تفسير سورة الحديد

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الحديد من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله تعالى :﴿ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفَتْحِ ﴾ الآية. رُوي عن الشعبي قال : فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية وفيه أنزلت هذه الآية، قالوا : يا رسول الله فَتْحٌ هو ؟ قال :" نَعَمْ عَظِيمٌ ".
وقال سعيد عن قتادة :" هو فتح مكة ". قال أبو بكر : أبان عن فضيلة الإنفاق قبل الفتح على ما بَعْدَهُ لعِظَمِ عناء النفقة فيه وكثرة الانتفاع به ؛ ولأن الإنفاق في ذلك الوقت كان أشدّ على النفس لقلة المسلمين وكثرة الكفار مع شدة المحنة والبلاء وللسبق إلى الطاعة، ألا ترى إلى قوله :﴿ الذين اتبعوه في ساعة العسرة ﴾ [ التوبة : ١١٧ ] وقوله :﴿ والسابقون الأولون ﴾ [ التوبة : ١٠ ] ؟ فهذه الوجوه كلها تقتضي تفضيلها.
قوله تعالى :﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ ﴾ الآية، يدل على أن كثرة المعاصي ومساكنتها وأُلْفَها تقسّي القلب وتبعد من التوبة، وهو نحو قوله :﴿ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ﴾ [ المطففين : ١٤ ].
قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾. رَوَى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم :" إِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ شَهِيدٌ " لهذه الآية.
وجعل قوله :﴿ وَالشُّهَدَاءُ ﴾ صفة لمن تقدم ذكره من المؤمنين ؛ وهو قول عبدالله ومجاهد.
وقال ابن عباس ومسروق وأبو الضحى والضحاك :" هو ابتداء كلام وخبره :﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورهُمْ ﴾ ".
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلْنَا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾ الآية. قال أبو بكر : أخبر عما ابتدعوه من القرب والرهبانية، ثم ذمّهم على ترك رعايتها بقوله :﴿ فما رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا ﴾. والابتداع قد يكون بالقول وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه، وعمومه يتضمن الأمرين، فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة قولاً أو فعلاً فعليه رعايتها وإتمامها، فوجب على ذلك أن من دخل في صلاة أو صوم أو حجّ أو غيرها من القرب فعليه إتمامها، ولا يلزمه إتمامها إلا وهي واجبة عليه فيجب عليه القضاء إذا أفسدها.
ورُوي عن أبي أمامة الباهلي قال :" كان ناس من بني إسرائيل ابتدعوا بِدَعاً لم يكتبها الله عليهم ابتغوا بها رضوان الله فلم يَرْعَوْها حق رعايتها، فعابهم الله بتركها فقال :﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ﴾ الآية ".
سورة الحديد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الحديد) من السُّوَر المدنية، وهي من السُّوَر (المسبِّحات)، التي تبدأ بالتسبيح، جاءت بالتذكيرِ بجلال الله وعظمته، وسلطانه وقوته، ومن ذلك خَلْقُه الحديدَ الذي فيه بأسٌ شديد ومنافعُ للناس؛ فهو الخالق المتصرِّف في الكون كيف شاء سبحانه وتعالى، وجاءت السورة بدلائلِ وَحْدانية الله، ووَحْدة ما دعَتْ إليه الرسالاتُ السماوية.

ترتيبها المصحفي
57
نوعها
مدنية
ألفاظها
575
ترتيب نزولها
94
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
28

* سورة (الحديد):

سُمِّيت سورة (الحديد) بذلك؛ لوقوعِ لفظ الحديد فيها؛ قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا اْلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٞ شَدِيدٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اْللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ وَرُسُلَهُۥ بِاْلْغَيْبِۚ إِنَّ اْللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٞ} [الحديد: 25].

1. الإيمان بالله تعالى، ودلائلُه، وآثاره (١-١٥).

2. الدعوة إلى خشيةِ الله تعالى (١٦-٢٤).

3. وَحْدة الرسالات السماوية (٢٥-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /8).

يشير ابنُ عاشور إلى مقصدِ السورة فيقول: «التذكيرُ بجلال الله تعالى، وصفاتِه العظيمة، وسَعة قُدْرته وملكوته، وعموم تصرُّفه، ووجوب وجوده، وسَعة علمه.

والأمرُ بالإيمان بوجوده، وبما جاء به رسولُه صلى الله عليه وسلم، وما أُنزِلَ عليه من الآيات البيِّنات.

والتنبيه لِما في القرآن من الهَدي وسبيل النجاة.

والتذكير برحمة الله، ورأفته بخَلْقه.

والتحريض على الإنفاق في سبيل الله، وأن المالَ عرَضٌ زائل، لا يَبقَى منه لصاحبه إلا ثوابُ ما أنفَقَ منه في مرضاة الله.

والتخلُّص إلى ما أعد اللهُ للمؤمنين والمؤمنات يوم القيامة من خيرٍ، وضد ذلك للمنافقين والمنافقات». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /356).