تفسير سورة التغابن

إيجاز البيان

تفسير سورة سورة التغابن من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان.
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

﴿ ذلك يوم التغابن ﴾ لأن الله أخفاه. والغبن : الإخفاء ومغابن الجسد :
ما يخفى عن العين. والغبن في البيع لخفائه على صاحبه. أو هو من إخفاء أمر المؤمن على الكافر، فالكافر أو الظالم ١ يظن أنه غبن المؤمن بنعيم الدنيا، والمظلوم بما نقصه. وقد غبنهما المؤمن والمظلوم على الحقيقة بنعيم الآخرة وجزائها٢.
١ في ب أو الكافر والظالم..
٢ ذكر هذين السببين في تسميته بيوم التغابن الماوردي في تفسيره ج ٦ ص ٢٣..
﴿ وأولادكم عدوا لكم ﴾ كانوا يمنعونهم من الهجرة١.
﴿ وإن تعفوا ﴾ كان من المهاجرين من قال إذا رجعت٢ إلى مكة لا ينال أهلي مني خيرا لصدهم٣ إياي عن الهجرة. فأمروا بالصفح٤، ويكون العفو بإذهاب آثار الحقد عن القلوب كما تعفو الريح الأثر.
والصفح : الإعراض عن المعاتبة ٥، وفي الحديث :" لا يستعيذن أحدكم من الفتنة فإن الله يقول :{ إنما أموالكم وأولادكم فتنة فأيكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن ٦.
١ قال ابن عباس فيما أخرجه الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٤٩٠ وصححه، ووافقه الذهبي. كما أخرجه ابن جرير في تفسيره ج ٢٨ ص ١٢٤..
٢ في أ راجعت..
٣ في أ بصدهم..
٤ قاله ابن عباس، وعكرمة. انظر جامع البيان ج ٢٨ ص ١٢٤..
٥ في أ المغايبة..
٦ الأثر موقوف على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأخرجه ابن المنذر والطبراني، انظر الدر المنثور ج ٨ ص ١٨٥، وأورده البغوي في تفسيره ج ٤ ص ٣٥٤..
وَإِنْ تَعْفُوا كان من المهاجرين من قال: إذا [رجعت] «١» إلى مكة لا ينال أهلي مني خيرا بصدّهم إياي عن الهجرة فأمروا بالصّفح «٢»، ويكون العفو بإذهاب آثار الحقد عن القلوب كما تعفو الريح الأثر.
والصّفح: الإعراض عن المعاتبة. وفي الحديث «٣» :«لا يستعيذنّ أحدكم من الفتنة فإن الله يقول: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ
فأيّكم استعاذ فليستعذ بالله من مضلات الفتن»
.
١٦ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وذلك فيما قد وقع بالنّدم مع العزم على ترك معاودته وفيما لم يقع بالاحتراز عن أسبابه.
وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ ايتوا في الإنفاق خيرا لكم.
سورة الطلاق
١ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ عند عدتهنّ، أي: بحسابها وفي وقت أقرائها «٤»، كقوله «٥» : لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها، أي: عند وقتها، ويؤيده القراءة المرويّة
(١) في الأصل: «راجعت»، والمثبت في النّص عن «ك».
(٢) تفسير الطبري: (٢٨/ ١٢٤، ١٢٥)، وتفسير الماوردي: ٤/ ٢٤٨.
(٣) أخرج نحوه الطبراني في المعجم الكبير: ٩/ ٢١٣ حديث رقم (٨٩٣١) عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا، واللفظ عنده: «لا يقل أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، فإنه ليس منكم أحد إلا يشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من معضلاتها، فإن الله عزّ وجلّ يقول: نَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ اه-.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ٧/ ٢٢٣: وإسناده منقطع.
والحديث ذكره البغوي في تفسيره: ٤/ ٣٥٤ عن ابن مسعود بدون سند.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٨/ ١٨٥، وعزا إخراجه إلى الطبراني وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا.
(٤) في «ج»
أطهارها.
(٥) سورة الأعراف: آية: ١٨٧.
819
عن النّبيّ «١» صلى الله عليه وسلم، وابن عبّاس «٢»، وعثمان، وأبيّ «٣»، وخالد «٤» بن عبد الله، ومجاهد، وعلي «٥» بن الحسن وزيد بن علي، وجعفر بن محمد لقبل عدّتهنّ «٦».
بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ: بزنا فيخرجن لإقامة الحدّ «٧». وقيل «٨» : الفاحشة أن تبذوا على أحمائها وتفحش في القول.
(١) صحيح مسلم: ٢/ ١٠٩٨، حديث رقم (١٤٧١)، كتاب الطلاق، باب «تحريم طلاق الحائض بغير رضاها» عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعا.
وينظر المصنف لعبد الرزاق: ٦/ ٣٠٤ حديث رقم (١٠٩٣١)، كتاب الطلاق، باب «وجه الطلاق وهو طلاق العدة والسنّة».
وسنن أبي داود: ٢/ ٦٣٧ حديث رقم (٢١٨٥) كتاب الطلاق، باب «في طلاق السنّة».
وتفسير النسائي: ٢/ ٤٤١ حديث رقم (٦٢١).
والقراءة الواردة في المصادر السابقة «في قبل عدتهن».
(٢) المصنف للإمام عبد الرزاق: ٦/ ٣٠٣، حديث رقم (١٠٩٢٨).
(٣) هو أبي بن كعب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
(٤) كذا في النّسخ المعتمدة هنا، وفي وضح البرهان للمؤلف: ٣٨٥ (مخطوط)، وتحرف عند المحقق في المطبوعة: ٢/ ٤١١ إلى: وأبيّ بن خلف وعبد الله خلف بن عبد الله. وفي المحتسب لابن جني: ٢/ ٣٢٣: «جابر بن عبد الله».
(٥) في المحتسب: علي بن الحسين.
(٦) ينظر هذه القراءة في المحتسب: ٢/ ٣٢٣، والكشاف: ٤/ ١١٨، وتفسير القرطبي:
١٨/ ١٥٣، والبحر المحيط: ٨/ ٢٨١، ومعجم القراءات: ٧/ ١٦٥.
قال أبو حيان «وما روى عن جماعة من الصحابة والتابعين- رضي الله تعالى عنهم- من أنهم قرءوا «فطلقوهن في قبل عدتهن»، وعن بعضهم «في قبل عدتهنّ». وعن عبد الله «لقبل طهرهن» هو على سبيل التفسير لا على أنه قرآن لخلافه سواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون شرقا وغربا... ».
(٧) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٢٨/ ١٣٣ عن الحسن، ومجاهد، ونقله الماوردي في تفسيره: ٤/ ٢٥٢ عن ابن عمر، والحسن، ومجاهد. [.....]
(٨) أخرجه الطبري في تفسيره: (٢٨/ ١٣٣، ١٣٤) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٨/ ١٩٣، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن راهويه، وعبد بن حميد، وابن مردويه- من طرق- عن ابن عباس رضي الله عنهما.
820
سورة التغابن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التغابُنِ) من السُّوَر المدنية، وقد افتُتحت بتعظيم الله عزَّ وجلَّ، وجاءت مُحذِّرةً الناسَ من يوم القيامة وهولِه؛ للعودة إلى طريق النجاح؛ وهو صراط الله المستقيمُ الذي بيَّنه صلى الله عليه وسلم، و(التغابُنُ): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ترتيبها المصحفي
64
نوعها
مدنية
ألفاظها
242
ترتيب نزولها
108
العد المدني الأول
18
العد المدني الأخير
18
العد البصري
18
العد الكوفي
18
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14]:

