تفسير سورة الصافات

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الصافات من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه إلكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

قوله تعالى :﴿ إنّي أَرَى في المَنَامِ أنّي أَذْبَحُكَ ﴾، الآية :[ ١٠٢ ] :
ظاهره أنه كان مأموراً بذبح الولد، ويجوز أن لا يكون في المأمور به سوى التل للجبين، ولكن ظن إبراهيم عليه السلام أنه يتعقبه الأمر بالذبح فقال :﴿ إني أَرَى في المَنامِ إنّي أذْبَحُكَ ﴾ : أي ما يدل على أني أذبحك.
ويحتمل أن يكون قد أمر بذبحه حقيقة١، ولكنه لو قدر ذلك، فلا يصح نسخه عند من لا يجوز النسخ، قبل إمكان الأمر، لأن الذبح متى كان حسناً في وقت، فلا يجوز أن يصير في ذلك الوقت قبيحاً عندهم، فيصعب عليهم الخروج عند ذلك.
ويحتمل أن يكون قد ذبح ولكنه كان يلتئم ويبرأ، وهذا أبعد الاحتمالات، لأنه لو كان جرى ذلك، لكان قد نبه الله تعالى عليه تعظيماً لرتبة إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهما، وكان أولى بالشأن من هذا، ولو حصل الفراغ من امتثال الأمر الأول ما تحقق الفداء.
إذا ثبت، فقد احتج قوم من أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في مصيرهم، إلى من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة عندهم، وقالوا : إن الله تعالى جعل الأمر بذبح الولد، في حالة حرم ذبح الولد سبباً لوجوب ذبح شاة، فيجوز أن يكون إيجاب الواحد منا ذبح ولده على نفسه سبباً لذبح شاة، ويجعل اللفظ عبارة عن ذبح شاة٢.
وهذا إغفال منهم، فإنه إن ثبت أن إبراهيم كان مأموراً بذبح الولد، فقد ارتفع الأمر إلى بدل جعل فداء، فكان الأمر متقرراً في الأصل، ثم أزيل ونسخ إلى بدل، وفيما نحن فيه لا أمر بذبح الولد، بل هو معصية قطعاً، فلم يكن للأمر تعلق بذبح الولد بحال، فإذا لم يتعلق به بحال، فلا يجوز أن يجعل له فداء وخلفاً، وقد استقصينا هذا في كتب الفقه وهو مقطوع به.
١ - انظر تفسير الفخر الرازي وتفسير الطبري لسورة الصافات وكتب التفسير الأخرى..
٢ - انظر أحكام القرآن للجصاص، ج ٥..
قوله تعالى :﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ المُدْحَضِينَ ﴾، الآية :[ ١٤١ ] :
يحتج به من يرى للقرعة أثراً في تعيين المستحق بعد تردد الحق في أعيان لا سبيل إلى نفيه عنها، ولا إثباته في جميعها، فتدعو الحاجة إلى القرعة، وهذا بين.
نعم في مثل واقعة يونس لا تجري القرعة، لأن إلقاء مسلم في البحر لا يجوز، وفي ذلك الزمان جاز، فرجع الاختلاف إلى نفس الحق.
وأما قولنا الحق تردد في مَحَالٍّ وأعيان ؛ فلا يجوز إخراجه منها، فذلك شيء ثابت، وهو موضع احتجاجنا.
سورة الصافات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الصَّافَّات) من السُّوَر المكِّية، افتُتِحت بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المتصفِ بكلِّ كمال، المُنزَّهِ عن كلِّ نقص، مُبدِعِ العوالِمِ السماوية، وقد تعرَّضتِ السورةُ لإثبات البعث والجزاء وقُدْرة الله تعالى من خلال ذِكْرِ قِصَص الكثير من الأنبياء، مختتمةً بنصرِ الله عزَّ وجلَّ لأوليائه بعد أن بيَّنتْ جزاءَ كلٍّ من الأبرار والكفار في الدَّارَينِ، و(الصَّافَّات) هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.

ترتيبها المصحفي
37
نوعها
مكية
ألفاظها
865
ترتيب نزولها
56
العد المدني الأول
182
العد المدني الأخير
182
العد البصري
181
العد الكوفي
182
العد الشامي
182

* سورة (الصَّافَّات):

سُمِّيت سورةُ (الصَّافَّات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بالقَسَمِ الإلهيِّ بهذا اللفظ، و(الصَّافَّات): هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورةَ (الصَّافَّات) في صلاة الفجر:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «إن كان رسولُ اللهِ ﷺ لَيؤُمُّنا في الفجرِ بـ: {اْلصَّٰٓفَّٰتِ}». أخرجه ابن حبان (١٨١٧).

اشتمَلتْ سورة (الصَّافَّات) على الموضوعات الآتية:

1. إعلان وَحْدانية الله تعالى (١-١٠).

2. إثبات المَعاد (١١-٢١).

3. مسؤولية المشركين في الآخرة (٢٢-٣٧).

4. جزاء الكافرين والمؤمنين (٣٨-٦١).

5. جزاء الظالمين، وألوان العذاب (٦٢-٧٤).

6. عبادُ الله المُخلَصِينَ {إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي اْلْمُحْسِنِينَ} (٧٥-١٤٨).

7. قصة نُوحٍ ودعاؤه (٧٥-٨٢).

8. قصة إبراهيمَ والذَّبح (٨٣-١١٣).

9. قصة موسى وهارون (١١٤-١٢٢).

10. قصة إلياسَ (١٢٣-١٣٢).

11. قصة لُوطٍ (١٣٣-١٣٨).

12. قصة يونُسَ (١٣٩-١٤٨).

13. مناقشة عقائدِ المشركين (١٤٩-١٧٠).

14. نصرُ جندِ الله تعالى (١٧١- ١٨٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /347).

جاءت سورةُ (الصَّافَّات) بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المستحِقِّ للعبادة، المُنزَّه عن كلِّ نقص، المتصِفِ بكلِّ كمال مطلق، المتفرِّدِ بصُنْعِ العوالِمِ السماوية وإبداعها، ويَلزم من هذا الكمال ردُّ العباد ليوم الفصل، وحسابُهم بالعدل.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /409)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (23 /81).