تفسير سورة النّور

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة النور من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا﴾ يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بهَا برد الْهَاء إِلَيْهَا ﴿وَفَرَضْنَاهَا﴾ بيّنا فِيهَا الْحَلَال وَالْحرَام ﴿وَأَنزَلْنَا فِيهَآ﴾ بيَّنا فِيهَا ﴿آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والفرائض وَالْحُدُود ﴿لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكَي تتعظوا بِالْأَمر وَالنَّهْي فَلَا تعطلوا الْحُدُود
﴿الزَّانِيَة وَالزَّانِي﴾ وهما بكران زَنَيَا ﴿فاجلدوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا﴾ بِالزِّنَا ﴿مائَة جَلْدَةٍ﴾ سَوط ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا﴾ بِإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِمَا ﴿رَأْفَةٌ﴾ رقة ﴿فِي دِينِ الله﴾ فِي تَنْفِيذ حكم الله عَلَيْهِمَا ﴿إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا﴾ وليحضر عِنْد إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِمَا ﴿طَآئِفَةٌ مِّنَ الْمُؤمنِينَ﴾ رجلا أَو رجلَانِ فَصَاعِدا لكَي يحفظوا الْحَد
﴿الزَّانِي﴾ من أهل الْكتاب الْمُعْلن بِهِ ﴿لاَ يَنكِحُ﴾ لَا يتَزَوَّج ﴿إِلاَّ زَانِيَةً﴾ من ولائد أهل الْكتاب ﴿أَوْ مُشْرِكَةً﴾ من ولائد مُشْركي الْعَرَب ﴿والزانية﴾ من ولائد أهل الْكتاب أَو من ولائد الْمُشْركين ﴿لاَ يَنكِحُهَآ﴾ لَا يَتَزَوَّجهَا ﴿إِلاَّ زَانٍ﴾ من أهل الْكتاب ﴿أَوْ مُشْرِكٌ﴾ من مُشْركي الْعَرَب ﴿وَحُرِّمَ ذَلِك﴾ التَّزْوِيج يَعْنِي تَزْوِيج ولائد أهل الْكتاب وولائد أَحْرَار الْمُشْركين ﴿عَلَى الْمُؤمنِينَ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادوا أَن يتزوجوا ولائد أهل الْكتاب وولائد أَحْرَار الْمُشْركين كن بِالْمَدِينَةِ زناة معلنات بِالزِّنَا رَغْبَة فِي كَسْبهنَّ فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة تركُوا ذَلِك وَيُقَال الزَّانِي من أهل الْقبْلَة أَو من أهل الْكتاب لَا ينْكح لَا يَزْنِي إِلَّا زَانِيَة إِلَّا بزانية مثله أَو من أهل الْكتاب أَو مُشركَة من مُشْركي الْعَرَب والزانية من أهل الْقبْلَة أَو من أهل الْكتاب أَو من مُشْركي الْعَرَب لَا ينْكِحهَا لَا يَزْنِي بهَا إِلَّا زَان من أهل الْقبْلَة أَو من أهل الْكتاب أَو مُشْرك من مُشْركي الْعَرَب وَحرم ذَلِك الزِّنَا على الْمُؤمنِينَ
﴿وَالَّذين يَرْمُونَ الْمُحْصنَات﴾ يقذفون الْحَرَائِر المسلمات العفائف بالفرية ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ أَحْرَار عدُول مُسلمين ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾ بالفرية ﴿ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ العاصون بالفرية
﴿إِلاَّ الَّذين تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد الْفِرْيَة ﴿وَأَصْلَحُواْ﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿فَإِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة نزلت هَذِه الْآيَة من أَولهَا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
﴿وَالَّذين يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ نِسَاءَهُمْ بالفرية ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآءُ﴾ على مَا قَالُوا ﴿إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّه﴾ فَيحلف الرجل أَربع مَرَّات بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ﴿إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقين﴾ فِي قَوْله على الْمَرْأَة
﴿وَالْخَامِسَة أَنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ﴾ وَفِي الْمرة الْخَامِسَة يَقُول لعنة الله على الرجل ﴿إِن كَانَ من الْكَاذِبين﴾ فِيمَا قَالَ عَلَيْهَا
﴿ويدرأ﴾ يَعْنِي يدْفع الْحَاكِم ﴿عَنْهَا الْعَذَاب﴾ عَن الْمَرْأَة الْعَذَاب بِالرَّجمِ ﴿أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّه﴾ إِذا حَلَفت الْمَرْأَة أَربع مَرَّات بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي زَوجهَا ﴿لَمِنَ الْكَاذِبين﴾ فِيمَا قَالَ عَلَيْهَا
﴿وَالْخَامِسَة أَنَّ غَضَبَ الله عَلَيْهَآ﴾ على الْمَرْأَة ﴿إِن كَانَ﴾ زَوجهَا ﴿مِنَ الصَّادِقين﴾ فِيمَا يَقُول عَلَيْهَا
﴿وَلَوْلَا فضل الله﴾ من الله ﴿عَلَيْكُم وَرَحمته﴾ لبيَّن الْكَاذِب مِنْكُم ﴿وَأَنَّ الله تَوَّابٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم للعان بَين الرجل وَالْمَرْأَة بالفرية نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَاصِم بن عدي الْأنْصَارِيّ ابتلى بِهَذَا
﴿إِن الَّذين جاؤوا بالإفك﴾ تكلمُوا بِالْكَذِبِ ﴿عُصْبَةٌ﴾ جمَاعَة ﴿مِّنْكُمْ﴾ نزلت فِي عبد الله بن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق وَحسان بن ثَابت الْأنْصَارِيّ ومسطح بن أَثَاثَة بن خَالَة أبي بكر الصّديق وَعباد بن عبد الْمطلب وَحمْنَة بنت جحش الأَسدِية فِيمَا قَالُوا على عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل من الْفِرْيَة ﴿لاَ تَحْسَبُوهُ﴾ يَعْنِي الْقَذْف لعَائِشَة وَصَفوَان ﴿شَرّاً لَّكُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ فى الثَّوَاب ﴿لكل امْرِئ مِّنْهُمْ﴾ مِمَّن خَاضَ فِي أَمر عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل ﴿مَّا اكْتسب مِنَ الْإِثْم﴾ على قدر مَا خَاضَ فِيهِ ﴿وَالَّذِي تولى كِبْرَهُ﴾ أشاع وَأعظم الْمقَالة فِيهِ وَهُوَ عبد الله بن أبي ﴿مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فِي الدُّنْيَا بِالْحَدِّ وَفِي الْآخِرَة بالنَّار
﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ قذف عَائِشَة وَصَفوَان
292
﴿ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفُسِهِمْ﴾ بأمهاتهم ﴿خَيْراً﴾ يَقُول هلا ظننتم بعائشة أم الْمُؤمنِينَ كَمَا تظنون بِأُمَّهَاتِكُمْ ﴿وَقَالُوا﴾ هلا قُلْتُمْ ﴿هَذَا﴾ الْقَذْف ﴿إفْك مُبين﴾ كذب بَين
293
﴿لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ﴾ هلا جَاءُوا على مَا قَالُوا ﴿بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ﴾ عدُول فيصدقونهم بذلك ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ﴾ بأَرْبعَة شُهَدَاء ﴿فَأُولَئِك عِندَ الله هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ ثمَّ نزل فِي شَأْن الَّذين لم يقذفوا عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل وَلَكِن خَاضُوا فِيهِ
﴿وَلَوْلَا فضل الله﴾ من الله ﴿عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لمسكم﴾ لأصابكم ﴿فِيمَا أَفَضْتُمْ فِيهِ﴾ خضتم فِي شَأْن عَائِشَة وَصَفوَان ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ شَدِيد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ إِذْ يرويهِ بَعْضكُم عَن بعض ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ﴾ بألسنتكم ﴿مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾ حجَّة وَبَيَان ﴿وَتَحْسَبُونَهُ﴾ يَعْنِي قذف عَائِشَة وَصَفوَان ﴿هَيِّناً﴾ ذَنبا هيناً ﴿وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ﴾ فِي الْعقُوبَة
﴿وَلَوْلَا﴾ هلا ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ قذف عَائِشَة وَصَفوَان ﴿قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَآ﴾ مَا يجوز لنا ﴿أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا﴾ الْكَذِب ﴿سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ كذب عَظِيم
﴿يَعِظُكُمُ الله﴾ يخوفكم الله وينهاكم ﴿أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ﴾ أَن لَا تعودوا إِلَى مثله ﴿أَبَداً إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾ مُصدقين
﴿وَيُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآيَات﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بمقالتكم ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم عَلَيْكُم من الْحَد
﴿إِن الَّذين يحبونَ﴾ يعْنى عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه ﴿أَن تَشِيعَ﴾ أَن تظهر ﴿الْفَاحِشَة فِي الَّذين آمَنُواْ﴾ عَائِشَة وَصَفوَان ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بِالضَّرْبِ ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة﴾ بالنَّار لعبد الله بن أبي خَاصَّة ﴿وَالله يَعْلَمُ﴾ أَن عَائِشَة وَصَفوَان لم يزنيا ﴿وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك
﴿وَلَوْلَا فضل الله﴾ من الله ﴿عَلَيْكُم وَرَحمته﴾ على من لم يقذف عَائِشَة وَصَفوَان ﴿وَأَنَّ الله رؤوف رَحِيم﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ
ثمَّ نَهَاهُم عَن مُتَابعَة الشَّيْطَان فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان﴾ تَزْيِين الشَّيْطَان ووسوسته ﴿وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَان﴾ تَزْيِين الشَّيْطَان ووسوسته ﴿فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بالفحشآء﴾ بالقبيح من الْعَمَل وَالْقَوْل ﴿وَالْمُنكر﴾ مَالا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا فِي سنة ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ الله﴾ من الله ﴿عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بالعصمة والتوفيق ﴿مَا زكا﴾ مَا وحد وَصلح ﴿مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِن الله يُزَكِّي﴾ يوفق وَيصْلح ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لمقالتكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بكم وبأعمالكم
