تفسير سورة البلد

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة البلد من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة البلد
هذه السورة مكية في قول الجمهور، وقيل : مدنية. ولما ذكر تعالى ابتلاءه للإنسان بحالة التنعيم وحالة التقدير، وذكر من صفاته الذميمة ما ذكر، وما آل إليه حاله وحال المؤمن، أتبعه بنوع من ابتلائه ومن حاله السيئ وما آل إليه في الآخرة.

سورة البلد
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ الى ٢٠]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَداً (٦) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩)
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢) فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤)
يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧) أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩)
عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)
الْكَبَدُ: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَأَصْلُهُ مِنْ كَبِدَ الرَّجُلُ كَبَدًا فَهُوَ أَكْبَدُ، إِذَا وَجِعَهُ كَبِدُهُ وَانْتَفَخَتْ، فَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ، وَمِنْهُ الْمُكَابَدَةُ. وَقَالَ لَبِيدٌ:
يَا عَيْنُ هَلَّا بكيت أربداد قُمْنَا وَقَامَ الْخُصُومُ فِي كَبَدِ
وَقَالَ أَبُو الْأُصْبُعِ:
لو ابْنُ عَمٍّ لَوْ أَنَّ النَّاسَ فِي كَبَدٍ لَظَلَّ محتجرا بِالنَّبْلِ يَرْمِينِي
الشَّفَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَأَصْلُهَا شَفَهَةٌ، حُذِفَتْ مِنْهَا الْهَاءُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ شُفَيْهَةٌ وَشِفَاهٌ وَشَافَهْتُ، وَهِيَ مِمَّا لَا يَجُوزُ جَمْعُهُ بِالْأَلِفِ وَالتَّاءِ، وَإِنْ كَانَ تَاءَ التَّأْنِيثِ. النَّجْدُ: الْعُنُقُ
478
وَجَمْعُهُ نُجُودٌ، وَبِهِ سُمِّيَتْ نَجْدٌ لِارْتِفَاعِهَا عَنِ انْخِفَاضِ تِهَامَةَ، وَالنَّجْدُ: الطَّرِيقُ الْعَالِي.
قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَرِيقَانِ منهم جازع بطن نحله وآخر منهم قاطع كبكير
الْفَكُّ: تَخْلِيصُ الشَّيْءَ مِنَ الشَّيْءِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
فَيَا رُبَّ مَكْرُوبٍ كَرَرْتُ وَرَاءَهُ وَعَانٍ فَكَكْتُ الْغُلَّ عَنْهُ فَقَدَّانِي
السَّغَبُ: الْجُوعُ الْعَامُّ، وَقَدْ يُقَالُ سَغِبَ الرَّجُلُ إِذَا جَاعَ. تَرِبَ الرَّجُلُ، إِذَا افْتَقَرَ وَلَصِقَ بِالتُّرَابِ، وَأَتَرَبَ، إِذَا اسْتَغْنَى وَصَارَ ذَا مَالٍ كَالتُّرَابِ، وَكَذَلِكَ أَثْرَى. أَوْصَدْتُ الْبَابَ وَآصَدْتُهُ، إِذَا أَغْلَقْتَهُ وَأَطْبَقْتَهُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
تَحِنُّ إِلَى أَجْبَالِ مَكَّةَ نَاقَتِي وَمِنْ دُونِهَا أَبْوَابُ صَنْعَاءَ مُؤْصَدَهْ
لَا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ، وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ، وَوالِدٍ وَما وَلَدَ، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ، أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَداً، أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ، فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ، ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ، أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ، عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ.
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ، وَقِيلَ: مَدَنِيَّةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى ابْتِلَاءَهُ لِلْإِنْسَانِ بِحَالَةِ التَّنْعِيمِ وَحَالَةِ التَّقْدِيرِ، وَذَكَرَ مِنْ صِفَاتِهِ الذَّمِيمَةِ مَا ذَكَرَ، وَمَا آلَ إِلَيْهِ حَالُهُ وَحَالُ الْمُؤْمِنِ، أَتْبَعَهُ بِنَوْعٍ مِنِ ابْتِلَائِهِ وَمِنْ حَالِهِ السيّء وَمَا آلَ إِلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ. وَالْإِشَارَةُ لِهَذَا الْبَلَدِ إِلَى مَكَّةَ.
