ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿والصافات صَفَّا﴾ : قرأ أبو عمرو وحمزة بإدغامِ التاء من الصافَّاتِ، والزَّاجراتِ والتاليات، في صاد «صَفَّاً» وزاي «زَجْراً» وذال «ذِكْراً»، وكذلك فَعَلا في ﴿والذاريات ذَرْواً﴾ [الذاريات: ١] وفي ﴿فالملقيات ذِكْراً﴾ [المرسلات: ٥] وفي ﴿العاديات ضَبْحاً﴾ [العاديات: ١] بخلافٍ عن خلاَّد في الأخيرين. وأبو عمروٍ جارٍ على أصلِه في إدغام المتقاربَيْن كما هو المعروفُ مِنْ أصلِه. وحمزةُ خارجٌ عن أصلِه، والفرقُ بين مَذْهَبَيْهما أنَّ أبا عمرٍو يُجيز الرَّوْمَ، وحمزةَ لا يُجيزه. وهذا كما اتفقا في إدغام ﴿بَيَّتَ طَآئِفَةٌ﴾ في سورة النساء [الآية: ٨١]، وإن كان ليس من أصلِ حمزةَ إدغامُ مثلِه. وقرأ الباقون بإظهار جميعِ ذلك.ومفعولُ «الصَّافَّات» و «الزَّاجراتِ» غيرُ مرادٍ؛ إذ المعنى: الفاعلات لذلك. وأعرب أبو البقاء «صَفَّاً» مَفْعولاً به على أنه قد يَقَعُ على المصفوفِ.
٣٧٨٩ - زَجْرَ أَبي عُرْوَةَ السِّباعَ إذا | أشْفَقَ أَنْ يَخْتَلِطْنَ بالغَنَم |
٣٧٩٠ - أيا لَهْفَ زَيَّابةَ للحارثِ الصَّا | بحِ فالغانِمِ فالآيِبِ |
والواوُ في هذه للقسمِ، والجوابُ/ قولُه: ﴿إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ﴾. وقد عَرَفْتَ الكلامَ في الواوِ الثانيةِ والثالثةِ: هل هي للقسمِ أو للعطف؟
وحمزةُ وحفصٌ كذلك، إلاَّ أنهما خَفَضا الكواكب على أنْ يُرادَ بزينة: ما يُزان به، والكواكب بدلٌ أو بيانٌ للزينة.
وقرأ ابن عباس وابن مسعود بتنوينها، ورفعِ الكواكب. فإنْ جَعَلْتَها مصدراً ارتفع «الكواكب» به، وإنْ جَعَلْتَها اسماً لِما يُزان به فعلى هذا ترتفع «الكواكبُ» بإضمار مبتدأ أي: هي الكواكبُ، وهي في قوة البدلِ. ومنع الفراءُ إعمالَ المصدرِ المنوَّن. وزعمَ أنه لم يُسْمَعْ. وهو غلَطٌ لقولِه تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ﴾ [البلد: ١٤] كما سيأتي إن شاء الله.
وهذه الجملةُ منقطعةٌ عَمَّا قبلها، ولا يجوزُ فيها أَنْ تكونَ صفةً لشيطان على المعنى؛ إذ يصير التقدير: مِنْ كلِّ شيطانٍ ماردٍ غيرِ سامعٍ أو مستمعٍ. وهو فاسدٌ. ولا يجوزُ أيضاً أَنْ تكونَ جواباً لسؤال سائلِ: لِمَ تُحْفَظُ من الشياطين؟ إذ يَفْسُد معنى ذلك. وقال بعضهم: أصلُ الكلامِ: لئلا يَسْمَعوا، فَحُذِفت اللامُ، وأَنْ، فارتفع الفعلُ. وفيه تَعَسُّفٌ. وقد وَهِم أبو البقاء فجوَّزَ أَنْ تكون صفةً، وأنْ تكونَ حالاً، وأنْ تكونَ مستأنفةً، فالأولان ظاهرا الفسادِ، والثالثُ إن عنى به الاستئنافَ البيانيَّ فهو فاسدٌ أيضاً، وإنْ أرادَ الانقطاعَ على ما قَدَّمْتُه فهو صحيحٌ.
وقرأ علي والسلمي وابن أبي عبلة «دَحورا» بفتح الدال، وفيها وجهان، أحدهما: أنها صفةٌ لمصدرٍ مقدرٍ، أي: قذفاً دَحُورا، وهو كالصَّبور والشَّكور. والثاني: أنه مصدرٌ كالقَبول والوَلوع. وقد تقدَّم أنه محصورٌ في أُلَيْفاظ.
