وَالْجَوَاب عَنهُ: أَنه كَانَ مُسْتَقرًّا فِي النُّفُوس قبح رُءُوس الشَّيَاطِين، وَأَن جَمِيعهم على أقبح صُورَة؛ فَشبه بهَا على مَا اسْتَقر فِي النُّفُوس، قَالَ الشَّاعِر:
(يقاتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال)
401
﴿فمالئون مِنْهَا الْبُطُون (٦٦) ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوبا من حميم (٦٧) ثمَّ إِن مرجعهم لإلى الْجَحِيم (٦٨) إِنَّهُم ألفوا آبَاءَهُم ضَالِّينَ (٦٩) فهم على آثَارهم يهرعون (٧٠) وَلَقَد ضل قبلهم أَكثر الْأَوَّلين (٧١) وَلَقَد أرسلنَا فيهم منذرين (٧٢) فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذرين (٧٣) إِلَّا عباد الله المخلصين (٧٤) وَلَقَد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾
فَشبه بأنياب الأغوال، وَلم ير الأغوال، وَلَكِن صَحَّ التَّشْبِيه لما تقرر فِي النُّفُوس قبحها، وَقَالَ بَعضهم: الشَّيْطَان هَا هُنَا حَيَّة قبيحة المنظر، فَمَعْنَاه: كَأَنَّهَا رُءُوس الْحَيَّات، وَالْعرب تسمي كل قَبِيح مَكْرُوه شَيْطَانا، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ اسْم لنبت من الثَّمر خشن اللَّمْس منتن الرّيح.
وَقَوله:
﴿إِنَّا جعلناهم فتْنَة للظالمين﴾ فتنتهم بهَا هُوَ مَا قَالَ أَبُو جهل، وَزعم أَنه الزّبد وَالتَّمْر، وَمن فتنتهم أَيْضا بهَا أَنهم قَالُوا كَيفَ تنْبت شَجَرَة فِي النَّار، وَالنَّار تحرق الشّجر؟
402
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنَّهُم لآكلون مِنْهَا فمالئون مِنْهَا الْبُطُون﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿ثمَّ إِن لَهُم عَلَيْهَا لشوبا من حميم﴾ أَي: لخلطا من حميم.
وَقَوله: ﴿ثمَّ إِن مرجعهم لإلى الْجَحِيم﴾ أَي: منقلبهم، وَيُقَال: إِن شَجَرَة الزقوم فِي الْبَاب السَّادِس من أَبْوَاب النَّار؛ فَيخْرجُونَ من الْجَحِيم إِلَيْهِ حَتَّى يَأْكُلُون الزقوم ثمَّ يردون إِلَى الْجَحِيم؛ فَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿قُم ثمَّ إِن مرجعكم لإلى الْجَحِيم﴾ .
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّهُم ألفوا آبَاءَهُم ضَالِّينَ﴾ أَي: وجدوا آبَاءَهُم على الضَّلَالَة،
وَقَوله: ﴿فهم على آثَارهم يهرعون﴾ أَي: يسرعون، والإهراع هُوَ الْإِسْرَاع،
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد ضل قبلهم أَكثر الْأَوَّلين وَلَقَد أرسلنَا فيهم منذرين فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُنْذرين﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١: قوله تعالى :( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) معلوم المعنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧١: قوله تعالى :( ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين ولقد أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين ) معلوم المعنى.
قَوْله تَعَالَى:
﴿إِلَّا عباد الله المخلصين﴾ وَقُرِئَ: " مُخلصين " بِكَسْر اللَّام، فَقَوله:
﴿مُخلصين﴾ أَي: الَّذين أخلصهم الله واختارهم، وَأما بِالْكَسْرِ أَي: الَّذين أَخْلصُوا الْعَمَل لله تَعَالَى.
402
(
﴿٧٥) ونجيناه وَأَهله من الكرب الْعَظِيم (٧٦) وجعنا ذُريَّته هم البَاقِينَ (٧٧) وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين (٧٨) سَلام على نوح فِي الْعَالمين (٧٩) إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّه من عبادنَا الْمُؤمنِينَ (٨١) ثمَّ أغرقنا الآخرين (٨٢) وَإِن من شيعته لإِبْرَاهِيم (٨٣) إِذْ جَاءَ ربه بقلب سليم (٨٤) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَاذَا تَعْبدُونَ (٨٥) أئفكا آلِهَة﴾
403
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد نادانا نوح فلنعم المجيبون﴾ أَي: نعم الْمُجيب نَحن لَهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿المجيبون﴾ على مَا يَقُول الْمُلُوك والعظماء، ويخبرون عَن أنفسهم بِلَفْظ الْجَمَاعَة.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ونجيناه وَأَهله من الكرب الْعَظِيم﴾ أَي: الْغم الْعَظِيم،
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ﴾ قد بَينا أَن النَّاس من نسل نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَلم يبْق أحد من نسل غَيره.
وَقَوله: ﴿وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ أَي: وَتَركنَا عَلَيْهِ الذّكر الْجَمِيل وَالثنَاء الْحسن فِي الآخرين،
قَوْله تَعَالَى: ﴿سَلام على نوح فِي الْعَالمين﴾ أَي: السَّلامَة لَهُ منا فِي الْعَالمين، وَيُقَال: السَّلَام منا عَلَيْهِ فِي الْعَالمين،
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ إِنَّه من عبادنَا الْمُؤمنِينَ﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٠: قوله تعالى :( إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ) معلوم المعنى.
وَقَوله: ﴿ثمَّ أغرقنا الآخرين﴾ هم الْكفَّار، وَقد سبق ذكر نوح من قبل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن من شيعته لإِبْرَاهِيم﴾ يُقَال: أَن الْهَاء هَا هُنَا رَاجع إِلَى مُحَمَّد وَالأَصَح انه رَاجع إِلَى نوح، والشيعة هم الأتباع، وَإِنَّمَا قَالَ من شيعته؛ لِأَنَّهُ كَانَ على مسلكه، ومنهاجه.
وَقَوله: ﴿إِذْ جَاءَ ربه بقلب سليم﴾ أَي: سليم من الشّرك، قَالَ عُرْوَة بن الزبير: لم يلعن شَيْئا قطّ، فهم معنى قَوْله: ﴿سليم﴾ .
قَوْله تَعَالَى:
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَومه مَاذَا تَعْبدُونَ﴾ مَعْنَاهُ: أَي شَيْء تَعْبدُونَ؟ وَهُوَ اسْتِفْهَام بطرِيق الْإِنْكَار والتوبيخ.
403
﴿دون الله تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين (٨٧) فَنظر نظرة إِلَى النُّجُوم (٨٨) فَقَالَ إِنِّي سقيم (٨٩) فتولوا عَنهُ مُدبرين (٩٠) فرَاغ إِلَى آلِهَتهم فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ﴾
404
قَوْله تَعَالَى: ﴿أئفكا آلِهَة﴾ أَي: تطلبون آلِهَة مؤتفكة، وَمعنى تطلبون أَي: تطلبون مِنْهَا مَا يطْلب من الله تَعَالَى، والإفك: الْكَذِب، وَمعنى المؤتفكة: أَي كَذبْتُمْ لأَجلهَا على الله، واخترعتموها من قبل أَنفسكُم.
قَوْله تَعَالَى: { [أئفكا آلِهَة دون الله تُرِيدُونَ]
فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين) مَعْنَاهُ: فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين إِذا لقيتموه، وَأي شَيْء تتوقعون مِنْهُ، وَقد فَعلْتُمْ مَا فَعلْتُمْ!
قَوْله تَعَالَى:
﴿فَنظر نظرة فِي النُّجُوم فَقَالَ إِنِّي سقيم﴾
قَالَ الْخَلِيل والمبرد: تَقول الْعَرَب لكل من نظر فِي أمره وتدبر مَاذَا يفعل قد نظر فِي النُّجُوم، هَذَا قَول، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنه كَانَ نجم يطلع فِي ذَلِك الزَّمَان، وَكَانَ كل من نظر إِلَيْهِ يَزْعمُونَ أَنه يُصِيبهُ الطَّاعُون، وَيُقَال: إِنَّه كَانَ زحل؛ فَقَوله:
﴿فَنظر نظرة فِي النُّجُوم﴾ أَي: نظر إِلَى النَّجْم:
﴿فَقَالَ إِنِّي سقيم﴾ أَي: أصابني الطَّاعُون على مَا تَزْعُمُونَ، وَكَانُوا يفرون من المطعون فِرَارًا عَظِيما، ويزعمون أَنه يعدي، ذكره السّديّ.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن معنى قَوْله:
﴿فَنظر نظرة فِي النُّجُوم﴾ أَي: فِيمَا نجم لَهُ من الْأَمر أَي: ظهر.
