تفسير سورة البلد

جامع البيان في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة البلد من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ لا أقسم بهذا البلد ﴾ : مكة
﴿ وأنت حل ﴾ يعني : في المستقبل ﴿ بهذا البلد ﴾ : تقاتل فيه، وتصنع ما تريد من القتل، والأسر، فهذه جملة معترضة بوعده فتح مكة، وفي الحديث " إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض لم يحل لأحد قبلي ولا بعدي إنما أحلت لي ساعة من نهار، فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة١ "، قيل : معناه : أقسم بمكة حال حلولك فيها، فيكون تعظيما للمقسم به
١ أخرجه البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنه..
﴿ ووالد ﴾ : آدم ﴿ وما ولد ﴾ : ذريته، أو إبراهيم وذريته، أو كل والد، وكل مولود، وعن ابن عباس وعكرمة : الوالد العاقر، وما ولد الذي يلد وإيثار ما على من لإرادة الوصف كما في ﴿ والله أعلم بما وضعت ﴾ ( آل عمران : ٣٦ )
﴿ لقد خلقنا الإنسان في كبد ﴾ : تعب، يكابد مصائب الدنيا والآخرة١، فعلى هذا يكون تسليته عليه السلام عما يكابده من قريش، أو في استقامة واستواء٢، وعن مقاتل : في قوة، قيل : نزلت في كافر قوي قد ذكرناه في سورة المدثر
١ من أول خلقه إلى الجنة فنزول عنه المشقات، وإما إلى النار فيضاعف شدائده، ولكن لأجل مكابدته للشدائد يحسب أن له قوة ومنعة/١٢ منه..
٢ الكبد الاستواء، وهو قول ابن مسعود، وعكرمة، ومجاهد، والنخعي، والضحاك، وغيرهم، ويروي عن ابن عباس أيضا/١٢ منه..
﴿ أيحسب ﴾ الضمير لبعضهم ﴿ أن لن يقدر عليه أحد ﴾ : فينتقم منه، فإن الكفار لا يؤمنون بالقيامة والمجازاة، وعلى ما فسره مقاتل، فمعناه : لأنه مغرور بقوته، يظن أن لن يقدر عليه أحد،
﴿ يقول أهلكت مالا لبدا ﴾ : أنفقت مالا كثيرا، يفتخر بما أنفقه رياء وسمعة، أو معاداة للنبي عليه السلام
﴿ أيحسب أن لم يره أحد١ : يظن أن الله لم يره، ولا يسأله من أين كسبه وأين أنفقه
١ ثم عدد عليه نعمه قبل أن تكون له قوة، فقال:﴿ألم نجعل له﴾ الآية/١٢..
﴿ ألم نجعل له عينين ﴾ يبصر بهما
﴿ ولسانا١ ويعبر به عما في ضميره ﴿ وشفتين ﴾ يستعين بهما على النطق والأكل، وغيرهما ويكون جمالا
١ ولم يتعرض للسمع، لأنه لا يمكن الإفصاح عما في الضمير إلا بالسمع/١٢ وجيز..
﴿ وهديناه النجدين ﴾ : طريقي الخير والشر، والثديين، روى الحافظ ابن عساكر عن النبي عليه السلام :" يقول الله تعالى : يا ابن آدم إن مما أنعمت عليك أن جعلت لك عينين تنظر بهما، وجعلت لهما غطاء، فانظر بعينيك إلى ما أحللت لك، فإن رأيت ما حرمت عليك فأطبق عليهما غطاءهما، وجعلت لك لسانا وجعلت له غلافا، فانطق بما أحللت، فإن عرض لك ما حرمت عليك فأغلق عليك لسانك، وجعلت لك فرجا، وجعلت له سترا فأصب بفرجك ما أحللت لك، فإن عرض لك ما حرمت عليك، فأرخ عليك سترك يا ابن آدم إنك لا تحمل سخطي، ولا تطيق انتقامي " ١
١ ذكره ابن كثير في "تفسيره" (٤/٥١٢)..
﴿ فلا اقتحم العقبة ﴾ اقتحم : دخل وتجاوز بشدة، جعل الأعمال الصالحة عقبة، وعملها اقتحاما لها، لما فيه من مجاهدة النفس، أي : فلم يشكر تلك النعم بأعمال تلك الحسنات
﴿ وما أدراك ما العقبة ﴾ أي : لم تدر كنه صعوبتها، وثوابها
﴿ فك رقبة ﴾ تفسير للعقبة، أي : تخليصها من الرق، وفي الحديث " من أعتق١ رقبة مؤمنة فهي فكاكه من النار "
١ وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة- رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:"من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا من النار حتى الفرج بالفرج"/١٢ فتح..
﴿ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ﴾ أي : ذي مجاعة، الناس محتاجون إلى الطعام
﴿ يتيما ﴾ مفعول طعام، أو تقديره : أطعم يتيما ﴿ ذا مقربة ﴾ : ذا قرابة منه
﴿ أو مسكينا ذا متربة ﴾ : افتقار، هو من لا بيت له ولا شيء يقيه من التراب، أو ذو عيال، أو غريب فقير، وقراءة " فك " و " أطعم " على الفعل فبدل من اقتحم، ولما كان حاصل معنى " فلا اقتحم١ العقبة " فلا فك٢ رقبة، ولا أطعم يتيما أو مسكينا، وقع لا موقعه فإنها قلما تدخل على الماضي إلا مكررة
١ قحم في الأمر: رمي نفس فيه من غير روية/١٢..
٢ لأن فك الرقبة أو إطعام وفي تفسير للعقبة فمن لم يدخل العقبة التي هي هذا أو هذا فلا فك رقبة ولا أطعم يتيما/١٢ منه..
﴿ ثم كان من الذين آمنوا ﴾ عطف على اقتحم، أي : ولا كان من١من المؤمنين، وثم لتباعد رتبة الإيمان عن العتق والإطعام ﴿ وتواصوا ﴾ أي : بعضهم بعضا ﴿ بالصبر ﴾ على طاعة الله ﴿ وتواصوا بالمرحمة ﴾ : بالرحمة على العباد
١ إشارة إلى أن "لا" قلما تدخل على الماضي إلا مكررة نحو:﴿فلا صدق ولا صلى﴾(القيامة: ٣١) والتكرار هنا بحسب المعنى، كأنه قال: فلا اقتحم العقبة، ولا كان من الذين آمنوا فقوله:" ثم كان" قم مقام التكرير، وجاء بثم لتباعد رتبة الإيمان عن العتق والإطعام/١٢ وجيز..
﴿ أولئك ﴾ إشارة إلى الذين آمنوا في قوله :﴿ من الذين آمنوا ﴾ أو إلى ضد من ذمة فإنه في حكم المذكور ﴿ أصحاب الميمنة ﴾ : اليمين، أو اليمن
﴿ والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة ﴾ : الشمال، أو الشؤم
﴿ عليهم نار مؤصدة ﴾ : مطبقة لا يدخل فيها روح، ولا يخرجون منها آخر الأبد.
سورة البلد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَلَد) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بالقَسَم بـ(البَلَد الحرام)، وهو (مكَّة المكرَّمة)، موطنُ نشأة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفعًا لشأنه، واشتملت السورةُ الكريمة على تثبيتِ المسلمين، وسُنَّةِ الله في هذه الحياة؛ من المكابدة والمشقَّة وعدم الراحة، وبيَّنتْ طريقَيِ الخير والشر؛ داعيةً إلى توحيد الله، واتباع طريق الخير.

ترتيبها المصحفي
90
نوعها
مكية
ألفاظها
82
ترتيب نزولها
35
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
20
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* سورة (البَلَد):

سُمِّيت سورة (البَلَد) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(البَلَد الحرام)؛ قال تعالى: {لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا اْلْبَلَدِ} [البلد: 1].

1. خلقُ الإنسان في كَبَدٍ (١-٤).

2. تكليف الإنسان وضعفُه (٥-٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /135).

غرضُ السورة هو التنويه بـ(مكَّة المكرَّمة)، وبمُقام النبي صلى الله عليه وسلم فيها، والتذكيرُ بأسلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، وذمُّ الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /346).