تفسير سورة المنافقون

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

﴿إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إنَّ المنافقين لكاذبون﴾ لإِضمارهم خلاف ما أظهروا
﴿اتخذوا أيمانهم﴾ جمع يمينٍ ﴿جنَّة﴾ سترةً يستترون بها من القتل يعني: قولهم: ﴿ويحلفون بالله إنهم لمنكم﴾ وقوله: ﴿يحلفون بالله ما قالوا﴾ ﴿فصدوا عن سبيل الله﴾ منعوا النَّاس عن الإيمان بمحمد ﷺ ﴿إنهم ساء ما كانوا يعملون﴾ بئس العملُ عملهم
﴿ذلك بأنهم آمنوا﴾ في الظَّاهر ﴿ثمَّ كفروا﴾ بالاعتقاد
﴿وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم﴾ في طولها واستواء خلقها وكان عبد الله ابن أبي جسيماً صبيحاً فصيحاً إذا تكلم يسمع النبي ﷺ قوله وهو قوله: ﴿وإن يقولوا تسمع لقولهم﴾ ثمَّ أعلم أنَّهم في ترك التَّفهُّم بمنزلة الخشب فقال: ﴿كأنهم خشب مسندة﴾ أَيْ: ممالة إلى الجدار ﴿يسبحون﴾ من جُبنهم وسوء ظنِّهم ﴿كلَّ صيحة عليهم﴾ أَيْ: إنْ نادى منادٍ في العسكر أو ارتفع صوتٌ ظنُّوا أنَّهم يُرادون بذلك لما في قلوبهم من الرُّعب ﴿هم العدو﴾ وإن كانوا معك ﴿فاحذرهم﴾ ولا تأمنهم ﴿قاتلهم الله﴾ لعنهم الله ﴿أنى يؤفكون﴾ من أين يُصرفون عن الحقِّ بالباطل؟ !
﴿وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم﴾ وذلك أنَّه لما نزلت هذا الآيات قيل لعبد الله بن أبيّ: لقد نزلت فيك آيٌ شدادٌ فاذهب إلى رسول الله ﷺ يستغفر لك فلوى رأسه وأعرض بوجهه إظهاراً للكراهة ﴿ورأيتهم يصدون﴾ يُعرضون عمَّا دُعوا إليه ﴿وهم مستكبرون﴾ لا يستغفرون ثمَّ أخبر أنَّ استغفار الرَّسول عليه السَّلام لا ينفعهم لفسقهم وكفرهم فقال:
﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لهم لن يغفر الله لهم﴾
﴿هم الذين يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله﴾ وذلك أن عبد الله ابن أبي قال لقومه وذويه: لا تنفقوا على أصحاب محمَّد - ﷺ عنهم - حتى يفضوا أَيْ: يتفرَّقوا ﴿ولله خزائن السماوات والأرض﴾ أَيْ: إنَّه يرزق الخلق كلَّهم وهو يرزق المؤمنين والمنافقين جميعاً
﴿يقولون لئن رجعنا إلى المدينة﴾ يعني: عبد الله بن أبيّ وكان قد خرج مع رسول الله ﷺ إلى غزوة بني المصطلق وجرى بينه وبين واحدٍ من المؤمنين جدال فأفرط عليه المؤمن فقال عبد الله بن أبيّ: ﴿لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزُّ منها الأذل﴾ يعني: الأعز نفسه والأذل رسول الله ﷺ فقال الله تعالى: ﴿ولله العزَّة﴾ القوَّة والغلبة ﴿ولرسوله﴾ بعلوِّ كلمته وإظهار دينه ﴿وللمؤمنين﴾ بنصر الله إيَّاهم على مَنْ ناوأهم
﴿يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم﴾ لا تشغلكم ﴿أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله﴾ أَيْ: الصَّلوات الخمس ﴿ومَنْ يفعل ذلك﴾ يشتغل بشيءٍ عن الصَّلوات ﴿فأولئك هم الخاسرون﴾
﴿وأنفقوا من ما رزقناكم﴾ يعني: أذوا الزَّكاة ﴿من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب﴾ هلاَّ أخرتني إلى أجلٍ قريبٍ يسأل الرجعة وما قصَّر أحدٌ في الزَّكاة والحجِّ إلاَّ سأل الرَّجعة عند الموت ﴿فأصدَّق﴾ أَيْ: أتصدَّق وأُزكِّي ﴿وأكن من الصالحين﴾ أَيْ: أحج قال الله تعالى:
﴿ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبيرٌ بما تعملون﴾
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).