ﰡ
قوله: ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ يجوزُ في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها لا مَحَلَّ لها كالتي قبلها. والثاني: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو له مُلك. والثالث: أنها حالٌ من الضمير في «له» فالعامل فيها الاستقرارُ، ولم يُذْكَرْ مفعولا الإِحياءِ والإِماتةِ؛ إذ الغَرَضُ ذِكْرُ الفعلَيْنِ فقط.
وقوله: ﴿يَعْلَمُ مَا يَلِجُ﴾ قد تقدَّم مثلُه في سورة سبأ.
وقوله: ﴿والرسول يَدْعُوكُمْ﴾ جملةٌ حاليةٌ من «يُؤمِنون». قال الزمخشري: «فهما حالان متداخلان و» لِتُؤْمنوا «متعلِّقٌ ب» يَدْعو «أي: يدعوكم للإِيمان كقولك: دَعَوْتُه لكذا. ويجوزُ أَنْ تكونَ اللامُ للعلةِ، أي: يدعوكم إلى الجنةِ وغفرانِ اللهِ لأجلِ الإِيمانِ. وفيه بُعْدٌ.
قوله: ﴿وَقَدْ أَخَذَ﴾ حالٌ أيضاً. وقرأ العامَّةُ» أَخَذَ «مبنياً للفاعلِ،
قوله: ﴿وَللَّهِ مِيرَاثُ﴾ جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعل الاستقرار ومفعولِه، أي: وأيُّ شيءٍ يمنعُكم من الإِنفاقِ في سبيلِ اللهِ والحالُ أنَّ ميراثَ السماواتِ والأرضِ له، فهذه حالٌ منافيةٌ لبُخْلِكم.
قوله: ﴿لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَق﴾ في فاعل «يَسْتوي» وجهان،
قوله: ﴿وَكُلاًّ وَعَدَ الله الحسنى﴾ قراءةُ العامَّةِ بالنصبِ على أنه مفعولُ مقدمٌ، وهي مرسومةٌ في مصاحفِهم» وكلاً «بألفٍ، وابنُ عامر برفعِه، وفيه وجهان، أظهرُهما: أنه ارتفعَ على الابتداءِ، والجملة بعدَه خبرٌ، والعائدُ محذوفٌ، أي: وعده اللهُ. ومثلُه:
٤٢٣١ - قد أصبحَتْ أمُّ الخِيار تَدَّعِي | عليَّ ذَنْباً كلُّه لم أَصْنَعِ |
٤٢٣٢ - وخالِدٌ يَحْمَدُ ساداتُنا | بالحقِّ لا يُحْمَدُ بالباطلِ |
«كل ذلك لم يكنْ» ولو قال: «لم يكن كلُّ ذلك» لكان سَلْباً للعُموم، والمقصودُ عمومُ السَّلْب.
والثاني: أن يكونَ «كل» خبَر مبتدأ محذوفٍ، و ﴿وَعَدَ الله الحسنى﴾ صفةٌ لما قبله، والعائدُ محذوف، أي: وأولئك كلٌّ وعدَه اللهُ الحسنى. فإن قيل: الحذفُ موجودٌ أيضاً وقد عُدْتم لِما فرَرْتُمْ منه. فالجوابُ: أنَّ
٤٢٣٣ - وما أَدْري أغَيَّرهم تَناءٍ | وطولُ العَهْدِ أم مالٌ أصابوا |
قوله: ﴿يسعى﴾ حالٌ، لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّة، وهذا إذا لم يَجْعَلْه عامِلاً في «يوم» و «بين أيديهم» ظرفٌ للسَّعْي، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ «نورُهم».
قوله: ﴿وَبِأَيْمَانِهِم﴾، أي: وفي جهةِ أيمانهم. وهذه قراءةُ العامَّةِ أعني بفتح الهمزةِ جمع يَمين. وقيل: الباءُ بمعنى «عن»، أي: عن جميعِ جهاتِهم، وإنما خَصَّ الأَيمانَ لأنها أشرفُ الجهاتِ. وقرأ أبو حيوة وسهلُ بن شعيب بكسرِها. وهذا المصدرُ معطوفٌ على الظرفِ قبلَه.