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن قَوْله:
﴿فَنظر نظرة فِي النُّجُوم﴾ أَي: ينظر فِي النُّجُوم على مَا ينظر فِيهِ أهل النُّجُوم، وكايدهم بذلك عَن دينه، وَكَانُوا أهل نُجُوم، ويزعمون أَن الْأَحْكَام تصدر مِنْهَا، والحوادث تكون عَنْهَا؛ فَنظر فِي النُّجُوم، وَقَالَ هَذِه الْمقَالة ليتركوه، ويتوصل بذلك إِلَى كيد أصنامهم.
وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن علم النُّجُوم كَانَ حَقًا إِلَى أَن حبست الشَّمْس ليوشع بن نون فتشوش الْأَمر عَلَيْهِم، وَالله أعلم.
وَقَوله:
﴿إِنِّي سقيم﴾ قد بَينا، سقيم أَي: سأسقم، وَلَا بُد لكل صَحِيح أَن يسقم، وَقيل: يسقم الْقلب لقبح أفعالكم، وَهَذَا هُوَ إِحْدَى الكذبات الثَّلَاث الَّتِي كذبهَا
404
(
﴿٩١) مَا لكم لَا تنطقون (٩٢) فرَاغ عَلَيْهِم ضربا بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون (٩٤) قَالَ أتعبدون مَا تنحتون (٩٥) وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦) قَالُوا ابْنُوا لَهُ﴾ إِبْرَاهِيم فِي الله، وَالْخَبَر فِي ذَلِك مَعْرُوف صَحِيح، وَقد روينَا.
وَقَالَ بَعضهم: كَانَ ذَلِك من معاريض الْكَلَام، وَلم يكن كذبا صَرِيحًا.
405
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨: قوله تعالى :( فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم )
قال الخليل والمبرد : تقول العرب لكل من نظر في أمره وتدبر ماذا يفعل قد نظر في النجوم، هذا قول، والقول الثاني : أنه كان نجم يطلع في ذلك الزمان، وكان كل من نظر إليه يزعمون أنه يصيبه الطاعون، ويقال : إنه كان زحل ؛ فقوله :( فنظر نظرة في النجوم ) أي : نظر إلى النجم :( فقال إني سقيم ) أي : أصابني الطاعون على ما تزعمون، وكانوا يفرون من المطعون فرارا عظيما، ويزعمون أنه يعدي، ذكره السدي.
والقول الثالث : أن معنى قوله :( فنظر نظرة في النجوم ) أي : فيما نجم له من الأمر أي : ظهر.
والقول الرابع : أن قوله :( فنظر نظرة في النجوم ) أي : ينظر في النجوم على ما ينظر فيه أهل النجوم، وكايدهم بذلك عن دينه، وكانوا أهل نجوم، ويزعمون أن الأحكام تصدر منها، والحوادث تكون عنها ؛ فنظر في النجوم، وقال هذه المقالة ليتركوه، ويتوصل بذلك إلى كيد أصنامهم.
وعن عائشة رضي الله عنها أن علم النجوم كان حقا إلى أن حبست الشمس ليوشع بن نون فتشوش الأمر عليهم، والله أعلم.
وقوله :( إني سقيم ) قد بينا، سقيم أي : سأسقم، ولا بد لكل صحيح أن يسقم، وقيل : يسقم القلب لقبح أفعالكم، وهذا هو إحدى الكذبات الثلاث التي كذبها إبراهيم في الله( )، والخبر في ذلك معروف صحيح، وقد روينا.
وقال بعضهم : كان ذلك من معاريض الكلام، ولم يكن كذبا صريحا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فتولوا عَنهُ مُدبرين﴾ أَي: توَلّوا عَنهُ وتركوه.
وَقد ذكرنَا أَنهم خَرجُوا إِلَى عيد لَهُم، فَلَمَّا خَرجُوا وَبَقِي إِبْرَاهِيم وَحده عمد إِلَى بَيت أصنافهم ودخله، وَكَانَ الطَّعَام مَوْضُوعا بَين أَيْديهم؛ فَقَالَ: أَلا تَأْكُلُونَ؟ فَهُوَ معنى
قَوْله: ﴿فرَاغ إِلَى آلِهَتهم﴾ وَقَوله: " راغ " أَي: مَال.
وَقَوله: ﴿أَلا تَأْكُلُونَ﴾ هَذَا على طَرِيق الْإِنْكَار على الْمُشْركين؛ لأَنهم كَانُوا قدمُوا الطَّعَام إِلَيْهِم ليأكلوا.
قَوْله: ﴿مَا لكم لَا تنطقون﴾ أَي: لَا تتكلمون، وَهُوَ أَيْضا مَذْكُور على طَرِيق الْإِنْكَار،
قَوْله تَعَالَى: ﴿فرَاغ عَلَيْهِم﴾ أَي: فَمَال عَلَيْهِم يضْرب ضربا بِالْيَمِينِ.
وَقَوله: ﴿بِالْيَمِينِ﴾ فِيهِ أَقْوَال: أَحدهَا أَن مَعْنَاهُ: يَضْرِبهُمْ بِيَمِينِهِ، وَمعنى يَضْرِبهُمْ أَي: يكسرهم، وَيُقَال بِالْيَمِينِ أَي: بِالْقُوَّةِ.
وَالْقَوْل الثَّالِث: بِالْيَمِينِ أَي: بِالْيَمِينِ الَّتِي سبقت مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وتالله لأكيدن أصنامكم﴾ .
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يزفون﴾ أَي: يسرعون،
وَقَوله: ﴿قَالَ أتعبدون مَا تنحتون﴾ أَي: تنحتون بِأَيْدِيكُمْ،
وَقَوله: ﴿وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ من هَذِه الْأَصْنَام، فَإِذا كَانَ الله خلقهَا فَلَا يصلح أَن تتخذوها آلِهَة، وَفِي الْآيَة دَلِيل على أهل الاعتزال فِي أَن أَعمال الْعباد مخلوقة لله تَعَالَى وَالدَّلِيل فِي ذَلِك وَاضح، وَهُوَ مَعْلُوم فِي (الْكتب).
قَوْله تَعَالَى:
﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بنيانا﴾ أَي: حَظِيرَة، وَقيل: إيوانا.
405
﴿بنيانا فألقوه فِي الْجَحِيم (٩٧) فأرادوا بِهِ كيدا فجعلناهم الأسفلين (٩٨) وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين (٩٩) رب هَب لي من الصَّالِحين (١٠٠) فبشرناه بِغُلَام حَلِيم﴾
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: بنوا موضعا وَجعلُوا حوائطه من حَدِيد، طوله فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا، وَعرضه عشرُون ذِرَاعا.
وَقَوله:
﴿فألقوه فِي الْجَحِيم﴾ الْجَحِيم كل مَوضِع عظمت فِيهِ النَّار وَكَثُرت، وَيُقَال: الْجَحِيم نَار على نَار، وجمر على جمر.
406
وَقَوله: ﴿فأرادوا بِهِ كيدا﴾ كيدهم: هُوَ قصدهم إحراقه بالنَّار، وَقَوله: ﴿فجعلناهم الأسفلين﴾ أَي: المهلكين، وَقيل: الأسفلين فِي الْحجَّة، كَانَ حجَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم، وَظَهَرت عَلَيْهِم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين﴾ .
فِي الْقِصَّة: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما ألقِي فِي النَّار؛ قَالَ حِين ألقِي: حسبي الله وَنعم الْوَكِيل؛ فَجعل الله النَّار عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا، قَالَ كَعْب: لم تحرق شَيْئا مِنْهُ إِلَّا وثَاقه، وَفِي الْقِصَّة: أَن نمروذ اطلع عَلَيْهِ فَرَآهُ فِي رَوْضَة خضراء عَن يَمِينه شخص، وَكَانَ هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن يسَاره فرَاش من حَرِير أنزلهُ الله عَلَيْهِ من الْجنَّة.
وَقَوله: ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي﴾ فِيهِ قَولَانِ: أحد الْقَوْلَيْنِ: أَنه قَالَ بعد أَن خرج من النَّار، وَأمره الله بِالْهِجْرَةِ إِلَى الشَّام.