وَأَنْتَ حِلٌّ: جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تُفِيدُ تَعْظِيمَ الْمُقْسَمِ بِهِ، أَيْ فَأَنْتَ مُقِيمٌ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ: مَعْنَاهُ: وَأَنْتَ حَلَالٌ بِهَذَا الْبَلَدِ، يَحِلُّ لَكَ فِيهِ قَتْلُ مَنْ شِئْتَ، وَكَانَ هَذَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا يَتَرَكَّبُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا نَافِيَةٌ، أَيْ إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ لَا يُقْسِمُ اللَّهُ بِهِ، وَقَدْ جَاءَ أَهْلُهُ بِأَعْمَالٍ تُوجِبُ الْإِحْلَالَ، إِحْلَالَ حُرْمَتِهِ.
وَقَالَ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ: يَعْنِي وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ، جَعَلُوكَ حَلَالًا مُسْتَحَلَّ الْأَذَى وَالْقَتْلِ وَالْإِخْرَاجِ، وَهَذَا الْقَوْلُ بَدَأَ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَقَالَ: وَفِيهِ بَعْثٌ عَلَى احْتِمَالِ مَا كَانَ يُكَابِدُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَتَعَجُّبٌ مِنْ حَالِهِمْ فِي عَدَاوَتِهِ، أَوْ سَلَّى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَسَمِ بِبَلَدِهِ
479
عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يحلو مِنْ مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ، وَاعْتَرَضَ بِأَنْ وَعَدَهُ فَتْحَ مَكَّةَ تَتْمِيمًا لِلتَّسْلِيَةِ وَالتَّنْفِيسِ عَنْهُ، فَقَالَ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ تَصْنَعُ فِيهِ مَا تُرِيدُهُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْأَسْرِ.
ثُمَّ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: فَإِنْ قُلْتَ: أَيْنَ نَظِيرُ قَوْلِهِ: وَأَنْتَ حِلٌّ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ «١»، وَاسْعٌ فِي كَلَامِ الْعِبَادِ، تَقُولُ لِمَنْ تَعِدُهُ الْإِكْرَامَ وَالْحِبَا: وَأَنْتَ مُكْرَمٌ مَحْبُوٌّ، وَهُوَ فِي كَلَامِ اللَّهِ أَوْسَعُ، لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْمُسْتَقْبَلَةَ عِنْدَهُ كَالْحَاضِرَةِ الْمُشَاهَدَةِ، وَكَفَاكَ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِالْحَالِ مُحَالٌ. إِنَّ السُّورَةَ بِالِاتِّفَاقِ مَكِّيَّةٌ، وَأَيْنَ الْهِجْرَةُ مِنْ وَقْتِ نُزُولِهَا؟ فَمَا بَالُ الْفَتْحِ؟ انْتَهَى. وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ اعْتِرَاضِيَّةٌ لَا يَتَعَيَّنُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوَّلًا أَنَّهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَبَيَّنَّا حُسْنَ مَوْقِعِهَا، وَهِيَ حَالٌ مُقَارِنَةٌ، لَا مُقَدَّرَةٌ وَلَا مَحْكِيَّةٌ فَلَيْسَتْ مِنِ الْإِخْبَارِ بِالْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا سُؤَالُهُ وَالْجَوَابُ، فَهَذَا لَا يَسْأَلُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَعَلُّقٍ بِالنَّحْوِ، لِأَنَّ الْأَخْبَارَ قَدْ تَكُونُ بِالْمُسْتَقْبَلَاتِ، وَإِنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ حَالَةَ إِسْنَادِهِ أَوِ الْوَصْفِ بِهِ لَا يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالِ، بَلْ يَكُونُ لِلْمَاضِي تَارَةً، وَلِلْحَالِ أُخْرَى، وَلِلْمُسْتَقْبَلِ أُخْرَى وَهَذَا مِنْ مَبَادِئِ عِلْمِ النَّحْوِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَكَفَاكَ دَلِيلًا قَاطِعًا إِلَخْ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّا لَمْ نَحْمِلْ وَأَنْتَ حِلٌّ عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَكَ مَا تَصْنَعُ فِي مَكَّةَ مِنَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ فِي وَقْتِ نُزُولِهَا بِمَكَّةَ فَتَنَافَيَا، بَلْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ مُقِيمٌ بِهَا