وقرأ العامَّةُ «خَطِفَ» بفتح الخاء وكسرِ الطاءِ مخففةً. وقتادة والحسن بكسرهما وتشديد الطاء، وهي لغةُ تميمِ بنِ مُرّ وبكرِ بن وائل. وعنهما أيضاً وعن عيسى بفتح الخاء وكسر الطاء مشددةً. وعن الحسن أيضاً خَطِفَ كالعامَّة. وأصل القراءَتَيْن: اخْتَطَفَ، فلمَّا أُريد الإِدغامُ سَكَنت التاءُ وقبلها الخاءُ ساكنةً،
وقرأ ابن عباس «خَطِفَ» بكسر الخاء والطاء خفيفةً، وهو إتْباعٌ كقولِهم: نِعِمَ بكسر النون والعين. وقُرئ «فاتَّبَعَه» بالتشديد.
قوله: «ويَسْخَرون» يجوزُ أَنْ يكونَ استئنافاً وهو الأظهرُ، وأن يكونَ حالاً. وقرأ جناح بن حبيش «ذُكِروا» مخففاً.
وقد أوضح هذا الزمخشريُّ حيث قال :" آباؤنا " معطوفٌ على محل " إنَّ " واسمِها، أو على الضميرِ في " مَبْعوثون ". والذي جَوَّز العطفَ عليه الفصلُ بهمزةِ الاستفهام ". قال الشيخُ : أمَّا قولُه :" معطوفٌ على محلِّ إنَّ واسمها " فمذهبُ سيبويه خلافُه ؛ فإنَّ قولَك " إن زيداً قائمٌ وعمروٌ " " عمرٌو " فيه مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ. وأمَّا قولُه :" أو على الضميرِ في " مبعوثون " إلى آخره فلا يجوزُ أيضاً لأنَّ همزةَ الاستفهامِ لا تدخلُ إلاَّ على الجملِ لا على المفرد ؛ لأنه إذا عُطِف/ على المفردِ كان الفعلُ عاملاً في المفرد بوساطة حرفِ العطفِ، وهمزةُ الاستفهام لا يَعْمَلُ ما قبلها فيما بعدها. فقوله :" أو آباؤنا " مبتدأٌ محذوفُ الخَبرِ، تقديرُه : أو آباؤنا مبعوثون، يَدُلُّ عليه ما قبله. فإذا قلتَ :" أقام زيدٌ أو عمرٌو " فعمرٌو مبتدأ محذوفُ الخبرِ لِما ذكرنا ".
قلت : أمَّا الردُّ الأولُ فلا يَلْزَمُ ؛ لأنه لا يلتزمُ مذهبَ سيبويه. وأمَّا الثاني فإنَّ الهمزةَ مؤكِّدة للأولى فهي داخلةٌ في الحقيقةِ على الجملةِ، إلاَّ أنه فَصَلَ بين الهمزتين ب " إنَّ " واسمها وخبرها. يَدُلُّ على هذا ما قاله هو في سورةِ الواقعة، فإنه قال :" دَخَلَتْ همزَةُ الاستفهامِ على حَرْفِ العطفِ. فإنْ قلت : كيف حَسُنَ العطفُ على المضمر " لَمبعوثون " من غيرِ تأكيدٍ ب " نحن " ؟ قلتُ : حَسُنَ للفاصلِ الذي هو الهمزةُ كما حَسُنَ في قولِه :
﴿ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ] لفَصْلِ المؤكِّدة للنفي ". انتهى. فلم يَذْكُرْ هنا غيرَ هذا الوجهِ، وتشبيهَه بقوله : لفَصْلِ المؤكِّدةِ للنفي، لأنَّ " لا " مؤكدةٌ للنفي المتقدِّم ب " ما ". إلاَّ أنَّ هذا مُشْكِلٌ : بأنَّ الحرفَ إذا كُرِّر للتوكيد لم يُعَدْ في الأمر العام إلاَّ بإعادة ما اتصل به أولاً أو بضميرِه. وقد مضى القولُ فيه. وتحصَّل في رفع " آباؤنا " ثلاثةُ أوجهٍ : العطفُ على محلِّ " إن " واسمِها، العطفُ على الضمير المستكنِّ في " لَمبعوثون "، الرفعُ على الابتداء، والخبرُ مضمرٌ. والعامل في " إذا " محذوفٌ أي : أنُبْعَثُ إذا مِتْنا. هذا إذا جَعَلْتَها ظرفاً غيرَ متضمنٍ لمعنى الشرطِ. فإنْ جَعَلْتَها شرطيةً كان جوابُها عاملاً فيها أي : أإذا مِتْنا بُعِثْنا أو حُشِرْنا.
