تفسير سورة التغابن

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة التغابن من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾؛ قد تقدَّمَ تفسيرهُ، وقوله: ﴿ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ ﴾؛ أي له الْمُلْكُ الدائمُ الذي لا يزولُ، وله الحمدُ في السَّماواتِ والأرض.
﴿ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ من أمُور الدُّنيا والآخرةِ.
﴿ قَدِيرٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾؛ ظاهرُ المعنى.
قولهُ تعالى: ﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾؛ أي صوَّرَكم في أرحامِ الأُمَّهات، فجعلَ صُورَكم أحسنَ من صُور سائرِ الحيوانات.
﴿ وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ ﴾؛ في الآخرةِ، وباقي الآيتين.
﴿ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾؛ ظاهرُ المعنى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾؛ أي ألَمْ يأتِكُم خبَرُ الذين كفَرُوا من قبلِكم من الأُمم الخاليةِ كيف أذاقَهم اللهُ عقوبةَ تكذيبهم في الدُّنيا ولَهم في الآخرةِ عذابٌ. جميعُ.
﴿ ذَلِكَ ﴾؛ العذاب.
﴿ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ ﴾؛ أي بالمعجزات.
﴿ فَقَالُوۤاْ أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾؛ فقالوا آدَمِيٌّ مِثلُنا يَدعُونا إلى خلافِ دينِ آبائنا.
﴿ فَكَفَرُواْ ﴾؛ بالكتُب والرُّسل وأعرَضُوا عن القبولِ منهم.
﴿ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ ﴾؛ عن إيمانِهم وطاعتهم.
﴿ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ ﴾؛ عن أفعالِ العباد.
﴿ حَمِيدٌ ﴾؛ في إنعامهِ عليهم. ومعنى قولهِ ﴿ وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ أصلُ الْوَبَالِ مِنَ الثُّقْلِ، يقالُ: أمرٌ وَبيلٌ؛ أي ثقيلٌ، يسمى جزاءُ المعصية وَبَالاً لِثِقَلِهِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ زَعَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَن لَّن يُبْعَثُواْ ﴾؛ أي قال كفارُ مكَّة قولاً بالظنِّ غير يقينٍ أنَّهم لا يُبعَثون بعد الموتِ.
﴿ قُلْ ﴾؛ لَهم يا مُحمَّدُ: ﴿ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ﴾؛ بعدَ الموتِ.
﴿ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ﴾؛ في الدُّنيا ﴿ وَذَلِكَ ﴾؛ الجزاءُ والبعثُ.
﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾؛ أي سهلٌ هيِّن.
﴿ فَآمِنُواْ ﴾؛ يا أهلَ مكَّة.
﴿ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾؛ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَٱلنّورِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلْنَا ﴾؛ يعني القرآنَ.
﴿ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ﴾؛ يعني يومَ القيامةِ يُجمَعُ فيه الأوَّلون والآخِرون.
﴿ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ ﴾؛ يَغْبنُ فيه أهلُ الحقِّ أهلَ الباطلِ، وأهلُ الإيمانِ أهلَ الكفرِ، فلا غُبْنَ أبْيَنُ منه، هؤلاءِ يدخُلون الجنةَ وهؤلاء يدخُلون النارَ. والغُبْنُ: فَوْتُ الحظِّ والمرادِ. وعن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:" مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ وَقَدْ رَأى مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار لَوْ أسَاءَ لِيَزْدَادَ شُكْراً. وَمَا مِنْ عَبْدٍ كَافِرٍ يَدْخُلُ النَّارَ إلاّ وَقَدْ رَأى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْ أحْسَنَ لِيَزْدَادَ حَسْرَةً ". فالْمَغْبُونُ من غُبنَ أهلَهُ ومنازلَهُ من الجنَّةِ، ويظهرُ يومئذ غُبْنُ كلِّ كافرٍ بتركِ الإيمان، وغُبْنُ كلِّ كافرٍ بتقصيرهِ في الأحسن وتضييعهِ الأيامَ. ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾؛ أي ما أصابَ أحداً في البدنِ والأهل والمالِ إلاّ بعلمِ الله وقضائه.
﴿ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ ﴾؛ أي مَن يصدِّقْ بأنَّ المصيبةَ من اللهِ.
﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾، للرِّضا والصبرِ، ويقالُ: يُوَفِّقْهُ للاسترجاعِ. وقرأ السُّلميُّ: (يُهْدَ قَلْبَهُ) عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِِلُهُ، وقرأ طلحةُ بن مصرِّف بالهمزِ والرفعِ في قوله (يُهْدِئْ قَلْبَهُ) على معنى يُسْكِنُ قلبَهُ. ﴿ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ * ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ ﴾؛ وذلك أنَّ الرجُلَ كان لا يستطيعُ أن يهاجرَ مع أزواجهِ وأولاده، وكان إذا أرادَ أن يُهاجر بنفسهِ تعلَّقت به امرأتهُ وأولاده وقالوا له: إلى مَن تدَعُنا؟ نُنشِدُكَ اللهَ أن تجلِسَ وتدعَ الهجرةَ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ بالمدينةِ، ينهَاهُم عن ذلك ويحذِّرُهم طاعةَ الأزواجِ والأولادِ في معصية الله، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ ﴾.
