تفسير سورة البلد

حومد

تفسير سورة سورة البلد من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد.
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - يُقْسِمُ اللهُ تَعَالَى قَسَماً مُؤَكَّداً (هَذَا البَلَدِ)، التِي شَرَّفَهَا اللهُ تَعَالَى فَجَعَلَهَا حَرَاماً، وَجَعَلَ فِيهَا حَرَماً آمِناً مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً.
(٢) - وَأَنْتَ مُقِيمٌ فِي هَذَا البَلَدِ الجَلِيلِ القَدْرِ فِي حَالَتَيْ الحِلِّ والإِحْرَامِ.
(وَكَأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ أَسْبَابِ شَرَفِ مَكَّةَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ مُقِيمٌ فِيهَا).
(٣) - وَيُقْسِمُ تَعَالَى بِكُلِّ وَالِدٍ وَكُلِّ مَوْلُودٍ.
(وَفِي القَسَمِ بِهَذَا لَفْتٌ لأَنْظَارِ البَشَرِ إِلَى مَا فِي التَّوَالُدِ وَالتَّنَاسُلِ مِنْ بَالِغِ الحِكْمَةِ، وَإِتْقَانِ الصُّنْعِ، وَحِفْظِ النَّسْلِ. وَقِيلَ إِنَّ المَقُصُودَ بِوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ هُوَ آدَمُ وَذُرِّيتُهُ).
﴿الإنسان﴾
(٤) - لَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى حَيَاةَ الإِنْسَانِ سِلْسِلَةً مِنَ المَتَاعِبِ وَالمَصَاعِبِ، يُكَابِدُهَا فِي كَلِّ طَورٍ مِنْ أَطْوَارِ حَيَاتِهِ. فَمُنْذُ أَنْ بَدَأَ نُطْفَةً حَتَّى وُلِدَ وَكَبرَ، وَهُوَ يعَانِي المَتَاعِبَ فِي كَسْبِ عَيْشِهِ، وَتَنْشِئَةِ نَسْلِهِ.
وَيَسْتَمِرُّ هَذَا الكَدُّ وَالتَّعَبُ حَتَّى يُوَافِيَهُ الأَجَلُ.
الكَبَدُ - التَّعَبُ وَالمَشَقَّةُ.
(٥) - أَيَحْسَبُ هَذَا الإِنْسَانُ المَغتَرُّ بِقُوَّتِهِ، وَالمَفْتُونُ بِمَالِهِ وَعَقْلِهِ، أَنَّهُ قَدْ يَبْلُغُ مَبْلَغاً لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ؟ فَمَا أَجْهَلَهُ إِنْ ظَنَّ هَذَا. إِنَّ الخَالِقَ الجَبَّارَ الذِي خَلَقَهُ وَأَنْشَأَهُ وَأَعْطَاهُ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَذْهَبَ بِهِ وَبِمَالِه وَبِقُوَّتِهِ، وَبِمَ أَعْطَاهُ فِي كُلِّ حِينٍ.
(٦) - وَإِذَا طُلِبَ مِنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْ بَنِي الإِنْسَانِ، الذِينَ أَعْطَاهُمُ اللهُ المَالَ، أَنْ يُنْفِقُوا مِنْهُ فِي سبِيلِ اللهِ، وَفِي أَوْجُهِ البِرِّ وَالخَيْرِ والطَّاعَاتِ، قَالَ الأَغْنِيَاءُ البُخَلاَءُ المُرَاؤُونَ: إِنَّهُمْ يُنْفِقُونَ الكَثِيرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي وُجُوهِ الخَيْرِ وَالبِرِّ وَالمَكْرُمَاتِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ البِرَّ وَالمَكْرُمَةَ لاَ تُعَدَّانِ كَذَلِكَ إِلاَّ إِذَا كَانَتَا عِنْدَ اللهِ بِرّاً وَمَكْرُمَةً؟ فَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ البِرِّ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى إِنْفَاقُ الأَمْوَالِ فِي مُشَاقَّةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمُحَاوَلَةِ فِتْنَةٍ المُؤْمِنِينَ عَنْ دِينِهِمْ، وَصَدِّ النَّاسِ عَنْ سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى.
لُبَداً - كَثِيراً.