وقُرِئ " إذا " دونَ استفهامٍ. وقد مضى القولُ فيه في الرعد.
قلت: أمَّا الردُّ الأولُ فلا يَلْزَمُ؛ لأنه لا يلتزمُ مذهبَ سيبويه. وأمَّا الثاني فإنَّ الهمزةَ مؤكِّدة للأولى فهي داخلةٌ في الحقيقةِ على الجملةِ، إلاَّ أنه فَصَلَ بين الهمزتين ب» إنَّ «واسمها وخبرها. يَدُلُّ على هذا ما قاله هو في سورةِ الواقعة، فإنه قال:» دَخَلَتْ همزَةُ الاستفهامِ على حَرْفِ العطفِ. فإنْ قلت: كيف حَسُنَ العطفُ على المضمر «لَمبعوثون» من غيرِ تأكيدٍ ب «نحن» ؟ قلتُ: حَسُنَ للفاصلِ الذي هو الهمزةُ كما حَسُنَ في قولِه: ﴿مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا﴾ [الأنعام: ١٤٨] لفَصْلِ المؤكِّدة للنفي «. انتهى. فلم يَذْكُرْ هنا غيرَ هذا الوجهِ،
وقُرِئ» إذا «دونَ استفهامٍ. وقد مضى القولُ فيه في الرعد.
قوله: «هي» ضميرُ البعثةِ المدلولِ عليها بالسِّياق لَمَّا كانَتْ بعثتُهم ناشئةً عن الزَّجْرَةِ جُعِلَتْ إياها مجازاً. وقال الزمخشري: «هي مبهمةٌ يُوَضِّحها خبرُها». قال الشيخ: «وكثيراً ما يقول هو وابنُ مالك: إن الضميرَ يُفَسِّره خبرُه».
٣٧٩٠ - ب لقد عَلِمَتْ هوازِنُ قَلَّ مالي | ....................... |
٣٧٩١ -........................ | ولا ذاكرَ اللَّهَ إلاَّ قليلا |
قوله: «في جنات» يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ ب «مُكْرَمون»، وأَنْ يكونَ خبراً ثانياً، وأنْ يكونَ حالاً، وكذلك «على سُرُرٍ». و «متقابلين» حالٌ. ويجوزُ أَنْ يتعلَّق «على سرر» بمتقابلين، و «يُطافُ» صفةٌ ل «مُكْرَمُون»، أو حالٌ من الضمير في «متقابلين»، أو من الضميرِ في أحدِ الجارَّيْن إذا جعلناه حالاً.
والكأسُ من الزُّجاج ما دام فيها خمرٌ أو نبيذٌ وإلاَّ فهي قَدَحٌ. وقد تُطْلق الكأسُ على الخمرِ نفسِها، وهو مجازٌ سائغٌ. وأُنْشِدَ:
٣٧٩٢ - وكأسٍ شَرِبْتُ على لَذَّةٍ | وأخرى تَداوَيْتُ منها بها |
٣٧٩٣ - صَفْراءُ لا تَنْزِلُ الأحزانُ ساحتَها | لو مَسَّها حَجَرٌ مَسَّتْه سَرَّاءُ |
٣٧٩٤ - بحديثِها اللَّذِّ الذي لو كَلَّمَتْ | أُسْدَ الفَلاةِ به أَتَيْنَ سِراعا |
٣٧٩٥ - ولَذٍّ كطَعْمِ الصَّرْخَدِيِّ تَرَكْتُه | بأَرضِ العِدا مِنْ خَشْيَةِ الحَدَثانِ |
٣٧٩٦ - تَلَذُّ لِطَعْمِه وتَخالُ فيه | إذا نَبَّهْتَها بعدَ المَنامِ |
