تفسير سورة المنافقون

المنتخب في تفسير القرآن الكريم

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
اشتملت هذه السورة على طائفة من أوصاف المنافقين، فذكرت أنهم يعلنون إيمانهم بألسنتهم غير صادقين، بينت أنهم يجعلون إيمانهم الكاذبة وقاية لهم من وصف الكفر الذي هم عليه ومجازاتهم به، كما بينت أنهم ذوو أجسام حسنة تعجب من رآها، وأصحاب فصاحة يستمع إليها، وهم مع ذلك فارغة قلوبهم من الإيمان كأنهم خشب مسندة لا حياة فيهم.
وعرضت لحالهم حين يدعون ليستغفر لهم رسول الله مبينة أنهم يستكبرون، ويظهرون إعراضهم عن الاستجابة متعالين.
ثم انتقلت إلى ما زعمه المنافقون من أنهم أعزة وأن المؤمنين أذلة، وما توعدوا به المؤمنين من إخراجهم بعد رجوعهم إلى المدينة، مبينة أي الفريقين هو الأعز.
ووجهت في ختامها الخطاب للمؤمنين لينفقوا في سبيل الله، مبادرين إلى ذلك قبل أن يأتي أحدهم الموت، فيندم ويتمنى أن لو تأخر أجله، ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها.

١- إذا جاءك المنافقون - يا محمد - قالوا بألسنتهم : نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون في دعواهم الإيمان بك لعدم تصديقهم بقلوبهم.
٢- جعلوا أيمانهم الكاذبة وقاية لهم من المؤاخذة، فمنعوا أنفسهم عن طريق الله المستقيم. إنهم قَبُحَ ما كانوا يعملون في النفاق والأيمان الكاذبة.
٣- ذلك - الذي دأبوا عليه من الظهور بغير حقيقته والحلف بالأيمان الكاذبة - بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم، ثم كفروا بقلوبهم، فختم على قلوبهم بهذا الكفر، فهم لا يفهمون ما ينجيهم من عذاب الله.
٤- وإذا أبصرتهم تُعجبك أجسامهم لوجاهتهم، وإن يتحدثوا تسمع لقولهم لحلاوته، وهم مع ذلك فارغة قلوبهم من الإيمان كأنهم خُشب مسندة لا حياة فيها. يحسبون كل نازلة عليهم - لشعورهم بحقيقة حالهم - هم العدو فاحذرهم - طردهم الله من رحمته - كيف يُصرفون عن الحق إلى ما هم عليه من النفاق.
٥- وإذا قيل لهم : أقبلوا يستغفر لكم رسول الله حركوا رؤوسهم استهزاء، ورأيتهم يُعرضون وهم مستكبرون عن الامتثال.
٦- سواء على هؤلاء المنافقين استغفارك لهم أو عدم استغفارك لأنهم لن يرجعوا عن نفاقهم، فلن يغفر الله لهم، إن الله لا يهدى إلى الحق الخارجين على أمره، وغير المؤمنون به.
٧- هم الذين يقولون لأهل المدينة : لا تُنفقوا على مَن عند رسول الله من المؤمنين حتى يتفرقوا عنه، ولله خزائن السموات والأرض وما فيها من أرزاق يعطيها من يشاء ولكن المنافقين لا يفهمون ذلك.
٨- يقول المنافقون متوعدين : والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن فريقنا الأعز منها فريق المؤمنين الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين لا لهؤلاء المتوعدين، ولكن المنافقين لا يعلمون.
٩- يا أيها الذين صدَّقوا بالله ورسوله، لا تشغلكم العناية بأموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله وأداء ما فرضه عليكم، ومن تشغله أمواله وأولاده عن ذلك فأولئك هم الخاسرون يوم القيامة.
١٠- وأنفقوا - أيها المؤمنون - من الأموال التي رزقناكم مبادرين بذلك من قبل أن يأتي أحدكم الموت، فيقول نادماً : رب هلا أمهلتني إلى وقت قصير، فَأَصَّدَّق وأكن من الصالحين في عمل الصالحات.
١١- ولن يمهل الله نفساً إذا حان وقت موتها، والله تام العلم بما تعملون، يجازيكم عليه.
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).