم اسم مثله، فلو قيل : ثم إن كان أشكلُ للإِطعام، والفك، فاخترنا : فَكَّ رقبةً لقوله :«ثم كان»، والوجه الآخر جائز تضمر فيه ( أَنْ )، وتلقى [ ١٣٨/ب ] فيكون مثل قول الشاعر :
ألا أيهاذا الزَّاجِري أحْضُرَ الْوغى وأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هل أنتَ مُخْلِدِي
ألأي ترى أن ظهور ( أن ) في آخر الكلام يدل : على أنها معطوفة على أخرى مثلها في أول الكلام وقد حذفها.
وقوله عز وجل :﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ﴾.
ذي مجاعة، ولو كانت «ذا مسغبة » تجعلها من صفة اليتيم، كأنه قال : أو أطعم في يوم يتيما ذا مسغبة أو مسكينا [ حدثنا أبو العباس قال : حدثنا محمد ] قال : حدثنا الفراء قال : وحدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : أنه مرّ بمسكين لاصق بالتراب حاجةً، فقال : هذا الذي قال الله تبارك وتعالى :﴿ أَوْ مِسْكِينا ذا مَتْرَبَةٍ ﴾ ﴿ والموصَدة ﴾ : تهمز ولا تهمز، وهي : المطبقة.
سورة البلد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَلَد) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بالقَسَم بـ(البَلَد الحرام)، وهو (مكَّة المكرَّمة)، موطنُ نشأة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفعًا لشأنه، واشتملت السورةُ الكريمة على تثبيتِ المسلمين، وسُنَّةِ الله في هذه الحياة؛ من المكابدة والمشقَّة وعدم الراحة، وبيَّنتْ طريقَيِ الخير والشر؛ داعيةً إلى توحيد الله، واتباع طريق الخير.

ترتيبها المصحفي
90
نوعها
مكية
ألفاظها
82
ترتيب نزولها
35
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
20
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* سورة (البَلَد):

سُمِّيت سورة (البَلَد) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(البَلَد الحرام)؛ قال تعالى: {لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا اْلْبَلَدِ} [البلد: 1].

1. خلقُ الإنسان في كَبَدٍ (١-٤).

2. تكليف الإنسان وضعفُه (٥-٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /135).

غرضُ السورة هو التنويه بـ(مكَّة المكرَّمة)، وبمُقام النبي صلى الله عليه وسلم فيها، والتذكيرُ بأسلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، وذمُّ الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /346).