وَالْقَوْل الآخر: أَنه قَالَ هَذَا قبل أَن [يلقى] فِي النَّار، وَكَانَ عِنْده أَنه إِذا ألقِي فِي النَّار هلك، وَلم يتَخَلَّص مِنْهَا؛ فَقَالَ هَذَا القَوْل إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي.
وَقَوله: ﴿سيهدين﴾ على هَذَا القَوْل مَعْنَاهُ: إِلَى طَرِيق الْجنَّة، وعَلى القَوْل الأول سيهدين أَي: سيرشدني إِلَى الْموضع الَّذِي أمرت بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿رب هَب لي من الصَّالِحين﴾ أَي: هَب لي ولدا صَالحا من الصَّالِحين،
قَوْله تَعَالَى
﴿فبشرناه بِغُلَام حَلِيم﴾ أَي: غُلَام حَلِيم فِي صغره، عليم فِي
406
(
﴿١٠١) فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي قَالَ يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك فَانْظُر مَاذَا ترى قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين (١٠٢) فَلَمَّا أسلما وتله﴾ كبره، وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَنه بشره بِأَنَّهُ يكبر، ويعمر حَتَّى يُوصف (بالحلم) وَالْوَقار.
وَاخْتلفُوا أَن هَذَا الْغُلَام كَانَ إِسْمَاعِيل أَو إِسْحَاق.
فَذهب قوم إِلَى أَنه إِسْحَاق عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود وَكَعب وَقَتَادَة وَجَمَاعَة، وَذهب جمَاعَة إِلَى أَنه إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن الْمسيب وَالْحسن وَغَيرهم.
407
قَوْله تَعَالَى:
﴿فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي﴾ قَالَ ثَعْلَب: السَّعْي مشي بِسُرْعَة، وَاخْتلفُوا فِي السَّعْي هَاهُنَا، قَالَ بَعضهم: هُوَ الْعَمَل مَعَه، كَأَنَّهُ صَار يُعينهُ فِي عمله، وَقيل: السعى إِلَى الْجَبَل، وَيُقَال: بلغ مَعَه السَّعْي أَي: الْعِبَادَة لله تَعَالَى.
وَقَوله:
﴿قَالَ يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك﴾ أَي: أمرت بذبحك، قَالَ ابْن عَبَّاس: رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي، وَيُقَال: رَأَيْت فِي الْمَنَام مَا يدل على أَنِّي أمرت بذبحك.
وَقَوله:
﴿فَانْظُر مَاذَا ترى﴾ وَقَرَأَ حَمْزَة: " مَاذَا ترى " أما قَوْله:
﴿مَاذَا ترى﴾ أَي: مَاذَا ترى فِيمَا أَمر الله بِهِ، فَإِن قيل: كَيفَ يشاوره فِيمَا أمره الله بِهِ، وَهُوَ أَمر حتم لَا يجوز تَركه؟
وَالْجَوَاب عَنهُ على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن المُرَاد مِنْهُ إخْبَاره.
وَالْآخر: أَنه أَرَادَ امتحانه فِي التَّسْلِيم بِحكم الله.
وَأما الْقِرَاءَة الْأُخْرَى، وَهِي قَوْله:
﴿مَاذَا ترى﴾ فِيهِ مَعْنيانِ أَحدهمَا: مَاذَا تُشِير؟ وَالْآخر: مَاذَا ترى من صبرك؟ ذكره الْفراء.
وَقَوله:
﴿قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر﴾ قَالَ ذَلِك انقيادا لأمر ربه وطواعية، وَقَوله:
407
﴿للجبين (١٠٣) وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم (١٠٤) قد صدقت الرءيا إِنَّا كَذَلِك نجزي﴾ ﴿ستجدني إِن شَاءَ الله من الصابرين﴾ أَي: الصابرين على حكم الله.
408
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا أسلما﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " فَلَمَّا سلما ".
وَقَوله: ﴿أسلما﴾ أَي: استسلما، وَمَعْنَاهُ: أَن إِبْرَاهِيم سلم ابْنه للذبح، وَالْولد سلم روحه.
وَقَوله: ﴿وتله للجبين﴾ أَي: صرعه للجبين، والجبهة بَين الجبينين، قَالَ الشَّاعِر:
(شَككت لَهُ بِالرُّمْحِ جَنْبي قَمِيصه... فَخر تليلا الْيَدَيْنِ للفم)
وَقَالَ آخر:
(فتله للجبينمنعفرا... مِنْهُ منَاط الوتين منتصب)
وَاخْتلفُوا فِي الْموضع الَّذِي أَرَادَ ذبحه فِيهِ، فَمن قَالَ: إِن الذَّبِيح كَانَ إِسْمَاعِيل قَالَ: كَانَ بمنى، وَمن قَالَ: إِن الذَّبِيح كَانَ إِسْحَاق قَالَ: كَانَ بِالشَّام.
وَفِي التَّفْسِير: أَن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لإِبْرَاهِيم: اقذفني على جبيني؛ لِئَلَّا ترى وَجْهي فترحمني، وَحَتَّى لَا أرى الشَّفْرَة فأجزع مِنْهَا، وَفِي الْقِصَّة: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام خرج إِلَى جَانب منى، وَأمر إِسْمَاعِيل أَن يتبعهُ بالشفرة وَالْحَبل، فرفعهما وَاتبعهُ؛ فجَاء إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة وَقَالَ لإسماعيل: هَل تَدْرِي مَا يُرِيد بك أَبوك؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: إِنَّه يُرِيد أَن يذبحك؛ فَقَالَ: وَلم؟ قَالَ: يزْعم أَن الله أمره بِهِ. فَقَالَ: هُوَ أهل أَن يطاع، ثمَّ جَاءَ إِلَى أمه ووسوس كَذَلِك؛ فأجابت كَمَا قُلْنَا، يَعْنِي: كَمَا قَالَ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام.
وَفِي التَّفْسِير: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام جعل يحز وَلَا يقطع، وروى أَن الله تَعَالَى ضرب على عنق إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام صفيحة من نُحَاس؛ فَجعل لَا يقطع، وَأورد بَعضهم: أَنه كَانَ يقطع ويلتئم.
وَقَوله:
﴿وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم﴾ فَإِن قيل: أَيْن جَوَاب قَوْله: {فَلَمَّا أسلما وتله
408
﴿الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين (١٠٦) وفديناه بِذبح عَظِيم (١٠٧) وَتَركنَا﴾ للجبين) ؟
الْجَواب: أَن جَوَابه قَوْله
﴿وناديناه﴾ وَالْوَاو صلَة، وَجعل بَعضهم الْجَواب محذوفا، وَقَوله: {وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم
409
قد صدقت الرُّؤْيَا) أَي: حققت الرُّؤْيَا بِمَا أمرت بِهِ. وَقَوله: ﴿إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ﴾ أَي: الْمُوَحِّدين، فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: صدقت الرُّؤْيَا، وَرَأى أَنه يذبح وَلم يذبح؟
وَالْجَوَاب: أَنه قد أَتَى بِمَا قدر عَلَيْهِ من الذّبْح؛ فَجعله مُصدقا بِهَذَا الْمَعْنى، وَالْآخر: أَن الْمَقْصُود من الْأَمر وَالْمَطْلُوب مِنْهُ كَانَ هُوَ استسلامهما، هَذَا لوَلَده، وَهَذَا لروحه، فَلَمَّا فعلا ذَلِك سماهما مُصدقين.
وَاخْتلفُوا فِي سنّ إِسْمَاعِيل فِي ذَلِك الْوَقْت، مِنْهُم من قَالَ: كَانَ سنه [ثَلَاث] عشرَة سنة، وَمِنْهُم من قَالَ: كَانَ سنه سبع سِنِين.
﴿إِن هَذَا لَهو الْبلَاء الْمُبين﴾ أَي: الْبلَاء الْبَين، وَمِنْهُم من قَالَ: النِّعْمَة الْبَيِّنَة، وَالنعْمَة فِي صرف الذّبْح عَنهُ، وَالْفِدَاء الَّذِي أنزل عَلَيْهِ.
قَوْله تَعَالَى:
﴿وفديناه بِذبح عَظِيم﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أنزل الله تَعَالَى عَلَيْهِ كَبْشًا من الْجنَّة، وَهُوَ الْكَبْش الَّذِي تقبله الله تَعَالَى من هابيل، وَيُقَال: كَبْش رعى فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: أروية من الْجَبَل.
