تفسير سورة المنافقون

تفسير النسفي

تفسير سورة سورة المنافقون من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي.
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة المنافقين إحدى عشرة آية مدنية

إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)
﴿إِذَا جَاءكَ المنافقون قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله﴾ أرادوا شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم ﴿والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ أي والله يعلم أن الأمر كما يدل عليه قولهم إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴿والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون﴾ في ادعاء المواطأة أو إنهم لكاذبون فيه لأنه اذا خلا عن الموطأة لم يكن شهادة في الحقيقة فهم كاذبون في تسميته شهادة أو إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم إِنَّكَ لرسول الله صلى الله كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢)
﴿اتخذوا أيمانهم جُنَّةً﴾ وقاية من السبي والقتل وفيه دليل على أن أشهد يمين ﴿فَصَدُّواْ﴾ الناس ﴿عَن سَبِيلِ الله﴾ عن الإسلام بالتنفير وإلقاء الشبه ﴿إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله وفي ساء معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٣)
﴿ذلك﴾ إشارة إلى قوله سَاء مَا كَانُواْ يعملون أي ذلك القول الشاهدة عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا ﴿بأنهم﴾ بسب أنهم ﴿آمنوا ثُمَّ كَفَرُواْ﴾ أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان وبالايمان
484
أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام ثم كفروا ثم ظهر كفرهم بعد ذلك بقولهم إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير ونحو ذلك أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله ﴿وَإِذَا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا﴾ الآية ﴿فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ﴾ فختم عليها حتى لا يدخلها الإيمان جزاء على نفاقهم ﴿فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ لا يتدبرون أو لا يعرفون صحة الايمان
485
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٤)
والخطاب في ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أجسامهم﴾ لرسول الله أو لكل من
يخاطب ﴿وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ كان ابن أبي رجلا جسيما صبيحا واضحا وقوم من المنافقين في مثل صفته فكانوا يحضرون مجلس النبي ﷺ فيستندرون فيه ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن فكان النبي ﷺ ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم وموضع ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ﴾ رفع على هم كأنهم خشب أو هو كلام مستأنف لا محل له ﴿مُّسَنَّدَةٌ﴾ إلى الحائط شبهوا في اسنادهم وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير بالخشب المسندة على الحائط لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جمار أو غيرها من مظان الانتفاع وما دام متروكاً غير منتفع به اسند على الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع أو لأنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام خُشُبٌ أبو عمرو غير عباس وعلي جمع خشبة كبدنة وبدن وخشب كثمرة وثمر ﴿يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم﴾ كُلَّ صَيْحَةٍ مفعول أول والمفعول الثاني عَلَيْهِمْ وتم الكلام أي يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم لخيفتهم ورعبهم يعني إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة وانشدت ضالة ظنوه إبقاعا بهم ثم قال ﴿هُمُ العدو﴾ أي هم الكاملون في العدواة لان اعدى الاعداء العدو المداجي الذي الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء
485
الدوي ﴿فاحذرهم﴾ ولا تغترر بظواهرهم ﴿قاتلهم الله﴾ دعاء عليهم أو تعليم المؤمنين أو يدعوا عليهم بذلك ﴿أنى يُؤْفَكُونَ﴾ كيف يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم
486
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥)
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ﴾ عطفوها وأمالوها إعراضاً عن ذلك واستكبارا الواوا بالتخفيف نافع ﴿ورأيتهم يصدون وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ عن الاعتذار والاستغفار رُوي أن رسول الله ﷺ حين لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم ازدحم على الماء جهجاه ابن سعيد أجير لعمر وسنان الجهني حليف لابن ابي واقتتلا فصرخ جهجاه للمهاجرين وسنان يا للأنصار فأعان جهجاها من فقراء المهاجرين ولطم سنان فقال عبد الله الجعال وأنت هناك وقال ما صحبنا محمداً إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلما إلا كما قال سمن كلبك يأكلك وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل عني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله ﷺ ثم قال لقومه والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم فلا تنفقوا عليه ينفضوا من حول محمد بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال أنت والله الذليل القليل المبغض في قومك ومحمد على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن وقوة من المسلمين فقال عبد الله اسكت فإنما كنت ألعب فأخبر زيد رسول الله ﷺ فقال عمر رضي الله عنه دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله فقال إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب قال فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصارينا قال فكيف اذا تحد الناس
أن محمدا يقتل اصحابه وقال عليه الصلاة السلام لعبد الله أنت صاحب الكلام الذي بلغني قال والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك وإن زيداً لكاذب فهو قوله اتخذوا أيمانهم جُنَّةً فقال الحاضرون يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه كلام غلام عسى أن يكن قد وهم فلما نزلت قال
486
رسول الله ﷺ لزيد يا غلام إن الله قد صدقك وكذب المنافقين فلما بان كذب عبد الله قيل له نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله ﷺ يستغفر لك فلوى رأسه فقال أمرتموني أن اؤمن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت وما بقي لي إلا أن أسجد لمحمد فنزل واذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسو لالله ولم يلبث إلا أياماً حتى اشتكى ومات
487
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٦)
﴿سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ﴾ أي ما داموا على النافق والمعنى سواء عليم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعتدون به لكفرهم أو لأن الله لا يغفر لهم وقرئ استغفرت على حذف حرف الاستفهام لأن أم المعادلة تدل عليه ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين﴾
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (٧)
﴿هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عند رسول الله حتى تنفضوا﴾ يتفرقوا ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السماوات والأرض﴾ أي وله الأرزاق القسم فهو رازقهم نمها وإن أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم ﴿ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ﴾ ولكن عبد الله وأضرابه جاهلون لا يفقهون ذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨)
﴿يقولون لئن رجعنا﴾ من غزوة بن المصطلق ﴿إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل وَلِلَّهِ العزة﴾ الغلبة والقوة ﴿وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين وعن بعض الصالحات كانت في هيئة رثة ألست على الاسلام وه والعز الذي لا ذل معه والغني الذي لا فقر معه وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له إن الناس يزعمون
487
أن فيك تيهاً قال ليس بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية ﴿ولكن المنافقين لاَ يعلمون﴾
488
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٩)
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تُلْهِكُمْ﴾ لا تشغلكم ﴿أموالكم﴾ والتصرف فيها والسعي في تدبير امرها بالنماء وطلب التاج ﴿وَلاَ أولادكم﴾ وسروركم بهم وشفقتكم عليهم والقيام بمؤنهم ﴿عَن ذِكْرِ الله﴾ أي عن الصلوات الخمس أو عن القرآن ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك﴾
يريد الشغل بالدنيا عن الدين وقيل من يشتغل بثمير أمواله عن تدبير أحواله وبمرضاة أولاده عن إصلاح معاده ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ في تجارتهم حيث باعوا الباقي بالفاني
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠)
﴿وأنفقوا من ما رزقناكم﴾ من للتبعيض والمرد بالإنفاق الواجب ﴿مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت﴾ أي من أن يرى قبل دلائل الموت ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ويتعذر عليه الإنفاق ﴿فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى﴾ هلا أخرت موتي ﴿إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ إلى زمان قليل ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ فأتصدق وهو جواب لولا ﴿وَأَكُن مّنَ الصالحين﴾ من المؤمنين والآية في المؤمنين وقيل في المنافقين وأكون أبو عمرو بالنصب عطفاً على اللفظ والجزم على موضع فَأَصَّدَّقَ كأنه قيل إن أخرتني أصدق وأكن
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١١)
﴿وَلَن يُؤَخّرَ الله نَفْساً﴾ عن الموت ﴿إِذَا جَاء أَجَلُهَا﴾ المكتوب في اللوح المحفوظ ﴿والله خبير بما تعملون﴾ يعملون حماد ويحيى المعنى أنكم اذا علمتم أن تأخير الموت عو وقته مما لا سبيل إليه وأنه هاجم لا محالة وأن الله عليم
488
بأعمالكم فمجاز عليها من منع احب وغيره لم يبق إلا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجب والاستعداد للقاء الله تعالى والله أعلم بالصواب
سورة التغابن ثماني عشرة آية مختلف فيها
489