قوله: ﴿بُشْرَاكُمُ﴾ مبتدأٌ، و «اليومَ» ظرفٌ. و «جناتٌ» خبرهُ على حذفِ مضافٍ، أي: دخولُ جناتٍ. وهذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ بقولٍ مقدر، وهو العاملُ في الظرفِ كما تقدَّم. وقال مكي: «وأجاز الفراءُ نصبَ» جنات «على الحال ويكون» اليومَ «خبرَ» بُشْراكم «قال: وكونُ» جنات «حالاً لا معنى له؛ إذ ليس فيها معنى فِعْل. وأجاز أَنْ يكونَ» بُشْراكم «في موضع نصبٍ على: يُبَشِّرونهم بالبُشرى، وتُنْصَبُ» جنات «بالبُشْرى. وكلُّه بعيدٌ لأنه لا يُفْصَلُ بين الصلةِ والموصولِ باليوم» انتهى. وعجيبٌ من الفراء كيف يَصْدُرُ عنه ما لا يُتَعَقَّل، ولا يجوزُ صناعةً، كيف تكون «جنات» حالاً وماذا صاحبُ الحال؟.
قوله: ﴿خَالِدِينَ﴾ [الحديد: ١٢] نصبٌ على الحالِ العاملُ فيها المضافُ المحذوف إذ التقديرُ: بُشْراكم دخولُكم جناتٍ خالدين فيها، فحذف الفاعلَ وهو ضميرُ المخاطبِ، وأُضيف المصدرُ لمفعولِه فصار: دخولُ جنات، ثم حُذِف المضافُ وقام المضافُ إليه مَقَامَه في الإِعراب، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ «بُشْراكم» هو العاملَ فيها؛ لأنه مصدرٌ قد أُخْبر عنه قبل ذِكْرِ متعلَّقاتِه، فيلزَمُ الفصلُ بأجنبي. وظاهرُ كلامِ مكي أنه عاملٌ في الحالِ فإنَّه قال: «خالدين نصبٌ على الحالِ من الكاف والميم» والعاملُ في الحالِ هو العاملُ في صاحِبها فَلَزِمَ أَنْ يكونَ «بُشْراكم» هو العاملَ، وفيه ما تقدَّمَ من الفصلِ بينَ المصدرِ ومعمولِه.
قوله: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ اللامُ للتبليغ. و «انْظُرونا» قراءةُ العامَّةِ «انظرونا» أَمْراً من النظر. وحمزة «أَنْظِرونا» بقطع الهمزة وكَسْر الظاء من الإِنْظار بمعنى الانتظار، أي: انتظرونا لِنَلْحَقَ بكم فنستضيْءَ بنورِكم. والقراءةُ الأولى يجوزُ أَنْ تكونَ بمعنى هذه إذ يقال: نَظَره بمعنى انتظره، وذلك أنه يُسْرَعُ بالخُلَّصِ إلى الجنَّة على نُجُبٍ، فيقول المنافقون:
قوله: ﴿وَرَآءَكُمْ﴾ فيه وجان، أظهرُهما: أنه منصوبٌ ب ارْجِعوا على معنى: ارْجِعوا إلى الموقفِ، إلى حيث أُعطِينا هذا النورَ فالتمِسوه هناك ممَّنْ نقتبس، أو ارْجِعوا إلى الدنيا فالتمِسوا نوراً بتحصيلِ سببِه وهو الإِيمانُ، أو فارْجِعوا خائبين وتَنَحَّوْا عنا فالتمسُوا نوراً آخرَ، فلا سبيلَ لكم إلى هذا النورِ. والثاني: أنَّ «وراءكم» اسمٌ للفعلِ فيه ضميرُ فاعلٍ، أي: ارْجِعوا ارْجعوا، قاله أبو البقاء، ومنع أَنْ يكونَ ظَرْفاً ل ارْجِعوا قال: لقلةِ فائدتِه لأنَّ الرجوعَ لا يكونُ إلاَّ إلى وراء.
وهذا فاسدٌ؛ لأنَّ الفائدةَ جليلةٌ كما تقدَّم شَرْحُها.
