تفسير سورة التغابن

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة التغابن من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

﴿يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير﴾
﴿هو الذي خلقكم﴾ أَيْ: في بطون أمهاتكم ﴿فمنكم كافر ومنكم مؤمن﴾ أَيْ: خلقكم كُفَّاراً ومؤمنين وقوله:
﴿فأحسن صوركم﴾ أَيْ: خلقكم أحسن الحيوان
﴿يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليمٌ بذات الصدور﴾
﴿ألم يأتكم﴾ يا أهلَ مكَّة ﴿نبأ الذين كفروا من قبل﴾ أَيْ: خبر الأمم الكافرة قبلكم ﴿فذاقوا وبال أمرهم﴾ ذاقوا في الدُّنيا العقوبة بكفرهم ﴿ولهم﴾ في الآخرة ﴿عذاب أليم﴾
﴿ذلك﴾ أَيْ: ذلك الذي نزل بهم ﴿بأنَّه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشرٌ يهدوننا﴾ استبعدوا أن يكون الدَّاعي إلى الحقِّ بشراً والمراد بالبشر ههنا الجمع لذلك قال: ﴿يهدوننا فكفروا وتولوا﴾ عن الإِيمان ﴿واستغنى الله﴾ أَيْ: عن إيمانهم ﴿والله غنيٌّ﴾ عن خلقه ﴿حميد﴾ في أفعاله وقوله:
﴿زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير﴾
﴿فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير﴾
﴿يوم التغابن﴾ يغبن فيه أهلُ الجنَّة أهلَ النَّار بأخذ منازلهم التي كانت لهم في الجنَّة لو آمنوا ويغبن مَنْ ارتفعت منزلته في الجنَّة مَنْ كان دون منزلته فيظهر في ذلك اليوم غبن كلِّ كافرٍ بترك الإِيمان وغبن كلِّ مؤمنٍ بتقصيره
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خالدين فيها وبئس المصير﴾
﴿ما أصاب من مصيبة إلاَّ بإذن الله﴾ بعلمه وإرادته ﴿ومَنْ يؤمن بالله﴾ يُصدِّق بأنَّه لا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله ﴿يهد قلبه﴾ يجعله مهتدياً حتى يشكر عند النِّعمة ويصبر عند الشدة
﴿وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين﴾
﴿الله لا إله إلاَّ هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون﴾
﴿يا أيها الذين آمنوا إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم﴾ نزلت في قومٍ آمنوا وأرادوا الهجرة فثبَّطهم أهلهم وأولادهم وقالوا: لا نصبر على مفارفتكم فأخبر الله تعالى أنَّهم أعداءٌ لهم بحملهم إيَّاهم على المعصية وترك الطَّاعة ﴿فاحذروهم﴾ أن تقبلوا منهم ولا تطيعوهم ثمَّ إذا هاجر هذا الذي ثبَّطه أهله عن الهجرة رأى النَّاس قد تعلَّموا القرآن وتفقَّهوا في الدِّين فيهمُّ أن يعاقب أهله فقال الله تعالى: ﴿وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم﴾
﴿أنما أموالكم وأولادكم فتنة﴾ ابتلاء واختبارٌ لكم فمَنْ كسب الحرام لأجل الأولاد ومنع ماله عن الحقوق فهو مفتونٌ بالمال والولد ﴿والله عنده أجر عظيم﴾ لمن صبر عن الحرام وأنفق المال في حقِّه
﴿فاتقوا الله ما استطعتم﴾ يعني: إذا أمكنكم الجهاد والهجرة فلا يفتننكم الميل إلى الأموال والأولاد عن ذلك وهذه الآية ناسخةٌ لقوله تعالى: ﴿اتَّقوا اللَّهَ حقَّ تُقاتِه﴾ وقوله: ﴿وأنفقوا خيراً لأنفسكم﴾ أَيْ: قدِّموا خيرا لأنفسكم من أموالكم ﴿ومَنْ يُوقَ شُحَّ نفسه﴾ بخلها وحرصها حتى ينفق المال ﴿فأولئك هم المفلحون﴾ الفائزون بالخير
﴿إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم﴾
﴿عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم﴾
سورة التغابن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التغابُنِ) من السُّوَر المدنية، وقد افتُتحت بتعظيم الله عزَّ وجلَّ، وجاءت مُحذِّرةً الناسَ من يوم القيامة وهولِه؛ للعودة إلى طريق النجاح؛ وهو صراط الله المستقيمُ الذي بيَّنه صلى الله عليه وسلم، و(التغابُنُ): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
64
نوعها
مدنية
ألفاظها
242
ترتيب نزولها
108
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14]:

سأل رجُلٌ ابنَ عباسٍ عن هذه الآيةِ، فقال رضي الله عنه: «هؤلاء رجالٌ أسلَموا مِن أهلِ مكَّةَ، وأرادوا أن يأتُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجُهم وأولادُهم أن يَدَعوهم أن يأتوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أتَوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأَوْا أصحابَهم قد فَقِهوا في الدِّينِ، هَمُّوا أن يُعاقِبوهم؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14] الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٣١٧).

* سورة (التغابُنِ):

سُمِّيت سورة (التغابن) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (التغابن) فيها؛ قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ اْلْجَمْعِۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ اْلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِاْللَّهِ وَيَعْمَلْ صَٰلِحٗا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدْخِلْهُ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ اْلْفَوْزُ اْلْعَظِيمُ} [التغابن: 9].

يقول القُرْطُبيُّ: «وسُمِّي يومُ القيامة يومَ التغابن؛ لأنه غبَنَ فيه أهلُ الجنَّةِ أهلَ النار؛ أي: إن أهلَ الجنَّة أخذوا الجنَّةَ، وأخذ أهلُ النارِ النارَ، على طريقِ المبادَلة؛ فوقَع الغَبْنُ لأجلِ مبادَلتِهم الخيرَ بالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ، والنعيمَ بالعذاب.

يقال: غبَنْتُ فلانًا: إذا بايَعْتَه أو شارَيْتَه، فكان النقصُ عليه، والغلَبةُ لك، وكذا أهلُ الجنَّة وأهلُ النار». "تفسير القرطبي" (18 /136).

1. الإيمان بالله تعالى (١-٤).

2. المَغْبُونون (٥-٧).

3. التغابُنُ (٨-١٠).

4. على طريق النجاح (١١-١٣).

5. فتنة الأهل والمال (١٤-١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /191).

اشتملت سورةُ (التغابُنِ) على تنزيهِ الله عز وجل من النقائص، واتصافِه بالعدل والكمال المطلق، وأتت السورة بالمبالغة في تحذيرِ الناس من يوم القيامة الذي يَفصِل اللهُ فيه بين الخلائق؛ لإحقاق الحق؛ ففيه يُقتصُّ لكل مخلوق، وتُرَدُّ كلُّ الحقوق، و(التغابن): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /90)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /259).