بسم الله الرحمن الرحيم

490
سورة المنافقون
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المنافقون) من السُّوَر المدنية، نزلت بعد سورة (الحجِّ)، وقد تناولت موضوعًا يمسُّ صُلْبَ الإيمان؛ وهو موافقةُ الظاهر للباطن، وحذَّرت من النفاق والمنافقين؛ لأنهم أضرُّ على الإسلام من غيرهم، وجاءت بتوجيهاتٍ جليلة للتَّحصين من النفاق.

ترتيبها المصحفي
63
نوعها
مدنية
ألفاظها
181
ترتيب نزولها
104
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* جاء في سبب نزول سورة (المنافقون):

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «كنتُ في غزاةٍ، فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ يقولُ: لا تُنفِقوا على مَن عندَ رسولِ اللهِ حتى يَنفضُّوا مِن حولِه، ولَئِنْ رجَعْنا مِن عندِه لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، فذكَرْتُ ذلك لِعَمِّي أو لِعُمَرَ، فذكَرَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فدعَاني، فحدَّثْتُه، فأرسَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وأصحابِه، فحلَفوا ما قالوا، فكذَّبَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصدَّقَه، فأصابني هَمٌّ لم يُصِبْني مثلُه قطُّ، فجلَسْتُ في البيتِ، فقال لي عَمِّي: ما أرَدتَّ إلى أنْ كذَّبَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ومقَتَك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، فبعَثَ إليَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقرَأَ، فقال: «إنَّ اللهَ قد صدَّقَك يا زيدُ»». أخرجه البخاري (4900).