قوله: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ﴾ العامَّةُ على بنائِه للمفعول. والقائمُ مَقامَ الفاعلِ يجوزُ أَنْ يكونَ «بسورٍ» وهو الظاهرُ، وأَنْ يكونَ الظرفَ. وقال مكي: «الباءُ مزيدةٌ، أي: ضُرِب سورٌ» ثم قال: «والباءُ متعلِّقةٌ
والسُّور: البناءُ المحيطُ. وتقدَّمَ اشتقاقُه أولَ البقرةِ.
قوله: ﴿لَّهُ بَابٌ﴾ مبتدأ وخبرٌ في موضع جرٍّ صفةً ل سُوْر.
قوله: ﴿بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة﴾ هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ في موضعِ جرٍّ صفةً ثانيةً ل «سُوْر»، ويجوز أن تكونَ في موضع رفعٍ صفةً ل «بابٌ»، وهو أَوْلَى لقُرْبِه. والضميرُ إنما يعود على الأَقْرب إلاَّ بقرينةٍ.
وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير «فَضَرَبَ» مبنياً للفاعل وهو اللهُ أو المَلَكَ.
قوله: ﴿أَلَمْ نَكُن﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ تفسيراً للنداءِ، وأَنْ يكونَ منصوباً بقولٍ مقدرٍ.
قوله: ﴿الغرور﴾ قراءةُ العامَّة بفتح الغَيْن، وهو صفةٌ على فَعول،
قوله: ﴿هِيَ مَوْلاَكُمْ﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً، أي: ولايتكم، أي: ذاتُ وِلايتكم. وأَنْ يكونَ مكاناً، أي: مكانَ ولايتكم، وأَنْ يكونَ بمعنى أَوْلَى بكم، كقولك: هو مَوْلاه. وبئس المصيرُ، أي: هي.
والعامَّةُ على الغيبة في «ولا يَكونوا» جَرْياً على ما تقدَّم. وأبو حيوة وابنُ أبي عبلة بالتاء مِنْ فوقُ على سبيل الالتفات. ثم هذا يُحْتمل أَنْ يكونَ منصوباً عطفاً على «تَخْشَعَ» كما في قراءةِ الغَيْبة وأَنْ يكونَ نهياً، فتكونَ «لا» ناهيةً والفعلُ مجزومٌ بها. ويجوزُ أَنْ يكونَ نهياً في قراءة الغَيْبة أيضاً، ويكونُ ذلك انتقالاً إلى نهيِ أولئك المؤمنين عن كونِهم مُشْبِهين لمَنْ تَقَدَّمهم نحو: لا يَقُمْ زيدٌ.
قوله: ﴿الأمد﴾ العامَّةُ على تخفيف الدال بمعنى العامَّة كقولك: أَمَدُ فلانٍ، أي: غايتُه. وابن كثير في روايةٍ بتشديدِها وهو الزمنُ الطويلُ.
قوله ﴿وَأَقْرَضُواْ﴾ فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنه معطوفٌ على اسم الفاعلِ في «المُصَّدِّقين» لأنَّه لمَّا وقع صلةً لأل حَلَّ مَحَلَّ الفعلِ، فكَأنَّه قيل: إن الذين صَدَّقوا وأَقْرضوا، وعليه جمهورُ المُعربين. وإليه ذهب الفارِسيُّ والزمخشري وأبو البقاء. وهو فاسدٌ لأنه يَلْزَمُ الفصلُ بين أَبْعاضِ الصلة بأجنبي. ألا ترى أنَّ «المُصَّدِّقات» عطفٌ على «المصَّدِّقين» قبل تمام الصلةِ، ولا يجوز أن يكونَ عطفاً على المُصَّدِّقاتِ لتغايُرِ الضمائرِ تذكيراً وتأنيثاً.
الثاني: أنه معترضٌ بين اسم «إنَّّ» وخبرها وهو «يُضاعَفُ». قال أبو البقاء: «وإنما قيل ذلك لئلاَّ يُعْطفَ الماضي على اسم الفاعل» ولا أَدْري ما هذا المانعُ؟ لأنَّ اسمَ الفاعلِ متى وقع صلةً لأل صَلَحَ للأزمنةِ الثلاثة، ولو مَنَع بما ذكَرْتُه من الفصلِ بالأجنبي لأصابَ، ولكن خَفي عليه كما خَفي على مَنْ هو أكبرُ منه: الفارسيُّ والزمخشريُّ.