وَقَوله:
﴿عَظِيم﴾ مِنْهُم من قَالَ: المُرَاد مِنْهُ الْعَظِيم فِي الشَّخْص، وَقيل: عَظِيم فِي الثَّوَاب، وَقَالَ مُجَاهِد: عَظِيم؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْبُولًا من الله.
وَفِي التَّفْسِير: أَن الْكَبْش نزل عَلَيْهِ من جبل منى؛ فَقَالَ لإسماعيل: قُم فَإِن الله تَعَالَى أرسل فدَاك، وَفِي الْقِصَّة: أَن الْكَبْش هرب؛ فَتَبِعَهُ إِبْرَاهِيم حَتَّى أَخذه، فَلَمَّا
409
﴿عَلَيْهِ فِي الآخرين (١٠٨) سَلام على إِبْرَاهِيم (١٠٩) كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّه من عبادنَا الْمُؤمنِينَ (١١١) وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين (١١٢) وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما محسن وظالم لنَفسِهِ مُبين (١١٣) وَلَقَد مننا على مُوسَى وَهَارُون (١١٤) ونجيناهما وقومهما من الكرب الْعَظِيم (١١٥) ونصرناهم فَكَانُوا هم﴾ كَانَ بَين الْجَمْرَتَيْن اضْطجع، وَلم يطق إِبْرَاهِيم حمله؛ فذبحه هُنَالك.
410
وَقَوله: ﴿وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ أَي: تركنَا لَهُ فِي الآخرين حسنا وذكرا جميلا،
وَقَوله: ﴿سَلام على إِبْرَاهِيم﴾ قد بَينا،
وَقَوله: ﴿كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ﴾ قد بَينا.
وَقَوله: ﴿وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين﴾ اسْتدلَّ من قَالَ إِن إِسْمَاعِيل كَانَ هُوَ الذَّبِيح؛ فَإِنَّهُ ذكر قصَّة الذَّبِيح بِتَمَامِهِ، ثمَّ قَالَ: ﴿وبشرناه بِإسْحَاق نَبيا من الصَّالِحين﴾ دلّ أَنه كَانَ غير إِسْحَاق، وَأما من قَالَ: كَانَ الذَّبِيح إِسْحَاق، فَقَالَ فِي هَذِه الْآيَة: إِن الْبشَارَة وَقعت بِالنُّبُوَّةِ فِي إِسْحَاق، والبشارة الأولى بولادته وإعطائه إِيَّاه.
وَقَوله: ﴿وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَق﴾ أى: باركنا على إِبْرَاهِيم وعَلى إِسْحَق، وَالْبركَة هَاهُنَا: كَثْرَة الْوَلَد، وَيُقَال: الْبركَة كَثْرَة الْأَنْبِيَاء [فى] أولادهما.
وَقَوله: ﴿وَمن ذريتهما محسن وظالم لنَفسِهِ مُبين﴾ أَي: موحد ومشرك.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد مننا على مُوسَى وَهَارُون﴾ أَي: أنعمنا.
وَقَوله: ﴿ونجيناهما وقومهما من الكرب الْعَظِيم﴾ أَي: من الْغم الْعَظِيم، وَهُوَ الْغَرق والهلاك.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿ونصرناهم فَكَانُوا هم الغالبين﴾ أَي: ونصرناهما، فَذكر الِاثْنَيْنِ بِلَفْظ الْجمع، وَقد يذكر الْوَاحِد بِلَفْظ الْجمع أَيْضا، وَقد بَينا من قبل.
وَقَوله:
﴿وآتيناهما الْكتاب المستبين﴾ أَي: التَّوْرَاة.
410
﴿الغالبين (١١٦) وآتيناهما الْكتاب المستبين (١١٧) وهديناهما الصِّرَاط الْمُسْتَقيم (١١٨) وَتَركنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرين (١١٩) سَلام على مُوسَى وَهَارُون (١٢٠) إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إنَّهُمَا من عبادنَا الْمُؤمنِينَ (١٢٢) وَإِن إلْيَاس لمن الْمُرْسلين (١٢٣) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُون (١٢٤) أَتَدعُونَ بعلا وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ (١٢٥) الله ربكُم﴾
411
وَقَوله: ﴿وهديناهما الصِّرَاط الْمُسْتَقيم﴾ أَي: الْإِسْلَام،
وَقَوله: ﴿وَتَركنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرين﴾ قد بَينا،
وَقَوله: ﴿سَلام على مُوسَى وَهَارُون إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ إنَّهُمَا من عبادنَا الْمُؤمنِينَ﴾ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن إلْيَاس لمن الْمُرْسلين﴾ فِي التَّفْسِير: أَن إلْيَاس كَانَ من ولد هَارُون، وَبَعثه الله إِلَى بني إِسْرَائِيل، وياقل بَعثه الله إِلَى بعلبك، وَهِي بَلْدَة، وَقد كَانَ أَهلهَا يعْبدُونَ صنما يُسمى بعلا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُون﴾ مَعْنَاهُ: أَلا تخافون الله وتحذرونه.
قَوْله سُبْحَانَهُ:
﴿أَتَدعُونَ بعلا﴾ هُوَ الصَّنَم الَّذِي قُلْنَا، وَيُقَال: إِنَّه كَانَ من ذهب مزين بالجواهر، وَعَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: أَتَدعُونَ بعلا أَي: رَبًّا، والبعل هُوَ الرب، وَمَعْنَاهُ: أَتَدعُونَ هَذَا الصَّنَم رَبًّا؟.
وروى عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ جَالِسا، فَسئلَ عَن هَذِه الْآيَة؛ فَسكت؛ فَمر رجل من الأزد وَمَعَهُ بقرة؛ فَقَالَ لَهُ رجل: أتبيعها؟ قَالَ: إِنَّمَا يَبِيعهَا بَعْلهَا أَي: رَبهَا؛ فَعرف ابْن عَبَّاس أَن البعل هُوَ الرب، وَكَانَ الأزد من أفْصح الْيمن، وَسمي الزَّوْج بعلا من هَذَا، قَالَ الشَّاعِر:
(وَرَأَيْت بعلك فِي الوغى مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا)
وَقَوله:
﴿وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ﴾ أَي: المقدرين، وَهُوَ الله تَعَالَى،
قَوْله تَعَالَى: ﴿الله ربكُم﴾ أَي: هُوَ ربكُم، وَقُرِئَ بِالنّصب: " الله ربكُم "، وَهُوَ منصرف إِلَى قَوْله: ﴿وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ الله ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين﴾ .
قَوْله تَعَالَى:
﴿فَكَذبُوهُ فَإِنَّهُم لمحضرون﴾ أَي: لمحضرون النَّار، وَفِي الْقِصَّة: أَن ذَلِك
411
{وَرب آبائكم الْأَوَّلين (١٢٦) فَكَذبُوهُ فَإِنَّهُم لمحضرون (١٢٧) إِلَّا عباد الله المخلصين (١٢٨) وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين (١٢٩) سَلام على إل ياسين (١٣٠) إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّه من عبادنَا الْمُؤمنِينَ (١٣٢) وَإِن لوطا لمن الْمُرْسلين (١٣٣) إِذْ نجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلَّا عجوزا فِي الغابرين (١٣٥) ثمَّ دمرنا الآخرين (١٣٦) الْملك كَانَت لَهُ امْرَأَة قتالة للأنبياء، وَكَانَت قد تزوجت سَبْعَة من الْمُلُوك، قَالُوا: هِيَ الَّتِي قتلت يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام فقصدت قتل إلْيَاس؛ فَدَعَا الله تَعَالَى وَسَأَلَهُ أَن يرفعهُ إِلَيْهِ، وَيُؤَخر عَنهُ الْمَوْت؛ فَبعث الله إِلَيْهِ بفرس من نَار، وَقيل: لَونه كلون النَّار، وَأمره أَن يركبه؛ فَرَكبهُ فألبسه الله النُّور، وَذكر بَعضهم: أَن الله تَعَالَى أنبت لَهُ الريش، وَجعله أرضياً سمائيا ملكيا إنسيا، وروى أَنه مُوكل بالفيافي، وَالْخضر مُوكل بالبحار.