قوله: «يُنْزَفُون» قرأ الأخَوان «يُنْزِفون» هنا وفي الواقعة بضمِّ الياءِ وكسرِ الزاي. وافقهما عاصمٌ على ما في الواقعة فقط. والباقون بضم الياءِ وفتحِ الزاي. وابنُ أبي إسحاق بالفتح والكسر. وطلحةُ بالفتح والضمِّ. فالقراءةُ الأولى مِنْ أَنْزَفَ الرجلُ إذا ذهب عقلُه من السُّكْرِ فهو نَزِيْفٌ ومَنْزُوْف. وكان قياسُه مُنْزَف ك مُكْرَم. ونَزَفَ الرجلُ الخمرةَ فأَنْزَف هو، ثلاثيُّه متعدٍ، ورباعيُّه بالهمزةِ قاصرٌ، وهو نحو: كَبَيْتُه فأَكَبَّ وقَشَعَتِ الريحُ السَّحابَ فأَقْشَع/ أي: دخلا في الكَبِّ والقَشْع. وقال الأسودُ:
٣٧٩٧ - لَعَمْري لَئِنْ أَنْزَفْتُمُ أو صَحَوْتُمُ | لبِئْسَ النَّدامى أنتمُ آلَ أَبْجرا |
والغَوْلُ: كلُّ ما اغتالك أي: أَهْلَكك. ومنه الغُوْلُ بالضم: شيءٌ تَوَهَّمَتْه العربُ. ولها فيه أشعارٌ كالعَنْقاءِ يُقال: غالني كذا. ومنه الغِيْلَة في القَتْل والرَّضاع قال:
٣٧٩٨ - مَضَى أَوَّلُونا ناعِمِيْنَ بعيشِهِمْ | جميعاً وغالَتْني بمكةَ غُوْلُ |
وما زالَتِ الخَمْرُ تَغْتالنا | وتَذْهَبُ بالأولِ الأولِ |
٣٨٠٠ - من القاصِراتِ الطَّرْفِ لو دَبَّ مُحْوِلٌ | من الذَّرِّ فوق الإِتْبِ منها لأَثَّرا |
٣٨٠١ - وبَيْضَةِ خِدْرٍ لا يُرام خِباؤُها | تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلٍ |
كبِكْرِ مُقاناةِ البَياضِ بصُفْرَةٍ | غَذاها نَمِيْرُ الماءِ غيرَ المُحَلَّلِ |
٣٨٠٢ - بيضاءُ في بَرَحٍ صَفْراءُ في غَنَجٍ | كأنها فِضَّةٌ قد مَسَّها ذَهَبُ |
٣٨٠٣ - تناسَبَتِ الأعضاءُ فيها فلا تَرَى | بهنَّ اختلافاً بل أَتَيْنَ على قَدْرِ |
٣٨٠٤ - بتَيْهاءَ قفرٍ والمَطِيُّ كأنَّها | قطا الحَزْنِ قد كانَتْ فِراخاً بُيوضُها |
٣٨٠١ وبَيْضَةِ خِدْرٍ لا يُرام خِباؤُها | تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بها غيرَ مُعْجَلٍ |
كبِكْرِ مُقاناةِ البَياضِ بصُفْرَةٍ | غَذاها نَمِيْرُ الماءِ غيرَ المُحَلَّلِ |
٣٨٠٢ بيضاءُ في بَرَحٍ صَفْراءُ في غَنَجٍ | كأنها فِضَّةٌ قد مَسَّها ذَهَبُ |
٣٨٠٣ تناسَبَتِ الأعضاءُ فيها فلا تَرَى | بهنَّ اختلافاً بل أَتَيْنَ على قَدْرِ |
٣٨٠٤ بتَيْهاءَ قفرٍ والمَطِيُّ كأنَّها | قطا الحَزْنِ قد كانَتْ فِراخاً بُيوضُها |
٣٨٠٥ - وما بَقِيَتْ من اللَّذَّاتِ إلاَّ | محادثة الكِرامِ على المُدامِ |
وقرأ ابنُ عباس في آخرين - ويُرْوَى عن أبي عمروٍ - بسكونِ الطاءِ وفتح النون «فأُطْلِعَ» بقطعِ همزةٍ مضمومةٍ وكسرِ اللامِ ماضياً مبنياً للمفعول. و «مُطْلِعُوْنَ» على هذه القراءةِ يحتمل أَنْ يكونَ قاصراً أي: مُقْبِلون مِنْ قولِك: أَطْلَعَ علينا فلانٌ أي: أَقْبَلَ، وأَنْ يكونَ متعدياً، ومفعولُه محذوفٌ أي: أصحابَكم.