ثمَّ نزل فِي شَأْن أبي بكر حِين حلف أَنه لَا ينْفق على ذَوي قرَابَته لقبل مَا خَاضُوا فِي أَمر عَائِشَة يَعْنِي مسطحًا وَأَصْحَابه فَقَالَ ﴿وَلاَ يَأْتَلِ﴾ لَا يَنْبَغِي أَن يحلف ﴿أُوْلُواْ الْفضل مِنكُمْ﴾ بالبذل ﴿وَالسعَة﴾ بِالْمَالِ ﴿أَن يؤتوا أُوْلِي الْقُرْبَى﴾ أَن لَا يؤتوا أَي لَا يُعْطوا أَو لَا ينفقوا على ذَوي الْقَرَابَة وَكَانَ مسطح ابْن خَالَته ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ وَكَانَ مِسْكينا
293
﴿والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله وَكَانَ مهاجرياً ﴿وَلْيَعْفُواْ﴾ يتْركُوا ﴿وليصفحوا﴾ يتجاوزوا ﴿أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ﴾ أَلا تحب يَا أَبَا بكر أَن يغْفر الله لَك ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ فَقَالَ أَبُو بكر بلَى أحب يَا رب فألطف بقرابته وَأحسن إِلَيْهِ بعد مَا نزلت هَذِه الْآيَة
294
ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه الَّذين خَاضُوا فِي أَمر عَائِشَة وَصَفوَان فَقَالَ ﴿إِنَّ الَّذين يَرْمُونَ﴾ بِالزِّنَا ﴿الْمُحْصنَات﴾ الْحَرَائِر ﴿الْغَافِلَات﴾ عَن الزِّنَا العفائف ﴿الْمُؤْمِنَات﴾ المصدقات بتوحيد الله يَعْنِي عَائِشَة ﴿لُعِنُواْ﴾ عذبُوا ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ بِالْجلدِ ﴿وَالْآخِرَة﴾ بالنَّار يَعْنِي عبد الله بن أبي ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ شَدِيد أَشد مِمَّا يكون فِي الدُّنْيَا يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ﴾ على عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿أَلْسِنَتُهُمْ﴾ بِمَا قَالُوا ﴿وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿يَوْمَئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿يُوَفِّيهِمُ الله دِينَهُمُ الْحق﴾ يوفيهم الله جَزَاء أَعْمَالهم بِالْعَدْلِ ﴿وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الله﴾ يَعْنِي أَن مَا قَالَ الله فِي الدُّنْيَا ﴿هُوَ الْحق الْمُبين﴾
وَنزل فيهم أَيْضا ﴿الخبيثات﴾ من القَوْل وَالْفِعْل ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَيُقَال بهم تلِيق ﴿والخبيثون﴾ من الرِّجَال وَالنِّسَاء ﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ من القَوْل وَالْفِعْل يتبعُون وَيُقَال بهم تلِيق وَيُقَال الخبيثات من النِّسَاء حمْنَة بنت جحش الأَسدِية الَّتِي خاضت فِي أَمر عَائِشَة للخبيثين من الرِّجَال عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه وَحسان بن ثَابت تشبه والخبيثون من الرِّجَال عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه للخبيثات من النِّسَاء اللَّاتِي خضن فِي أَمر عَائِشَة تشبه ﴿والطيبات﴾ من القَوْل وَالْفِعْل ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَيُقَال بهم تلِيق ﴿والطيبون﴾ من الرِّجَال وَالنِّسَاء ﴿لِلْطَّيِّبَاتِ﴾ من القَوْل وَالْفِعْل يتبعُون وَيُقَال بهم تلِيق وَيُقَال والطيبات من النِّسَاء يَعْنِي عَائِشَة للطيبين من الرِّجَال يعْنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للطيبات يَعْنِي عَائِشَة تشبه ﴿أُولَئِكَ﴾ عَائِشَة وَصَفوَان ﴿مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ﴾ عَلَيْهِم من الْفِرْيَة ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم فِي الدُّنْيَا ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ فِي الْجنَّة يَقُول إِذا أثني على الرجل وَالْمَرْأَة ثَنَاء حسنا وَكَانَا أَهلا لذَلِك صدق بِهِ عَلَيْهِمَا وَيَقُول من سَمعه هما كَذَلِك وَإِذا أثني على الرجل وَالْمَرْأَة الخبيثين ثَنَاء سَيِّئًا وَكَانَا أَهلا لَهُ صدق بِهِ عَلَيْهِمَا وَيَقُول من سَمعه هما كَذَلِك
ثمَّ نَهَاهُم عَن دُخُول بَعضهم على بعض بِغَيْر إِذن فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ﴾ لَيْسَ لكم أَن تدْخلُوا بُيُوتًا ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ على أَهْلِهَا﴾ ثمَّ تستأنسوا فَيَقُول أَدخل مقدم ومؤخر ﴿ذَلِكُم﴾ التَّسْلِيم والاستئذان ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ وَأصْلح ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ لكَي تتعظوا فَلَا يدْخل بَعْضكُم على بعض بِغَيْر إِذن
﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ﴾ فِي الْبيُوت ﴿أَحَداً﴾ يَأْذَن لكم ﴿فَلاَ تَدْخُلُوهَا﴾ بِغَيْر إِذن ﴿حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ﴾ بِالدُّخُولِ ﴿وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجعُوا﴾ إِن ردوكم ﴿فَارْجِعُوا﴾ وَلَا تقوموا على أَبْوَاب النَّاس ﴿هُوَ﴾ الرُّجُوع ﴿أزكى لَكُمْ﴾ أصلح لكم من أَن تقوموا على أَبْوَاب النَّاس ﴿وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الاسْتِئْذَان وَغَيره ﴿عَلِيمٌ﴾
ثمَّ رخص لَهُم فِي الدُّخُول فِي بيُوت غير بُيُوتهم بِغَيْر إِذن وَهِي الْخَانَات على الطّرق فَقَالَ ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ حرج ﴿أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ لَيْسَ فِيهَا سَاكن مَعْلُوم مثل الْخَانَات وَغير ذَلِك ﴿فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ﴾ مَنْفَعَة لكم من الْحر وَالْبرد فِي الشتَاء والصيف ﴿وَالله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ﴾ من الاسئذان وَالتَّسْلِيم ﴿وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ من الْجَواب وَالْإِذْن
ثمَّ أَمرهم بِحِفْظ الْعين والفرج فَقَالَ ﴿قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ يكفوا أَبْصَارهم عَن الْحَرَام وَمن صلَة فِي الْكَلَام ﴿وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ﴾ عَن الْحَرَام ﴿ذَلِك﴾ حفظ الْعين والفرج (أزكى) أصلح ﴿لَهُمْ﴾ وَخير لَهُم ﴿إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
﴿وَقُل﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ﴾ يكففن ﴿مِنْ أبصارهن﴾ عَن الْحَرَام ورؤية الرِّجَال من صلَة فِي الْكَلَام ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ عَن الْحَرَام ﴿وَلاَ يُبْدِينَ﴾ وَلَا يظهرن ﴿زِينَتَهُنَّ﴾ الدملوج والوشاح ﴿إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ من ثِيَابهَا ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ﴾
294
يرخين قناعهن ﴿على جُيُوبِهِنَّ﴾ على صدورهن ونحورهن وليشدن ذَلِك ثمَّ ذكر الزِّينَة أَيْضا فَقَالَ ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ الدملوج والوشاح وَغير ذَلِك ﴿إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ أَزوَاجهنَّ ﴿أَوْ آبَآئِهِنَّ﴾ فِي النّسَب أَو اللَّبن ﴿أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ أَو آبَاء أَزوَاجهنَّ ﴿أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ﴾ فِي النّسَب أَو اللَّبن ﴿أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ أَبنَاء أَزوَاجهنَّ من غَيْرهنَّ ﴿أَوْ إِخْوَانِهِنَّ﴾ فِي النّسَب أَو اللَّبن ﴿أَوْ بني إِخْوَانِهِنَّ﴾ فِي النّسَب أَو اللَّبن ﴿أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ﴾ فِي النّسَب أَو اللَّبن ﴿أَوْ نِسَآئِهِنَّ﴾ نسَاء أهل دينهن المسلمات لِأَنَّهُ لَا يحل لَهَا أَن ترَاهَا متجردة يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو مَجُوسِيَّة ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ من الْإِمَاء دون العبيد ﴿أَوِ التَّابِعين﴾ لِأَزْوَاجِهِنَّ ﴿غَيْرِ أُوْلِي الإربة﴾ الشَّهْوَة ﴿مِنَ الرِّجَال﴾ وَالنِّسَاء يعى الْخصي وَالشَّيْخ الْكَبِير الفاني ﴿أَوِ الطِّفْل﴾ يَعْنِي الصَّغِير ﴿الَّذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء﴾ لم يطيقوا المجامعة مَعَ النِّسَاء وَلَا (النِّسَاء) مَعَهم من الصغر وَلَا يعلمُونَ من أَمر الرِّجَال وَالنِّسَاء شَيْئا فَلَا بَأْس بِأَن يرى زينتهن هَؤُلَاءِ بِغَيْر رِيبَة ﴿وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ﴾ إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لتقرع الخلخال بالخلخال ﴿لِيُعْلَمَ﴾ لكَي يعلم وَيظْهر ﴿مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ مَا يوارين من زينتهن يَعْنِي الخلاخل عِنْد الْغَرِيب ﴿وتوبوا إِلَى الله جَمِيعاً﴾ من جَمِيع الذُّنُوب الصَّغَائِر والكبائر ﴿أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب
295
ثمَّ دلهم على تَزْوِيج الْبَنِينَ وَالْبَنَات وَالإِخْوَة وَالْأَخَوَات مِمَّن لَيْسَ لَهُم أَزوَاج فَقَالَ ﴿وَأَنْكِحُواْ﴾ زوجوا ﴿الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ بناتكم وأخواتكم وَيُقَال بنيكم وأخواتكم مِمَّن لَيْسَ لَهُم أَزوَاج ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ﴾ وزوجوا الصَّالِحين من عبيدكم ﴿وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ﴾ يَعْنِي الْأَحْرَار ﴿فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ من رزقه ﴿وَالله وَاسِعٌ﴾ برزقه للْحرّ وَالْعَبْد ﴿عَلِيمٌ﴾ بأرزاقهما
﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ﴾ عَن الزِّنَا ﴿الَّذين لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً﴾ سَعَة للتزويج ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ من رزقه نزلت فِي حويطب بن عبد الْعُزَّى فِي شَأْن غُلَام لَهُ سَأَلَ كِتَابَته فَلم يكاتبه ﴿وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ يطْلبُونَ مِنْكُم الْمُكَاتبَة ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي عبيدكم ﴿فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً﴾ صلاحاً ووفاء ﴿وَآتُوهُمْ﴾ أعطوهم يَعْنِي لجملة النَّاس ﴿مِّن مَّالِ الله الَّذِي آتَاكُمْ﴾ أَعْطَاكُم حَتَّى يؤدوا مكاتبتهم وَيُقَال حث الْمولى على ترك الثُّلُث عَن مكَاتبه ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه كَانَ لَهُم ولائد يجبرونهن على الزِّنَا لقبل كَسْبهنَّ وأولادهن فنهاهم الله عَن ذَلِك وَحرم عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ﴾ وَلَا تجبروا ﴿فَتَيَاتِكُمْ﴾ ولائدكم ﴿عَلَى البغآء﴾ على الزِّنَا والفجور ﴿إِنْ أَرَدْنَ﴾ بَعْدَمَا أردن ﴿تَحَصُّناً﴾ تعففاً عَن الزِّنَا ﴿لِّتَبْتَغُواْ﴾ لتطلبوا بذلك ﴿عَرَضَ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ من كَسْبهنَّ وأولادهن ﴿وَمَن يُكْرِههُنَّ﴾ يجبرهن يَعْنِي الولائد على الزِّنَا ﴿فَإِنَّ الله مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ﴾ وتوبتهن ﴿غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ بعد الْمَوْت
﴿وَلَقَدْ أَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾ يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل إِلَى نَبِيكُم بآيَات مبينات بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي عَن الزِّنَا وَالْفَوَاحِش ﴿وَمَثَلاً مِّنَ الَّذين خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ﴾ صفة الَّذين مضوا من قبلكُمْ من الْمُؤمنِينَ والكافرين ﴿وَمَوْعِظَةً﴾ نهيا ﴿لِّلْمُتَّقِينَ﴾ عَن الزِّنَا وَالْفَوَاحِش
ثمَّ ذكر كرامته للْمُؤْمِنين ومنته عَلَيْهِم فَقَالَ ﴿الله نُورُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ هادي أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْهدى من الله على وَجْهَيْن التِّبْيَان والتعريف وَيُقَال الله مزين السَّمَوَات بالنجوم وَالْأَرْض بالنبات والمياه وَيُقَال الله منور قُلُوب أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض من الْمُؤمنِينَ ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ نور الْمُؤمنِينَ وَيُقَال مثل نور الله فِي قلب الْمُؤمن ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ ككوة ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ مقدم ومؤخر يَقُول كمشكاة كمصباح وَهُوَ السراج ﴿الْمِصْبَاح﴾ السراج ﴿فِي زُجَاجَةٍ﴾ فِي قنديل من جَوْهَر ﴿الزجاجة﴾ الْقنْدِيل فِي مشكاة وَهِي كوَّة غير نَافِذَة بلغَة الْحَبَشَة ﴿كَأَنَّهَا﴾ يَعْنِي الزجاجة ﴿كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ نجم مضيء من هَذِه الأنجم الْخَمْسَة عُطَارِد وَالْمُشْتَرِي والزهرة وبهرام وزحل هَذِه الأنجم كلهَا درية
295
﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ﴾ أَخذ دهن الْقنْدِيل من دهن شَجَرَة ﴿مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ وَهِي شَجَرَة الزَّيْتُون ﴿لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ﴾ بفلاة على تلعة لَا يُصِيبهَا ظلّ الشرق وَلَا ظلّ الغرب وَيُقَال بمَكَان لَا تصيبها الشَّمْس حِين طلعت وَلَا حِين غربت ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا﴾ زَيْت الشَّجَرَة ﴿يضيء﴾ من وَرَاء قشرها ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ﴾ وَإِن لم تمسسه ﴿نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ﴾ فَهُوَ النُّور على النُّور الْمِصْبَاح نور والقنديل نور وَالزَّيْت نور ﴿يَهْدِي الله لِنُورِهِ﴾ يكرم الله بنوره يَعْنِي الْمعرفَة وَيُقَال يكرم الله بِدِينِهِ ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك وَيُقَال مثل نوره نور مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أصلاب آبَائِهِ على هَذَا الْوَصْف إِلَى قَوْله توقد من شَجَرَة مباركة يَقُول كَانَ نور مُحَمَّد فِي إِبْرَاهِيم حَنِيفا مُسلما زيتونة دين حنيفية لَا شرقية وَلَا غربية لم يكن لإِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا يكَاد زيتها يَقُول تكَاد أَعمال إِبْرَاهِيم تضيء فِي أصلاب آبَائِهِ على هَذَا الْوَصْف إِلَى قَوْله توقد من شَجَرَة مباركة يَقُول كَأَنَّهُ نور مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَو لم تمسسه نَار رأى لَو لم يكن إِبْرَاهِيم نَبيا لَكَانَ لَهُ هَذَا النُّور أَيْضا وَيُقَال لَو لم تمسسه نَار لَو لم يكرم الله إِبْرَاهِيم لم يكن لَهُ هَذَا النُّور وَيُقَال لَو لم يكرم الله عَبده الْمُؤمن بِهَذَا النُّور لم يكن لَهُ هَذَا النُّور ﴿وَيَضْرِبُ الله الْأَمْثَال لِلنَّاسِ﴾ هَكَذَا يبين الله صفة الْمعرفَة للنَّاس ﴿وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من كرامته لِعِبَادِهِ ﴿عَلَيِمٌ﴾ وَهَذَا مثل ضربه الله للمعرفة وبيَّن مَنْفَعَتهَا ومدحتها لكَي يشكروا بهَا يَقُول كَمَا أَن للسراج نور يهتدى بِهِ كَذَلِك الْمعرفَة نور يهتدى بهَا وكما أَن الْقنْدِيل نور ينْتَفع بِهِ كَذَلِك الْمعرفَة نور يهدى بهَا وكما أَن الْكَوَاكِب الدرية بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر كَذَلِك الْمعرفَة يهتدى بهَا فِي ظلمات الْكفْر والشرك وكما أَن دهن الْقنْدِيل من زيتونة مباركة كَذَلِك الْمعرفَة من الله تَعَالَى لعَبْدِهِ وكما أَن الزيتونة لَا شرقية وَلَا غربية كَذَلِك دين الْمُؤمن حنيفي لَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ وكما أَن زَيْت الشَّجَرَة نور مضيء وَإِن لم تصبه النَّار فَكَذَلِك شرائع إِيمَان الْمُؤمنِينَ ممدوح وَإِن لم يكن مَعهَا غَيرهَا من الْفَضَائِل وكما أَن السراج والقنديل والمشكاة نور على نور كَذَلِك الْمعرفَة نور وقلب الْمُؤمن نور وصدره نور ومدخله نور ومخرجه نور على نور يهدي الله لنوره من يَشَاء يكرم الله بِهَذَا النُّور من كَانَ أَهلا لذَلِك فَهَذَا وصف الله للمعرفة
296
﴿فِي بُيُوتٍ﴾ يَقُول هَذِه الْقَنَادِيل معلقَة فِي بيُوت وَيُقَال بيُوت ﴿أَذِنَ الله﴾ أَمر الله ﴿أَن تُرْفَعَ﴾ أَن تبنى وَهِي الْمَسَاجِد ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا﴾ فِي الْمَسَاجِد ﴿اسْمه﴾ توحيده ﴿يُسَبِّحُ لَهُ﴾ يصلى لله ﴿فِيهَا﴾ فِي الْمَسَاجِد ﴿بِالْغُدُوِّ﴾ غدْوَة صَلَاة الْفجْر ﴿وَالْآصَال﴾ عَشِيَّة صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء
﴿رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ﴾ لَا تشغلهم ﴿تِجَارَةٌ﴾ فِي الجلب ﴿وَلاَ بَيْعٌ﴾ يدا بيد ﴿عَن ذِكْرِ الله﴾ عَن طَاعَة الله وَيُقَال عَن الْأَوْقَات الْخمس ﴿وَإِقَامِ الصَّلَاة﴾ إتْمَام الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا فِي مواقيتها ﴿وَإِيتَآءِ الزَّكَاة﴾ أَي أَدَاء زَكَاة أَمْوَالهم ﴿يَخَافُونَ يَوْماً﴾ عَذَاب يَوْم وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوب والأبصار﴾ حَالا بعد حَال يعْرفُونَ حينا وَلَا يعْرفُونَ حينا
﴿لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ﴾ بِإِحْسَان مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا ﴿وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ﴾ من كرامته بِوَاحِدَة تِسْعَة ﴿وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ بِلَا تَقْدِير وَلَا هنداز وَلَا منَّة
﴿وَالَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿أَعْمَالُهُمْ﴾ مثل أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة ﴿كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ﴾ فِي بقاع من الأَرْض ﴿يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً﴾ العطشان مَاء من الْبعد ﴿حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ من الشَّرَاب فَكَذَلِك لَا يجد الْكَافِر من ثَوَاب عمله شَيْئا يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَوَجَدَ الله عِندَهُ﴾ وَوجد عِنْد الله عُقُوبَة ذنُوبه وَيُقَال وجد الله مستعداً لعذابه ﴿فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ﴾ فوفره عَذَابه ﴿وَالله سَرِيعُ الْحساب﴾ شَدِيد الْعَذَاب وَيُقَال إِذا حاسب فحسابه سريع
﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ﴾ يَقُول مثل النكرَة فِي قلب الْكَافِر كظلمة فِي بَحر لجي فِي غمر عميق ﴿يَغْشَاهُ﴾ يعلوه يَعْنِي الْبَحْر ﴿مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ﴾ آخر ﴿مِّن فَوْقِهِ﴾ من فَوق الموج الثَّانِي ﴿سَحَابٌ﴾ كَذَلِك قلب الْكَافِر مثل النكرَة
296