(٧) - أَيَحْسَبُ هَؤُلاَءِ المُغْتَرُّونَ الذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الخَيْرِ وَالبِرِّ أَنَّ اللهَ غَيْرُ مُطَّلِعٍ عَلَى أَفْعَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ بِمَا دَعَاهُمْ إِلَى هَذَا الإِنْفَاقِ؟ فَاللهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِسَرَائِرِهِمْ وَضَمَائِرِهِمْ، وَبِجَهْرِهِمْ وَعَلاَنَيِتِهِمْ، لاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ شَيءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ؟
(٨) - ثُمَّ ذَكَّرَ اللهُ تَعَالَى الإِنسَانَ بِمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ نِعْمَةَ الإِبْصَارِ التِي يَتَمَتَّعُ بِهَا الإِنْسَانُ هِيَ مِنْ صُنْعِ اللهِ لأَنَّهُ يُبْصِرُ بِالعَيْنَينِ اللَّتَيْنِ خَلَقَهُمَا اللهُ لَهُ.
(٩) - وَإِذَا تَكَلَّمَ الإِنسَانُ وَأَبَانَ عَمَّا فِي نَفْسِهِ فإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَا وَهَبَهُ اللهُ مِنْ لِسَانٍ وَشَفَتينِ، وَلَيْسَ فَضْلُ ذلك عَائدٌ إِلى الإِنسانِ وَلا مِنْ صُنْعِهِ.
﴿هَدَيْنَاهُ﴾
(١٠) - وَقَدْ أَوْدَعَ اللهُ فِي الإِنْسَانِ فِطْرَةَ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَجَعَلَ لَهُ عَقْلاً يُرْشِدُهُ إِلَى مَا فِي الخَيرِ مِنْ جَمَالٍ وَحُسْنِ، وَإِلَى مَا فِي الشَّرِّ مِنْ قُبْحٍ وَسُوءٍ.
(وَقَدْ جَعَلَ اللهُ طَرِيقَي الخَيْرِ وَالشَّرِّ كَاَنَّهُمَا مَكَانَانِ مُرْتَفِعَانِ وَاضِحَانِ يَرَاهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ أَيْنَمَا كَانَ).
النَّجْدُ - المَكَانُ المُرْتَفِعُ.
(١١) - فَلاَ جَاهَدَ النَّفْسَ وَالشَّيْطَانَ لِلوُصُولِ إِلَى غَايَتِهِ فِي فِعْلِ الخَيْرَاتِ. وَقَدْ شَبَّهَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الجِهَادَ بِاقْتِحَامِ العَقَبَةِ.
العَقَبَةَ - الطَّرِيقَ الوَعْرَةَ فِي الجَبَلِ.
﴿أَدْرَاكَ﴾
(١٢) - وأَيُّ شَيءٍ يُدْرِيكَ مَا اقْتِحَامُ العَقَبَةِ؟ ثُمَّ أَرْشَدَ اللهُ تَعَالَى العِبَادَ إِلَى أَنَّ اقْتِحَامَ العَقَبَةِ يَكُونُ بِالقِيَامِ بِأَفْعَالِ الخَيْرِ، وَمِنْهَا مَا وَرَدَ فِي الآيَاتِ التَّالِيَةِ.
(١٣) - وَأَوَّلُ أَفْعَالِ الخَيْرِ وَأَكْثَرُهَا قُرْباً مِنَ اللهِ، عِتْقُ رَقَبَةٍ وَتَحْرِيرُها مِنَ الرِّقِّ، وَالإِعَانَةُ عَلَى عِتْقِهَا.
(وَقَدْ وَرَدَ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ وَالأَحَادِيثِ كَثِيرٌ مِنَ الآَيَاتِ وَالأَحَادِيثِ التِي تُرَغِّبُ فِي إِعْتَاقِ الرِّقًابِ وَتَحُثُّ عَلَيْهِ. وَقَدْ عَدَّ اللهُ تَعَالَى الإِعْتَاقَ أَحَبَّ القُرُبَاتِ إِلَيهِ).
فَكُّ رَقَبَةٍ - عِتْقُهَا وَإِنْقَاذُهَا مِنَ العُبُودِيَّةِ.
﴿إِطْعَامٌ﴾
(١٤) - أَوْ إِطْعَامُ نَفْسٍ جَائِعَةٍ فِي أَيَّامِ الشِّدَّةِ وَالضِّيقِ.
(١٥) - أَيْ إِطْعَامُ شَخْصٍ يَتِيمٍ مِنَ الأَقَارِبِ، وَفِيهِ جَمْعٌ لَحقَّينَ هُمَا: حَقُّ اليَتِيمِ، وَحَقُّ القَرَابَةِ.
المَقْرَبَةُ - قَرَابَةُ النَّسَبِ.
(١٦) - أَوْ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ فَقِيرٍ جِداً، لاَ وَسِيلَةَ إِلَى كَسْبِ العَيْشِ.
وَالمَتْرَبَةً - شِدَّةُ الفَقْرِ.
﴿آمَنُواْ﴾
(١٧) - ثُمَّ اشْتَرَطَ اللهُ تَعَالَى لإِثَابَةِ الإِنْسَانِ عَلَى اقْتِحَامِ العَقَبَةِ بِفِعْلِ الخِيْرَاتِ، التِي دَلَّ اللهُ العِِبَادَ عَلَيْهَا، أَنْ يَجْمَعَ الفَاعِلُ ثَلاَثَ صِفَاتٍ:
