تفسير سورة المنافقون

تفسير مقاتل بن سليمان

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة المنافقون
مدنية عددها إحدى عشرة آية كوفية

﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ ﴾ يعني نحلف ﴿ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ ﴾ يعني يقسم ﴿ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ١] في حلفهم ﴿ ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ ﴾ يعني حلفهم الذي حلفوا أنك لرسول الله ﴿ جُنَّةً ﴾ من القتل ﴿ فَصَدُّواْ ﴾ الناس ﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني دين الإسلام ﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا ﴾ يعني بئس ما ﴿ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢] يعني النفاق ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ﴾ يعني أقروا ﴿ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ بالكفر ﴿ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ [آية: ٣].
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ يعني عبدالله بن أبى، وكان رجلاً جسيماً صبيحاً ذلق اللسان، فإذا قال: سمع النبى صلى الله عليه وسلم لقوله: ﴿ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ فيها تقديم يقول: كأن أجسامهم خشب بعضها على بعض قياماً، لا نسمع، ولا نعقل، لأنها خشب ليست فيها أرواح، فكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا يعقلون، ليس في أجوافهم إيمان فشبه أجسامهم بالخشب ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ ﴾ أنها ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ يقول: إذا نادى مناد في العسكر أو أفلتت دابة، أو أنشدت ضالة يعني طلبت، ظنوا أنما يرادون بذلك مما في قلوبهم من الرعب. ثم قال: ﴿ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ يعني لعنهم الله ﴿ أَنَّى ﴾ يعني من أين ﴿ يُؤْفَكُونَ ﴾ [آية: ٤] يعني يكذبون.
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ﴾ يعني عبدالله بن أبي ﴿ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ ﴾ يعني عبد الله بن أبى ﴿ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ ﴾ يعني عطفوا رءوسهم رغبة عن الاستغفار ﴿ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾ عن الاستغفار ﴿ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ [آية: ٥] يعني عطف رأسه معرضاً، فقال عبدالله بن أبى للذى دعاه إلى استغفار النبى صلى الله عليه وسلم ما قلت؟ كأنه لم يسمع حين دعاه إلى الاستغفار، يقول الله تعالى: ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ﴾ من الضلالة إلى دينه ﴿ ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ ﴾ [آية: ٦] يعني العاصين، يعني عبدالله بن أبي.
ثم قال: ﴿ هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ ﴾ يعني عبدالله بن أبي ﴿ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ ﴾ وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع غانماً من غزاة بنى لحيان، وهم حى من هذيل، هاجت ريح شديدة ليلاً، وضلت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما هذه الريح؟ قال: " موت رجل من رءوس المنافقين توفى بالمدينة "، قالوا: من هو؟ قال: " رفاعة بن التابوه "، فقال رجل منافق: كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب، ولا يعلم مكان ناقته أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟ فقال له رجل: اسكت، فوالله لو أن محمداً يعلم بهذا الزعم لأنزل عليه فينا، ثم قام المنافق، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوجده يحدث أصحابه أن رجلاً من المنافقين شمت بى، بأن ضالت ناقتي، قال: كيف يزعم محمد أنه يعلم الغيب، أفلا يخبره الذي يأتيه بالغيب بمكان ناقته؟ " لعمرى، لقد كذب، ما أزعم أني أعلم الغيب، ولا أعلمه، ولكن الله تعالى أخبرنى بقوله، وبمكان ناقتي، وهي في الشعب، وقد تعلق زمامها بشجرة ". فخرجوا من عنده يسعون قبل الشعب، فإذا هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءوا بها، والمنافق ينظر، فصدق مكانه، ثم رجع إلى أصحابه، فقال: أذكركم الله، هل قام أحد منكم من مجلسه؟ أو ذكر حديثى هذا إلى أحد؟ قالوا: لا، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، والله لكأني لم أسلم إلا يومي هذا، قالوا: وما ذاك؟ قال: وجدت النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس بحديثي الذي ذكرت لكم، وأنا أشهد أن الله أطلعه، وأنه لصادق، فسار حتى دنا من المدينة فتحاور رجلان أحدهم عامرى، والآخر جهنى، فأعان عبدالله بن أبي المنافق الجهني، وأعان جعال بن عبدالله بن سعيد العامرى، وكان جعال فقيراً، فقال عبدالله لجعال: وإنك لهناك، فقال: وما يمنعني أن أفعل ذلك فاشتد لسان جعال على عبدالله، فقال عبدالله: مثلي ومثلك كما قال الأول ممن كلبك يأكلك، والذى يحلف به عبدالله لأذرنك، ولهمك غير هذا. قال جعال: ليس بيدك، وإنما الرزق بيد الله تعالى، فرجع عبدالله غضبان؟ فقال لأصحابه: والله، ولو كنتم تمنعون جعالاً، وأصحاب جعال الطعام الذي من أجله ركبوا رقابكم لأوشكوا أن يذروا محمداً صلى الله عليه وسلم ويلحقوا بعشائرهم ومواليهم، لا تنفقوا عليهم ﴿ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ ﴾ يعني حتى يتفرقوا من حول محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لو أن جعالاً أتى محمداً فأخبره لصدقه، وزعم أني ظالم، ولعمري، إني ظالم إذ جئنا بمحمد من مكة، وقد طرده قومه فواسيناه بأنفسنا، وجعلناه على رقابنا، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولنجلعن علينا رجلاً منا، يعني نفسه، يعني بالأعز نفسه وأصحابه، ويعنى بالأذل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقام زيد بن أرقم الأنصارى، وهو غلام شاب: أنت والله الذليل القصير المبغض في قومك، ومحمد صلى الله عليه وسلم في عز من الرحمن، ومودة من المسلمين، والله لا أحبك بعد هذا الكلام أبداً. فقال عبدالله: إنما كنت ألعب معك، فقام زيد فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليه قول عبدالله بن أبى، وفشا في الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم غضب على عبدالله لخبر زيد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عبدالله، فاتاه ومعه رجال من الأنصار يرفدونه ويكذبون عنه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني عنك "، قال عبدالله: والذى أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك قط، وإن زيداً لكاذب وما عملت عملاً قط أرجى في نفسي أن يدخلني الله به الجنة من غزاتي هذه معك، وصدقه الأنصار، وقالوا: يا رسول الله، شيخنا وسيدنا لا يصدق عليه قول غلام من غلمان الأنصار مشى بكذب ونميمة فعذره النبي صلى الله عليه وسلم، وفشت الملامة لزيد في الأنصار، وقالوا: كذب زيد، وكذبه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان زيد يساير النبي صلى الله عليه وسلم في المسير قبل ذلك، فاستحى بعد ذلك أن يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى تصديق زيد، وتكذيب عبدالله: فقال: ﴿ هُمُ ﴾ يعني عبدالله ﴿ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ يعني مفاتيح الرزق والمطر والنبات ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ [آية: ٧] الخير.
ثم قال: يعني عبدالله ﴿ يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ ﴾ يعني الأمنع منها الأذل ﴿ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ فهؤلاء أعز من المنافقين ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٨] ذلك، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم يسير ويتخلل على ناقته حتى أدرك زيداً فأخذ بأذنه ففركها حتى أحمر وجهه، فقال لزيد: أبشر فإن الله تعالى قد عذرك، ووقى سمعك، وصدقك، وقرأ عليه الآيتين، وعلى الناس فعرفوا صدق زيد وكذب عبدالله.
قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعني أقروا يعني المنافقين ﴿ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾ يعني الصلاة المكتوبة ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ يعني ترك الصلاة ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ من الأموال ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ ﴾ يعني المنافق، فيسأل الرجعة عند الموت إلى الدنيا، ليزكي ماله، ويعمل فيها بأمر الله عز وجل، فذلك قوله: ﴿ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلاۤ ﴾ يعني هلا ﴿ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ لأن الخروج من الدنيا إلى قريب ﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾ يعني فأزكي مالي ﴿ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ١٠] يعني المؤمنين، مثل قوله: ﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [التوبة: ٧٥]، يعني المؤمنين ﴿ وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١١] من الخير والشر، يعني المنافقين.
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).