ودخول (مِنْ) هنا يدلُّ على أنه ليس جميعُ الأزواجِ والأولاد عدُوّاً، وإنما منهم من يحبُّ هلاكَكُم ليرثَ مالَكم، وأيُّ عدُوٍّ أعدَى ممن يحبُّ موتَكَ لمنفعةِ نفسه، ومنهم من يحملُوكم على أنْ تَعصُوا اللهَ بأخذِ غيرِ الواجب، ويمنعُ الواجبَ لمنفعةٍ ترجعُ إليهم، ومعنى قولهِ تعالى ﴿ فَٱحْذَرُوهُمْ ﴾ أي فاحذرُوا أن تُطِيعُوهم وتدَعُوا الهجرةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وذلك أنَّ الرجُلَ كان إذا أرادَ الجهادَ والهجرة عرضَ على امرأتهِ وقَرائِبه إذا أبَوا عليه أقسَمَ أنْ لا يُنفِقَ عليهم، فإذا عادَ كفَّ عن النفقةِ ليَمِينهِ، فقيل لَهم: ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ ﴾ أي وإنْ تَعفُوا عنهم وتُجاوزُوا عن صَدِّهم إياكم، وتَغفِرُوا ذُنوبَهم بعدَ ما رجَعتُم وبعدَ ما اجتَمَعتُم في دار الهجرة، ولم تُكافِؤُوهم عن سوءِ ما فَعلوهُ.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ يغفرُ لَكم كذلكَ كثيراً من ذُنوبكم. وَقِيْلَ: معنى الآية: إنَّ الرجل من هؤلاءِ إذا رأى الناسَ قد سبَقوهُ إلى الهجرةِ وتفَقَّهوا في الدِّين همَّ أن يُعاقِبَ زوجتَهُ وأولادَهُ الذين يُبطِئونَهُ عن الهجرةِ، وإنْ لَحِقُوا به في الهجرةِ لم يُنفِقْ عليهم، فأنزلَ اللهُ تعالى ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾؛ أي بلاءٌ وشُغْلٌ عن الآخرةِ، والإنسانُ بسبب المال والولدِ يقعُ في العظائمِ ويتناولُ الحرامَ إلاَّ مَن عصمَهُ اللهُ.
﴿ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾؛ إنْ لم يشغَلهُ مالهُ وولدهُ عن طاعةِ الله. وعن بُرَيدَةَ قال:" كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثِرَانِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ، فَحَمَلَهُمَا فَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: " صَدَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ نَظَرْتُ إلَى هَذيْنِ الصَّبيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثرَانِ، فَلَمْ أصْبرْ عَنْهُمَا حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا " ثُمَّ أخَذ رََسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ ".
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ ﴾؛ أي اتَّقُوا اللهَ جُهدَكم وقَدِّروا سَعيَكم باجتناب محارمهِ وأداء فرائضهِ وجميع طاعاتهِ.
﴿ وَٱسْمَعُواْ ﴾؛ ما تُؤمَرون به.
﴿ وَأَطِيعُواْ ﴾؛ أمرَ رسولهِ.
﴿ وَأَنْفِقُواْ ﴾؛ مِن أموالِكم في طاعةِ الله يكن ذلك.
﴿ خَيْراً لأَنفُسِكُمْ ﴾؛ لأنَّ نفعَ الآخرةِ أعظمُ، ويقالُ: الخيرُ ها هنا المالُ، كأنَّهُ قال: أنفِقُوا مَالاً من أموالِكم، وهذه الآية نسَخَتْ قولَهُ تعالى:﴿ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾[آل عمران: ١٠٢].
وقولهُ تعالى: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾؛ أي من يدفَعْ عنه بُخْلَ نفسهِ فأُولئك هم الْمُزَكُّونَ لطلبتهم. والشُّحُّ الذي في اللغة: منعُ الواجب، ومن الشُّحِّ أن يعمدَ الرجلُ إلى مالِ غيره فيأكلهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِن تُقْرِضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾؛ معناهُ: إنْ تُعطوا في الصَّدقة مالاً عن حُسبَةٍ صادقةٍ من قُلوبكم، يَقْبَلْهُ منكم ويُضاعِفْهُ لكم ويغفِرْ لكم ذُنوبَكم.
﴿ وَٱللَّهُ شَكُورٌ ﴾؛ يقبَلُ اليسيرَ ويُعطِي الجزيلَ من الثواب.
﴿ حَلِيمٌ ﴾؛ لا يعجِّلُ بالعقوبةِ على من بَخِلَ بالصَّدقة، واستحقَّ العقوبةَ على ذنوبهِ.
﴿ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾؛ أي يعلمُ ما تُكِنُّهُ صدورُكم مما لا تعلمهُ الْحَفَظَةُ، ويعلمُ كلَّ ما ظهرَ مما سقطَ من ورقةٍ، وما قَطَرَ من قطرِ المطرِ، وهو.
﴿ ٱلْعَزِيزُ ﴾؛ في مُلكه وسلطانه.
﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾؛ في أمرهِ وقضائه.
سورة التغابن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التغابُنِ) من السُّوَر المدنية، وقد افتُتحت بتعظيم الله عزَّ وجلَّ، وجاءت مُحذِّرةً الناسَ من يوم القيامة وهولِه؛ للعودة إلى طريق النجاح؛ وهو صراط الله المستقيمُ الذي بيَّنه صلى الله عليه وسلم، و(التغابُنُ): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
64
نوعها
مدنية
ألفاظها
242
ترتيب نزولها
108
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14]:

