تفسير سورة التغابن

المحرر في أسباب نزول القرآن

تفسير سورة سورة التغابن من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن.
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة التغابن
١٨٦ - قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وسأله رجل عن هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ) قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما أتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رأوا الناس قد فقهوا في الدين هَمُّوا أن يعاقبوهم فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
1021
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا اللَّه ورسوله: (إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) يصدونكم عن سبيل الله، ويثبطونكم عن طاعة اللَّه فاحذروهم أن تقبلوا منهم ما يأمرونكم به من ترك طاعة الله.
وذُكر أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا أرادوا الإسلام والهجرة فثبطهم عن ذلك أزواجهم وأولادهم) اهـ.
وقال ابن العربي: (ثبت عن ابن عبَّاسٍ من طريق الترمذي وغيره أنه سأله رجل عن هذه الآية ثم ذكر الحديث حتى قال:
هذا يبين وجه العداوة، فإن العدو لم يكن عدواً لذاته، وإنما كان عدواً لفعله فإذا فعل الزوج والولد فِعلَ العدو كان عدواً، ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة). اهـ.
وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبراً عن الأزواج والأولاد أن منهم من هو عدو الزوج والولد بمعنى أنه يلتهي به عن العمل الصالح كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)، ولهذا قال تعالى هاهنا: (فَاحْذَرُوهُمْ) اهـ.
وقال السعدي: (هذا تحذير من اللَّه للمؤمنين عن الاغترار بالأزواج
1022
والأولاد فإن بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، فوظيفتك الحذر ممن هذه صفته والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد.
فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد التي فيها محذور شرير، ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية، والمحاب الغالية وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية، ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد فيما هو ضرر على العبد والتحذير من ذلك قد يوهم الغلظة عليهم وعقابهم أمر تعالى بالحذر منهم، والصفح عنهم والعفو فإن في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره) اهـ والظاهر - والله أعلم - أن الحديث الذي معنا وإن كان إسناده ضعيفاً إلا أن شهرته الواسعة بين المفسرين تدل على أن له أصلاً، وهذا ليس بغريب إذا علمنا أن عدداً من الأحاديث سارت مسير الليل والنهار على ضعف في أسانيدها ومع هذا حازت من الناس القبول والعمل.
* النتيجة:
أن الحديث الذي معنا يوافق لفظ الآية، مع ما جاء فيه من التصريح بالنزول واتفاق المفسرين على معناه، فلعل الحديث لهذه الأسباب يكون سبب نزولها والله أعلم.
* * * * *
1023
سورة التحريم
1025
سورة التغابن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التغابُنِ) من السُّوَر المدنية، وقد افتُتحت بتعظيم الله عزَّ وجلَّ، وجاءت مُحذِّرةً الناسَ من يوم القيامة وهولِه؛ للعودة إلى طريق النجاح؛ وهو صراط الله المستقيمُ الذي بيَّنه صلى الله عليه وسلم، و(التغابُنُ): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
64
نوعها
مدنية
ألفاظها
242
ترتيب نزولها
108
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14]:

سأل رجُلٌ ابنَ عباسٍ عن هذه الآيةِ، فقال رضي الله عنه: «هؤلاء رجالٌ أسلَموا مِن أهلِ مكَّةَ، وأرادوا أن يأتُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجُهم وأولادُهم أن يَدَعوهم أن يأتوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أتَوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأَوْا أصحابَهم قد فَقِهوا في الدِّينِ، هَمُّوا أن يُعاقِبوهم؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14] الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٣١٧).

* سورة (التغابُنِ):

سُمِّيت سورة (التغابن) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (التغابن) فيها؛ قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ اْلْجَمْعِۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ اْلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِاْللَّهِ وَيَعْمَلْ صَٰلِحٗا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدْخِلْهُ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ اْلْفَوْزُ اْلْعَظِيمُ} [التغابن: 9].

يقول القُرْطُبيُّ: «وسُمِّي يومُ القيامة يومَ التغابن؛ لأنه غبَنَ فيه أهلُ الجنَّةِ أهلَ النار؛ أي: إن أهلَ الجنَّة أخذوا الجنَّةَ، وأخذ أهلُ النارِ النارَ، على طريقِ المبادَلة؛ فوقَع الغَبْنُ لأجلِ مبادَلتِهم الخيرَ بالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ، والنعيمَ بالعذاب.

يقال: غبَنْتُ فلانًا: إذا بايَعْتَه أو شارَيْتَه، فكان النقصُ عليه، والغلَبةُ لك، وكذا أهلُ الجنَّة وأهلُ النار». "تفسير القرطبي" (18 /136).

1. الإيمان بالله تعالى (١-٤).

2. المَغْبُونون (٥-٧).

3. التغابُنُ (٨-١٠).

4. على طريق النجاح (١١-١٣).

5. فتنة الأهل والمال (١٤-١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /191).

اشتملت سورةُ (التغابُنِ) على تنزيهِ الله عز وجل من النقائص، واتصافِه بالعدل والكمال المطلق، وأتت السورة بالمبالغة في تحذيرِ الناس من يوم القيامة الذي يَفصِل اللهُ فيه بين الخلائق؛ لإحقاق الحق؛ ففيه يُقتصُّ لكل مخلوق، وتُرَدُّ كلُّ الحقوق، و(التغابن): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /90)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /259).