فِي قلبه كظلمة الْبَحْر وَمثل قلبه كالبحر اللجي وَمثل صَدره كالموج الهائل وَمثل أَعماله كسحاب لَا ينْتَفع بِهِ لقَوْل الله ختم الله طبع الله على قُلُوبهم وعَلى سمعهم وعَلى أَبْصَارهم فَهَذِهِ ﴿ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَآ أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ من شدَّة الظلمَة فَكَذَلِك الْكَافِر لَا يبصر الْحق وَالْهدى من شدَّة ظلمَة قلبه ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً﴾ معرفَة فِي الدُّنْيَا ﴿فَمَا لَهُ مِن نُورٍ﴾ من معرفَة فِي الْآخِرَة وَيُقَال وَمن لم يُكرمهُ الله بِالْإِيمَان فِي الدُّنْيَا فَمَا لَهُ من إِيمَان فِي الْآخِرَة
297
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله يُسَبِّحُ لَهُ﴾ يُصَلِّي لله ﴿مَن فِي السَّمَاوَات﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿وَالْأَرْض﴾ من الْمُؤمنِينَ ﴿وَالطير﴾ ويسبح الطير ﴿صَآفَّاتٍ﴾ مفتوحات الأجنحة ﴿كُلٌّ﴾ كل وَاحِد مِنْهُم ﴿قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ﴾ من يُصَلِّي لَهُ ﴿وَتَسْبِيحَهُ﴾ من يسبح لَهُ وَيُقَال قد علم الله صَلَاة من يُصَلِّي وتسبيح من يسبح ﴿وَالله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ﴾ خَزَائِن ﴿السَّمَاوَات﴾ الْمَطَر ﴿وَالْأَرْض﴾ النَّبَات ﴿وَإِلَى الله الْمصير﴾ الْمرجع بعد الْمَوْت
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد ﴿أَنَّ الله يُزْجِي﴾ يَسُوق ﴿سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ يضم بَين السَّحَاب ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً﴾ بعضه على بعض يَقُول يَجعله ركاماً ثمَّ يؤلفه مقدم ومؤخر ﴿فَتَرَى الودق﴾ الْمَطَر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ﴾ ينزل من خلال السَّحَاب ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السمآء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ﴾ يَقُول ينزل من جبال فِي السَّمَاء بردا ﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ فيعذب الله بالبرد ﴿مَن يَشَآءُ﴾ من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَيَصْرِفُهُ﴾ يصرف عَذَابه ﴿عَن مَّن يَشَآءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ ضوء برق السَّحَاب ﴿يَذْهَبُ بالأبصار﴾ من شدَّة نوره
﴿يُقَلِّبُ الله اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ يذهب بِاللَّيْلِ وَيَجِيء بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَجِيء بِاللَّيْلِ فَهَذَا تقليبهما ﴿إِنَّ فِي ذَلِك﴾ فِيمَا ذكرت من تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وَغير ذَلِك ﴿لَعِبْرَةً﴾ لعلامة ﴿لأُوْلِي الْأَبْصَار﴾ فِي الدّين وَيُقَال فِي الْعين
﴿وَالله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ﴾ على وَجه الأَرْض ﴿مِّن مَّآءٍ﴾ من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى ﴿فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ﴾ الْحَيَّة وأشباهها ﴿وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ﴾ الدَّوَابّ ﴿يَخْلُقُ الله مَا يَشَآءُ﴾ كَمَا يَشَاء ﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ من الْخلق وَغَيره
﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾ يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿وَالله يَهْدِي﴾ يرشد إِلَى دينه ﴿مَن يَشَآءُ﴾ وَيكرم من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
ثمَّ نزل فِي شَأْن قوم عُثْمَان بن عَفَّان حِين قَالُوا لعُثْمَان لَا تذْهب مَعَ على للْقَضَاء عِنْد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خُصُومَة فِي قِطْعَة أَرض كَانَت بَينهمَا لِأَنَّهُ يمِيل إِلَيْهِ فذمهم الله بذلك وَقَالَ ﴿وَيِقُولُونَ﴾ قوم عُثْمَان بن عَفَّان ﴿آمَنَّا بِاللَّه وبالرسول﴾ صدقنا بإيماننا بِاللَّه وبالرسول ﴿وَأَطَعْنَا﴾ مَا أمرنَا بِهِ ﴿ثُمَّ يتَوَلَّى فَرِيقٌ﴾ طَائِفَة ﴿مِّنْهُمْ﴾ من قوم عُثْمَان ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِك﴾ من بعد مَا قَالُوا هَذِه الْكَلِمَة عَن حكم الله ﴿وَمَآ أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ بالمصدقين فِي إِيمَانهم
﴿وَإِذَا دعوا إِلَى الله﴾ إِلَى كتاب الله ﴿وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ﴾ الرَّسُول ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بِكِتَاب الله بِحكم الله ﴿إِذَا فَرِيقٌ﴾ طَائِفَة ﴿مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ﴾ عَن كتاب الله وَحكم الرَّسُول
﴿وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ﴾ لقوم عُثْمَان ﴿الْحق﴾ الْقَضَاء ﴿يَأْتُوا إِلَيْهِ﴾ إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مُذْعِنِينَ﴾ مُسْرِعين طائعين
﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾ بل شكوا بِاللَّه وبرسوله ﴿أَمْ يَخَافُونَ﴾ أيخافون ﴿أَن يَحِيفَ الله﴾ يجور الله ﴿عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ فِي الحكم ﴿بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ الضارون لأَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا منافقين فِي إِيمَانهم
ثمَّ ذكر قَول المخلصين فَقَالَ ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين كَقَوْل عُثْمَان حَيْثُ قَالَ لعَلي بل أجيء مَعَك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا قضى بَيْننَا رضيت بِهِ فمدحه الله بذلك وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ المخلصين وَإِذَا دعوا إِلَى الله ﴿إِلَى كتاب الله﴾
297
﴿وَرَسُولِهِ﴾ وَسنة رَسُوله ﴿لِيَحْكُمَ﴾ الرَّسُول ﴿بَيْنَهُمْ﴾ بِكِتَاب الله بِحكم الله ﴿أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا﴾ أجبنا ﴿وَأَطَعْنَا﴾ مَا أمرنَا ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب يَعْنِي عُثْمَان بن عَفَّان
298
وَنزل فِي عُثْمَان أَيْضا لقَوْله وَالله لَئِن شِئْت يَا رَسُول الله لأخْرجَن من مَالِي كُله فَقَالَ الله ﴿وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِي الحكم ﴿وَيَخْشَ الله﴾ فِيمَا مضى ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ فِيمَا بَقِي ﴿فَأُولَئِك هُمُ الفآئزون﴾ فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ حلف بِاللَّه عُثْمَان جهد يَمِينه ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ﴾ من مَاله كُله ﴿قُل﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿لاَّ تُقْسِمُواْ﴾ لَا تحلفُوا ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ هِيَ طَاعَة مَعْرُوفَة حَسَنَة أَن فَعلْتُمْ وَلَكِن طيعوا طَاعَة مَعْرُوفَة مَعْلُومَة الَّتِي أوجبت عَلَيْكُم ﴿إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لقوم عُثْمَان ﴿أَطِيعُواْ الله﴾ فِي الْفَرَائِض ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُول﴾ فِي السّنَن وَالْحكم ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أَعرضُوا عَن طاعتهما ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ﴾ مَا أَمر من التَّبْلِيغ ﴿وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ مَا أمرْتُم من الْإِجَابَة ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ﴾ تطيعوا الله فِيمَا أَمركُم ﴿تَهْتَدُواْ﴾ من الضَّلَالَة ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُول إِلاَّ الْبَلَاغ الْمُبين﴾ عَن الله
﴿وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ مِنْكُمْ﴾ يَا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْض﴾ بَعضهم على أثر بعض ﴿كَمَا اسْتخْلف الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من بني إِسْرَائِيل يُوشَع بن نون وكالب بن يوقنا وَيُقَال لننزلنهم أَرض مَكَّة كَمَا أنزلنَا الَّذين من قبلهم من بني إِسْرَائِيل أَرضهم بَعْدَمَا أهلك عدوهم ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ﴾ لَيظْهرَن لَهُم ﴿دِينَهُمُ الَّذِي ارتضى لَهُمْ﴾ رَضِي وَاخْتَارَ لَهُم ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ﴾ بِمَكَّة ﴿مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ﴾ من الْعَدو ﴿أَمْناً﴾ بعد هَلَاك عدوهم ﴿يَعْبُدُونَنِي﴾ لكَي يعبدوني بِمَكَّة ﴿لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ من الْأَوْثَان ﴿وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِك﴾ التَّمْكِين والتبديل ﴿فَأُولَئِك هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ العاصون
﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة﴾ أَتموا الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتُواْ الزَّكَاة﴾ أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُول﴾ فِي الحكم ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا
﴿لاَ تَحْسَبَنَّ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿مُعْجِزِينَ فِي الأَرْض﴾ فائتين فِي الأَرْض من عَذَاب الله ﴿وَمَأْوَاهُمُ﴾ مصيرهم ﴿النَّار﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَلَبِئْسَ الْمصير﴾ صَارُوا إِلَيْهِ مَعَ الشَّيَاطِين نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي جهل وَأَصْحَابه