وقرأ أبو البرهسم وعَمَّار بن أبي عمار «مُطْلِعُوْنِ» خفيفةَ الطاء مكسورةَ النونِ، «فَأُطْلِعَ» مبنياً للمفعول. وقد رَدَّ الناسُ - أبو حاتم وغيرُه - هذه القراءةَ من حيث الجمعُ بين النونِ وضميرِ المتكلم؛ إذ كان قياسُها مُطْلِعيَّ، والأصل: مُطْلِعُوْي، فأُبْدِل وأُدْغِمَ نحو: جاء مُسْلِميَّ العاقلون، وقوله عليه السلام «أوَ مُخْرِجِيَّ هم» وقد وَجَّهها ابنُ جني على أنَّه أُجْرِيَ فيها اسمُ الفاعل مُجْرى المضارع، يعني في إثباتِ النونِ فيه مع الضميرِ. وأَنْشَدَ الطبريُّ على ذلك:
٣٨٠٦ - وما أَدْري وظَنِّي كلَّ ظنِّ | أمُسْلِمُنِي إلى قومي شُراح |
٣٨٠٧ - هم الفاعلونَ الخيرَ والآمِرُوْنَه | ........................ |
٣٨٠٨ - فهَلْ فتىً مِنْ سَراةِ القَوْمِ يَحْمِلُني | وليس حامِلَني إلاَّ ابنُ حَمَّالِ |
٣٨٠٩ - وليس بمُعْيِيْنِيْ وفي الناسِ مُمْتِعٌ | صَديقٌ إذا أعْيا عليَّ صديقُ |
وليس بمُعْيِيْني............... | ............................. |
٣٨١٠ - وليس المُوافِيني لِيُرْفَدَ خائباً | فإنَّ له أَضْعافَ ما كان أمَّلا |
ووجهُها من الثاني: أنَّ الألفَ واللامَ لا تُجامِعُ النونَ والذي يُرَجِّح
٣٨١١ - ولم يَرْتَفِقْ والناسُ مَحْتَضِرُونَه | جميعاً وأَيْدي المُعْتَفِيْنَ رواهِقُهْ |
وقُرِئ «مُطَّلِعُوْن» بالتشديد كالعامَّة، «فأَطَّلِعَ» مضارعاً منصوباً بإضمار «أَنْ» على جوابِ الاستفهامِ. وقُرِئ «مُطْلِعون» بالتخفيف «فَأَطْلَعَ» مخففاً ماضياً ومخففاً مضارعاً منصوباً على ما تقدَّم. يُقال: طَلَع علينا فلانٌ وأَطْلع، كأكْرم، واطَّلَعَ بالتشديد بمعنًى واحد.
وأمَّا قراءةُ مَنْ بنى الفعلَ للمفعولِ في القائمِ مقامَ الفاعلِ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدُها: أنه مصدرُ الفعلِ أي: أُطْلِعَ الإِطلاعُ. الثاني: الجارُّ المقدرُ. الثالث - وهو الصحيح - أنه ضميرُ القائلِ لأصحابِه ما قاله؛ لأنه يُقال: طَلَعَ زيدٌ وأَطْلعه غيرُه، فالهمزَةُ فيه للتعدية. وأمَّا الوجهان الأوَّلان فذهب إليهما أبو الفضل الرازيُّ في «لوامحه» فقال: «طَلَعَ واطَّلع إذا بدا وظَهَر، وأَطْلَع إطلاعاً إذا جاء وأَقْبَلَ. ومعنى ذلك: هل أنتم مُقْبلون فأُقْبل. وإنما أُقيم المصدرُ
وقد رَدَّ الشيخُ عليه هذين الوجهين فقال: «قد ذَكرْنا أنَّ أَطْلَعَ بالهمزةِ مُعَدَّى مِنْ طَلَعَ اللازمِ. وأمَّا قولُه:» أو حرف الجرِّ المحذوف أي: أُطْلِع به «فهذا لا يجوزُ؛ لأنَّ مفعولَ ما لم يُسَمّ فاعلُه لا يجوزُ حَذْفُه لأنه نائبٌ عنه، فكما أنَّ الفاعلَ لا يجوزُ حَذْفُه دونَ عامِله فكذلك هذا. لو قلت:» زيدٌ ممرورٌ أو مغضوبٌ «تريد: به أو عليه لم يَجُزْ». قلت: أبو الفضل لا يَدَّعِي أنَّ النائبَ عن الفاعل محذوفٌ، وإنما قال: بتقدير حرفِ الجرِّ المحذوفِ. ومعنى ذلك: أنه لَمَّا حُذِفَ حرفُ الجرِّ اتِّساعاً انقلبَ الضميرُ مرفوعاً فاستتر في الفعلِ، كما يُدَّعى ذلك في حَذْفِ عائد الموصولِ المجرورِ عند عَدَمِ شروطِ الحذفِ/ ويُسَمَّى الحذفَ على التدريج.
وقوله: «أفما» فيه الخلافُ المشهورُ: فقدَّره الزمخشري: أنحن مُخَلَّدون مُنَعَّمون فما نحن بميِّتين. وغيرُه يجعلُ الهمزةَ متقدمةً على الفاءِ.
