ﰡ
قوله: ﴿قَالُواْ نَشْهَدُ﴾ جرى مَجْرى القسمِ كفعل العِلْم واليقين، ولذلك تُلُقِّيَتْ بما يُتَلَقَّى به القسمُ في قوله: ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ الله﴾ وفي قوله:
٤٢٦٢ - ولقد عَلِمْتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتي | إنَّ المنايا لا تَطيشُ سِهامُها |
قوله: ﴿والله يَعْلَمُ﴾ جملةٌ معترضةٌ بين قوله: ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ﴾ وبين قولِه: ﴿والله يَشْهَدُ﴾ لفائدةٍ، قال الزمخشري: «لو قال: قالوا نشهد
٤٢٦٣ - إذا أنتَ لم تجعلْ لِعرْضِكَ جُنَّةً | من المالِ سار الذَّمُّ كلَّ مَسِيرِ |
قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ﴾ في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنَّها مستأنفةٌ. والثاني: أنها خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هم كأنَّهم، قالهما الزمخشري. والثالث: أنها في محلِّ نصبٍ على الحال، وصاحبُ الحالِ الضميرُ في «قولِهم» قاله أبو البقاء. وقرأ أبو عمروٍ والكسائيُّ وقنبلٌ «خُشْب» بضمٍ وسكونٍ، وباقي السبعةِ بضمتين. وقرأ السعيدان: ابنُ جبير وابنُ المسيَّب بفتحتين، ونسبها الزمخشريُّ لابن عباس ولم يذكُرْ غيرَه. فأمَّا القراءةُ بضمتَيْن فقيل: يجوزُ أَنْ تكونَ جمع خشَبَة نحو: ثَمَرَة وثُمُر، قاله الزمشخريُّ، وفيه نظرٌ؛ لأن هذه الصيغةَ محفوظةٌ في فَعَلَة لا تَنْقاس نحو: ثَمَرَة وثُمُر. ونقل الفاسيُّ عن الزبيدي
وأمَّا القراءةُ بضمةٍ وسكونٍ فقيل: هي تخفيفُ الأُولى. وقيل: هي جمعُ خَشْباء وهي الخَشَبةُ التي نُخِر جَوْفُها، أي: فُرِّغَ، شُبِّهوا بها لفراغِ بَواطنِهم مِمَّا يُنْتَفَعُ به. وقيل: هي جمعُ خَشَبة نحو بَدَنَة وبُدْن، قاله الزمخشري.
وأمَّا القراءةُ بفتحتَيْن فهو اسمُ جنسٍ، وأُنِّثَتْ صفتُه كقولِه: ﴿نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] وهو أحدُ الجائزَين.
وقوله: ﴿مُّسَنَّدَةٌ﴾ تنبيهٌ على أنها لا يُنْتَفَعُ بها، كما يُنتفع بالخَشَبِ في سَقْفٍ وغيرِه، أو شبهوا بالأصنامِ؛ لأنهم كانوا يُسْنِدونها إلى الحِيطان.
قوله: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ فيه وجهان، أظهرهما: أنَّ «
﴿هذا رَبِّي﴾ [الأنعام: ٧٧]، وأَنْ يُقَدَّرَ مضافٌ محذوفٌ على «يَحْسَبُون كلَّ أهلِ صحيةٍ» انتهى. وفي الثاني بُعْدٌ بعيدٌ.
قوله: ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ «أنَّى» بمعنى كيف. وقال ابن عطية: ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ «أنَّى» ظرفاً ل «قاتَلَهم» كأنَّه قال: قاتلهم اللهُ كيف انصَرفوا، أو صُرِفوا؟ فلا يكونُ في القولِ استفهامٌ على هذا «انتهى. وهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ» أنَّى «إنما هي بمعنى كيف، أو بمعنى أين الشرطيةِ أو الاستفهاميةِ، وعلى التقادير الثلاثةِ فلا تَتَمَحَّضُ للظرفِ فلا يعملُ فيها ما قبلَها البتةَ، كما لا تعمل في أسماءِ الشرطِ والاستفهامِ.
قوله: ﴿لَوَّوْا﴾ هذا جوابُ «إذا». وقرأ نافع «لَوَوْا» مخففاً، والباقون مشدَّداً على التكثير و «يَصُدُّون» حال لأنَّ الرؤيةَ بَصَريَّةٌ، وكذا قولُه «وهم مُستكبرون» حالٌ أيضاً: إمَّا من صاحب الحالِ الأولى، وإمَّا مِنْ فاعل «يَصُدُّون» فتكونُ متداخلةً. وأتى ب «يَصُدُّون» مضارعاً دلالةً على التجدُّدِ والاستمرار. وقرِىء «يَصِدُّون» بالكسر وقد تقدَّمنا في الزخرف.
وقال ابن عطية:» قرأ أبو جعفر يعني يزيد بن القعقاع «آستغفرْتَ» بمَدَّة على الهمزةِ. وهي ألفُ التسوية. وقرأ أيضاً بوَصْلِ الألف دون همز على الخبر، وفي هذا كلِّه ضَعْفٌ؛ لأنه في الأولى أثبت هَمزةَ الوصلِ، وقد أغنتْ عنها همزةُ الاستفهام، وفي الثانية حَذَفَ همزةَ الاستفهام، وهو يُريدها، وهذا ممَّا لا يُسْتعملُ إلاَّ في الشعر «. قلت: أمَّا قراءتُه» استغفرْتَ «بوَصْلِ الهمزة فرُوِيَتْ أيضاً عن أبي عمروٍ، إلاَّ أنه هو يضُمُّ ميم» عليهم «عند وَصْلِه الهمزةَ؛ لأن أصلَها الضمُّ، وأبو عمرو يكسِرُها على أصلِ التقاء الساكنين. وأمَّا قولُه:» وهذا ممَّا لا يُسْتعمل إلاَّ في شعرٍ «فإنْ أراد بهذا مَدَّ هذه الهمزةِ في هذا المكانِ فصحيحٌ، بل لا نجده أيضاً، وإن أرادَ حَذْفَ همزةَ الاستفهام فليس بصحيحٍ لأنَّه يجوزُ حَذْفُها إجماعاً قبل» أم «نثراً ونَظْماً، وأمَّا دونَ» أم «ففيه خلافٌ، والأخفشُ يُجَوِّزُهُ ويجعلُ منه ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ﴾ [الشعراء: ٢٢] وقولَه:
٤٢٦٤ - طَرِبْتُ وما شَوْقاً إلى البيضِ أَطْرَبُ | ولا لَعِباً مني وذو الشَّيْبِ يَلْعَبُ |
٤٢٦٥ - أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ وأَنْ | أُوْرَثَ ذَوْداً شصائِصاً نَبْلا |
٤٢٦٦ - لَعَمْرُكَ ما أَدْري وإنْ كنتُ داريا | بسَبْعٍ رَمَيْنَ الجَمْر أم بثمانٍ |
٤٢٦٧ - فَأَرْسَلَها العِراكَ......... | .......................... |
٤٢٦٨ - بَداليَ أني لَسْتُ مُدْرِكَ ما مَضَى | ولا سابقٍ شيئاً إذا كان جائيا |
٤٢٦٩ - فظلَّ طُهاةُ اللحمِ مِنْ بينِ مُنْضِجٍ | صَفيفِ شِواءٍ قَديرٍ مُعَجَّلِ |