٤٢٣٤ - أَمَنْ يَهْجُو رسولَ اللَّهِ مِنْكُمْ | ويَمْدَحُه ويَنْصُرُه سَواءُ |
قوله ﴿يُضَاعَفُ لَهُمْ﴾ القائم مقامَ الفاعلِ فيه وجهان، أحدهما: وهو الظاهرُ أنَّه الجارُّ بعده. والثاني: أنَّه ضميرُ التصديقِ، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ مضافٍ، أي: ثوابُ التصديق.
قوله ﴿والشهدآء﴾ يجوز فيه وجهان: أنه معطوفٌ على ما قبلَه، ويكون الوقفُ على الشهداء تاماً. أخبر عن الذين آمنوا أنهم صِدِّيقون شهداءُ. فإنْ قيل: الشهداءُ مخصوصون بأوصافٍ أُخَرَ زائدةٍ على ذلك كالسبعَةِ المذكورين. أجيب: بأنَّ تَخْصِيصَهم بالذِّكْر لشَرَفِهم على غيرِهم لا للحَصْر.
والصِّدِّيقُ: مثالُ مبالغةٍ، ولا يجيءُ إلاَّ من ثلاثيٍ غالباً. قال بعضُهم: وقد جاء «مِسِّيك» مِنْ أمَسْك. وهو غَلَطٌ لأنه يقال: مَسَك ثلاثياً فمِسِّيك منه.
قوله: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ﴾ يجوزُ أنَّ يكونَ في موضعِ نصبٍ حالاً من الضمير في «لَعِبٌ» لأنه بمعنى الوصفِ، وأَنْ يكونَ خبراً لمبتدأ محذوف، أي: ذلك كمثَل. وجَوَّزَ ابن عطية أَنْ يكونَ في موضعِ رفع صفةً لِما تقدَّم. ولم يُبَيِّنْه مكي فقال: «نعت ل تَفاخُر». وفيه نظرٌ لتخصيصه له مِنْ بين ما تقدَّم. وجَوَّزَ أَنْ يكون خبراً بعد خبر للحياة الدنيا.
وقُرِىء «مُصْفارَّاً» مِنْ اصفارَّ وهي أبلغُ مِنْ اصْفَرَّ.
قوله: ﴿وَفِي الآخرة﴾ خبرٌ مقدمٌ وما بعده مبتدأ. أخبر أنَّ في الآخرةِ عذاباً شديداً، ومغفرةً منه ورضواناً، وهذا معنىً حسنٌ، وهو أنه قابل
قوله ﴿فِي الأرض﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّق ب أصاب، وأَنْ يتَعلَّقَ بنفسِ «مصيبةٍ»، وأَنْ يتَعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه صفةٌ لمصيبة وعلى هذا فيَصْلُح أَنْ يُحْكَمَ على موضِعه بالجرِّ نظراً إلى لفظِ موصوفِه وبالرفعِ نظراً إلى مَحَلِّه، إذ هو فاعلٌ. والمُصيبة غَلَبَتْ في الشر. وقيل: المرادُ بها جميعُ الحوادثِ مِنْ خيرٍ وشرٍ، وعلى الأول يُقال: لِمَ ذُكِرَتْ دون الخير؟ وأجيب: بأنه إنَّما خَصَّصها بالذِّكْرِ لأنها أهمُّ على البشر.
قوله ﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ﴾ حال مِنْ «مصيبة»، وجاز ذلك وإنْ كانت نكرةً لتخصُّصِها: إمَّا بالعملِ أو بالصفةِ، أي: إلاَّ مكتوبةً.
قوله ﴿مِّن قَبْلِ﴾ نعتٌ ل كتاب، ويجوزُ أَنْ يتعلَّقَ به قاله أبو البقاء؛ لأنه هنا اسمٌ للمكتوبِ، وليس بمصدرٍ. والضمير في «نَبْرَأَها» الظاهرُ عَوْدُه على المصيبة. وقيل: على الأنفس. وقيل: على الأرض أو على جميع ذلك، قاله المهدويُّ، وهو حسنٌ.
