تفسير سورة المسد

تفسير البيضاوي

تفسير سورة سورة المسد من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي.
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة المسد مكية، وأيها خمس آيات.

(١١١) سورة تبت
مكية، وآيها خمس آيات
[سورة المسد (١١١) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)
تَبَّتْ هلكت أو خسرت والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك. يَدا أَبِي لَهَبٍ نفسه كقوله: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وقيل إنما خصتا لأنه عليه الصلاة والسلام لما نزل عليه وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ جمع أقاربه فأنذرهم فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا، وأخذ حجراً ليرميه به فنزلت. وقيل المراد بهما دنياه وأخراه، وإنما كناه والتكنية تكرمة لاشتهاره بكنيته ولأن اسمه عبد العزى فاستكره ذكره، ولأنه لما كان من أصحاب النار كانت الكنية أوفق بحاله، أو ليجانس قوله: ذاتَ لَهَبٍ وقرئ «أبو لهب» كما قيل علي بن أبو طالب. وَتَبَّ إخبار بعد دعاء والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه كقوله:
جَزَانِي جَزَاهُ الله شَرَّ جَزائِه جَزاءَ الكِلاَبِ العَاوِيَاتِ وَقَدْ فَعَل
ويدل عليه أنه قرئ «وقد تب» أو الأول إخبار عما كسبت يداه والثاني عن عمل نفسه.
[سورة المسد (١١١) : الآيات ٢ الى ٣]
مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى نَاراً ذاتَ لَهَبٍ (٣)
مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ نفي لإِغناء المال عنه حين نزل به التباب أو استفهام إنكار له ومحلها النصب.
وَما كَسَبَ وكسبه أو مكسوبه بماله من النتائج والأرباح والوجاهة والإِتباع، أو عمله الذي ظن أنه ينفعه أو ولده عتبة، وقد افترسه أسد في طريق الشام وقد أحدق به العير ومات أبو لهب بالعدسة بعد وقعة بدر بأيام معدودة، وترك ثلاثاً حتى أنتن ثم استأجروا بعض السودان حتى دفنوه، فهو إخبار عن الغيب طابقه وقوعه.
سَيَصْلى نَاراً ذاتَ لَهَبٍ اشتعال يريد نار جهنم، وليس فيه ما يدل على أنه لا يؤمن لجواز أن يكون صليها للفسق، وقرئ «سيصلى» بالضم مخففاً و «سيصلى» مشددا.
[سورة المسد (١١١) : الآيات ٤ الى ٥]
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
وَامْرَأَتُهُ عطف على المستتر في سَيَصْلى أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان. حَمَّالَةَ الْحَطَبِ يعني حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول صلّى الله عليه وسلم وتحمل زوجها على إيذائه، أو النميمة فإنها كانت توقد نار الخصومة، أو حزمة الشوك أو الحسك، فإنها كانت تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقرأ عاصم بالنصب على الشتم.
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أي مِمَّا مُسِّدَ أي فَتِلَ، ومنه رجل ممسود الخلق أي مجدوله، وهو ترشيح للمجاز أو تصوير لها بصورة الحطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تحقيراً لشأنها، أو بياناً لحالها في
345
نار جهنم حيث يكون على ظهرها حزمة من حطب جهنم كالزقوم والضريع، وفي جيدها سلسلة من النار، والظرف في موضع الحال أو الخبر وحبل مرتفع به.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة تبت رجوت أن لا يجمع الله بينه وبين أبي لهب في دار واحدة».
346
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).