تفسير سورة المسد

تفسير الثعالبي

تفسير سورة سورة المسد من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي.
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
مكية، وآياتها ٥.
في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس لما نزلت :﴿ وأنذر عشيرتك الأقربين ﴾ [ ورهطك منهم المخلصين ] [ الشعراء : ٢١٤ ] خرج رسول الله ص حتى صعد الصفا، فهتف :" يا صباحاه "، فقالوا : من هذا ؟ فاجتمعوا إليه، فقال :" أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم، ما جربنا عليك كذبا. قال :" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد "، فقال أبو لهب : تبا لك، ما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام فنزلت :﴿ تبت يدا أبي لهب ﴾ إلى آخرها ).

تفسير سورة «المسد»
وهي مكّيّة بإجماع
[سورة المسد (١١١) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)
في «صحيح البخاري» وغيرِه عن ابن عباس: «لَمَّا نَزَلَتْ: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى صعد الصفا فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا؟ فاجتمعوا/ إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلا تخرج من سفح هذا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عليك كذبا، قال: فإني نذير لكم بين يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبّاً لَكَ، مَا جَمَعْتَنَا إلاَّ لِهَذَا، ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ إلى آخرها» «١»، وتَبَّتْ معناه: خَسِرَتْ والتَّبابُ الخُسْرَانُ، والدَّمَارُ، وأسْنَدَ ذلك إلى اليدينِ من حيثُ إنَّ اليَدَ مَوضِعُ الكَسْبِ والرِّبْحِ، وضَمِّ مَا يُمْلَكُ، ثم أوْجَبَ عليه أنه قَدْ تَبَّ، أي: حُتِّمَ ذَلِكَ عَلَيْه، وفي قراءة ابن مسعود «٢» :«وقَدْ تَبَّ»، وأبو لَهَبٍ هو عَبْدُ العُزَّى بْنُ عَبْدِ المطّلب، وهو عمّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولكن سَبَقَتْ له الشقاوةُ، قال السهيليّ: كَنَّاهُ اللَّه بأبي لهبٍ لَمَّا خَلَقَهُ سبحانَه لِلَّهَبِ وإليه مصيرُه ألا تَرَاهُ تعالى قال: سَيَصْلى نَاراً ذاتَ لَهَبٍ فَكَانَتْ كُنْيَتُه بأبي لَهَبٍ تَقَدَّمَتْ لِمَا يصيرُ إليه من اللهبِ، انتهى.
وقوله سبحانه: مَا أَغْنى عَنْهُ مالُهُ يحتملُ أن تَكُونَ «ما» نافيةً عَلَى معنى الخبرِ، ويحتملُ أنْ تكون «ما» استفهاميةً عَلَى وَجْهِ التقريرِ أي: أينَ الغَنَاءُ الذي لِمَالِه وَكَسْبهِ،
(١) أخرجه البخاري (٨/ ٦٠٩)، كتاب «التفسير» باب: سورة: تبت حديث (٤٩٧١).
(٢) ينظر: «الكشاف» (٤/ ٨١٤)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٥٣٤)، و «البحر المحيط» (٨/ ٥٢٦)، و «الدر المصون» (٦/ ٥٨٥).
636
وَما كَسَبَ يُرَادُ به عَرَضُ الدنيا، من عَقَارٍ، ونحوه، وقيل: كَسْبُه بَنُوه.
وقوله سبحانه: سَيَصْلى نَاراً ذاتَ لَهَبٍ حَتْمٌ عَلَيْهِ بِالنارِ وإعْلاَمٌ بأنه يَتَوَفَّى على كفرِه، نعوذُ باللَّهِ من سوءِ القَضَاءِ ودَرْكِ الشقاءِ.
وقوله تعالى: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ هي أمَّ جميلٍ أخْتُ أبي سفيانَ بن حرب، وكانت مؤْذِيةً/ للنبي صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنينَ بلسانِها وغايةِ قُدْرَتِها، وكانَتْ تَطْرَحُ الشّوْكَ في طريق النبي صلّى الله عليه وسلّم وطريق أصحابه لِيَعْقِرَهم فلذلكَ سُمِّيتْ حَمَّالَةَ الحَطَبِ قاله ابن عباس «١»، وقيل هو استعارةٌ لذنوبِها، قال عياض: وذكر عَبْدُ بن حُمَيْدٍ قال: كَانَتْ حمالَة الحطبِ تَضَعُ العِضَاهَ، وَهِي جَمْرٌ على طريق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فكأنَّما يَطَؤُهَا كَثِيباً أَهْيَلَ، انتهى، - ص-: وقُرِىءَ شاذًّا: «وَمُرَيْئَتُهُ» بالتصغيرِ «٢»، والجيدُ هُو العُنُقُ، انتهى.
وقوله تعالى: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قال ابنُ عباس وجماعة: الإشَارَةُ إلى الحبلِ حَقِيقَةٌ، الذي رَبَطَتْ به الشوكَ «٣»، والمَسَدُ: الليفُ، وقِيلَ ليفُ المُقْلِ، وفي «صحيحِ البخاري» : يُقَالُ مِنْ مسد لِيف المُقْلِ وهي السلسلةُ الَّتِي في النارِ، انتهى، ورُوِي في الحديثِ أنَّ هذهِ السورةَ لما نزلتْ وقُرِئَتْ بَلَغَتْ أُمَّ جميلٍ فَجَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ جَالسٌ معَ النبي صلّى الله عليه وسلّم في المسجدِ وَبِيَدِهَا فِهْرُ حَجَرٍ، فأخَذَ اللَّهُ بِبَصَرِهَا وقَالَتْ: يا أبا بكرٍ بَلَغَنِي أنَّ صَاحِبَكَ هَجَانِي، وَلَوْ وَجَدْتُه لَضَرَبْتُه بِهَذَا الفِهْرِ، وإنّي لَشَاعِرَة وَقْد قلت فيه: [منهوك الرجز]
مُذَمَّماً قَلَيْنَا وَدِينَهُ أَبَيْنَا «٤»
فَسَكَتَ أبو بكرٍ، ومضت هي، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لَقَدْ حَجَبَتْنِي عَنْهَا مَلاَئِكَةٌ فَمَا رَأَتْنِي وَكَفَانِيَ الله شرّها.
(١) أخرجه الطبري (١٢/ ٧٣٥)، (٣٨٢٦٩)، وذكره البغوي (٤/ ٥٤٣)، وابن عطية (٥/ ٥٣٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٤/ ٥٦٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ٧٠٣)، وعزاه لابن جرير، والبيهقي في «الدلائل»، وابن عساكر عن ابن عبّاس رضي الله عنهما.
(٢) قرأ بها ابن مسعود، كما في «الشواذ» ص: (١٨٢)، و «المحتسب» (٢/ ٣٧٥)، وينظر: «الكشاف» (٤/ ٨١٥)، و «المحرر الوجيز» (٥/ ٥٣٥)، و «البحر المحيط» (٨/ ٥٢٧)، و «الدر المصون» (٦/ ٥٨٦).
(٣) ذكره البغوي (٤/ ٥٤٤)، وابن عطية (٥/ ٥٣٥).
(٤) تقدم وينظر: «المحرر الوجيز» (٥/ ٥٣٥)، و «البحر المحيط» (٨/ ٥٢٨).
637
سورة المسد
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (المَسَدِ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الفاتحة)، وقد افتُتحت بوعيدِ أبي لَهَبٍ عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاءِ عليه؛ بسبب مقالته للنبي صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، وفي ذلك بيانُ خسران الكافرين، ولو كان أقرَبَ قريب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ ولذا خُتمت بوعيد زوجه؛ لأنها وافقت زوجَها، وأبغَضت النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

