تفسير سورة المسد

معاني القرآن للفراء

تفسير سورة سورة المسد من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء.
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

ومن سورة أبى لهب
قوله عزَّ وجلَّ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ (١).
ذكروا أن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام عَلَى المروة، فقال: يا آل غالب، فاجتمعت إِلَيْه، ثُمَّ قَالَ: يا آل لؤي، فانصرف ولد غالب سوى لؤي، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ حتَّى انتهى إلى قصي.
فَقَالَ أَبُو لهب: فهذه قصي قَدْ أتتك فما لهم عندك؟ فقال: إن اللَّه تبارك وتعالى قَدْ أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فقد أبلغتكم، فَقَالَ أَبُو لهب: أما دعوتنا إلَّا لهذا؟ تبًّا لَكَ، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ: «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ» وفى قراءة عبد الله: «وقد تب» فالأول: دعاء، والثاني: خبر. قَالَ الفراء: «تَبَّ» : خسر، كما تَقُولُ للرجل: أهلكك اللَّه، وَقَدْ أهلكك، أو تقول: جعلك الله صالحا، وقد جعلك.
وقوله عز وجل: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)، ترفع الحمّالةُ وتنصب «١»، فمن رفعها فعلى جهتين:
يَقُولُ: سيصلى نار جهنم هُوَ وامرأته حمالةُ الحطب تجعله من نعتها، والرفع الآخر وامرأتهُ حمالةُ الحطب، تريد: وامرأته حمالة الحطب فِي النار، فيكون فى جيدها هُوَ الرافع، وإن شئت رفعتها بالحمالة، كأنك قلت: ما أغنى عَنْهُ ماله وامرأته هكذا. وأما النصب فعلى جهتين:
إحداهما [١٥١/ ا] أن تجعل الحمالة قطعًا لأنها نكرة ألا ترى أنك تَقُولُ: وامرأته الحمالة الحطب «٢»، فإذا ألقيت الألف واللام كانت نكرة، ولم يستقم أن تنعت معرفة بنكرة.
والوجه الآخر: أن تشتمها بحملها الحطب، فيكون نصبها عَلَى الذم، كما قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيّد المرسلين سمعها الكِسَائِيّ من العرب. وَقَدْ ذكرنا [مثله] «٣» فى غير موضع.
(١) حمالة بالرفع قراءة الجمهور على أن يكون خبرا، وامرأته مبتدأ، ويكون فى جيدها حبل من مسد جملة فى موضع الحال من المضمر فى حمالة، أو خبرا ثانيا، أو يكون حمالة الحطب نعتا لامرأته، والخبر فى جيدها حبل من مسد، فيوقف على هذا- على ذات لهب. وقرأ عاصم حمالة بالنصب على الذم، كأنها اشتهرت بذلك فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص كقوله تعالى: «مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا» (القرطبي ٢٠/ ٢٤٠).
(٢) فى ش: الحطب.
(٣) زيادة من ش يطلبها الأسلوب. [.....]
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).