٣٨١٢ - تَحِيْدُ عن أَسْتَنٍ سُوْدٍ أسافِلُها | مثلَ الإِماءِ الغوادي تَحْمِل الحُزَمَا |
٣٨١٣ - عُجَيِّزٌ تَحْلِفُ حينَ أَحْلِفُ | كمثلِ شيطان الحَماطِ أَعْرَفُ |
٣٨١٤ - مُوَكَّلٌ بشُدُوْفِ الصَّوْم يَرْقُبها | من المَغَارِبِ مَخْطوفُ الحَشَا زَرِمُ |
٣٨١٥ -........................... | ومَسْنُوْنَةٌ زُرْقٌ كَأَنْيابِ أَغْوالِ |
٣٨١٦ - لَعَمْري لَنِعْمَ السَّيِّدانِ وُجِدْتُما | ............................ |
٣٨١٧ - وما ليَ إلاَّ آلَ أحمدَ شِيْعَةٌ | وما لِيَ إلاَّ مَشْعَبَ الحقِّ مَشْعَبُ |
وقُرِئ «يُزَفُّون» مبنيَّاً للمفعول و «يَزْفُوْن» ك يَرْمُون مِنْ زَفاه بمعنى حَداه، كأنَّ بعضَهم يَزْفو بعضاً لتسارُعِهم إليه. وبين قولِه: «فأَقْبَلُوا» وقولِه: «فراغ عليهم» جُمَلٌ محذوفةٌ يَدُلُّ عليها الفَحْوَى أي: فبلغَهم الخبرُ فرَجَعوا مِنْ عيدِهم، ونحو هذا.
والثاني: أنها مصدريةٌ أي: خَلَقَكم وأعمالَكم. وجعلها الأشعريَّةُ دليلاً على خَلْقِ أفعال العباد لله تعالى، وهو الحقُّ. إلاَّ أَنَّ دليلَ ذلك مِنْ هنا غيرُ قويّ لِما تقدَّم مِنْ ظهورِ كَوْنِها بمعنى الذي. وقال مكي: «يجبُ أَنْ تكونَ» ما «والفعلُ مصدراً جيْءَ به لِيُفيدَ أنَّ اللَّهَ خالقُ الأشياءِ كلِّها». وقال أيضاً: «وهذا أَلْيَقُ لقولِه تعالى: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَقَ﴾ [الفلق: ٢] أجمع القراءُ على الإِضافةِ، فدَلَّ على أنه خالقُ الشَّرِّ. وقد فارق عمرو بن عبيد الناسَ فقرأ» مِنْ شرٍّ «بالتنوين ليُثْبِتَ
والثالث: أنها استفهاميةٌ، وهو استفهامُ توبيخٍ وتحقيرٍ لشأنِها أي: وأيَّ شيءٍ تَعْملونَ؟ والرابع: أنَّها نافيةٌ أي: إنَّ العملَ في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئاً. والجملةُ مِنْ قولِه: «والله خَلَقكم» حالٌ ومعناها حينئذٍ: أتعبدون الأصنام على حالةٍ تُنافي ذلك، وهي أنَّ اللَّهَ خالِقُكم وخالِقُهم جميعاً. ويجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً.
قوله: «ماذا ترى» يجوزُ أَنْ تكونَ «ماذا» مركبةً مغلَّباً فيها الاستفهامُ فتكونَ منصوبةً ب «تَرَى»، وهي وما بعدها في محلِّ نصب ب «انْظُر» لأنها مُعَلِّقةٌ له، وأنْ تكونَ «ما» استفهاميةً، و «ذا» موصولةً، فتكون مبتدأً وخبراً، والجملةُ معلِّقَةٌ أيضاً، وأَنْ تكونَ «ماذا» بمعنى الذي فتكونَ معمولاً ل «انْظُرْ». وقرأ الأخَوان «تُري» بالضم والكسر. والمفعولان محذوفان، أي: تُريني إياه مِنْ صبرك واحتمالك.
وقوله: «ما تُؤْمَرُ» يجوزُ أَنْ تكونَ «ما» بمعنى الذي، والعائدُ مقدرٌ أي: تُؤْمَرُه، والأصلُ: تُؤْمَرُ به، ولكنَّ حَذْفَ الجارِّ مُطَّرِدٌ، فلم يُحْذَفْ العائدُ إلاَّ وهو منصوبُ المحلِّ، فليس حَذْفُه هنا كحذفِه في قولك: «جاء الذي مَرَرْتُ». وأَنْ تكونَ مصدريةً. قال الزمخشري: «أو أَمْرَك، على إضافةِ المصدرِ للمفعول وتسميةِ المأمورِ به أمراً» يعني بقولِه المفعول أي: الذي لم يُسَمَّ فاعلُه، إلاَّ أنَّ في تقدير المصدرِ بفعل مبنيّ للمفعولِ خلافاً مَشْهوراً.
