تفسير سورة المسد

أيسر التفاسير للجزائري

تفسير سورة سورة المسد من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري.
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة المسد
مكية وآياتها خمس آيات

بسم الله الرحمن الرحيم

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
شرح الكلمات:
تبت يدا أبي لهب: أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله.
وتب: أيخسر هو بذاته إذ هو من أهل النار.
ما أغنى عنه ماله: أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط الله تعالى عليه وعذبه في الدنيا والآخرة.
وما كسب: أي من المال والولد وغيرهما.
سيصلى نارا: أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها.
ذات لهب: أي توقد واشتعال.
وامرأته: أي أم جميل العوراء.
حمالة الحطب: أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذية له وكرها.
في جيدها: أي في عنقها.
حبل من مسد: أي من ليف.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ الآيات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ صح أنه لما نزلت آية ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ من سورة الشعراء طلع صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبل الصفا ونادى: واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم نذير مبين بين يدي عذاب شديد: قولوا لا إله إلا الله كلمة تملكون بها العرب وتدين بها العجم. فنطق أبو هب فقال:
626
ألهذا جمعتنا تبا لك طول اليوم فأنزل الله١ تعالى رداً عليه ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ٢﴾ أي خسر أو لهب وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض٣ خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا عليه الماء، فقط وقوله ﴿وَتَبَّ﴾ إخبار من الله تعالى بهلاك عبد العزى أبي لهب وقوله ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ٤﴾ أي لما سخط الله عليه وأدخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله ولا ولده. وقوله تعالى ﴿سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ﴾ أي توقد وتأجج. ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ أم جميل العوراء ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ٥﴾ حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام. وقوله تعالى ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ أي في٦ عنقها حبل من ليف النخل أو مسد الشجر الدوم بهذا حكم الله تعالى على أعدائه وأعداء رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- بيان حكم الله بأبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢- لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه.
٣- حرمة أذية المؤمنين مطلقا.
٤- عدم إغناء القرابة شيئا مع الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في النار ذات اللهب.
١ صح أنه لما سمعت امرأة أبي لهب ما نزل فيها وزوجها من القرآن أتت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه وفي يدها فهر من حجارة فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت يا أبا بكر أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني. والله لو جدته لضربته بهذا الفهر، والله إني لشاعرة: مذمما عصينا وأمره أبينا، ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك؟ قال: ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني.
٢ سمي أبو لهب بأبي لهب وكان اسمه عبد العزى فسمي باللهب لحسنه وإشراق وجهه: وقال العلماء سمي بابي لهب لمعانٍ أربع والذي أراه أنه سمي بقضاء وقدر أبا لهب ليكون من أهل النار نظيره اختيار الشيوعيين اليوم شعار الحمرة، وكلمة اليسار، لما سبق أنهم أهل النار وأصحاب الشمال وهم أهل النار.
٣ يسمى المرض الذي أصابه الله به مرض العدسة فمات وأقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده غسلوه بالماء من بعيد مخافة عدوى العدسة؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون.
٤ الكسب يكون حلالا ويكون حراماً وخيره ما كان حلالا؟ وفي الصحيح حديث عائشة رضي الله عنها إذ قالت قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه رواه أبو داود.
٥ قال ابن عباس وجاهد وقتادة والسدي كانت تمشي بالنميمة بين الناس، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورش عليه أي حرش. قال الشاعر:
إن بني الأدرم حمالوا الحطب
هم الوشاة في الرضا وفي الغضب
ولا منافاة مع ما روي أنها كانت تحمل حزمة الشوك إذ هي تفعل هذا أو ذاك.
٦ الجيد العنق شاهده قول الشاعر:
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش
إذا هي نصته ولا بمعطل
الريم: الظبي الأبيض الخالص البياض. ونصته: رفعته،. والمعطل الذي لا حلي له.
627
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).