سأل رجُلٌ ابنَ عباسٍ عن هذه الآيةِ، فقال رضي الله عنه: «هؤلاء رجالٌ أسلَموا مِن أهلِ مكَّةَ، وأرادوا أن يأتُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجُهم وأولادُهم أن يَدَعوهم أن يأتوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أتَوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأَوْا أصحابَهم قد فَقِهوا في الدِّينِ، هَمُّوا أن يُعاقِبوهم؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14] الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٣١٧).

* سورة (التغابُنِ):

سُمِّيت سورة (التغابن) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (التغابن) فيها؛ قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ اْلْجَمْعِۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ اْلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِاْللَّهِ وَيَعْمَلْ صَٰلِحٗا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدْخِلْهُ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ اْلْفَوْزُ اْلْعَظِيمُ} [التغابن: 9].

يقول القُرْطُبيُّ: «وسُمِّي يومُ القيامة يومَ التغابن؛ لأنه غبَنَ فيه أهلُ الجنَّةِ أهلَ النار؛ أي: إن أهلَ الجنَّة أخذوا الجنَّةَ، وأخذ أهلُ النارِ النارَ، على طريقِ المبادَلة؛ فوقَع الغَبْنُ لأجلِ مبادَلتِهم الخيرَ بالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ، والنعيمَ بالعذاب.

يقال: غبَنْتُ فلانًا: إذا بايَعْتَه أو شارَيْتَه، فكان النقصُ عليه، والغلَبةُ لك، وكذا أهلُ الجنَّة وأهلُ النار». "تفسير القرطبي" (18 /136).

1. الإيمان بالله تعالى (١-٤).

2. المَغْبُونون (٥-٧).

3. التغابُنُ (٨-١٠).

4. على طريق النجاح (١١-١٣).

5. فتنة الأهل والمال (١٤-١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /191).

اشتملت سورةُ (التغابُنِ) على تنزيهِ الله عز وجل من النقائص، واتصافِه بالعدل والكمال المطلق، وأتت السورة بالمبالغة في تحذيرِ الناس من يوم القيامة الذي يَفصِل اللهُ فيه بين الخلائق؛ لإحقاق الحق؛ ففيه يُقتصُّ لكل مخلوق، وتُرَدُّ كلُّ الحقوق، و(التغابن): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /90)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /259).