٣٨١٨ - فلمَّا أَجَزْنا ساحةً الحَيِّ................. | ........................... |
الثاني: أنه «وتَلَّه للجبين» والواوُ زائدةٌ وهو قولُ الكوفيين والأخفشِ. والثالث: أنه «وناديناه» والواوُ زائدةٌ أيضاً.
وقرأ علي وعبد الله وابن عباس «سَلَّما». وقُرئ «اسْتَسْلَما».
و «تَلَّه» أي: صَرَعَه وأسقطه على شِقِّه. وقيل: هو الرميُ بقوةٍ، وأصله: مِنْ رَمَى به على التلِّ وهو المكانُ المرتفع، أو من التليل وهو العنُقُ أي: رماه على عُنُقِه، ثم قيل لكل إسقاطٍ، وإن لم يكنْ على تَلّ ولا على عُنُق. والمِتَلُّ: الرُّمْحُ الذي يُتَلُّ به. والجبينُ: ما اكْتَنَفَ الجبهةَ مِنْ هنا، ومِنْ هنا وشَذَّ جمعُه على أَجْبُن. وقياسُه في القلَّةِ أَجْبِنَة كأَرْغِفَة، وفي الكثرة: جُبُن وجُبْنان كرَغيف ورُغْفان ورُغُفُ.
قوله: «من الصالحين» يجوز أَنْ يكونَ صفةً ل «نَبِيَّاً»، وأَنْ يكونَ حالاً من الضمير في «نبيَّاً» فتكونَ حالاً متداخلةً. ويجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثانية. قال الزمخشري: «وُرُوْدُها على سبيلِ الثناءِ والتقريظ؛ لأنَّ كلّ نبيّ لا بُدَّ أَنْ يكونَ من الصالحين».
٣٨١٩ - فإنْ شِئْتِ حَرَّمْتُ النساءَ سِواكمُ | ......................... |
قوله: «فكانوا هم» يجوز في «هم» أَنْ يكون تأكيداً، وأن يكونَ بدلاً، وأَنْ يكونَ فَصْلاً. وهو الأظهرُ.
قوله: «وتَذَرُوْنَ» يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً على إضمار مبتدأ، وأَنْ يكونَ عطفاً على «تَدْعُون» فيكونَ داخلاً في حَيِّز الإِنكار.
وأمَّا القراءةُ الثانيةُ فقيل: هي جمعُ إلياس المتقدمِ. وجُمِعَ باعتبارِ أصحابِه كالمَهالبةِ والأَشاعثةِ في المُهَلَّبِ وبنيه، والأَشعثِ وقومِه، وهو في الأصلِ جمعُ المنسوبين إلى إلياس، والأصلُ إلياسيّ كأشعَريّ. ثم اسْتُثْقِل
٣٨٢٠ - قَدْنِيَ مِنْ نَصْرِ الخُبَيْبَيْنِ قَدِيْ... وقد تقدَّم طَرَفٌ من هذا آخر الشعراء عند «الأَعْجَمِيْن». إلاَّ أنَّ الزمخشريَّ قد رَدَّ هذا: بأنَّه لو كان على ما ذُكِر لَوَجَب تعريفُه بأل فكان يُقال: على الإِلياسين. قلت: لأنه متى جُمِعَ العَلَمُ جَمْعَ سَلامةٍ أو ثُنِّي لَزِمَتْه الألفُ واللامُ؛ لأنه تَزُوْلُ عَلَميَّتُه فيقال: الزيدان، الزيدون، الزينبات ولا يُلْتَفَتُ إلى قولهم: جُمادَيان وعَمايتان عَلَمَيْ شهرَيْن وجبلَيْن لندورِهما.
وقرأ الحسن وأبو رجاء «على إلياسينَ» بوصلِ الهمزةِ على أنه جَمْعُ إلياس وقومِه المنسوبين إليه بالطريق المذكورة. وهذه واضحةٌ لوجودِ أل المعرفةِ فيه كالزيدِيْن. وقرأ عبد الله «على إدْراسين» لأنَّه قرأ في الأول «وإنَّ إدْريَس». وقرأ أُبَيٌّ «على إيليسِيْنَ» لأنه قرأ في الأول «وإنَّ إيليسَ» كما حَرَّرْتُه عنه. وهاتان تَدُلاَّن على أن إلياسينَ جَمْعُ إلياس.