412
وَقَوله: ﴿إِلَّا عباد الله المخلصين﴾ وَقد بَينا،
وَقَوله: ﴿وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ قد بَينا.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿سَلام على إل ياسين﴾ وَقَرَأَ نَافِع: " آل إلْيَاس ". وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " سَلام على إدراسين " وعَلى هَذِه الْقِرَاءَة: ﴿وَإِن إِدْرِيس لمن الْمُرْسلين﴾ وَقد رُوِيَ أَن إلْيَاس هُوَ إِدْرِيس.
وَأما قَوْله: ﴿إلياسين﴾ أَي: إلْيَاس وَأَتْبَاعه وذووه؛ فَسُمي الْجَمِيع باسم وَاحِد، مثل قَول الرجل: رَأَيْت المحمدين، أَي: مُحَمَّدًا وَأَتْبَاعه وَأَتْبَاعه.
وَأما قَوْله: ﴿سَلام على إل ياسين﴾ وَقيل فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه الرَّسُول وَآله، وَهَذَا قَول ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ لم يسْبق لَهُم ذكر.
وَالثَّانِي: إِن معنى قَوْله: ﴿إل ياسين﴾ هُوَ قَوْله ((إلياسين)) كَأَنَّهُ قَالَ: آل إلْيَاس، فَعبر بياسين عَن إلْيَاس، وَبَاقِي الْآيَتَيْنِ قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن لوطا لمن الْمُرْسلين﴾ أَي: من جملَة الْمُرْسلين، وهم الْأَنْبِيَاء،
وَقَوله:
﴿إِذْ نجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ إِلَّا عجوزا فِي الغابرين﴾ أَي: البَاقِينَ فِي الْعَذَاب
412
﴿وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين (١٣٧) وبالليل أَفلا تعقلون (١٣٨) وَإِن يُونُس لمن الْمُرْسلين (١٣٩) إِذْ أبق إِلَى الْفلك المشحون (١٤٠) فساهم فَكَانَ من المدحضين﴾ والهلاك، وَمعنى الْآيَة: أَنَّهَا لم تنج وَبقيت فِي الْعَذَاب مَعَ قوم لوط.
413
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٤: وقوله :( إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ) أي : الباقين في العذاب والهلاك، ومعنى الآية : أنها لم تنج وبقيت في العذاب مع قوم لوط.
وَقَوله: ﴿ثمَّ دمرنا الآخرين﴾ التدمير: هُوَ الإهلاك بِوَصْف التنكيل.
وَقَوله: ﴿وَإِنَّكُمْ لتمرون عَلَيْهِم مصبحين وبالليل﴾ أَي: تمرون عَلَيْهِم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار إِذا ذهبتم إِلَى أسفاركم وَرَجَعْتُمْ.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٧: وقوله :( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل ) أي : تمرون عليهم بالليل والنهار إذا ذهبتم إلى أسفاركم ورجعتم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن يُونُس لمن الْمُرْسلين﴾ أَي: من جملَة رسل الله.
وَقَوله: ﴿إِذْ أبق إِلَى الْفلك المشحون﴾ أَي: السَّفِينَة الموفرة المملوءة.
وَقَوله:
﴿فساهم﴾ أَي: قارع.
وَقَوله:
﴿فَكَانَ من المدحضين﴾ أَي: من المقروعين، وَقيل: من المغلوبين، يُقَال: دحضت حجَّة فلَان إِذا بطلت، وأدحض الله حجَّته إِذا أبطلها، والدحض الزلق، قَالَ الشَّاعِر:
(أَبَا مُنْذر رمت الْوَفَاء فهبته وحدت كَمَا حاد الْبَعِير عَن الدحض)
وَفِي التَّفْسِير: أَن يُونُس صلوَات الله عَلَيْهِ وعد قومه الْعَذَاب، وَكَانَ الله تَعَالَى أخبرهُ أَنه يُرْسل عَلَيْهِم الْعَذَاب فِي يَوْم كَذَا؛ فَأخْبرهُم يُونُس صلوَات الله عَلَيْهِ بذلك فَلم يصدقوه؛ فَخرج من بَينهم، وَظن أَن الله تَعَالَى إِذا أرسل الْعَذَاب أهلكهم، وَلم يصرفهُ عَنْهُم، وَقد كَانَ الله تَعَالَى أخبرهُ بإرسال الْعَذَاب عَلَيْهِم، وَلم يُخبرهُ بإهلاكهم، ثمَّ إِن الله تَعَالَى أرسل الْعَذَاب، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك، وَلم يكن نزل بهم بعد، خَرجُوا إِلَى الصَّحرَاء، وأخرجوا مَعَهم النِّسَاء وَالصبيان والبهائم، وَفرقُوا بَين الْأُمَّهَات وَالْأَوْلَاد، فضجوا إِلَى الله ضجة وَاحِدَة، واستغاثوا وَبكوا ودعوا؛ فصرف الله عَنْهُم الْعَذَاب، فَلَمَّا بلغ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لم ينزل بهم الْعَذَاب، وَلم يهْلكُوا، خرج من الْموضع الَّذِي كَانَ التجأ إِلَيْهِ كالمنشور الخجل من قومه، وَظن أَنه وعدهم وَعدا من الله تَعَالَى، وَلم يحصل مصداق ذَلِك، فَتوجه إِلَى جَانب الْبَحْر.
413
(
﴿١٤١) فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم (١٤٢) فلولا أَنه كَانَ من المسبحين (١٤٣) للبث فِي﴾
وَقَوله تَعَالَى:
﴿أبق﴾ أَي: ذهب وتباعد، وَيُقَال: شبه بآبق، فعتب الله تَعَالَى عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وابتلاه بِبَطن الْحُوت وسجنه فِيهِ.
وَفِي الْقِصَّة: أَنه لما وصل إِلَى الْبَحْر كَانَ مَعَه امْرَأَته وابنان لَهُ؛ فجَاء مركب وَأَرَادَ أَن يركب مَعَهم فِي السَّفِينَة، قدم امْرَأَته فِي الْمركب ليركب بعْدهَا؛ فَجَاءَت موجة وحالت بَينه وَبَين الْمركب، وَمر الْمركب، ثمَّ جَاءَت موجة أُخْرَى وَأخذت ابْنه الْأَكْبَر، وَجَاء ذِئْب وَأخذ ابْنه الْأَصْغَر وَبَقِي فريدا وحيدا، فَظهر مركب آخر فلوح لَهُم ليحملوه فجَاء الْمركب وَركب فِيهِ، وَقعد نَاحيَة من الْقَوْم، فَلَمَّا مرت السَّفِينَة فِي الْبَحْر ركدت وَلم تسر، واضطرب الْبَحْر، وخافوا الْغَرق، فَقَالَ صَاحب السَّفِينَة: إِن فِيكُم رجلا مشئوما وَفِي رِوَايَة: مذنبا وَقَالَ: لَا بُد أَن نلقيه فِي الْبَحْر حَتَّى يسكن الْبَحْر وننجو وَفِي رِوَايَة قَالَ: إِن فِيكُم عبدا آبقا؛ فَقَامَ يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أَنا العَبْد المذنب، وَأَنا الْآبِق، فَقَالُوا: من أَنْت؟ قَالَ: أَنا يُونُس بن متي؛ فعرفوه، وَقَالُوا: لَا نلقيك يَا رَسُول الله، وَلَكِن نتساهم؛ فتساهموا ثَلَاث مَرَّات، وَخرجت الْقرعَة عَلَيْهِ، وروى أَنهم قَالُوا: نكتب اسْم كل وَاحِد منا على خَشَبَة؛ فَمن غرق اسْمه فَهُوَ الْمَطْلُوب؛ فغرق اسْم يُونُس من بَينهم، وَأوحى الله إِلَى حوت عَظِيم حَتَّى قصد السَّفِينَة، قَالُوا: فَلَمَّا رَآهُ أهل السَّفِينَة وَقد فغر فَاه، وَهُوَ مثل الْجَبَل عَظِيما؛ خَافُوا الْهَلَاك، وَجعل الْحُوت ينظر إِلَى من فِي السَّفِينَة، كَأَنَّهُ يطْلب شَيْئا، ثمَّ إِن يُونُس لما رأى ذَلِك زج نَفسه فِي المَاء، وروى أَن الْقَوْم ألقوه بِرِضَاهُ فالتقمه الْحُوت وَمر بِهِ، وَسكن الْبَحْر وسارت السَّفِينَة.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن الله تَعَالَى أوحى إِلَى الْحُوت: إِنِّي لم أجعله لَك رزقا، فإياك أَن تكسر لَهُ عظما أَو تخدش لَهُ لَحْمًا، وَإِنَّمَا جعلت بَطْنك لَهُ حرْزا ومسجدا.