قوله ﴿فَإِنَّ الله هُوَ الغني﴾ قرأ نافع وابن عامر «فإن الله الغنيُّ» بإسقاطِ «هو» وهو ساقطٌ في مصاحف المدينةِ والشام. والباقون بإثباتِه وهو ثابتٌ في مصاحفِهم، فقد وافق كلٌّ مصحَفه. قال أبو علي: «مَنْ أثبت» هو «يَحْسُنْ أَنْ يكونَ فصلاً، ولا يَحْسُنُ أن يكونَ ابتداءً؛ لأنَّ الابتداءَ لا يَسُوغ حَذْفُه» يعني أنه تُرَجَّحُ فصليَّتُه بحذفه في القراءةِ الأخرى، إذ لو كان مبتدأً لضَعُف حَذْفُه، لا سيما إذا صَلَحَ ما بعده أَنْ يكونَ خبراً لِما قبله، ألا تراك لو قلت: «إنَّ زيداً هو القائمُ» لم يَحْسُنْ
قوله: ﴿مَّعَهُمُ﴾ حالٌ مقدرة، أي: صائراً معهم، وإنَّما احتَجْنا إلى ذلك لأنَّ الرسلَ لم يُنْزَلوا، ومقتضى الكلامِ أن يَصْحبوا الكتابَ في النزولِ. وأمَّا الزمخشريُّ فإنه فَسَّرَ الرسلَ بالملائكةِ الذين يَجيئون بالوحيِ إلى الأنبياءِ فالمعيَّةُ متحققةٌ.
قوله: ﴿وَلِيَعْلَمَ﴾ عطفٌ على قولِه «ليقومَ الناسُ»، أي: لقد أَرْسَلْنَا رُسُلَنا وفَعَلْنا كيتَ وكيتَ ليقومَ الناسُ وليعلَمَ اللَّهُ. وقال الشيخ: «علةٌ لإِنزالِ الكتابِ والميزانِ والحديدِ»، والأول أظهرُ لأنَّ نصرةَ اللَّهِ ورسلِه مناسبة للإِرسال.
قوله ﴿وَرُسُلَهُ﴾ عطفٌ على مفعولِ «يَنْصُرُه»، أي: وينصُرُ رسُلَه. قال
قوله: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها﴾ في انتصابِها وجهان، أحدهما: أنها
والوجه الثاني: أنه منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّره الظاهرُ وتكون المسألةُ من الاشتغالِ. وإليه نحا الفارسيُّ والزمخشريُّ وأبو البقاء وجماعةٌ إلاَّ أنَّ هذا يقولون إنه إعرابُ المعتزلة؛ وذلك أنَّهم يقولون: ما كانَ مِنْ فِعْلِ الإِنسانِ فهو مخلوقٌ له، فالرحمةُ والرأفة لَمَّا كانتْ من فِعْلِ اللَّهِ تعالى نَسَبَ خَلْقَهما إليه. والرَّهْبانِيَّة لَمَّا لم تكنْ من فِعْلِ اللَّهِ تعالى بل مِنْ فعل العبدِ يَسْتَقِلُّ بفعلِها نَسَب ابتداعَها إليه، وللردِّ عليهم موضعٌ آخرُ هو أليقُ به من هذا الموضعِ، وسأبِّينُه إنْ شاء الله في» الأحكام «.
ورَدَّ الشيخُ عليهم هذا الإِعرابَ من حيث الصناعةُ وذلك أنَّه مِنْ حَقِّ اسمِ المُشْتَغَلِ عنه أن يَصْلُح للرفع بالابتداءِ و» رهبانيةً «نكرةٌ لا مُسَوِّغ للابتداء بها، فلا يصلُحُ نصبُها على الاشتغال. وفيه نظرٌ؛ لأنَّا لا نُسَلِّمُ
٤٢٣٥ - عندي اصْطِبارٌ وشكْوى عند قاتلتي | فهل بأعجبَ مِنْ هذا امرؤٌ سَمِعا |
٤٢٣٦ - تَعَشَّى ونجمٌ قد أضاء فَمُذْ بدا | مُحَيَّاكَ أَخْفَى ضوْءُه كلَّ شارقِ |
قال الشيخ: «والأَوْلَى أََنْ يكونَ منسوباً
قوله: ﴿مَا كَتَبْنَاهَا﴾ صفةٌ ل «رَهْبانيةً»، ويجوزُ أَنْ يكونَ استئناف إخبارٍ بذلك.