ترتيبها المصحفي
111
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
6
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: {وَأَنذِرْ ‌عَشِيرَتَكَ ‌اْلْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، ورَهْطَك منهم المُخلَصِينَ؛ خرَجَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى صَعِدَ الصَّفَا، فهتَفَ: «يا صَبَاحَاهْ»، فقالوا: مَن هذا؟ فاجتمَعوا إليه، فقال: «أرأَيْتم إن أخبَرْتُكم أنَّ خيلًا تخرُجُ مِن سَفْحِ هذا الجبَلِ، أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟»، قالوا: ما جرَّبْنا عليك كَذِبًا، قال: «فإنِّي نذيرٌ لكم بَيْنَ يَدَيْ عذابٍ شديدٍ»، قال أبو لَهَبٍ: تبًّا لك! ما جمَعْتَنا إلا لهذا؟! ثم قامَ؛ فنزَلتْ: {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٖ وَتَبَّ} [المسد: 1]، وقد تَبَّ»؛ هكذا قرَأَها الأعمَشُ يومَئذٍ. أخرجه البخاري (٤٩٧١).

* سورةُ (المَسَدِ):

سُمِّيت سورةُ (المَسَدِ) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ (المَسَد) في خاتمتها.

* وتُسمَّى سورة {تَبَّتْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

وعيدٌ لأبي لَهَبٍ وزوجته، ومصيرُهما (١-٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /437).

الحُكْمُ بخسران الكافرين، وزجرُ أبي لَهَبٍ على قوله للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: «تبًّا لك! ألهذا جمَعْتَنا؟!»، ووعيدُ امرأته على انتصارها لزوجها، وبُغْضِها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ينظر: "مصاعد النظر إلى مقاصد السور" للبقاعي (3 /277)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /600).