تفسير سورة المسد

تيسير التفسير

تفسير سورة سورة المسد من كتاب تيسير التفسير
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة المسد مكية، وآياتها خمس، نزلت بعد سورة الفتح. أخبرت هذه السورة الكريمة بهلاك أبي لهب، عبد العزى بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم. وقررت أن جميع ما لديه من مال وولد لن يغني عنه شيئا يوم القيامة، وتوّعدته في الآخرة بنار جهنم ذات اللهب الشديد، هو وزوجته أروى بنت حرب، أخت أبي سفيان، وكانت عوراء تدعى أم جميل. وقد اختصتها السورة بلون من العذاب في عنقها تُجذب فيه إلى النار، زيادة في التنكيل بها لما كانت عليه من إيذاء الرسول الكريم، والإساءة إلى دعوته.
وأبو لهب وزوجته أم جميل كانا من أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. روى البخاري عن ابن عباس أن الرسول الكريم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل فنادى : " يا صباحاه ". فاجتمعت إليه قريش. فقال : " أرأيتم إن حدّثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ؟ أكنتم مصدقيّ " ؟ قالوا : نعم.
قال :﴿ إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ﴾. فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟ تبا لك.
فأنزل الله تعالى ﴿ تبّت يدا أبي لهب وتبّ... إلخ ﴾ فهذه السورة من المعجزات ؛ لأنها أخبرت بهلاك أبي لهب وزوجته من أول البعثة.
وقد صدقت، فماتا على الكفر جميعا.

تَبَّ : خسر وهلك. تبَّ يتَبّ تَباً وتَبابا. يقال في الدعاء على الإنسان : تبتّ يدُه. وتَبّاً له : هلاكاً له.
أبو لهب : عبد العزّى بنُ عبد المطلب، عم النبيّ الكريم.
تَبَّ : الأولى دعاءٌ عليه بالهلاك، وتبّت الثانية إخبارٌ بأنه قد هلك. لقد خسر أبو لهب وهلك، وضلّ عملُه لعدائه للرسول الكريم، وكثرةِ ما سبّب من الأذى له وللمسلمين. فقد كان من أشدّ الناس عداوةً للنبي صلى الله عليه وسلم.
والتعبيرُ باليد ؛ لأنها أداةُ العمل ومظهرُ القوة. ﴿ ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ﴾ [ الحج : ١٠ ]. وهذا تعبيرٌ مألوفُ عندَ العرب، تقول : أصابتْهُ يدُ الدهر، ويدُ الرزايا والمنايا.
قراءات :
قرأ ابن كثير : أبي لهب بإسكان الهاء. والباقون بفتح الهاء.
إن كل ما جمع من مالٍ، وما عنده من أولادٍ، لن ينفعَه بشيء، ولن يغنيَ عنه يومَ القيامة، ولا يدفع عنه العذاب.
وكان لأبي لهبٍ ثلاثةُ أولاد : عُتبة، ومعتِب، وعُتيبة. وقد أسلم عُتيبة ومعتبُ يوم الفتح، وشهِدوا حُنَيْناً والطائف.
وأما عتبة فلم يُسلم. وكانت أم كلثوم بنتُ رسول الله زوجةً له، وأختُها رقيةُ عند عتيبة. فلما نزلت هذه السورة قال أبو لهب : رأسي ورأساكما حَرامٌ إن لم تطلِّقا ابنتَي محمّد، فطلقاهما.
وأراد عُتبة أن يذهبَ إلى الشام مع أبيه فقال : لآتِيَنَّ محمّداً وأُوذينَّه. فقال : يا محمد، إني كافر بالنّجم إذا هوى، وبالذي دنا فتدلّى. ثم تفل أمام الرسول الكريم، وطلّق ابنته أُم كلثوم. فقال الرسول الكريم :« اللهُمّ سَلِّطْ عليه كلباً من كلابك »، فافترسَه الأسدُ بالزرقاءِ في الأردن. ومات أبو لهب بعد وقعةِ بدرٍ بسبعة أيام.
يصلَى نارا : يدخلها ويجدُ حرها.
سيُعذَّب بنارِ جهنّم الحاميةِ ذاتِ الشرر واللّهب، الّتي أعدّها الله لمِثْله من الأشرارِ المعاندين.
امرأته : أروى بنت حرب، أُم جميل أخت أبي سفيان.
حمالة الحطَب : التي تسعى بالنميمة والفتنة بين الناس.
وستعذَّب امرأتُه، أم جميل العَوراء، بهذه النار أيضا، لشدة عدائها للرسول الكريم، ولِما كانت تسعى بالنَّميمة والفتنة لإطفاء دعوةِ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
قال ابنُ عباس ومجاهد وقتادة والسُدّي : كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعربُ تقول : فلان يَحْطِب على فلانٍ، إذا حَرَّضَ عليه.
وفي الحديث الصحيح :« لا يدخُل الجنّةَ نمّام »، وقال :« ذو الوجهينِ لا يكونُ عند الله وَجِيها »، والنميمةُ من الكبائر.
وقيل أيضا : إن أُمَّ جميل هذه كانت تحمِل حُزَمَ الشوكِ والحَطَب، وتنثُرها باللّيل في طريق رسولِ الله لإيذائه. لذلك فإنّ في عنقِها يوم القيامة حَبلاً تُشَدّ به إلى النار، وبئس القرار.
قراءات :
قرأ عاصم :﴿ حمّالة ﴾ بنصب التاء، على الذم. وقرأ الباقون :﴿ حمالة ﴾ بالرفع، صفة لامرأته.
الجيد : العنُق.
المَسَد : كل حَبْل مفتول.
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).