414
قَوْله تَعَالَى:
﴿فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم﴾ قد بَينا الالتقام.
وَقَوله:
﴿وَهُوَ مليم﴾ أَي: أَتَى بِمَا يلام عَلَيْهِ.
414
﴿بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون (١٤٤) فنبذناه بالعراء وَهُوَ سقيم (١٤٥) وأنبتنا عَلَيْهِ شَجَرَة من﴾
415
قَوْله تَعَالَى: ﴿فلولا أَنه كَانَ من المسبحين﴾ أَي: من الْمُصَلِّين لله تَعَالَى والذاكرين إِيَّاه قبل أَن يلتقمه الْحُوت
﴿للبث فِي بَطْنه إِلَى يَوْم يبعثون﴾ أَي: جعلنَا بطن الْحُوت لَهُ قبرا فيحشر مِنْهُ، وَقيل: فلولا أَنه كَانَ من المسبحين فِي بطن الْحُوت، وتسبيحه مَا ذكرنَا من قبل:
﴿إِنِّي كنت من الظَّالِمين﴾ .
قَالَ الضَّحَّاك: شكر الله تَعَالَى لَهُ طَاعَته الْقَدِيم، وَعَن بَعضهم قَالَ: الْعَمَل الصَّالح يرفع صَاحبه إِذا عثر، وَيَأْخُذ بِيَدِهِ إِذا صرع.
وَفِي بعض الْآثَار: أَن يُونُس صلوَات الله عَلَيْهِ لما دَعَا الله تَعَالَى فِي بطن الْحُوت، قَالَت الْمَلَائِكَة: صَوت مَعْرُوف من بِلَاد غَرِيبَة؛ فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رَبنَا من هُوَ؟ قَالَ: عَبدِي يُونُس عَصَانِي؛ فسجنته فِي بطن الْحُوت.
وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَن يُونُس صلوَات الله عَلَيْهِ دَعَا ربه فِي بطن الْحُوت، وَقَالَ: إلهي من الْبيُوت أخرجتني، وَفِي الْبحار سترتني، وَفِي بطن الْحُوت حبستني، فَإِن كنت عملت لَك عملا صَالحا فَفرج عني.
وَذكر أَيْضا: أَنه لَقِي قَارون فِي لجج الْبحار؛ فَسمع قَارون صَوت يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فَكَانَ فِي عَذَاب شَدِيد؛ فَطلب أَن يمسك عَنهُ الْعَذَاب، حَتَّى يسْأَل يُونُس؛ فَأمر الله تَعَالَى بإمساك الْعَذَاب عَنهُ، فَسَأَلَ قَارون يُونُس عَن ابْن عَمه مُوسَى؛ فَقَالَ: قد توفّي، وَسَأَلَ عَن هَارُون؛ فَقَالَ: قد توفّي قبله؛ فَقَالَ: واحزناه فَأمر الله تَعَالَى أَن يرد عَنهُ الْعَذَاب إِلَى يَوْم القيانة لما سَأَلَ عَن ابْن عَمه.
وَذكر أَيْضا: أَن الْحُوت قر بِهِ فِي لجج الْبحار مسيرَة سِتَّة آلَاف سنة، وَذكر أَنه بلغ بِهِ نُجُوم الْأَرْضين السَّابِعَة؛ فَسمع من تَسْبِيح الْحَصَى وَمَا فِي قَعْر الْبَحْر شَيْئا عَظِيما، وَذكر أَن الْبَحْر تكلم مَعَه، وَقَالَ: إِلَى أَيْن كنت تُرِيدُ أَن تهرب من مولَايَ أَيهَا العَبْد الخاطئ؟
﴿إِلَى الأَرْض، أم إِلَى السَّمَاء، أم إِلَى الْبحار، أم إِلَى الْجبَال﴾ وَإِنَّا نُسَبِّح الله تَعَالَى مُنْذُ خلقنَا ونعبده، ونخاف أَن يعذبنا، وَالله أعلم.
415
{يَقْطِين (١٤٦) وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ (١٤٧) فآمنوا فمتعناهم إِلَى حِين (١٤٨)
416
قَوْله تَعَالَى:
﴿فنبذناه بالعراء وَهُوَ سقيم﴾ اخْتلف القَوْل فِي مِقْدَار مكث يُونُس فِي بطن الْحُوت، فَذكر ابْن جريج (وَالسُّديّ) : أَنه مكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَذكر مقَاتل: أَنه مكث ثَلَاثَة أَيَّام، وَذكر الضَّحَّاك: أَنه مكث عشْرين يَوْمًا وَذكر عَطاء: أَنه مكث سَبْعَة أَيَّام، وَذكر الشّعبِيّ أَنه مكث دون يَوْم، والتقمه الْحُوت ثمَّ لَفظه بعد سَاعَات يسيرَة.
وَعَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَلْقَاهُ الْحُوت، وَهُوَ مثل الفرخ، وَفِي التَّفْسِير: أَنه أَلْقَاهُ الْحُوت وَقد بلي لَحْمه، ورق عظمه، وَلم يبْق لَهُ قُوَّة.
وَقَوله:
﴿بالعراء﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن العراء وَجه الأَرْض، وَالْآخر: أَنه الْموضع الْخَالِي، ذكره أَبُو عُبَيْدَة، قَالَ الشَّاعِر:
(وَرفعت رجْلي لَا أَخَاف عثارها ونبذت بِالْبَلَدِ العراء ثِيَابِي)
قَوْله:
﴿وَهُوَ سقيم﴾ أَي: ضَعِيف، وَقيل: بِمَنْزِلَة السقيم،
قَوْله تَعَالَى: ﴿وأنبتنا عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين﴾ هَا هُنَا هُوَ [الدُّبَّاء] فِي قَول جَمِيع الْمُفَسّرين، وَقَالَ ثَعْلَب: كل شَجَرَة لَيْسَ لَهَا سَاق، وَهِي تنبسط على وَجه الأَرْض فَهُوَ يَقْطِين، والقطينة مَعْرُوف، وَجمعه القطاني.
وَذكر النقاش: أَن ذَلِك [الدُّبَّاء] كَانَ من بذر الْجنَّة، وَكَانَ عَلَيْهِ ألف ورقة.
وَفِي الْقِصَّة: أَن يُونُس استظل بِتِلْكَ الشَّجَرَة، وَجعل يَأْكُل مِنْهَا، وَيشْرب من مَائِهَا حَتَّى قوي، ثمَّ إِن الله تَعَالَى أيبس الشَّجَرَة، وَقد نَام نومَة فَاسْتَيْقَظَ، وَقد يَبِسَتْ الشَّجَرَة؛ فَحزن حزنا شَدِيدا، وأصابه أوار الشَّمْس، وَجعل يبكي؛ فَبعث الله إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ: أتحزن على شَجَرَة، وَلَا تحزن على مائَة ألف من أمتك، وَقد أَسْلمُوا وتابوا إِلَيّ، ثمَّ إِن الله تَعَالَى أمره أَن يرجع إِلَى قومه، فَهُوَ معنى قَوْله:
﴿وأرسلناه إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ﴾ .
416
﴿فاستفهم ألربك الْبَنَات وَلَهُم البنون (١٤٩) أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا وهم شاهدون﴾
قَالَ سعيد بن جُبَير، عَن ابْن عَبَّاس: كَانَت نبوته بعد أَن أخرجه الله تَعَالَى من بطن الْحُوت، وَالأَصَح أَنه كَانَ نَبيا من قبل، وَقد دلّ على هَذَا قَوْله تَعَالَى:
﴿وَإِن يُونُس لمن الْمُرْسلين إِذْ أبق﴾ .
وَقَوله:
﴿إِلَى مائَة ألف أَو يزِيدُونَ﴾ قَالَ الْفراء: بل يزِيدُونَ، وَقيل: يزِيدُونَ، وَقَالَ الْمبرد: كلمة " أَو " هَا هُنَا على بَابهَا، وَمَعْنَاهُ: أَو يزِيدُونَ على تقديركم وظنكم، وَهُوَ كَالرّجلِ يرى فوما؛ فَيَقُول: هَؤُلَاءِ ألف ثمَّ يَقُول: ألف أَو يزِيدُونَ؛ فَيكون الشَّك رَاجع إِلَى من رَآهُمْ لَا إِلَى الله تَعَالَى، وَأما قدر الزِّيَادَة فأشهر الْأَقَاوِيل: أَنَّهَا عشرُون ألفا، وَذكره أَبُو عِيسَى فِي جَامعه مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي.
