ﰡ
[سورة المسد (١١١) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
اللغة:
(تَبَّتْ) خسرت قال الزمخشري «والتباب الهلاك ومنه قولهم:
أشابة أم تابة أي هالكة من الهرم والتعجيز والمعنى هلكت يداه لأنه فيما يروى أخذ حجرا ليرمي به رسول الله صلّى الله عليه وسلم» وعبارة ابن خالويه «ومعناه خسرت يداه والمصدر تبّ يتبّ تبّا فهو تاب والمفعول به متبوب والأمر تبّ وإن شئت كسرت وللمرأة تبي وتبا وأتبين لما خرج التضعيف سكن أول الفعل فجئت بألف الوصل ويقال امرأة تابّه أي عجوز قد هلك شبابها والتباب الهلاك، قال الله: وما كيد فرعون إلا في تباب، قال عدي:
اذهبي إنّ كل دنيا ضلال | والأمانيّ عقرها للتباب |
لا يروقنك صائر لفناه | كل دنيا مصيرها للتراب |
عرادة من بقية قوم لوط | ألا تبّا لما عملوا تبابا |
الحق منطقه والعدل سيرته | فمن يعنه عليه ينج من تبب |
(سَيَصْلى) أي يحترق بها وصلي من باب تعب، وعبارة ابن خالويه جيدة وهي: «ويقال: صليت الشاة إذا شويتها فأنا صال والشاة مصلية ومن ذلك حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه أهديت إليه شاة مصلية، وأجاز الفراء شاة مصلاة لأنك تقول أصليتها أيضا ويقال للشّواء: الصّلاء والمضهّب والرّشراش والرّوذق والمشنّط والمرموض والرّميض والمحنوذ والحنيذ والسّويد أو الشويذ والمحسوس والمحاش والسحساح والأنيض والمفلّس والمخدّع كله الشواء».
(جِيدِها) الجيد: العنق وجمعه أجياد والجيد بفتح الياء طول العنق.
(مَسَدٍ) المسد الذي فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف كان أو جلد أو غيرهما، وفي القاموس: «المسد بسكون السين مصدر بمعنى الفتل وبفتحها المحور من الحديد أو حبل من ليف أو كل حبل محكم الفتل والجمع مساد وأمساد يقال مسد حبله يمسده مسدا من باب نصر أي أجاد فتله».
(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) تبت فعل ماض والتاء للتأنيث ويدا أبي لهب فاعل وتب عطف على تبت أي وكان ذلك وحصل كقوله:
جزاني جزاه الله شرّ جزائه | جزاء الكلاب العاويات وقد فعل |
لم كناه والكنية تكرمة؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه أحدها أن يكون مشتهرا بالكنية دون الاسم فقد يكون الرجل معروفا بأحدهما ولذلك تجري الكنية على الاسم والاسم على الكنية عطف بيان فلما أريد تشهيره بدعوة السوء وأن تبقى سمة له ذكر الأشهر من علميه ويؤيد ذلك قراءة من قرأ يدا أبو لهب كما قيل علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان لئلا يغيّر منه شيء فيشكل على السامع» إلى أن يقول: «والثاني أنه كان اسمه عبد العزّى فعدل عنه إلى كنيته والثالث أنه لما كان من أهل النار ومآله إلى نار ذات لهب وافقت حاله كنيته فكان جديرا بأن يذكر بها، ويقال أبو لهب كما يقال أبو الشر للشرير وأبو الخير للخيّر وكما كنّى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أبا المهلب أبا صفرة بصفرة كانت في وجهه وقيل كني بذلك لتلهب وجنتيه وإشراقهما فيجوز أن يذكر ذلك تهكما به وبافتخاره بذلك» (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) ما يجوز فيها
«كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك والسعدان فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقيل كانت تمشي بالنميمة ويقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس يحمل الحطب بينهم أي يوقد النائرة بينهم ويؤرث الشر، قال:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة | ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب |
إذا أكل الجراد حروث قوم | فحرثي همّه أكل الجراد |
وجفن سلاح قد رزئت ولم أنح | عليه ولم أبعث عليه البواكيا |
وفي جوفه من دارم ذو حفيظة | لو أن المنايا أنسأته لياليا |
فإما زال سرج عن معدّ | فأجدر بالحوادث أن تكونا |
البلاغة:
في قوله «في جيدها حبل من مسد» فن التهكم وقد تقدم ذكره، فقد صوّرها تصويرا فيه منتهى الخسّة والقماءة، والمعنى في جيدها حبل من مسد: من الحبال وأنها تحمل تلك الحزمة وتربطها في جيدها تخسيسا لحالها وتصويرا لها بصورة بعض الحطابات من المواهن جمع ماهن وهي الخادم لتمتعض من ذلك ويمتعض زوجها وهما في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدّة، وقد تعلق الشعراء بأذيال هذه
ماذا أردت إلى شتمي ومنقصتي | أم ما تعير من حمّالة الحطب |
غراء شادخة في المجد عزّتها | كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب |
ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم. وتعير أصله تتعير فحذف منه إحدى التاءين.
سورة المسد
سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
ترتيبها المصحفي
111نوعها
مكيةألفاظها
23ترتيب نزولها
6العد المدني الأول
5العد المدني الأخير
5العد البصري
5العد الكوفي
5العد الشامي
5* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).
* سورةُ (المَسَدِ):
سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.
* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.
وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).
الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).