ورواه التِّرْمِذيُّ مطولًا، ولفظه:

عن زيدِ بن أرقَمَ رضي الله عنه، قال: «غزَوْنا مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ مِن الأعرابِ، فكنَّا نبتدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسبِقونا إليه، فسبَقَ أعرابيٌّ أصحابَه، فيَسبِقُ الأعرابيُّ فيَملأُ الحوضَ، ويَجعَلُ حَوْلَه حجارةً، ويَجعَلُ النِّطْعَ عليه حتى يَجيءَ أصحابُه، قال: فأتى رجُلٌ مِن الأنصارِ أعرابيًّا، فأرخى زِمامَ ناقتِه لتَشرَبَ، فأبى أن يدَعَه، فانتزَعَ قِباضَ الماءِ، فرفَعَ الأعرابيُّ خشَبةً فضرَبَ بها رأسَ الأنصاريِّ فشَجَّه، فأتى عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ رأسَ المنافقين فأخبَرَه، وكان مِن أصحابِه، فغَضِبَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ، ثم قال: {لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اْللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ} [المنافقون: 7]؛ يَعني: الأعرابَ، وكانوا يحضُرون رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند الطَّعامِ، فقال عبدُ اللهِ: إذا انفَضُّوا مِن عندِ مُحمَّدٍ فَأْتُوا مُحمَّدًا بالطَّعامِ، فليأكُلْ هو ومَن عندَه، ثم قال لأصحابِه: لَئِنْ رجَعْتم إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ، قال زيدٌ: وأنا رِدْفُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال: فسَمِعْتُ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، فأخبَرْتُ عَمِّي، فانطلَقَ فأخبَرَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأرسَلَ إليه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فحلَفَ وجحَدَ، قال: فصدَّقَه رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبني، قال: فجاءَ عَمِّي إليَّ، فقال: ما أرَدتَّ إلا أنْ مقَتَك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وكذَّبَك والمسلمون، قال: فوقَعَ عليَّ مِن الهمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ، قال: فبَيْنما أنا أسيرُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ قد خفَقْتُ برأسي مِن الهمِّ، إذ أتاني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فعرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فما كان يسُرُّني أنَّ لي بها الخُلْدَ في الدُّنيا، ثم إنَّ أبا بكرٍ لَحِقَني فقال: ما قال لك رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال لي شيئًا، إلا أنَّه عرَكَ أُذُني، وضَحِكَ في وجهي، فقال: أبشِرْ، ثم لَحِقَني عُمَرُ، فقلتُ له مثلَ قولي لأبي بكرٍ، فلمَّا أصبَحْنا قرَأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سورةَ المنافقين». "سنن الترمذي" (3313).

* سورة (المنافقون):

سُمِّيت سورة (المنافقون) بهذا الاسم؛ لأنَّها تناولت مواقفَ المنافقين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرت صفاتِهم.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (المنافقون) في صلاة الجمعة:

عن عُبَيدِ اللهِ بن أبي رافعٍ، قال: «استخلَفَ مَرْوانُ أبا هُرَيرةَ على المدينةِ، وخرَجَ إلى مكَّةَ، فصلَّى بنا أبو هُرَيرةَ يومَ الجمعةِ، فقرَأَ سورةَ الجمعةِ، وفي السَّجْدةِ الثانيةِ: {إِذَا جَآءَكَ اْلْمُنَٰفِقُونَ}، قال عُبَيدُ اللهِ: فأدرَكْتُ أبا هُرَيرةَ، فقلتُ: تَقرأُ بسُورتَينِ كان عليٌّ يَقرؤُهما بالكوفةِ؟ فقال أبو هُرَيرةَ: إنِّي سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يَقرأُ بهما». أخرجه مسلم (877).

1. النفاق والمنافقون (١-٨).

2. توجيهاتٌ للتحصين من النفاق (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /171).

مقصدُ هذه السورة عظيم جدًّا؛ وهو التحذيرُ من النفاق وأهله، ومطالبة المؤمنين بصدقِ الأقوال والأفعال، والحرص على مطابقة الظاهر للباطن.

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: كمالُ التحذير مما يَثلِمُ الإيمانَ من الأعمال الباطنة، والترهيب مما يَقدَح في الإسلام من الأحوال الظاهرة؛ بمخالفة الفعلِ للقول؛ فإنه نفاقٌ في الجملة، فيوشك أن يجُرَّ إلى كمال النفاق، فيُخرِج من الدِّين، ويُدخِل الهاوية.

وتسميتها بالمنافقين واضحةٌ في ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /87).