تفسير سورة المسد

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة المسد من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُوْرَةُ المَسَدْ
مكية، وآيها: خمس آيات، وحروفها: أحد وثمانون حرفًا، وكلمها: ثلاث وعشرون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)﴾.
[١] ﴿تَبَّتْ﴾ أي: خسرت ﴿يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ أي: هو، أخبر عن يديه والمراد بهما: نفسُه؛ على عادة العرب في التعبير ببعض الشيء عن كله، وأسند ذلك إلى اليدين؛ من حيثُ اليدُ موضع الكسب والربح، وأبو لهب هو عبدُ العزى بنُ عبد المطلب، وهو عم النّبيّ - ﷺ -، وكني لشهرته بكنيته دون اسمه (١). قرأ ابن كثير: (لَهْبٍ) بإسكان الهاء، والباقون: بفتحها (٢)، وهما لغتان، ولا خلاف في الحرف الثّاني أنّه بالفتح.
(وَتَبَّ) فالأول دعاء، والثّاني خبرة كقولهم: أهلكه الله تعالى، وقد هلك.
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٧٥١).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٧٠٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٥)، و"تفسير البغوى" (٤/ ٧١٥)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢٦٥).
وسبب نزولها: لما دعا رسول الله - ﷺ - قومه إليه، وقال لهم: "إِنِّي نَذيرٌ لكم بينَ يَدَي عذابٍ شديدٍ"، قال أبو لهب: تبًّا لك، ألهذا دعوتنا (١)؟! وروي أنّه أخذ حجرًا ليرميه، فافترقوا عنه، فنزلت السورة (٢).
* * *
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)﴾.
[٢] ﴿مَا أَغْنَى﴾ (ما) نافية؛ أي: ما يغني ﴿عَنْهُ مَالُهُ﴾ أي: ما يدفع عنه عذابَ الله ما جمعَ من المال، وكان صاحب مواشي ﴿وَمَا﴾ أي: والذي ﴿كَسَبَ﴾ من عَرَض الدنيا من عقار ونحوه، وقيل: المراد بما كسب: بنوه، فكأنّه قال: ما أغنى عنه مالُه وولده.
وقال - ﷺ -: "خيرُ ما كَسَبَ الرَّجلُ من عملِ يدِه، وإن ولدَ الرجلِ من كَسْبِه" (٣).
* * *
﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣)﴾.
[٣] ثمّ أوعده بالنار فقال: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ صاحبةَ تلهُّب وتوقُّد.
(١) رواه البخاريّ (٤٦٨٧)، كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ من حديث ابن عبّاس.
(٢) انظر: "تفسير البيضاوي" (٥/ ٥٤٤).
(٣) كذا ساقه ابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٥٣٤)، وعنه نقله المصنِّف رحمه الله. وقد رواه أبو داود (٣٥٢٨)، كتاب: الإجارة، باب: في الرَّجل يأكل من مال ولده، والنسائي (٤٤٤٩)، كتاب: البيوع، باب: الحث على الكسب، وابن ماجه (٢١٣٧)، كتاب: التجارات، باب: الحث على المكاسب، من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا بلفظ: "إنَّ أطيب ما أكل الرَّجل من كسبه، وولده من كسبه".
﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)﴾.
[٤] وتعطف على ضمير ﴿سَيَصْلَى﴾ ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ أمُّ جميل بنتُ حرب أختُ أبي سفيان ﴿حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ أي: الخطايا.
وقال ابن عبّاس: كانت تجيء بالشوك، وتطرحه في طريق النّبيّ - ﷺ - وطريق أصحابه؛ لتعقرَهم بذلك، فسميت: حمالة الحطب. قرأ عاصم: (حَمَّالَةَ) بالنصب على الذم؛ كقوله: ﴿مَّلْعُوْنِيْنَ﴾، وقرأ الباقون: بالرفع (١)، وله وجهان: أحدهما: سيصلى هو وامرأتهُ حمالةُ الحطب، والثّاني: وامرأته حمالةُ الحطب في النّار أيضًا.
* * *
﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)﴾.
[٥] ﴿فِي جِيدِهَا﴾ عنقها ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعًا، وأصله من المَسْد، وهو الفتل الشديد، فبينا هي ذات يوم حاملة حزمة، فأعيت (٢)، فقعدت على حجر تستريح، فأتاها ملَكٌ فجذبها من حلقها (٣)، فأهلكها الله (٤)، والله أعلم.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٧٠٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٥)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٧١٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢٦٦ - ٢٦٧).
(٢) "فأعيت" زيادة من "ت".
(٣) في "ت": "خلفها".
(٤) لفظ الجلالة "الله" لم يرد في "ت"، وانظر "تفسير الثعلبي" (١٠/ ٣٢٧).
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).