تفسير سورة المسد

النهر الماد من البحر المحيط

تفسير سورة سورة المسد من كتاب النهر الماد من البحر المحيط
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ ﴾ هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها دخول الناس في دين الله اتبع بذكر من لم يدخل في الدين وخسر ولم يدخل فيما دخل فيه أهل مكة من الإِيمان والتب الخسران وأسند الهلاك إلى اليدين لأن العمل أكثر ما يكون بهما وهو في الحقيقة للنفس والظاهر أن تبت دعاء.﴿ وَتَبَّ ﴾ إخبار بحصول ذلك روي أنه لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين قال عليه السلام" يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنكما من الله شيئاً سلاني من مالي ما شئتما ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش يا بني فلان يا بني فلان "وروي" أنه صاح بأعلى صوته يا صباحاه فاجتمعوا إليه من كل وجه فقال لهم: أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي قالوا: نعم، قال: فإِني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فافترقوا عنه ونزلت هذه السورة "وأبو لهب اسمه عبد العزى بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم والظاهر أن ما في ما أغنى عنه ماله نفي أي لم يغن عنه ماله الموروث عن آبائه.﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ هو بنفسه أو ماشيته وما كسب من نسلها ومنافعها ويجوز أن تكون ما استفهاماً في موضع نصب أي شىء يغني عنه ماله على وجه التقرير والإِنكار والمعنى أين الغنى الذي لماله ولكسبه والظاهر أن ما في قوله: ﴿ وَمَا كَسَبَ ﴾ موصوله وأجيز أن تكون مصدرية وإذا كانت ما في ما أغنى استفهاماً فيجوز أن يكون ما في قوله وما كسب استفهاماً أيضاً.﴿ سَيَصْلَىٰ ﴾ وعد له بأنه يصلى النار في الآخرة.﴿ وَٱمْرَأَتُهُ ﴾ يجوز أن تكون مبتدأ وحمالة خبره ويجوز أن يكون معطوفاً على الضمير المستكن في سيصلى وحسن ذلك الفصل بينهما وعلى هذا التأويل تكون حمالة خبر مبتدأ محذوف تقديره هي حمالة وقرىء عاصم حمالة نصباً على الذم فيتعين أن يكون وامرأته عطفاً على الضمير المستكن في سيصلى وامرأته اسمها أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وكانت عوراء والظاهر أنها كانت تحمل الحطب الذي فيه الشوك لتؤذي بإِلقائه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لتعقرهم حذفت بذلك وسميت حمالة الحطب وقيل حمالة الحطب كناية عن المشي بالنميمة والجيد العنق والظاهر أن الحبل من مسد والمسد الليف ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر فقالت بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن وأفعلن وأعمى الله بصرها عن رسوله عليه السلام فروي أن أبا بكر قال لها: هل تري معي أحداً فقالت أتهزأ بي لا أرى غيرك وإن كان شاعراً فأنا مثله أقول:* مذمما أبينا   ودينه قليناوأمره عصينا *   فسكت أبو بكر ومضت هي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لقد حجبتني ملائكة فما رأتني وكفى الله شرها وذكر أنها ماتت مخنوقة بحبلها وأبو لهب رماه الله بالعدسة بعد وقعة بدر بسبع ليال ".
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).