تفسير سورة القارعة

تفسير ابن عطية

تفسير سورة سورة القارعة من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية.
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ
وهي مكية بلا خلاف.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة القارعة
وهي مكية بلا خلاف.
قوله عز وجل:
[سورة القارعة (١٠١) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤)
وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩)
وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١)
قرأ: «القارعة ما القارعة» بالنصب عيسى، قال جمهور المفسرين: الْقارِعَةُ يوم القيامة نفسها لأنها تقرع القلوب بهولها، وقال قوم من المتأولين: الْقارِعَةُ: صيحة النفخة في الصور، لأنها تقرع الأسماع، وفي ضمن ذلك القلوب، وفي قوله تعالى: وَما أَدْراكَ تعظيم لأمرها، وقد تقدم مثله، ويَوْمَ: ظرف، والعامل فيه الْقارِعَةُ. وأمال أبو عمرو: الْقارِعَةُ، و «الفراش» : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق، ومنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب»، وقال الفراء:
«الفراش» في الآية: غوغاء الجراد وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء، الْمَبْثُوثِ هنا معناه:
المتفرق، جمعه وجملته موجودة متصلة، وقال بعض العلماء: الناس أول قيامهم من القبور كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ، لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر، لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة، واختلف اللغويون في: «العهن»، فقال أكثرهم: هو الصوف عاما، وقال آخرون: وهو الصوف الأحمر، وقال آخرون: هو الصوف الملون ألوانا، واحتج بقول زهير:
كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم
والفنا: عنب الثعلب، وحبه قبل التحطم منه الأخضر والأحمر والأصفر، وكذلك الجبال جدد بيض وحمر وسود وصفر، فجاء التشبيه ملائما، وكون الْجِبالُ كَالْعِهْنِ، إنما هو وقت التفتيت قبل النسف
516
ومصيرها هباء، وهي درجات، والنفش: خلخلة الأجزاء وتفريقها عن تراصها، وفي قراءة ابن مسعود وابن جبير: «كالصوف المنفوش»، و «الموازين» : هي التي في القيامة، فقال جمهور العلماء والفقهاء والمحدثين: ميزان القيامة بعمود ليبين الله أمر العباد بما عهدوه وتيقنوه، وقال مجاهد: ليس تم ميزان إنما هو العدل مثل ذكره بالميزان إذ هو أعدل ما يدري الناس، وجمعت الموازين للإنسان لما كانت له موزونات كثيرة متغايرة، وثقل هذا الميزان هو بالإيمان والأعمال، وخفته بعدمها وقلتها، ولن يخف خفة موبقة ميزان مؤمن. وعِيشَةٍ راضِيَةٍ معناه: ذات رضى على النسب، وهذا قول الخليل وسيبويه، وقوله تعالى:
فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ قال كثير من المفسرين: المراد بالأم نفس الهاوية، وهي درك من أدراك النار، وهذا كما يقال للأرض: أم الناس لأنها تؤويهم، وكما قال عتبة بن أبي سفيان في الحرب: فنحن بنوها وهي أمنا، فجعل الله الهاوية أم الكافر لما كانت مأواه، وقال آخرون: هو تفاؤل بشر فيه تجوز في أم الولاد، كما قالوا: أمه ثاكل وخوى نجمه وهوى نجمه ونحو هذا، وقال أبو صالح وغيره: المراد أم رأسه لأنهم يهوون على رؤوسهم، وقرأ طلحة: «فإمّه» بكسر الهمزة وضم الميم مشددة، ثم قرر تعالى نبيه على دراية أمرها وتعظيمه ثم أخبره أنها نارٌ حامِيَةٌ، وقرأ: «ما هي» بطرح الهاء في الوصل ابن إسحاق والأعمش، وروى المبرد أن النبي ﷺ قال لرجل: لا أم لك، فقال: يا رسول الله، أتدعوني إلى الهدى وتقول: لا أم لك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أردت لا نار لك، قال الله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ.
517
سورة القارعة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (القارعة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (قُرَيش)، وقد افتُتحت بذكرِ اسم من أسماء القيامة؛ وهو (القارعة)، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولِها، وهولِ ما يسبقها من أحداث، وقد ذكرت السورةُ الكريمة مظاهرَ هذه الأهوال، وخُتمت بجزاء الناس على أعمالهم: بالإحسان إحسانًا وجِنانًا، وبالكفر عذابًا ونيرانًا.

ترتيبها المصحفي
101
نوعها
مكية
ألفاظها
36
ترتيب نزولها
30
العد المدني الأول
10
العد المدني الأخير
10
العد البصري
8
العد الكوفي
11
العد الشامي
8

* سورة (القارعة):

سُمِّيت سورة (القارعة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بهذا اللفظ، و(القارعة): اسمٌ من أسماء يوم القيامة، وسُمِّيت بذلك لأنها تَقرَع القلوبَ من هولها.

1. أهوال يوم القيامة (١-٥).

2. وزنُ الأعمال صالحِها وفاسدِها (٦-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /309).

إثباتُ البعث وما يصاحِبُ يومَ القيامة من أهوال، وجزاءُ الناس على أعمالهم؛ فالصالحون من أهل الجِنان، والطَّالحون من أهل النيران.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /506).