خَاصَّةً، وَهُوَ وَقْتُ النُّزُولِ كَانَ مُقِيمًا بِهَا ضَرُورَةً. وَأَيْضًا فَمَا حَكَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِمَكَّةَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَقَدْ حُكِيَ الْخِلَافُ فِيهَا عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ، وَلَا يَدُلُّ قَوْلُهُ: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى يَسْتَحِلُّ إِذْ ذَاكَ، وَلَا عَلَى أَنَّكَ تَسْتَحِلُّ فِيهِ أَشْيَاءَ، بَلِ الظَّاهِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِهَا لِمَا جَمَعَتْ مِنَ الشَّرَفَيْنِ، شَرَفِهَا بِإِضَافَتِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَشَرَفِهَا بِحُضُورِ رسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقَامَتِهِ فِيهَا، فَصَارَتْ أَهْلًا لِأَنْ يُقْسَمَ بِهَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَوالِدٍ وَما وَلَدَ، لَا يُرَادُ بِهِ مُعَيَّنٌ، بَلْ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ وَالِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ، قَالَ: هُوَ عَلَى الْعُمُومِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْحَيَوَانِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: آدَمُ وَجَمِيعُ وَلَدِهِ. وَقِيلَ: وَالصَّالِحِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ. وَقِيلَ: نُوحٌ وَذُرِّيَّتُهُ. وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الْحَوْفِيُّ:
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَمِيعُ وَلَدِهِ.
وَقِيلَ: وَوَالِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا وَلَدَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
وَقَالَ الطَّبَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْوَالِدُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، وَمَا وَلَدَ أَمَّتُهُ،
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ»
، وَلِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ «٢»،
(١) سورة الزمر: ٣٩/ ٣٠.
(٢) سورة الأحزاب: ٣٣/ ٦.
480
وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ، فَأَقْسَمَ تَعَالَى بِهِ وَبِأُمَّتِهِ بَعْدَ أَنْ أَقْسَمَ بِبَلَدِهِ، مُبَالَغَةً فِي شَرَفِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْمُرَادُ بِوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ؟ قُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ وَلَدَهُ. أَقْسَمَ بِبَلَدِهِ الَّذِي هُوَ مَسْقَطُ رَأْسِهِ، وَحَرَمُ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنْشَأُ أَبِيهِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَبِمَنْ وَلَدَهُ وَبِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ نَكَّرَ؟ قُلْتُ: لِلْإِبْهَامِ الْمُسْتَقِلِّ بِالْمَدْحِ وَالتَّعَجُّبِ. فَإِنْ قُلْتَ: هَلَّا قِيلَ: وَمَنْ وَلَدَ؟ قُلْتُ: فِيهِ مَا فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ «١» : أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ وَضَعَتْ، يَعْنِي مَوْضُوعًا عَجِيبَ الشَّأْنِ. انْتَهَى. وَقَالَ الْفَرَّاءُ:
وَصَلَحَ مَا لِلنَّاسِ، كَقَوْلِهِ: مَا طابَ لَكُمْ «٢»، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى «٣»، وَهُوَ الْخَالِقُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: الْمُرَادُ بِالْوَالِدِ الَّذِي يُولَدُ لَهُ، وَبِمَا وَلَدَ الْعَاقِرُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ. جَعَلُوا مَا نَافِيَةً، فَتَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مَوْصُولٍ يَصِحُّ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى، كَأَنَّهُ قَالَ: وَوَالِدٍ وَالَّذِي مَا وَلَدَ، وَإِضْمَارُ الْمَوْصُولِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ.
