تفسير سورة المنافقون

المصحف المفسّر

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب المصحف المفسّر
لمؤلفه فريد وجدي . المتوفي سنة 1373 هـ
سورة المنافقون مدنية وآياتها إحدى عشرة

تفسير الألفاظ :
﴿ المنافقون ﴾ هم الذين يظهرون الموافقة والمعاونة ويبطنون المخالفة والكيد.
تفسير المعاني :
إذا جاءك المنافقون، قالوا لك، إنا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم ذلك وكفى به شهيدا، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون.
تفسير الألفاظ :
﴿ أيمانهم ﴾ جمع يمين أي قسم. وقرئ اتخذوا إيمانهم. ﴿ جنة ﴾ هي كل ما بقي الإنسان، وكثر استعماله في أداة الحرب التي تقي الإنسان السلاح، جمعها جنن. ﴿ فصدوا ﴾ أي فمنعوا. يقال صده يصده صدا منعه.
تفسير المعاني :
اتخذوا أقسامهم وقاية دون أموالهم وأنفسهم فصدوا الناس عن سبيل الله، فما أقبح ما كانوا يعملون.
تفسير الألفاظ :
﴿ فطبع على قلوبهم ﴾ أي فختم عليها، والشيء لا يطبع ولا يختم عليه إلا بعد إغلاقه، فيكون المعنى فأغلقت قلوبهم عن الفهم. ﴿ لا يفقهون ﴾ أي لا يفهمون. يقال فقه الشيء يفقهه فقها أي فهمه.
تفسير المعاني :
ذلك بأنهم آمنوا ظاهرا، ثم كفروا سرا، فأغلقت قلوبهم فهم لا يفهمون.
تفسير الألفاظ :
﴿ خشب مسندة ﴾ أي أخشاب مسندة إلى الحائط، شبههم بالأخشاب في كونهم أشباحا خالية عن العلم. والخشب جمع خشبة، وقيل بل هو جمع خشباء وهي الخشبة التي فسد جوفها، شبهوا بها في حسن المنظر وقبح المخبر. ﴿ أنى يؤفكون ﴾ أي كيف يصرفون عن الحق. يقال أفكه يأفكه أفكا، أي صرفه.
تفسير المعاني :
وإذا رأيتهم يعجبك ضخم أجسامهم، وإن يتكلموا تصغ لكلامهم، لفصاحة ألسنتهم، ولكنهم في خلوهم من العلم والنظر، وفي غفلتهم عن تبعات الحياة كأنهم خشب مسندة إلى حائط لا تفقه قولا، يتخيلون كل صيحة يسمعونها أنها واقعة عليهم وأنهم المقصودون بها. هؤلاء هم الأعداء فاحذرهم ولا تأمنهم، قاتلهم الله فكيف يصرفون عن الحق.
تفسير الألفاظ :
﴿ يصدون ﴾ أي يعرضون فعله صد يصد صدودا. أعرض.
تفسير المعاني :
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله عطفوا رءوسهم إعراضا واستكبارا، ورأيتهم يتولون وهم مستكبرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ الفاسقين ﴾ أي الخارجين.
تفسير المعاني :
يستوي الأمران عندهم : استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، إن الله لن يغفر لهم لرسوخهم في الكفر، إن الله لا يهدي القوم الخارجين عن مظنة التقويم لعراقتهم في الكفر والنفاق.
تفسير الألفاظ :
﴿ حتى ينفضوا ﴾ أي حتى يتفرقوا. ﴿ خزائن ﴾ جمع خزانة.
تفسير المعاني :
هم الذين يقولون للأنصار : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، يريدون بهم فقراء المهاجرين، والله بيده خزائن الأرزاق في السماوات والأرض، ولكن المنافقين لا يفقهون ذلك لجهلهم بالله.
تفسير المعاني :
قوله تعالى :﴿ يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ﴾ كان سبب نزول هذه الآية ما روي أن أعرابيا نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء، فضرب الأعرابي رأسه بخشبة، فشكا الأنصاري إلى ابن أبيّ فقال له : لا تنفقوا على من عند محمد حتى ينفضوا، وإذا رجعنا إلى المدينة فليخرجن الأعز منها الأذل. عنى بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله، فرد الله عليه بقوله : ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك.
تفسير المعاني :
يا أيها المؤمنون لا تتلهوا بشيء من أموالكم وأولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون.
تفسير الألفاظ :
﴿ لولا ﴾ أي هلا. ﴿ إلى أجل قريب ﴾ أي إلى أمد غير بعيد. ﴿ فأصدّق ﴾ أي فأتصدق.
تفسير المعاني :
وأنفقوا مما رزقناكم من النعم قبل أن يفجأ أحدكم أجله فيقول : يا رب هلا أخرتني إلى أمد غير بعيد فأتصدق وأتلافى ما فاتني وأكن من عبادك الصالحين
تفسير المعاني :
ولكن جرت سنة الله أنه لا يؤخر نفسا إذا أتت ساعة موتها التي قدرت لها، والله خبير بما تعملون.
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).