تفسير سورة المنافقون

أوضح التفاسير

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير.
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿إِذَا جَآءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ يا محمد ﴿قَالُواْ﴾ نفاقاً ورياء ﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ شهد المنافقون بذلك أو لم يشهدوا ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ فيما يقولون
﴿اتَّخَذُواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ أي اتخذوا شهادتهم للرسول بالرسالة: وقاية لهم من القتل والأسر (انظر آية ١٦ من سورة المجادلة) ﴿فَصَدُّواْ﴾ منعوا الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ دينه القويم ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من نفاقهم وكذبهم. وقد لحقهم السوء - في حياتهم - بانكشاف سترهم، وانفضاح أمرهم، وسيلحقهم - بعد موتهم - فيما يلقونه من العذاب في قبورهم، وفي الجحيم بعد بعثهم
﴿ذَلِكَ﴾ السوء الذي وقع منهم ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿آمَنُواّ﴾ أي نطقوا بكلمة الشهادة؛ كسائر من يدخل في الإيمان
-[٦٨٨]- ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾ ظهر كفرهم بما أبدوه من نفاقهم. أو قالوا كلمة الإيمان للمؤمنين ﴿وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ غطى عليها؛ فلا تقبل الإيمان؛ بسبب نفاقهم، وكفرهم بعد إيمانهم. فالطبع على قلوبهم: كان عقوبة لهم؛ لأن كفرهم سابق على طبع الله تعالى وتغطيته على قلوبهم؛ و ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ﴾
﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ أي إذا رأيت هؤلاء المنافقين ﴿تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ لأنهم أصحاء أقوياء ﴿وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ لأنهم بلغاء فصحاء ﴿كَأَنَّهُمْ﴾ لخلوهم من الفائدة، وحرمانهم من النفع
﴿خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾ لأنهم أجرام خالية من الإيمان ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ لأنهم جبناء ﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾ حقيقة ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾ لأنهم يشيعون الذعر في صفوف الجنود، أكثر مما يشيعه الأعداء المحاربون ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ لعنهم وطردهم من رحمته ﴿أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ كيف يصرفون عن الحق مع وضوحه؟
﴿لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ﴾ تكبراً ﴿وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ﴾ يعرضون ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ عن الإيمان
﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾ للأغنياء ﴿لاَ تُنفِقُواْ عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ من فقراء المؤمنين؛ الذين يمتون إليهم بالرحم والقرابات ﴿حَتَّى يَنفَضُّواْ﴾ يتفرقوا عن الرسول صلوات الله تعالى وسلامه عليه ﴿وَلِلَّهِ﴾ وحده ﴿خَزَآئِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ يعطي منها من شاء، ويمنع من شاء ﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ لعمى قلوبهم ﴿لاَ يَفْقَهُونَ﴾ هذه الحقيقة البديهية؛ ومن غفلتهم أيضاً أنهم
﴿يَقُولُونَ لَئِن﴾ من غزوة بني المصطلق ﴿لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ﴾ الأعظم، والأقوى؛ يعنون بذلك أنفسهم؛ لغناهم وتكبرهم ﴿مِنْهَا﴾ أي من المدينة ﴿الأَذَلَّ﴾ الأضعف. عنوا بذلك المؤمنين؛ لفقرهم وتواضعهم ﴿وَلِلَّهِ﴾ وحده ﴿الْعِزَّةُ﴾ الغلبة والقوة؛ يهبهما لمن شاء من عباده ﴿وَلِرَسُولِهِ﴾ أيضاً العزة؛ يضفيها على أتباعه ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ وليست لكم؛ لأن العزة لا تكون إلالله وبالله؛ وأنتم عنه بعداء
﴿يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ﴾ لا تشغلكم ﴿أَمْوَالُكُمْ﴾ وجمعها والحرص عليها ﴿وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ﴾
وفرط الرغبة في إسعادهم؛ مضحين في سبيل ذلك بأوامر ربكم، وبما فرضه عليكم من الإنفاق والبذل؛ ناسين وعده بالإخلاف والأجر؛ فلا يلهكم الإنشغال بذلك ﴿عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ تذكره، وخشيته؛ وإطعام الفقير في سبيله، وإنفاق المال على حبه ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ فيتلهى بجمع المال، وحفظه للعيال ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ لأموالهم ولآخرتهم؛ بل ولأولادهم أيضاً فكم قد رأينا من أبناء الأغنياء، من أضاع ما جمعه الآباء؛ فيما يغضب الله تعالى من الملذات والشهوات. وبعد ذلك صاروا عالة على المجتمع: يتكففون الناس، ولا يجدون قوت يومهم وما ذاك إلا من سوء نيات آبائهم، وبعدهم عن مرضات ربهم وكم قد رأينا من أبناء الفقراء: من أضحوا - بين عشية وضحاها - سادة؛ بل قادة وما ذاك إلا من اتباع آبائهم لدينهم، واستماعهم لنصح ربهم وتذكر هداك الله قول الحكيم العليم ﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً﴾ فاحرص - كفيت ووقيت - على إرضاء مولاك؛ فيقيك الضر والفقر، ويحفظ عليك دينك وبدنك وعيالك؛ ويقيهم المذلة من بعدك، ويحسن دنياك وآخرتك فيا سعادة من جعل ماله ذخراً له عند ربه، وجعل الله تعالى ذخراً لولده من بعده
﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ كما أمركم ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ أي أسبابه ومقدماته ﴿فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلا﴾ هلا ﴿أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ﴾ كما أمرت ﴿وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما قصر أحد في الزكاة والحج، إلا سأل الرجعة عند الموت. نعوذ ب الله تعالى من ذلك
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من خير أو شر؛ فيجزيكم عليه.
689
سورة التغابن

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

689
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).