تفسير سورة المنافقون

تفسير النسائي

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب تفسير النسائي
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ [١]٦١٤- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا يحيى بن آدم، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، عن الأعمش، عن عمرو بن مُرَّة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن زيد بن أرقم، قال: لمَّا قال عبد اللهِ بن أُبيٍّ ما قال، جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فحلفَ أنهُ لم يقل، فجعل الناسُ يقولون تأتي رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم بالكذبِ حتى جلستُ في البيت مخافة إذا رآني الناسُ أن يقولوا كذبت حتى أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ (هذه الآيةَ) ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ ﴾ [١] الآيةُ. ٦١٥- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا يحيى بنُ آدم، قال: حدثنا مالكُ بن مِغولٍ، عن واصلٍ الأحدبِ، عن أبي وائلٍ، عن حذيفة قال: قيل له، المُنافقون اليوم أكثر أم على عهد (رسول الله) صلى الله عليه وسلم؟ قال: بل هم اليوم أكثرُ؛ لأنهُ كان يومئذٍ يستسِرُّونه واليوم يستعلِنونهُ. ٦١٦- أخبرنا محمد بن يحيى بن محمدٍ، قال: حدثنا عمرُ بن حفصٍ بن غياثٍ، قال: حدثنا أبي، قال: نا الأعمشُ، حدثني إبراهيمُ، عن الأسودِ، قال: كُنا جُلُوساً في حلقةٍ فيها عبدُ الله، فجاء حُذيفة حتى قام علينا فسلَّم ثم قال: لقد أنزل اللهُ النِّفاقَ على قومٍ (و) كانوا خيراً منكم، قال الأسودُ: سُبحان اللهِ، إن الله [عزَّ وجلَّ] يقولُ﴿ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ ﴾[النساء: ١٤٥] فتبسم عبد الله، وانطلق حُذيفةُ حتى جلس في ناحية المسجدِ، وقام عبد الله وتفرق أصحابهُ، قال: فرماني بالحصا فأتيتُهُ، فقال حُذيفةُ: عجبتُ من ضَحِكِهِ وقد عرف ما قلتُ: أجل: قد أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ/ النِّفاق على قومٍ خيرٍ مِنكم (ثم) تابوا فتاب اللهُ عليهم.
قولهُ: ﴿ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ ﴾ [٧]٦١٧- أخبرنا محمدُ بن بشارٍ، قال: حدثنا محمدُ بن جعفرٍ [وابن أبي عديٍّ]، قالا: حدثنا شعبةُ، عن الحكمِ، عن محمد بن كعبٍ القُرظيِّ، عن زيد بن أرقم، قال:" كنتُ/ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تبوك فقال: عبد الله بنُ أُبي: ﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ ﴾ [٨] فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فحلف عبدُ الله أنه لم يذكر شيئاً ولامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا؟ فأرسل إليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله [عزَّ وجلَّ] قد أنزل عُذرك، فنزلت هذه الآيةُ ﴿ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ ﴾ - حتى بلغ - ﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ ﴾ ". قولهُ: ﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ ﴾ [٨]٦١٨- أخبرنا أبو داود، قال: حدثنا الحسنُ - يعني ابن محمد بن أعين، قال: نا زهيرٌ، قال: حدثنا أبو إسحاق أنه سمع زيد بن أرقم يقول:" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ أصاب الناس فيه شدَّةٌ، فقال عبد اللهِ بنُ أُبيٍّ: - وأنا أسمعُهُ - لأصحابه ﴿ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ ﴾ [٧] من حولِهِ وقال ﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ ﴾ قال: فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهُ ذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أُبيٍّ، فسألهُ فاجتهد يمينهُ، قالوا: كذب زيدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع في نفسي ممَّا قالوا شدةٌ حتى أنزل اللهُ عزَّ وجلَّ تصديقي في ﴿ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ ﴾ [المنافقون: ١] قال: ودعاهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم فلوَّوا رُؤُوسهم ". ٦١٩- أخبرنا محمدُ بنُ منصورٍ، عن سُفيان، عن عمرو، قال: سمعتُ جابراً يقولُ:" كُنَّا مع (رسولِ اللهِ) صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ فكسعَ رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال المُهاجريُّ: يا للمُهاجرين وقال الأنصاريُّ: يا للأنصارِ، فسمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما بال دعوى الجاهليةِ " فقالوا: يا رسول اللهِ كَسَعَ رجلٌ من المهاجرين رجُلاً من الأنصار. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دَعُوهَا/ فإنها مُنتنةٌ "، (فبلغ) ذلك عبد اللهِ بن أُبيِّ بن سلولٍ فقال: أَفَعَلُوها؟ ﴿ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ ﴾ [٨] فقال عُمر: دعني أضربْ عُنُق هذا قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " لايَتَحَدَّثَنَّ الناسُ أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - يَقْتُلُ أصحابهُ " ".
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).