تفسير سورة المنافقون

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿إِذَا جَآءَكَ المُنَافِقُونَ﴾ يَقُول إِذا جَاءَك مُنَافِقُو أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس وَكَانُوا بني عَم ﴿قَالُواْ نَشْهَدُ﴾ نحلف بِاللَّه ﴿إِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَرَسُولُ الله﴾ نعلم ذَلِك وضميرنا على ذَلِك ﴿وَالله يَعْلَمُ﴾ يشْهد ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ من غير شَهَادَة الْمُنَافِقين ﴿وَالله يَشْهَدُ﴾ يعلم ﴿إِنَّ الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ﴾ فِي حلفهم لَا يعلمُونَ ذَلِك وَضمير قُلُوبهم على غير ذَلِك
﴿اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ حلفهم بِاللَّه ﴿جُنَّةً﴾ من الْقَتْل ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ فصرفوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بئس مَا كَانُوا يصنعون فِي كفرهم ونفاقهم من الْمَكْر والخيانة وَصد النَّاس
﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت من أَمر الْمُنَافِقين ﴿بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ﴾ بالعلانية ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ وثبتوا على الْكفْر فِي السِّرّ ﴿فَطُبِعَ﴾ فختم ﴿على قُلُوبِهِمْ﴾ عُقُوبَة لكفرهم ونفاقهم ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ الْحق وَالْهدى
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد عبد الله بن أبي وصاحبيه ﴿تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ صور أجسامهم وَحسن منظرهم ﴿وَإِن يَقُولُواْ﴾ إِنَّا لنعلم أَنَّك لرَسُول الله ﴿تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ تصدق قَوْلهم وتظن أَنهم صَادِقُونَ وَلَيْسوا بصادقين ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ يَعْنِي كَأَن أجسامهم ﴿خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾ إِلَى الْحَائِط يَقُول لَيْسَ فِي قُلُوبهم نور وَلَا خير كَمَا أَن الْخشب الْيَابِس لَيْسَ فِيهِ روح وَلَا رُطُوبَة ﴿يَحْسَبُونَ كل صَيْحَة﴾ كل صَوت فى الْمَدِينَة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ من الْجُبْن ﴿هُمُ الْعَدو فَاحْذَرْهُمْ﴾ وَلَا تَأْمَنهُمْ ﴿قَاتَلَهُمُ الله﴾ لعنهم الله ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ كَيفَ يكذبُون وَيُقَال كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ قَالَ لَهُم عَشَائِرهمْ بعد مَا افتضحوا ﴿تَعَالَوْاْ﴾ إِلَى رَسُول الله وتوبوا من الْكفْر والنفاق ﴿يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لووا رؤوسهم﴾ عكفوا وعطفوا وغطوا رؤوسهم ﴿وَرَأَيْتَهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يَصُدُّونَ﴾ يصرفون عَن الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة والإتيان إِلَيْك ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ متعظمون عَن التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار
﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ﴾ على الْمُنَافِقين ﴿أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ على مَا أَقَامُوا على ذَلِك ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يغْفر ﴿الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ الْمُنَافِقين من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على النِّفَاق
﴿هُمُ الَّذين يَقُولُونَ﴾ قَالَ هَذَا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك ﴿لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله﴾ من ذَوي الْحَاجة والفقر ﴿حَتَّى يَنفَضُّواْ﴾ يتفرقوا من عِنْده ويلحقوا بعشائرهم
472
﴿وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات بالرزق الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات ﴿وَلَكِن الْمُنَافِقين﴾ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿لاَ يَفْقَهُونَ﴾ أَن الله يرزقهم
473
﴿يَقُولُونَ﴾ قَالَ هَذَا أَيْضا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك ﴿لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَة﴾ من غزوتنا هَذِه ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَز﴾ الْقوي يعنون عبد الله بن أبي ﴿مِنْهَا﴾ من الْمَدِينَة ﴿الْأَذَل﴾ الذَّلِيل الضَّعِيف مِنْهُم يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المنعة وَالْقُدْرَة على الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿وَلَكِن الْمُنَافِقين لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون وَفِيه قصَّة زيد بن أَرقم
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿لاَ تُلْهِكُمْ﴾ لَا تشغلكم ﴿أَمْوَالُكُمْ﴾ بِمَكَّة ﴿وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ﴾ بِمَكَّة ﴿عَن ذِكْرِ الله﴾ عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك﴾ من يَله بِالْمَالِ وَالْولد عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد ﴿فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون﴾ المغبونون بالعقوبة
﴿وَأَنفِقُواْ﴾ تصدقوا فِي سَبِيل الله ﴿مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ أعطيناكم من الْأَمْوَال وَيُقَال أَدّوا زَكَاتكُمْ ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت﴾ سُلْطَان الْمَوْت ﴿فَيَقُول رب لَوْلَا أخرتني﴾ هلا أجلتني ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ مثل أجل الدُّنْيَا ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ من مَالِي وأزكي من مَالِي ﴿وأكن من الصَّالِحين﴾ أحج بِهِ وأكن من الحاجين
﴿وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ﴾ ﴿وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين وَأما قَوْله فَأَصدق إِن فسرت على الْمُنَافِقين يَقُول فَأَصدق إيماني وأكن من الصَّالِحين يَقُول أفعل بِمَالي كَفعل الْمُؤمنِينَ والمصدقين بإيمَانهمْ
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا التغابن مَكِّيَّة ومدنية آياتها ثَمَانِيَة عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).