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ الْمُقْسَمُ عَلَيْهَا. وَالْجُمْهُورُ: عَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ اسْمُ جِنْسٍ، وَفِي كَبَدٍ: يُكَابِدُ مَشَاقَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَشَاقُّهُ لَا تَكَادُ تَنْحَصِرُ مِنْ أَوَّلِ قَطْعِ سُرَّتِهِ إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ قَرَارَهُ، إِمَّا فِي جَنَّةٍ فَتَزُولُ عَنْهُ الْمَشَقَّاتُ وَإِمَّا فِي نَارٍ فَتَتَضَاعَفُ مَشَقَّاتُهُ وَشَدَائِدُهُ. وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبُو صَالِحٍ وَالضَّحَّاكُ ومجاهد: فِي كَبَدٍ مَعْنَاهُ: مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ وَاقِفًا، وَلَمْ يُخْلَقْ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ، وَهَذَا امْتِنَانٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: مُنْتَصِبًا رَأْسُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ بِالْخُرُوجِ، قَلَبَ رَأْسَهُ إِلَى قَدَمَيْ أُمِّهِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: يُكَابِدُ الشُّكْرَ عَلَى السَّرَّاءِ، وَيُكَابِدُ الصَّبْرَ عَلَى الضَّرَّاءِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ:
الْإِنْسانَ: آدَمُ، فِي كَبَدٍ: فِي السَّمَاءِ، سَمَّاهَا كَبَدًا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ضَعِيفَةٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي أَيَحْسَبُ عائد على الْإِنْسانَ، أي هُوَ لِشِدَّةِ شَكِيمَتِهِ وَعِزَّتِهِ وَقُوَّتِهِ يَحْسَبُ أَنْ لَا يُقَاوِمَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لِاسْتِعْصَامِهِ بِعَدَدِهِ وَعُدَدِهِ. يَقُولُ عَلَى سَبِيلِ الْفَخْرِ: أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَداً: أَيْ فِي الْمَكَارِمِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الثَّنَاءُ، أَيَحْسَبُ أَنَّ أَعْمَالَهُ تَخْفَى، وَأَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ، وَلَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ فِي إِنْفَاقِهِ وَمَقْصِدِ مَا يَبْتَغِيهِ مِمَّا لَيْسَ لِوَجْهِ اللَّهِ مِنْهُ شَيْءٌ؟ بَلْ عَلَيْهِ حَفَظَةٌ يَكْتُبُونَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ مِنْ عَمَلٍ فِي حَيَاتِهِ وَيُحْصُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْجَزَاءِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي أَيَحْسَبُ لِبَعْضِ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ. وَقِيلَ:
هُوَ أَبُو الْأَسَدِ أُسَيْدُ بْنُ كَلَدَةَ، كَانَ يُبْسَطُ لَهُ الْأَدِيمُ الْعُكَاظِيُّ، فَيَقُومُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: مَنْ أَزَالَنِي
(١) سورة آل عمران: ٣/ ٣٦.
(٢) سورة النساء: ٤/ ٣.
(٣) سورة الليل: ٩٢/ ٣.
481
عَنْهُ فَلَهُ كَذَا، فَلَا يُنْزَعُ إِلَّا قِطَعًا، وَيَبْقَى مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ. وَقِيلَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ.
وَقِيلَ: الْحَرْثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ إِذَا أَذْنَبَ اسْتَفْتَى النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ، فَيَأْمُرُهُ بِالْكَفَّارَةِ، فَقَالَ: لَقَدْ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا فِي الْكَفَّارَاتِ وَالتَّبِعَاتِ مُنْذُ تَبِعْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: لُبَدًا، بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَأَبُو جَعْفَرٍ: بِشَدِّ الْبَاءِ وَعَنْهُ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ: لُبْدًا بِسُكُونِ الباء، ومجاهد وَابْنُ أَبِي الزِّنَادِ: بِضَمِّهِمَا.