وَالْقَوْل الثَّانِي: خَمْسَة وَثَلَاثُونَ ألفا، وَالْقَوْل الثَّالِث: سَبْعُونَ ألفا.
وَأما الْبَلَد الَّذِي أرسل إِلَيْهِ فَهُوَ " نينوي) من بِلَاد الْموصل.
417
قَوْله:
﴿فآمنوا فمتعناهم إِلَى حِين﴾ أَي: إِلَى مُنْتَهى آجالهم.
فَإِن قيل: قَالَ هَا هُنَا:
﴿فنبذناه بالعراء وَهُوَ سقيم﴾ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر
﴿لَوْلَا أَن تَدَارُكه نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء﴾ وَهُوَ يدل على أَنه لم ينْبذ، فَكيف وَجه التَّوْفِيق بَين الْآيَتَيْنِ؟
وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن الله تَعَالَى قَالَ فِي تِلْكَ الْآيَة:
﴿لنبذ بالعراء وَهُوَ مَذْمُوم﴾ أَي: لَوْلَا رَحْمَتنَا ونعمتنا لنبذ بالعراء وَهُوَ مَذْمُوم، وَلَكِن تداركته النِّعْمَة؛ فنبذ وَهُوَ غير مَذْمُوم، وَأنْشد " أَو " بِمَعْنى بل.
(بَدَت مثل عين الشَّمْس فِي رونق الضُّحَى وَصورتهَا أَو أَنْت فِي الْعين أَمْلَح)
أَي: بل أَنْت.
قَوْله تَعَالَى:
﴿فاستفتهم﴾ مَعْنَاهُ: سلهم، وَهُوَ سُؤال توبيخ وَتَقْرِير، وَقَوله:
417
(
﴿١٥٠) أَلا أَنهم من إفكهم ليقولون (١٥١) ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ (١٥٢) أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ (١٥٣) مَا لكم كَيفَ تحكمون (١٥٤) أَفلا تذكرُونَ (١٥٥) أم لكم سُلْطَان مُبين (١٥٦) فَأتوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنْتُم صَادِقين (١٥٧) وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا﴾ ﴿ألربك الْبَنَات وَلَهُم البنون﴾ مَعْنَاهُ: جعلُوا لِرَبِّك الْبَنَات، ولأنفسهم الْبَنِينَ، أَي: اخْتَارُوا كَذَلِك.
418
وَقَوله: ﴿أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا﴾ مَعْنَاهُ: أخلقنا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا ﴿وهم شاهدون﴾ خلقنَا إِنَاثًا، وَقد كَانُوا يَزْعمُونَ أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله. قَالَ أهل التَّفْسِير: وَلم يكن يزْعم هَذَا جَمِيع قُرَيْش، وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا بعض قُرَيْش، وَقوم من بني كنَانَة، وهم بَنو مُدْلِج.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَلا إِنَّهُم من إفكهم﴾ أَي: من كذبهمْ، وَقَوله: ﴿ليقولون ولد الله وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ﴾ وَهُوَ على مَا قَالَ الله تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ﴾ مَعْنَاهُ: أصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ، وَهُوَ اسْتِفْهَام بِمَعْنى الزّجر والتوبيخ، وَقُرِئَ: " إصطفى " بِكَسْر الْألف (على) الْخَبَر، وَمَعْنَاهُ: إصطفى الْبَنَات على الْبَنِينَ فِي زعمكم وقولكم.
وَقَوله: ﴿مَا لكم كَيفَ تحكمون﴾ أَي: كَيفَ تَقولُونَ أَن الله تَعَالَى اخْتَار الْبَنَات على الْبَنِينَ، وَأَنْتُم لَا تختارون إِلَّا الْبَنِينَ.
وَقَوله: ﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ أَي: أَفلا تتعظون،
قَوْله تَعَالَى: ﴿أم لكم سُلْطَان مُبين﴾ أَي: حجَّة بَيِّنَة،
وَقَوله: ﴿فَأتوا بِكِتَابِكُمْ﴾ أَي: بِكِتَاب من عنْدكُمْ يدل على مَا قلتموه ﴿إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ .
وَقَوله تَعَالَى:
﴿وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا﴾ الْجنَّة: هَا هُنَا هم الْمَلَائِكَة فِي قَول أَكثر الْمُفَسّرين، وَعَن بَعضهم: أَنهم الْجِنّ، وَقد كَانَ زعم بعض قُرَيْش أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله على مَا ذكرنَا؛ فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق لَهُم: فَمن أمهاتهم؟ فَقَالُوا: سروات الْجِنّ؛ فَهَذَا معنى قَوْله تَعَالَى:
﴿وَجعلُوا بَينه وَبَين الْجنَّة نسبا﴾ .
418
﴿وَلَقَد علمت الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون (١٥٨) سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ (١٥٩) إِلَّا عباد الله المخلصين (١٦٠) فَإِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ (١٦١) مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين (١٦٢) إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم (١٦٣) وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم (١٦٤) وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون (١٦٥) وَإِنَّا لنَحْنُ﴾
وَقَوله:
﴿وَلَقَد علمت الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون﴾ أَي: محضرون الْحساب، وَقيل: محضرون الْعَذَاب،
419
قَوْله تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ﴾ نزه نَفسه عَمَّا وصفوه بِهِ من هَذَا القَوْل الشنيع.
وَقَوله: ﴿إِلَّا عباد الله المخلصين﴾ قد ذكرنَا من قبل، فَإِن قيل: أَي: اتِّصَال
لقَوْله: ﴿إِلَّا عباد الله المخلصين﴾ بقوله: ﴿سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ﴾ وَكَيف يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي هَذَا الْبَاب، وَكلمَة إِلَّا للاستثناء؟
وَالْجَوَاب عَنهُ: أَن فِي الْآيَة تَقْدِيمًا وتأخيرا، فَكَأَن الله تَعَالَى قَالَ: وَلَقَد علمت الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون الْعَذَاب إِلَّا عباد الله المخلصين فَإِنَّهُم لَا يحْضرُون، ثمَّ قَالَ سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ؛ فَهَذَا هُوَ التَّقْدِير فِي الْآيَة.
قَوْله: ﴿فَإِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ﴾ أَي: من الْأَصْنَام،
وَقَوله: ﴿مَا أَنْتُم عَلَيْهِ بفاتنين﴾ أَي: مَا أَنْتُم على الله بمضلين إِلَّا من أضلّهُ الله، قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا يضلون إِلَّا من كتب الله لَهُ الضلال، وروى هَذَا القَوْل عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالضَّحَّاك وَغَيرهم.
قَالَ الشَّاعِر:
(فَرد بنعمته كَيده... عَلَيْهِ وَكَانَ لنا فاتنا)
أَي: مضلا.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يضلون إِلَّا من كتب الله أَنه يدْخل الْجَحِيم، وَقيل: إِلَّا من أشقاه الله؛ فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿إِلَّا من هُوَ صال الْجَحِيم﴾
قَوْله تَعَالَى:
﴿وَمَا منا إِلَّا لَهُ مقَام مَعْلُوم﴾ هَذَا خبر عَن الْمَلَائِكَة، وَمَعْنَاهُ: وَمَا منا
419
﴿المسبحون (١٦٦) وَإِن كَانُوا ليقولون (١٦٧) لَو أَن عندنَا ذكرا من الْأَوَّلين (١٦٨) لَكنا عباد الله المخلصين (١٦٩) فَكَفرُوا بِهِ فَسَوف يعلمُونَ (١٧٠) وَلَقَد سبقت كلمتنا لعبادنا الْمُرْسلين (١٧١) إِنَّهُم لَهُم المنصورون (١٧٢) وَإِن جندنا لَهُم الغالبون (١٧٣) ﴾ ملك إِلَّا وَله مقَام مَعْلُوم، وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " لَيْسَ مَوضِع قدم فِي السَّمَاء إِلَّا وَفِيه ملك قَائِم أَو رَاكِع أَو ساجد ".
وَيُقَال: إِن مقَام جِبْرِيل عِنْد سِدْرَة الْمُنْتَهى وَلَا مُجَاوزَة لَهُ إِلَى مأواها.