ثمَّ نزل حِين قَالَ عمر رضى الله عَنهُ وددت أَن الله نهى أبناءنا وَخَدَمنَا أَن لَا يدخلُوا علينا فِي العورات الثَّلَاث إِلَّا بِإِذن فَقَالَ ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿لِيَسْتَأْذِنَكُمُ﴾ فِي الدُّخُول عَلَيْكُم ﴿الَّذين مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ العبيد الصغار ﴿وَالَّذين لَمْ يَبْلَغُوا الْحلم﴾ الأحلام ﴿مِنْكُمْ﴾ من أحراركم ﴿ثَلاثَ مَرَّاتٍ﴾ فِي ثَلَاث سَاعَات ﴿من قبل صَلَاة الْفجْر﴾ من ينفجر الصُّبْح إِلَى حِين تصلى صَلَاة الْفجْر ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِّنَ الظهيرة﴾ عِنْد القيلولة إِلَى أَن تصلى صَلَاة الظّهْر ﴿وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعشَاء﴾ الْأَخِيرَة إِلَى حِين طُلُوع الْفجْر ﴿ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ﴾ ثَلَاث خلوات ﴿لكُم﴾ ثمَّ رخصهم بعد ذَلِك فِي الدُّخُول عَلَيْهِم بِغَيْر إِذن فَقَالَ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ﴾ على أَرْبَاب الْبيُوت ﴿وَلاَ عَلَيْهِمْ﴾ على الْأَبْنَاء والخدام الصغار دون الْكِبَار ﴿جُنَاحٌ﴾ حرج ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ بعد هَذِه الثَّلَاث العورات ﴿طَوَّافُونَ عَلَيكُمْ﴾ للْخدمَة ﴿بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ يدْخل بَعْضكُم على بعض بِغَيْر إِذن وَأما الْكِبَار من العبيد وَالْأَبْنَاء فَيَنْبَغِي لَهُم أَن يستأذنوا بِالدُّخُولِ على آبَائِهِم ومماليكهم فِي كل حِين ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يبين الله لكم الْآيَات﴾ الْأَمر وَالنَّهْي كَمَا بيّن الله هَذَا ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ أعلم بصلاحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم عَلَيْكُم بالاستئذان للصبيان الصغار فِي العورات
ثمَّ ذكر الْكِبَار دون الصغار فَقَالَ ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَال مِنكُمُ﴾ من أحراركم وعبيدكم
298
﴿الْحلم﴾ الِاحْتِلَام ﴿فَلْيَسْتَأْذِنُواْ﴾ عَلَيْكُم فِي كل حِين ﴿كَمَا اسْتَأْذن الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من إخْوَانهمْ الْمَذْكُورين ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ أمره وَنَهْيه كَمَا يبيّن الله هَذَا ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بصلاحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ حكم على الْكِبَار بالاستئذان فِي كل حِين
299
﴿وَالْقَوَاعِد مِنَ النسآء﴾ الْعَجَائِز ﴿اللَّاتِي﴾ يئسن من الْمَحِيض اللَّاتِي ﴿لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً﴾ لَا يتزوجن وَلَا يحتجن إِلَى الزَّوْج ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ﴾ على الْعَجَائِز ﴿جُنَاحٌ﴾ حرج ﴿أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ من ثيابهن الرِّدَاء عِنْد الْغَرِيب ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتِ بِزِينَةٍ﴾ من غير أَن يتزين أَن يظهرن مَا عَلَيْهِنَّ من الزِّينَة عِنْد الْغَرِيب ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ﴾ بالرداء عِنْد الْغَرِيب ﴿خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ من أَن يضعنه ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لمقالتهن ﴿عِلِيمٌ﴾ بأعمالهن
ثمَّ نزل حِين تحرجوا من المواكلة مَعَ بَعضهم بَعْضًا مَخَافَة الظُّلم لما أنزل قَوْله يأيها الَّذين آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ بالظلم وخافوا من ذَلِك فَرخص لَهُم المواكلة مَعَ بَعضهم بَعْضًا فَقَالَ ﴿لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ﴾ يَقُول لَيْسَ على من أكل مَعَ الْأَعْمَى حرج مأثم ﴿وَلاَ عَلَى الْأَعْرَج حَرَجٌ﴾ لَيْسَ على من أكل مَعَ الْأَعْرَج حرج مأثم ﴿وَلاَ عَلَى الْمَرِيض حَرَجٌ﴾ وَلَيْسَ على من أكل مَعَ الْمَرِيض حرج مأثم ﴿وَلاَ على أَنفُسِكُمْ﴾ حرج مأثم ﴿أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ﴾ من بيُوت أَبْنَائِكُم بِغَيْر إِذن بِالْعَدْلِ والإنصاف ﴿أَوْ بُيُوتِ آبَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ﴾ ﴿أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ﴾ من كل وَجه ﴿أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ﴾ من كل وَجه ﴿أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ﴾ إخْوَة آبائكم ﴿أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ﴾ أَخَوَات آبائكم ﴿أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ﴾ إخْوَة أُمَّهَاتكُم ﴿أَوْ بُيُوتِ خَالاَتِكُمْ﴾ أَخَوَات أُمَّهَاتكُم ﴿أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ﴾ خَزَائِن مَا عنْدكُمْ من المَال يَعْنِي العبيد وَالْإِمَاء ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ فِي الْخلطَة نزل أَو صديقكم فِي مَالك بن زين والْحَارث بن عمار وَكَانَا صديقين ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾ مأثم ﴿أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً﴾ مُجْتَمعين بِالْعَدْلِ والإنصاف ﴿أَوْ أَشْتَاتاً﴾ مُتَفَرّقين وَدخل فِي هَذِه الْآيَة الْأَعْمَى والأعرج وَالْمَرِيض وَغير ذَلِك ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً﴾ يَعْنِي بُيُوتكُمْ أَو الْمَسَاجِد وَلَيْسَ فِيهَا أحد ﴿فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ﴾ فَقولُوا السَّلَام علينا من رَبنَا ﴿تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله﴾ كَرَامَة من الله لكم ﴿مُبَارَكَةً﴾ بالثواب ﴿طَيِّبَةً﴾ بالمغفرة ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الْآيَات﴾ الْأَمر وَالنَّهْي كَمَا بَين هَذَا ﴿لَعَلَّكُمْ تعقلون﴾ لكَي تعقلوا مَا أمرْتُم بِهِ
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ المصدقون فِي إِيمَانهم ﴿الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿وَإِذَا كَانُواْ مَعَه﴾ مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿على أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ فِي يَوْم الْجُمُعَة أَو فِي غَزْوَة ﴿لَّمْ يَذْهَبُواْ﴾ لم يخرجُوا من الْمَسْجِد وَلم يرجِعوا من الْغَزْو ﴿حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ﴾ يعْنى يستأذنوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِنَّ الَّذين يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد بِالرُّجُوعِ عَن غَزْوَة تَبُوك وَكَانَ ذَلِك عمر بن الْخطاب اسْتَأْذن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة لعِلَّة كَانَت بِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذين يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿فَإِذَا استأذنوك﴾ يَا مُحَمَّد المخلصون ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ حَاجتهم ﴿فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ﴾ من المخلصين ﴿واستغفر لَهُمُ الله﴾ فِيمَا ذَهَبُوا ﴿إِنَّ الله غَفُور﴾ لمن تَابَ ﴿رَحِيم﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُول بَيْنَكُمْ﴾ أَي لَا تدعوا الرَّسُول باسمه يَا مُحَمَّد ﴿كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾
299
اسْمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم ﴿قَدْ يَعْلَمُ الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ﴾ يخرجُون مِنْكُم من الْمَسْجِد ﴿لِوَاذاً﴾ يلوذ بَعْضكُم بَعْضًا وَكَانَ المُنَافِقُونَ إِذا خَرجُوا من الْمَسْجِد خَرجُوا بِغَيْر إِذن إِذا لم يرهم أحد ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذين يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ عَن أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال عَن أَمر الله ﴿أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ بلية ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بِالضَّرْبِ
300
﴿أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ من الْخلق ﴿قَدْ يَعْلَمُ﴾ أَي يعلم الله ﴿مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ من الْكفْر وَالْإِيمَان والتصديق والتكذيب وَالْإِخْلَاص والنفاق والاستقامة والميل وَغير ذَلِك ﴿وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ﴾ إِلَى الله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَيُنَبِّئُهُمْ﴾ يُخْبِرهُمْ الله ﴿بِمَا عَمِلُواْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من أَعْمَالهم ﴿عَلِيمُ﴾ وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفرْقَان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَسِتُّونَ ﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة النور
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (النُّور) مِن السُّوَر المدنيَّة، فرَضها الله عز وجل لِما تضمَّنته من أحكامٍ شرعية بالغة الأهمية؛ ففيها حدُّ الزِّنا، والأحكامُ المتعلقة به، وفيها ذِكْرُ حادثةِ (الإفك)، وتبرئةِ السيدة عائشة رضي الله عنها من هذه الكبيرةِ، ومِن عقوبتها، وقد نزَلتْ تبرئتُها من عندِ الله عز وجل من السماء، مبيِّنةً أن شَرَفَ النبي صلى الله عليه وسلم محفوظٌ بحفظِ الله له، وقد تَبِعَ ذِكْرَ هذه القصة مقاصدُ وأحكامٌ كثيرة؛ من فرضِ الحجاب، وغيرِ ذلك من الأحكام المتعلقة بالنساء؛ لذا كان السلفُ يحرصون على أن تتعلم نساؤُهم سورةَ (النُّور).