- أَنْ يَكُونَ مِنَ الصَّابِرِينَ عَلَى الأَذَى وَالمَكَارِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ.
- أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَرْحَمُونَ عِبَادَ اللهِ، وَيُوَاسُونَهُمْ، وَيُسَاعِدُونَهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ.
تَوَاصوا - أَوْصَى بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
المَرْحَمَةِ - الرَّحْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ.
﴿أولئك﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾
(١٨) - وَهَؤُلاَءِ الذِينَ فَكُّوا الرَّقَبَةِ، وَأَطْعَمُوا المِسْكِينَ فِي الجُوعِ وَالشَّدَّةِ، وَكَانُوا مُؤْمِنينَ صَابِرِينَ رُحَمَاءَ.. هُمْ أَصْحَابُ اليَمِينِ الذِينَ يُفُوزُونَ بِحُسْنِ الجَراءِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى، وَيَدخُلُونَ جَنَّتهُ، وَهُمُ الذِين عَنَاهُمُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ: ﴿وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾
﴿بِآيَاتِنَا﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾ ﴿المشأمة﴾
(١٩) - أَمَّا الذِينَ كَفُروا بآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَهُمْ أَصْحَابُ الشَّمِالِ الذِينَ يُؤْتَوْنَ كِتَابَ أَعْمَالِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ بِشِمَالِهِمْ، وَهُمُ الذِينَ عَنَاهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الوَاقِعَةِ: ﴿وَأَصْحَابُ الشمال مَآ أَصْحَابُ الشمال فِي سَمُومٍ وَحَمِيم ٍ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ﴾
(٢٠) - وَيدْخُلُونَ النَّار فتُوصدُ أَبْوَابُهَا عَلَيْهِمْ، وَيْطبقْ عَلَيِهِمْ العَذابُ فَلا يَسْتَطِيعُونَ مِنْهُ فكاكاً.
مُؤصدةٌ - مُطْبَقَةٌ مُغْلَقَةُ الأَبْوَابِ.
سورة البلد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (البَلَد) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بالقَسَم بـ(البَلَد الحرام)، وهو (مكَّة المكرَّمة)، موطنُ نشأة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك تكريمًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفعًا لشأنه، واشتملت السورةُ الكريمة على تثبيتِ المسلمين، وسُنَّةِ الله في هذه الحياة؛ من المكابدة والمشقَّة وعدم الراحة، وبيَّنتْ طريقَيِ الخير والشر؛ داعيةً إلى توحيد الله، واتباع طريق الخير.

ترتيبها المصحفي
90
نوعها
مكية
ألفاظها
82
ترتيب نزولها
35
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
20
العد الكوفي
20
العد الشامي
20

* سورة (البَلَد):

سُمِّيت سورة (البَلَد) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله بـ(البَلَد الحرام)؛ قال تعالى: {لَآ أُقْسِمُ بِهَٰذَا اْلْبَلَدِ} [البلد: 1].

1. خلقُ الإنسان في كَبَدٍ (١-٤).

2. تكليف الإنسان وضعفُه (٥-٢٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /135).

غرضُ السورة هو التنويه بـ(مكَّة المكرَّمة)، وبمُقام النبي صلى الله عليه وسلم فيها، والتذكيرُ بأسلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء، وذمُّ الشرك وأهله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /346).