٣٨٢١ -........................ | قد أُحْكِمَتْ حَكَماتِ القِدِّ والأَبَقا |
٣٨٢٢ - وكم مِنْ مُليْمٍ لم يُصَبْ بمَلامَةٍ | ومُتَّبَعٍ بالذَّنْبِ ليس له ذَنْبٌ |
٣٨٢٣ - ورَفَعْتُ رِجْلاً لا أخافُ عِثارَها | ونَبَذْتُ بالمَتْن العَراء ثيابي |
تُحِبُّها قلتُ بَهْراً | عددَ الرَّمْلِ والحَصَى والترابِ |
٣٨٢٥ -......................... | وأَيْقَظَ مَنْ كان مِنْكُمْ نِياما |
وقد ذكروا فيه توجيهَيْن، أحدهما: أنه مقلوبٌ؛ إذا الأصلُ: صالي ثم صايل: قَدَّموا اللامَ إلى موضع العينِ، فوقعَ الإِعرابُ على العين، ثم حُذِفَتْ لامُ الكلمة بعد/ القلب فصار اللفظ كما ترى، ووزنُه على هذا فاعُ فيُقال على هذا: جاء صالٌ، ورأيتُ صالاً، ومررت بصالٍ، فيصيرُ في اللفظِ كقولك: هذا
٣٨٢٦ - أنا ابنُ جَلا وطلاَّعُ الثَّنايا | .......................... |
٣٨٢٨ - فكان سِيَّانِ أَنْ لا يَسْرَحُوا نَعَماً | أو يَسْرَحُوه بها واغْبَرَّت السُّوحُ |
سورة الصافات
سورةُ (الصَّافَّات) من السُّوَر المكِّية، افتُتِحت بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المتصفِ بكلِّ كمال، المُنزَّهِ عن كلِّ نقص، مُبدِعِ العوالِمِ السماوية، وقد تعرَّضتِ السورةُ لإثبات البعث والجزاء وقُدْرة الله تعالى من خلال ذِكْرِ قِصَص الكثير من الأنبياء، مختتمةً بنصرِ الله عزَّ وجلَّ لأوليائه بعد أن بيَّنتْ جزاءَ كلٍّ من الأبرار والكفار في الدَّارَينِ، و(الصَّافَّات) هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.
ترتيبها المصحفي
37نوعها
مكيةألفاظها
865ترتيب نزولها
56العد المدني الأول
182العد المدني الأخير
182العد البصري
181العد الكوفي
182العد الشامي
182
* سورة (الصَّافَّات):
سُمِّيت سورةُ (الصَّافَّات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بالقَسَمِ الإلهيِّ بهذا اللفظ، و(الصَّافَّات): هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورةَ (الصَّافَّات) في صلاة الفجر:
عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «إن كان رسولُ اللهِ ﷺ لَيؤُمُّنا في الفجرِ بـ: {اْلصَّٰٓفَّٰتِ}». أخرجه ابن حبان (١٨١٧).
اشتمَلتْ سورة (الصَّافَّات) على الموضوعات الآتية:
1. إعلان وَحْدانية الله تعالى (١-١٠).
2. إثبات المَعاد (١١-٢١).
3. مسؤولية المشركين في الآخرة (٢٢-٣٧).
4. جزاء الكافرين والمؤمنين (٣٨-٦١).
5. جزاء الظالمين، وألوان العذاب (٦٢-٧٤).
6. عبادُ الله المُخلَصِينَ {إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي اْلْمُحْسِنِينَ} (٧٥-١٤٨).
7. قصة نُوحٍ ودعاؤه (٧٥-٨٢).
8. قصة إبراهيمَ والذَّبح (٨٣-١١٣).
9. قصة موسى وهارون (١١٤-١٢٢).
10. قصة إلياسَ (١٢٣-١٣٢).
11. قصة لُوطٍ (١٣٣-١٣٨).
12. قصة يونُسَ (١٣٩-١٤٨).
13. مناقشة عقائدِ المشركين (١٤٩-١٧٠).
14. نصرُ جندِ الله تعالى (١٧١- ١٨٢).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /347).
جاءت سورةُ (الصَّافَّات) بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المستحِقِّ للعبادة، المُنزَّه عن كلِّ نقص، المتصِفِ بكلِّ كمال مطلق، المتفرِّدِ بصُنْعِ العوالِمِ السماوية وإبداعها، ويَلزم من هذا الكمال ردُّ العباد ليوم الفصل، وحسابُهم بالعدل.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /409)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (23 /81).