ترتيبها المصحفي
24
نوعها
مدنية
ألفاظها
1319
ترتيب نزولها
102
العد المدني الأول
62
العد المدني الأخير
62
العد البصري
64
العد الكوفي
64
العد الشامي
64

* قوله تعالى: {اْلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةٗ وَاْلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٞۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى اْلْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3]:

عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو رضي الله عنهما، قال: «كان رجُلٌ يقالُ له: مَرْثَدُ بنُ أبي مَرْثَدٍ، وكان رجُلًا يَحمِلُ الأَسْرى مِن مكَّةَ حتى يأتيَ بهم المدينةَ، قال: وكانت امرأةٌ بَغِيٌّ بمكَّةَ يقالُ لها : عَنَاقٌ، وكانت صديقةً له، وإنَّه كان وعَدَ رجُلًا مِن أُسارى مكَّةَ يَحمِلُه، قال: فجِئْتُ حتى انتهَيْتُ إلى ظِلِّ حائطٍ مِن حوائطِ مكَّةَ في ليلةٍ مُقمِرةٍ، قال: فجاءت عَنَاقٌ، فأبصَرتْ سوادَ ظِلِّي بجَنْبِ الحائطِ، فلمَّا انتهَتْ إليَّ عرَفتْ، فقالت: مَرْثَدٌ؟ فقلتُ: مَرْثَدٌ، قالت: مرحبًا وأهلًا، هلُمَّ فَبِتْ عندنا الليلةَ، قلتُ: يا عَنَاقُ، حرَّمَ اللهُ الزِّنا! قالت: يا أهلَ الخِيامِ، هذا الرَّجُلُ يَحمِلُ أَسْراكم، قال: فتَبِعَني ثمانيةٌ، وسلَكْتُ الخَنْدَمةَ، فانتهَيْتُ إلى كهفٍ أو غارٍ، فدخَلْتُ، فجاؤوا حتى قاموا على رأسي، فبالُوا، فظَلَّ بَوْلُهم على رأسي، وأعماهم اللهُ عنِّي، قال: ثم رجَعوا، ورجَعْتُ إلى صاحبي، فحمَلْتُه، وكان رجُلًا ثقيلًا، حتى انتهَيْتُ إلى الإذخِرِ، ففكَكْتُ عنه كَبْلَه، فجعَلْتُ أحمِلُه ويُعْيِيني، حتى قَدِمْتُ المدينةَ، فأتَيْتُ رسولَ اللهِ ﷺ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أنكِحُ عَنَاقًا؟ مرَّتَينِ، فأمسَكَ رسولُ اللهِ ﷺ، فلَمْ يرُدَّ عليَّ شيئًا، حتى نزَلتِ: {اْلزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةٗ وَاْلزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَآ إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٞۚ} [النور: 3]، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا مَرْثَدُ، الزَّاني لا يَنكِحُ إلا زانيةً أو مشركةً، والزَّانيةُ لا يَنكِحُها إلا زانٍ أو مشركٌ؛ فلا تَنكِحْها»». سنن الترمذي (٣١٧٧).

* قوله تعالى: {وَاْلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَٰجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمْ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِاْللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ اْلصَّٰدِقِينَ} [النور: 6]:

عن سهلِ بن سعدٍ السَّاعديِّ رضي الله عنه: «أنَّ عُوَيمِرًا أتى عاصمَ بنَ عَدِيٍّ، وكان سيِّدَ بني عَجْلانَ، فقال: كيف تقولون في رجُلٍ وجَدَ مع امرأتِه رجُلًا؛ أيقتُلُه فتقتُلونه أم كيف يَصنَعُ؟ سَلْ لي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأتى عاصمٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ، فكَرِهَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسائلَ، فسأله عُوَيمِرٌ، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ المسائلَ وعابَها، قال عُوَيمِرٌ: واللهِ، لا أنتهي حتى أسألَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فجاء عُوَيمِرٌ، فقال: يا رسولَ اللهِ، رجُلٌ وجَدَ مع امرأتِه رجُلًا؛ أيقتُلُه فتقتُلونه أم كيف يَصنَعُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قد أنزَلَ اللهُ القرآنَ فيك وفي صاحبتِك»، فأمَرَهما رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالمُلاعَنةِ بما سمَّى اللهُ في كتابِه، فلاعَنَها، ثم قال: يا رسولَ اللهِ، إن حبَسْتُها فقد ظلَمْتُها، فطلَّقَها، فكانت سُنَّةً لِمَن كان بعدهما في المُتلاعِنَينِ، ثم قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انظُروا فإن جاءت به أسحَمَ، أدعَجَ العينَينِ، عظيمَ الأَلْيَتَينِ، خَدَلَّجَ الساقَينِ؛ فلا أحسَبُ عُوَيمِرًا إلا قد صدَقَ عليها، وإن جاءت به أُحَيمِرَ كأنَّه وَحَرَةٌ، فلا أحسَبُ عُوَيمِرًا إلا قد كذَبَ عليها»، فجاءت به على النَّعْتِ الذي نعَتَ به رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن تصديقِ عُوَيمِرٍ، فكان بعدُ يُنسَبُ إلى أُمِّهِ». أخرجه البخاري (٤٧٤٥).

عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «سُئِلتُ عن المُتلاعِنَينِ في إمرةِ مُصعَبٍ: أيُفرَّقُ بينهما؟ قال: فما درَيْتُ ما أقولُ، فمضَيْتُ إلى منزلِ ابنِ عُمَرَ بمكَّةَ، فقلتُ للغلامِ: استأذِنْ لي، قال: إنَّه قائلٌ، فسَمِعَ صوتي، قال: ابنُ جُبَيرٍ؟ قلتُ: نَعم، قال: ادخُلْ؛ فواللهِ، ما جاء بك هذه الساعةَ إلا حاجةٌ، فدخَلْتُ، فإذا هو مُفترِشٌ بَرْذَعةً، مُتوسِّدٌ وِسادةً حَشْوُها لِيفٌ، قلتُ: أبا عبدِ الرَّحمنِ، المُتلاعِنانِ: أيُفرَّقُ بينهما؟ قال: سُبْحانَ اللهِ! نَعم، إنَّ أوَّلَ مَن سألَ عن ذلك فلانُ بنُ فلانٍ، قال: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ أنْ لو وجَدَ أحدُنا امرأتَه على فاحشةٍ، كيف يَصنَعُ: إن تكلَّمَ تكلَّمَ بأمرٍ عظيمٍ، وإن سكَتَ سكَتَ على مثلِ ذلك؟! قال: فسكَتَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يُجِبْهُ، فلمَّا كان بعد ذلك أتاه، فقال: إنَّ الذي سألتُك عنه قد ابتُلِيتُ به؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل هؤلاء الآياتِ في سورةِ النُّورِ: {وَاْلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَٰجَهُمْ} [النور: 6]، فتلاهُنَّ عليه، ووعَظَه، وذكَّرَه، وأخبَرَه أنَّ عذابَ الدُّنيا أهوَنُ مِن عذابِ الآخرةِ، قال : لا، والذي بعَثَك بالحقِّ ما كذَبْتُ عليها، ثم دعاها فوعَظَها وذكَّرَها، وأخبَرَها أنَّ عذابَ الدُّنيا أهوَنُ مِن عذابِ الآخرةِ، قالت: لا، والذي بعَثَك بالحقِّ إنَّه لكاذبٌ، فبدَأَ بالرَّجُلِ، فشَهِدَ أربَعَ شَهاداتٍ باللهِ إنَّه لَمِن الصادقين، والخامسةُ أنَّ لعنةَ اللهِ عليه إن كان مِن الكاذبِينَ، ثم ثنَّى بالمرأةِ، فشَهِدتْ أربَعَ شَهاداتٍ باللهِ إنَّه لَمِن الكاذبينَ، والخامسةُ أنَّ غضَبَ اللهِ عليها إن كان مِن الصادقينَ، ثم فرَّقَ بينهما». أخرجه مسلم (١٤٩٣).

- وفي هذه الآيةِ كلامٌ كثير فيما يتعلقُ بأسبابِ النزول، والاختلافِ فيها، والترجيحِ بينها، ويراجع للفائدة: "المحرر في أسباب النزول" (719)؛ فقد بحث المسألة بحثًا وافيًا، والله الموفِّق.

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ جَآءُو بِاْلْإِفْكِ عُصْبَةٞ مِّنكُمْۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّٗا لَّكُمۖ بَلْ هُوَ خَيْرٞ لَّكُمْۚ لِكُلِّ اْمْرِيٕٖ مِّنْهُم مَّا اْكْتَسَبَ مِنَ اْلْإِثْمِۚ وَاْلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُۥ مِنْهُمْ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٞ} [النور: 11]:

عن ابنِ شِهابٍ، قال: حدَّثَني عُرْوةُ بن الزُّبَيرِ، وسعيدُ بن المسيَّبِ، وعَلْقمةُ بن وقَّاصٍ، وعُبَيدُ اللهِ بن عبدِ اللهِ بن عُتْبةَ بن مسعودٍ؛ عن عائشةَ رضي الله عنها زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حينَ قال لها أهلُ الإفكِ ما قالوا، وكلُّهم حدَّثَني طائفةً مِن حديثِها، وبعضُهم كان أوعى لحديثِها مِن بعضٍ، وأثبَتَ له اقتصاصًا، وقد وعَيْتُ عن كلِّ رجُلٍ منهم الحديثَ الذي حدَّثَني عن عائشةَ، وبعضُ حديثِهم يُصدِّقُ بعضًا، وإن كان بعضُهم أوعى له مِن بعضٍ؛ قالوا:

قالت عائشةُ أمُّ المؤمنين رضي الله عنها: «كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا أراد سَفَرًا أقرَعَ بين أزواجِه، فأيُّهنَّ خرَجَ سَهْمُها خرَجَ بها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم معه.

قالت عائشةُ: فأقرَعَ بيننا في غزوةٍ غزاها، فخرَجَ فيها سَهْمي، فخرَجْتُ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعدما أُنزِلَ الحجابُ، فكنتُ أُحمَلُ في هَوْدجي وأَنزِلُ فيه، فسِرْنا، حتى إذا فرَغَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن غزوتِه تلك وقفَلَ، دنَوْنا مِن المدينةِ قافِلينَ، آذَنَ ليلةً بالرَّحيلِ، فقُمْتُ حين آذَنوا بالرَّحيلِ، فمشَيْتُ حتى جاوَزْتُ الجيشَ، فلمَّا قضَيْتُ شأني أقبَلْتُ إلى رَحْلي، فلمَسْتُ صدري، فإذا عِقْدٌ لي مِن جَزْعِ ظَفَارِ قد انقطَعَ، فرجَعْتُ، فالتمَسْتُ عِقْدي، فحبَسَني ابتغاؤُه، قالت: وأقبَلَ الرَّهْطُ الذين كانوا يُرحِّلوني، فاحتمَلوا هَوْدجي، فرحَلوه على بَعيري الذي كنتُ أركَبُ عليه، وهم يَحسَبون أنِّي فيه، وكان النساءُ إذ ذاك خِفافًا لم يَهبُلْنَ، ولم يَغشَهنَّ اللَّحْمُ، إنَّما يأكُلْنَ العُلْقةَ مِن الطعامِ، فلَمْ يستنكِرِ القومُ خِفَّةَ الهَوْدجِ حينَ رفَعوه وحمَلوه، وكنتُ جاريةً حديثةَ السِّنِّ، فبعَثوا الجمَلَ، فسارُوا، ووجَدتُّ عِقْدي بعدما استمَرَّ الجيشُ، فجِئْتُ مَنازِلَهم وليس بها منهم داعٍ ولا مجيبٌ، فتيمَّمْتُ منزلي الذي كنتُ به، وظنَنْتُ أنَّهم سيَفقِدوني فيَرجِعون إليَّ، فبَيْنا أنا جالسةٌ في منزلي، غلَبتْني عَيْني فنِمْتُ، وكان صَفْوانُ بنُ المُعطَّلِ السُّلَميُّ ثم الذَّكْوانيُّ مِن وراءِ الجيشِ، فأصبَحَ عند منزلي، فرأى سوادَ إنسانٍ نائمٍ، فعرَفَني حين رآني، وكان رآني قبل الحجابِ، فاستيقَظْتُ باسترجاعِه حين عرَفَني، فخمَّرْتُ وجهي بجِلْبابي، وواللهِ، ما تكلَّمْنا بكلمةٍ، ولا سَمِعْتُ منه كلمةً غيرَ استرجاعِه، وهَوَى حتى أناخَ راحلتَه، فوَطِئَ على يدِها، فقُمْتُ إليها، فرَكِبْتُها، فانطلَقَ يقُودُ بي الراحلةَ حتى أتَيْنا الجيشَ مُوغِرِينَ في نَحْرِ الظَّهيرةِ وهم نزولٌ، قالت: فهلَكَ مَن هلَكَ، وكان الذي تولَّى كِبْرَ الإفكِ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ ابنَ سَلُولَ.

قال عُرْوةُ: أُخبِرْتُ أنَّه كان يشاعُ ويُتحدَّثُ به عنده، فيُقِرُّه ويستمِعُه ويَسْتَوْشِيهِ.

وقال عُرْوةُ أيضًا: لَمْ يُسَمَّ مِن أهلِ الإفكِ أيضًا إلا حسَّانُ بنُ ثابتٍ، ومِسطَحُ بنُ أُثَاثةَ، وحَمْنةُ بنتُ جَحْشٍ، في ناسٍ آخَرِينَ لا عِلْمَ لي بهم، غيرَ أنَّهم عُصْبةٌ؛ كما قال اللهُ تعالى، وإنَّ كُبْرَ ذلك يقالُ له: عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ.

قال عُرْوةُ: كانت عائشةُ تَكرَهُ أن يُسَبَّ عندها حسَّانُ، وتقولُ: إنَّه الذي قال:

فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي***لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ

قالت عائشةُ: فقَدِمْنا المدينةَ، فاشتكَيْتُ حينَ قَدِمْتُ شهرًا، والناسُ يُفِيضون في قولِ أصحابِ الإفكِ، لا أشعُرُ بشيءٍ مِن ذلك، وهو يَرِيبُني في وجَعي أنِّي لا أعرِفُ مِن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذي كنتُ أرى منه حين أشتكي، إنَّما يدخُلُ عليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيُسلِّمُ، ثم يقولُ: «كيف تِيكُمْ؟»، ثم ينصرِفُ، فذلك يَرِيبُني، ولا أشعُرُ بالشرِّ، حتى خرَجْتُ حينَ نقَهْتُ، فخرَجْتُ مع أمِّ مِسطَحٍ قِبَلَ المَنَاصِعِ، وكان مُتبرَّزَنا، وكنَّا لا نخرُجُ إلا ليلًا إلى ليلٍ، وذلك قبل أن نتَّخِذَ الكُنُفَ قريبًا مِن بيوتِنا.

قالت: وأمرُنا أمرُ العرَبِ الأُوَلِ في البَرِّيَّةِ قِبَلَ الغائطِ، وكنَّا نتأذَّى بالكُنُفِ أن نتَّخِذَها عند بيوتِنا.