قوله: ﴿إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله﴾ فيه أوجه، أحدها: أنه استثناء متصلٌ ممَّا هو مفعولٌ من أجلِه. والمعنى: ما كَتَبْناها عليهم لشيءٍ من الأشياءِ إلاَّ لابتغاءِ مَرْضاتِ اللَّهِ، ويكون «كتب» بمعنى قضى، فصار: كَتَبْناها عليهم ابتغاءَ مرضاةِ اللَّهِ، وهذا قولُ مجاهد. والثاني: أنه منقطعٌ. قال الزمخشري: ولم يذكُرْ غيرَه، أي: ولكنهم ابْتَدعوها. وإلى هذا ذهبَ قتادةُ وجماعةٌ، قالوا: معناه لم يَفْرِضْها عليهم ولكنهم ابتدعوها. الثالث: أنه بدلٌ من الضميرِ المنصوبِ في «كَتَبْنَاها» قاله مكيُّ وهو مُشْكِلٌ: كيف يكونُ بدلاً، وليس هو الأولَ ولا بعضَه ولا مشتملاً عليه؟ وقد يُقال: إنه بدلُ اشتمالٍ، لأن الرهبانيةَ الخالصةَ المَرْعِيَّةَ حَقَّ الرِّعاية قد يكون فيها ابتغاءَ رضوانِ اللَّهِ، ويصير نظيرَ قولِك «الجاريةُ ما أحببتها إلاَّ أدبَها» فإلاَّ أدبَها بدلٌ من الضمير في «أَحْبَبْتُها» بدلُ اشتمالٍ، وهذا نهايةُ التمحُّلِ لصحةِ هذا القولِ واللَّهُ أعلمُ.
والضميرُ المرفوعُ في «رَعَوْها» عائدٌ على مَنْ تَقَدَّمَ. والمعنى: أنهم لم يَدُوموا كلُّهم على رعايتها، وإنْ كان وُجِدَ هذا في بعضِهم. وقيل:
والثاني: أنها غيرُ مزيدةٍ. والمعنى لئلا يعلمَ أهلُ الكتابِ عَجْزَ المؤمنين، نقل ذلك أبو البقاء وهذا لفظُهُ، وكان قد قال قبلَ ذلك: «لا» زائدة والمعنى: ليعلمَ أهلُ الكتابِ عَجْزَهم «وهذا غيرُ مستقيم؛ لأنَّ المؤمنين عاجزون أيضاً عن شيءٍ مِنْ فضل اللَّهِ وكيف يعملُ هذا القائلُ بقولِه ﴿وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله﴾ ؛ فإنه معطوفٌ على مفعولِ العِلْمِ المنفيِّ فيصيرُ التقدير: ولئلا يعلمَ أهلُ الكتاب أنَّ الفضلَ بيد الله؟ هذا لا يستقيمُ نَفْيُ العِلْمِ به البتة، فلا جرم كان قولاً مُطَّرحاً ذكَرْتُه تنبيهاً على فسادِه.
وقراءةُ العامَّةِ» لئلا «بكسر لام كي وبعدها همزةٌ مفتوحةٌ مخففةٌ.
وقرأ الحسن أيضاً فيما رَوَى عنه أبو بكر ابن مجاهد» لَيْلاً يَعْلَمَ «بلام مفتوحةٍ وياءٍ ساكنةٍ كاسم المرأة ورفعِ الفعلِ بعدها. وتخريجُها: على أنَّ أصلَها: لأَنْ لا، على أنها لامُ الجرِّ ولكنْ فُتِحَتْ على لغةٍ معروفة، وأنشدوا:
٤٢٣٧ - أُريدُ لأَنْسَى ذِكْرَها... | ................................ |