سأل رجُلٌ ابنَ عباسٍ عن هذه الآيةِ، فقال رضي الله عنه: «هؤلاء رجالٌ أسلَموا مِن أهلِ مكَّةَ، وأرادوا أن يأتُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجُهم وأولادُهم أن يَدَعوهم أن يأتوا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فلمَّا أتَوْا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رأَوْا أصحابَهم قد فَقِهوا في الدِّينِ، هَمُّوا أن يُعاقِبوهم؛ فأنزَلَ اللهُ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوّٗا لَّكُمْ فَاْحْذَرُوهُمْۚ} [التغابن: 14] الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٣١٧).

* سورة (التغابُنِ):

سُمِّيت سورة (التغابن) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (التغابن) فيها؛ قال تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ اْلْجَمْعِۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ اْلتَّغَابُنِۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِاْللَّهِ وَيَعْمَلْ صَٰلِحٗا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـَٔاتِهِۦ وَيُدْخِلْهُ جَنَّٰتٖ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا اْلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ اْلْفَوْزُ اْلْعَظِيمُ} [التغابن: 9].

يقول القُرْطُبيُّ: «وسُمِّي يومُ القيامة يومَ التغابن؛ لأنه غبَنَ فيه أهلُ الجنَّةِ أهلَ النار؛ أي: إن أهلَ الجنَّة أخذوا الجنَّةَ، وأخذ أهلُ النارِ النارَ، على طريقِ المبادَلة؛ فوقَع الغَبْنُ لأجلِ مبادَلتِهم الخيرَ بالشرِّ، والجيِّدَ بالرديءِ، والنعيمَ بالعذاب.

يقال: غبَنْتُ فلانًا: إذا بايَعْتَه أو شارَيْتَه، فكان النقصُ عليه، والغلَبةُ لك، وكذا أهلُ الجنَّة وأهلُ النار». "تفسير القرطبي" (18 /136).

1. الإيمان بالله تعالى (١-٤).

2. المَغْبُونون (٥-٧).

3. التغابُنُ (٨-١٠).

4. على طريق النجاح (١١-١٣).

5. فتنة الأهل والمال (١٤-١٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /191).

اشتملت سورةُ (التغابُنِ) على تنزيهِ الله عز وجل من النقائص، واتصافِه بالعدل والكمال المطلق، وأتت السورة بالمبالغة في تحذيرِ الناس من يوم القيامة الذي يَفصِل اللهُ فيه بين الخلائق؛ لإحقاق الحق؛ ففيه يُقتصُّ لكل مخلوق، وتُرَدُّ كلُّ الحقوق، و(التغابن): اسمٌ من أسماء يوم القيامة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /90)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (28 /259).