ثُمَّ عَدَّدَ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ نِعَمَهُ فَقَالَ: أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَلِساناً يُفْصِحُ عَمَّا فِي بَاطِنِهِ، وَشَفَتَيْنِ يُطْبِقُهُمَا عَلَى فِيهِ وَيَسْتَعِينُ بِهِمَا عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّفْخِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ:
طَرِيقَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا،
وَعَلِيٌّ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: الثَّدْيَيْنِ
، لِأَنَّهُمَا كَالطَّرِيقَيْنِ لِحَيَاةِ الْوَلَدِ وَرِزْقِهِ. فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ: أَيْ لَمْ يَشْكُرْ تِلْكَ النِّعَمَ السَّابِقَةَ، وَالْعَقَبَةُ اسْتِعَارَةٌ لِهَذَا الْعَمَلِ الشَّاقِّ عَلَى النَّفْسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ بَذْلُ مَالٍ، تَشْبِيهٌ بِعَقَبَةِ الْجَبَلِ، وَهُوَ مَا صَعُبَ مِنْهُ، وَكَانَ صَعُودًا، فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي سُلُوكِهَا. وَاقْتَحَمَهَا: دَخَلَهَا بِسُرْعَةٍ وَضَغْطٍ وَشِدَّةٍ، وَالْقُحْمَةُ: الشِّدَّةُ وَالسَّنَةُ الشَّدِيدَةُ. وَيُقَالُ: قَحَمَ فِي الْأَمْرِ قُحُومًا:
رَمَى نَفْسَهُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَا لِلنَّفْيِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَهَبْنَا لَهُ الْجَوَارِحَ وَدَلَلْنَاهُ عَلَى السَّبِيلِ، فَمَا فَعَلَ خَيْرًا، أَيْ فَلَمْ يَقْتَحِمْ. قَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: ذَكَرَ لَا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالْعَرَبُ لَا تَكَادُ تُفْرِدُ لَا مَعَ الْفِعْلِ الْمَاضِي حَتَّى تُعِيدَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى «١»، وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا لِدَلَالَةِ آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، قَائِمًا مَقَامَ التَّكْرِيرِ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَلَا آمَنَ. وَقِيلَ: هُوَ جَارٍ مَجْرَى الدُّعَاءِ، كَقَوْلِهِ: لَا نَجَا وَلَا سَلِمَ، دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَفْعَلَ خَيْرًا. وَقِيلَ: هو تحضيض بألا، وَلَا نَعْرِفُ أَنَّ لَا وَحْدَهَا تَكُونُ لِلتَّحْضِيضِ، وَلَيْسَ مَعَهَا الْهَمْزَةُ. وَقِيلَ: الْعَقَبَةُ: جَهَنَّمُ، لَا يُنْجِي مِنْهَا إِلَّا هَذِهِ الْأَعْمَالُ، قَالَهُ الْحَسَنُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَكَعْبٌ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ، بَعْدَ أَنْ تَنَحَّلَ مُقَالَةَ الْفَرَّاءِ وَالزَّجَّاجِ: هِيَ بِمَعْنَى لَا مُتَكَرِّرَةً فِي الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ: فَلَا فَكَّ رَقَبَةً وَلَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ فَسَّرَ اقْتِحَامَ الْعَقَبَةِ بِذَلِكَ؟ انْتَهَى، وَلَا يَتِمُّ لَهُ هَذَا إِلَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ فَكَّ فِعْلًا ماضيا.
(١) سورة القيامة: ٧٥/ ٣١.
482
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَالنَّحْوِيَّانِ: فَكَّ فِعْلًا مَاضِيًا، رَقَبَةً نُصِبَ، أَوْ أَطْعَمَ فِعْلًا مَاضِيًا وَبَاقِي السَّبْعَةِ: فَكُّ مرفوعا، رقبة مجرورا، وإطعام مَصْدَرٌ مُنَوَّنٌ مَعْطُوفٌ عَلَى فَكُّ.
وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَأَبُو رَجَاءٍ كَقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ، إِلَّا أَنَّهُمَا قَرَآ: ذَا مَسْغَبَةٍ بِالْأَلِفِ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَأَبُو رَجَاءٍ أَيْضًا: أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذَا بِالْأَلِفِ، وَنَصْبِ ذَا عَلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ إِنْسَانًا ذَا مَسْغَبَةٍ، وَيَتِيمًا بَدَلٌ مِنْهُ أَوْ صِفَةٌ. وَقَرَأَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: فَكُّ رَقَبَةٍ بِالْإِضَافَةِ، أَوْ أَطْعَمَ فِعْلًا مَاضِيًا. وَمَنْ قَرَأَ فَكُّ بِالرَّفْعِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِاقْتِحَامِ الْعَقَبَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَمَا أَدْرَاكَ مَا اقْتِحَامُ الْعَقَبَةِ. وَمَنْ قَرَأَ فِعْلًا مَاضِيًا، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ، بَلْ يَكُونُ التَّعْظِيمُ لِلْعَقَبَةِ نَفْسِهَا، وَيَجِيءُ فَكَّ بَدَلًا مِنِ اقْتَحَمَ، قَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَفَكُّ الرَّقَبَةِ: تَخْلِيصُهَا مِنَ الْأَسْرِ وَالرِّقِّ. ذَا مَقْرَبَةٍ: لِيَجْتَمِعَ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، وَأَوْ هُنَا لِلتَّنْوِيعِ، وَوَصْفُ يَوْمٍ بِذِي مَسْغَبَةٍ عَلَى الِاتِّسَاعِ. ذَا مَتْرَبَةٍ، قَالَ: هُمُ الْمَطْرُوحُونَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ قُعُودًا عَلَى التُّرَابِ، لَا بُيُوتَ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، ثُمَّ يُقَلِّبُ وَجْهَهُ إِلَيْهِ مُسْتَيْقِنًا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا التُّرَابُ.
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا: هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: فَلَا اقْتَحَمَ وَدَخَلَتْ ثُمَّ لِتَرَاخِي الْإِيمَانِ وَالْفَضِيلَةِ، لَا لِلتَّرَاخِي فِي الزَّمَانِ، لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْبِقَ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْحَسَنَةَ الْإِيمَانُ، إِذْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ وُقُوعِهَا مِنَ الطَّائِعِ، أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى: ثُمَّ كَانَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ مِنَ الَّذِينَ وَافَوُا الْمَوْتَ عَلَى الْإِيمَانِ، إِذِ الْمُوَافَاةُ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الِانْتِفَاعِ بِالطَّاعَاتِ، أَوْ يَكُونُ التَّرَاخِي فِي الذِّكْرِ كَأَنَّهُ قِيلَ: ثُمَّ اذْكُرْ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا. وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ: أَيْ أَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالصَّبْرِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالطَّاعَاتِ وَعَنِ الْمَعَاصِي، وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ: أَيْ بِالتَّعَاطُفِ وَالتَّرَاحُمِ، أَوْ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ. وَالْمَيْمَنَةُ وَالْمَشْأَمَةُ تَقَدَّمَ الْقَوْلِ فِيهِمَا فِي الْوَاقِعَةِ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ: مُؤْصَدَةٌ بِالْهَمْزِ هُنَا وَفِي الْهُمَزَةِ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ آصَدْتُ قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَوْصَدْتُ، وَهَمَزَ عَلَى حَدِّ مَنْ قَرَأَ بِالسُّؤْقِ مَهْمُوزًا. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ، فَيَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْ أَوْصَدْتُ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ آصَدْتُ، وَسَهَّلَ الْهَمْزَةَ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
483
سورة البلد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَلَد) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بالقَسَم بـ(البَلَد الحرام)، وهو (مكَّة المكرَّمة)، موطنُ نشأة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفعًا لشأنه، واشتملت السورةُ الكريمة على تثبيتِ المسلمين، وسُنَّةِ الله في هذه الحياة؛ من المكابدة والمشقَّة وعدم الراحة، وبيَّنتْ طريقَيِ الخير والشر؛ داعيةً إلى توحيد الله، واتباع طريق الخير.

ترتيبها المصحفي
90
نوعها
مكية
ألفاظها
82
ترتيب نزولها
35
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
20
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* سورة (البَلَد):

سُمِّيت سورة (البَلَد) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(البَلَد الحرام)؛ قال تعالى: {لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا اْلْبَلَدِ} [البلد: 1].

1. خلقُ الإنسان في كَبَدٍ (١-٤).

2. تكليف الإنسان وضعفُه (٥-٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /135).

غرضُ السورة هو التنويه بـ(مكَّة المكرَّمة)، وبمُقام النبي صلى الله عليه وسلم فيها، والتذكيرُ بأسلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، وذمُّ الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /346).

قوما تعالج قملا أبناءهم وَسَلَاسِلًا حِلَقًا وَبَابًا مُؤْصَدَا