420
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِنَّا لنَحْنُ الصافون﴾ أَي: المصطفون فِي السَّمَاء لِلْعِبَادَةِ
﴿وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون﴾ أَي: الممجدون لله، والمنزهون إِيَّاه عَمَّا لَا يَلِيق بِهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كَانُوا ليقولون﴾ مَعْنَاهُ: وَقد كَانُوا يَقُولُونَ؛ أَي: قُرَيْش.
وَقَوله: ﴿لَو أَن عندنَا ذكرا من الْأَوَّلين﴾ أَي: كتابا ككتاب الْأَوَّلين.
أَي: كتابا ككتاب الْأَوَّلين.
وَقَوله: ﴿لَكنا عباد الله المخلصين﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَكَفرُوا بِهِ﴾ فِيهِ حذف، والمحذوف: أَنه قد جَاءَهُم الْكتاب وَالذكر فَكَفرُوا بِهِ، وَقَوله: ﴿فَسَوف يعلمُونَ﴾ تهديد من الله لَهُم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد سبقت كلمتنا﴾ أَي: حكمنَا، وَقَوله: ﴿لعبادنا الْمُرْسلين إِنَّهُم لَهُم المنصورون﴾ أَي: النُّصْرَة تكون لَهُم، وَقد قَالَ [الله] فِي مَوضِع آخر: ﴿كتب الله لأغلبن أَنا ورسلي﴾ .
( إنهم لهم المنصورون ) أي : النصرة تكون لهم، وقد قال الله في موضع آخر :( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي ).
وَقَوله:
﴿وَإِن جندنا لَهُم الغالبون﴾ أَي: الْغَلَبَة تكون للْمُؤْمِنين، وَهَذَا لقوم دون
420
﴿فتول عَنْهُم حَتَّى حِين (١٧٤) وأبصرهم فَسَوف يبصرون (١٧٥) أفبعذابنا يستعجلون (١٧٦) فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ فسَاء صباح الْمُنْذرين (١٧٧) وتول عَنْهُم حَتَّى حِين (١٧٨) ﴾ قوم، وَفِي وَقت دون وَقت؛ لِأَن الْمُسلمين قد يغلبُونَ وينصر عَلَيْهِم غَيرهم، وَقيل: الْعَاقِبَة تكون لَهُم.
421
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فتول عَنْهُم حَتَّى حِين﴾ أَي: أعرض عَنْهُم حَتَّى حِين أَي: حِين الْمَوْت، وَقيل: إِلَى أَن يَأْتِيهم عَذَاب الله.
وَقَوله: ﴿وأبصرهم فَسَوف يبصرون﴾ قَالَ قَتَادَة: أبصروا حِين لم يَنْفَعهُمْ الْبَصَر،
قَوْله تَعَالَى: ﴿أفبعذابنا يستعجلون﴾ قد بَينا أَنهم قَالُوا: ﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء﴾ على مَا قَالَ الله، وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوضِع آخر: ﴿يستعجل بهَا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بهَا﴾ أَي: يستعجل بالقيامة الَّذين لَا يُؤمنُونَ بهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ﴾ أَي: نزل بِسَاحَتِهِمْ، وَمَعْنَاهُ: أَصَابَهُم الْعَذَاب، وَقَوله: ﴿فسَاء صباح الْمُنْذرين﴾ أَي: فبئس صباح الَّذين أنذروا بِالْعَذَابِ، وَقد ثَبت أَن النَّبِي لما غزا خَيْبَر، وَوصل إِلَيْهَا رأى الْيَهُود وَقد خَرجُوا بمكاتلهم ومساحيهم من حصونهم؛ فَلَمَّا رآوا الْجَيْش، قَالُوا: مُحَمَّد وَالْخَمِيس؛ فَقَالَ النَّبِي: " الله أكبر خربَتْ خَيْبَر، إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء صباح الْمُنْذرين ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿وتول عَنْهُم حَتَّى حِين﴾ هُوَ بِمَعْنى الأول، وَذكره على التَّأْكِيد،
وَقَوله:
﴿وَأبْصر فَسَوف يبصرون﴾ أَي: انْتظر حالتهم وَمَا يؤول إِلَيْهِ أَمرهم؛ فينتظرون لحالهم وَمَا ينزل بهم.
421
﴿وَأبْصر فَسَوف يبصرون (١٧٩) سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ (١٨٠) وَسَلام على الْمُرْسلين (١٨١) وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين (١٨٢) ﴾
422
قَوْله تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ﴾ أَي: ذُو الْعِزَّة،
وَقَوله: ﴿وَسَلام على الْمُرْسلين﴾ أَي: الْأَنْبِيَاء الَّذين أرْسلُوا إِلَى الْخلق.
وَقَوله:
﴿وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين﴾ على مَا ذكرنَا، وروى الْأَصْبَغ بن نباتة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: من أَرَادَ أَن يكتال الْأجر يَوْم الْقِيَامَة بالمكيال الأوفى، فَلْيَكُن آخر كَلَامه فِي مَجْلِسه:
﴿سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ﴾ إِلَى آخر السُّورَة ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار بِرِوَايَة أبي سعيد الْخُدْرِيّ ((أَن النَّبِي كَانَ إِذا صلى أَو انْصَرف من مَجْلِسه قَالَ
﴿سُبْحَانَ رَبك رب الْعِزَّة عَمَّا يصفونَ﴾ إِلَى ى خر السُّورَة)) (١).
422
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿ص وَالْقُرْآن ذِي الذّكر (١) بل الَّذين كفرُوا فِي عزة وشقاق (٢) كم أهلكنا من﴾
تَفْسِير سُورَة ص
وَهِي مَكِّيَّة
423
سورة الصافات
×
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
سورةُ (الصَّافَّات) من السُّوَر المكِّية، افتُتِحت بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المتصفِ بكلِّ كمال، المُنزَّهِ عن كلِّ نقص، مُبدِعِ العوالِمِ السماوية، وقد تعرَّضتِ السورةُ لإثبات البعث والجزاء وقُدْرة الله تعالى من خلال ذِكْرِ قِصَص الكثير من الأنبياء، مختتمةً بنصرِ الله عزَّ وجلَّ لأوليائه بعد أن بيَّنتْ جزاءَ كلٍّ من الأبرار والكفار في الدَّارَينِ، و(الصَّافَّات) هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.
ترتيبها المصحفي
37
نوعها
مكية
ألفاظها
865
ترتيب نزولها
56
العد المدني الأول
182
العد المدني الأخير
182
العد البصري
181
العد الكوفي
182
العد الشامي
182
* سورة (الصَّافَّات):
سُمِّيت سورةُ (الصَّافَّات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بالقَسَمِ الإلهيِّ بهذا اللفظ، و(الصَّافَّات): هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.
ما تعلق بها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورةَ (الصَّافَّات) في صلاة الفجر:
عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «إن كان رسولُ اللهِ ﷺ لَيؤُمُّنا في الفجرِ بـ: {اْلصَّٰٓفَّٰتِ} ». أخرجه ابن حبان (١٨١٧).
اشتمَلتْ سورة (الصَّافَّات) على الموضوعات الآتية:
1. إعلان وَحْدانية الله تعالى (١-١٠).
2. إثبات المَعاد (١١-٢١).
3. مسؤولية المشركين في الآخرة (٢٢-٣٧).
4. جزاء الكافرين والمؤمنين (٣٨-٦١).
5. جزاء الظالمين، وألوان العذاب (٦٢-٧٤).
6. عبادُ الله المُخلَصِينَ {إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي اْلْمُحْسِنِينَ}
(٧٥-١٤٨).
7. قصة نُوحٍ ودعاؤه (٧٥-٨٢).
8. قصة إبراهيمَ والذَّبح (٨٣-١١٣).
9. قصة موسى وهارون (١١٤-١٢٢).
10. قصة إلياسَ (١٢٣-١٣٢).
11. قصة لُوطٍ (١٣٣-١٣٨).
12. قصة يونُسَ (١٣٩-١٤٨).
13. مناقشة عقائدِ المشركين (١٤٩-١٧٠).
14. نصرُ جندِ الله تعالى (١٧١- ١٨٢).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /347).
جاءت سورةُ (الصَّافَّات) بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المستحِقِّ للعبادة، المُنزَّه عن كلِّ نقص، المتصِفِ بكلِّ كمال مطلق، المتفرِّدِ بصُنْعِ العوالِمِ السماوية وإبداعها، ويَلزم من هذا الكمال ردُّ العباد ليوم الفصل، وحسابُهم بالعدل.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /409)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (23 /81).