قالت: فانطلَقْتُ أنا وأمُّ مِسطَحٍ، وهي ابنةُ أبي رُهْمِ بنِ المطَّلِبِ بنِ عبدِ منافٍ، وأمُّها بنتُ صَخْرِ بنِ عامرٍ، خالةُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وابنُها مِسطَحُ بنُ أُثَاثةَ بنِ عَبَّادِ بنِ المطَّلِبِ، فأقبَلْتُ أنا وأمُّ مِسطَحٍ قِبَلَ بيتي حينَ فرَغْنا مِن شأنِنا، فعثَرتْ أمُّ مِسطَحٍ في مِرْطِها، فقالت: تَعِسَ مِسطَحٌ، فقلتُ لها: بئسَ ما قُلْتِ، أتسُبِّينَ رجُلًا شَهِدَ بَدْرًا؟ فقالت: أيْ هَنْتَاهْ، ولم تَسمَعي ما قال؟ قالت: وقلتُ: ما قال؟ فأخبَرتْني بقولِ أهلِ الإفكِ، قالت: فازدَدتُّ مرَضًا على مرَضي، فلمَّا رجَعْتُ إلى بيتي، دخَلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسلَّمَ، ثم قال: «كيف تِيكُم؟»، فقلتُ له: أتأذَنُ لي أن آتيَ أبوَيَّ؟ قالت: وأريدُ أن أستيقِنَ الخبَرَ مِن قِبَلِهما، قالت: فأذِنَ لي رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم.

فقلتُ لأُمِّي: يا أُمَّتَاه، ماذا يَتحدَّثُ الناسُ؟ قالت: يا بُنَيَّةُ، هَوِّني عليكِ؛ فواللهِ، لقَلَّما كانت امرأةٌ قطُّ وَضِيئةٌ عند رجُلٍ يُحِبُّها، لها ضرائرُ، إلا كثَّرْنَ عليها، قالت: فقلتُ: سُبْحانَ اللهِ! أوَلَقَدْ تحدَّثَ الناسُ بهذا؟

قالت: فبكَيْتُ تلك الليلةَ حتى أصبَحْتُ، لا يَرقأُ لي دمعٌ، ولا أكتحِلُ بنَوْمٍ، ثم أصبَحْتُ أبكي.

قالت: ودعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالبٍ وأسامةَ بنَ زيدٍ حينَ استلبَثَ الوحيُ، يَسألُهما ويستشيرُهما في فِراقِ أهلِه، قالت: فأمَّا أسامةُ فأشار على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بالذي يَعلَمُ مِن براءةِ أهلِه، وبالذي يَعلَمُ لهم في نفسِه، فقال أسامةُ: أهلُك، ولا نَعلَمُ إلا خيرًا، وأمَّا عليٌّ فقال: يا رسولَ اللهِ، لم يُضيِّقِ اللهُ عليك، والنساءُ سِواها كثيرٌ، وسَلِ الجاريةَ تصدُقْكَ.

قالت: فدعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرةَ، فقال: أيْ بَرِيرةُ، هل رأيتِ مِن شيءٍ يَرِيبُكِ؟ قالت له بَرِيرةُ: والذي بعَثَك بالحقِّ، ما رأيتُ عليها أمرًا قطُّ أغمِصُهُ غيرَ أنَّها جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ، تنامُ عن عجينِ أهلِها، فتأتي الدَّاجنُ فتأكُلُه.

قالت: فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن يومِه، فاستعذَرَ مِن عبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ وهو على المِنبَرِ، فقال: يا معشرَ المسلمين، مَن يَعذِرُني مِن رجُلٍ قد بلَغَني عنه أذاه في أهلي؟ واللهِ، ما عَلِمْتُ على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكَروا رجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلا خيرًا، وما يدخُلُ على أهلي إلا معي، قالت: فقامَ سعدُ بنُ مُعاذٍ أخو بني عبدِ الأشهَلِ، فقال: أنا يا رسولَ اللهِ أعذِرُك، فإن كان مِن الأَوْسِ ضرَبْتُ عُنُقَه، وإن كان مِن إخوانِنا مِن الخَزْرَجِ أمَرْتَنا ففعَلْنا أمْرَك، قالت: فقامَ رجُلٌ مِن الخَزْرَجِ، وكانت أمُّ حسَّانَ بِنْتَ عَمِّه مِن فَخِذِه، وهو سعدُ بنُ عُبَادةَ، وهو سيِّدُ الخَزْرَجِ، قالت: وكان قَبْلَ ذلك رجُلًا صالحًا، ولكنِ احتمَلتْهُ الحَمِيَّةُ، فقال لسعدٍ: كذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لا تقتُلُه، ولا تَقدِرُ على قَتْلِه، ولو كان مِن رَهْطِك ما أحبَبْتَ أن يُقتَلَ، فقام أُسَيدُ بنُ حُضَيرٍ، وهو ابنُ عَمِّ سعدٍ، فقال لسعدِ بنِ عُبَادةَ: كذَبْتَ، لَعَمْرُ اللهِ لَنقتُلَنَّهُ؛ فإنَّك منافِقٌ تُجادِلُ عن المنافِقينَ، قالت: فثارَ الحيَّانِ: الأَوْسُ والخَزْرَجُ، حتى هَمُّوا أن يَقتتِلوا، ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المِنبَرِ، قالت: فلم يَزَلْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخفِّضُهم حتى سكَتوا، وسكَتَ.

قالت: فبكَيْتُ يومي ذلك كلَّه، لا يَرقأُ لي دمعٌ، ولا أكتحِلُ بنَوْمٍ.

قالت: وأصبَحَ أبوايَ عندي، وقد بكَيْتُ ليلتَينِ ويومًا، لا يَرقأُ لي دمعٌ، ولا أكتحِلُ بنَوْمٍ، حتى إنِّي لَأظُنُّ أنَّ البكاءَ فالقٌ كبدي، فبَيْنا أبوايَ جالسانِ عندي وأنا أبكي، فاستأذَنتْ عليَّ امرأةٌ مِن الأنصارِ، فأذِنْتُ لها، فجلَستْ تبكي معي.

قالت: فبَيْنا نحن على ذلك، دخَلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علينا، فسلَّمَ، ثم جلَسَ، قالت: ولَمْ يَجلِسْ عندي منذُ قِيلَ ما قِيلَ قَبْلَها، وقد لَبِثَ شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيءٍ، قالت: فتشهَّدَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حينَ جلَسَ، ثم قال: «أمَّا بعدُ، يا عائشةُ، إنَّه بلَغَني عنكِ كذا وكذا، فإن كنتِ بريئةً، فسيُبرِّئُكِ اللهُ، وإن كنتِ ألمَمْتِ بذَنْبٍ، فاستغفِري اللهَ وتُوبي إليه؛ فإنَّ العبدَ إذا اعترَفَ ثم تابَ، تابَ اللهُ عليه»، قالت: فلمَّا قضى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مقالتَه، قلَصَ دَمْعي حتى ما أُحِسُّ منه قطرةً، فقلتُ لأبي: أجِبْ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عنِّي فيما قال، فقال أبي: واللهِ، ما أدري ما أقولُ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ لأُمِّي: أجيبي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت أُمِّي: واللهِ، ما أدري ما أقولُ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ - وأنا جاريةٌ حديثةُ السِّنِّ لا أقرأُ مِن القرآنِ كثيرًا -: إنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ؛ لقد سَمِعْتُم هذا الحديثَ حتى استقَرَّ في أنفُسِكم، وصدَّقْتُم به، فلَئِنْ قلتُ لكم: إنِّي بريئةٌ، لا تُصدِّقوني، ولَئِنِ اعترَفْتُ لكم بأمرٍ، واللهُ يَعلَمُ أنِّي منه بريئةٌ؛ لَتُصدِّقُنِّي، فواللهِ، لا أجدُ لي ولكم مثَلًا إلا أبا يوسُفَ حينَ قال: {فَصَبْرٞ ‌جَمِيلٞۖ ‌وَاْللَّهُ اْلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثم تحوَّلْتُ واضطَجَعْتُ على فِراشي، واللهُ يَعلَمُ أنِّي حينئذٍ بريئةٌ، وأنَّ اللهَ مُبَرِّئي ببراءتي، ولكنْ واللهِ ما كنتُ أظُنُّ أنَّ اللهَ مُنزِلٌ في شأني وَحْيًا يُتلَى، لَشأني في نفسي كان أحقَرَ مِن أن يَتكلَّمَ اللهُ فيَّ بأمرٍ، ولكنْ كنتُ أرجو أن يَرى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبرِّئُني اللهُ بها، فواللهِ، ما رامَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَجلِسَه، ولا خرَجَ أحدٌ مِن أهلِ البيتِ حتى أُنزِلَ عليه، فأخَذَه ما كان يأخُذُه مِن البُرَحاءِ، حتى إنَّه لَيَتحدَّرُ منه مِن العَرَقِ مِثْلُ الجُمَانِ وهو في يومٍ شاتٍ مِن ثِقَلِ القولِ الذي أُنزِلَ عليه، قالت: فسُرِّيَ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو يَضحَكُ، فكانت أوَّلَ كلمةٍ تكلَّمَ بها أن قال: «يا عائشةُ، أمَّا اللهُ فقد برَّأَكِ»، قالت: فقالت لي أُمِّي: قُومِي إليه، فقلتُ: واللهِ لا أقُومُ إليه؛ فإنِّي لا أحمَدُ إلا اللهَ عز وجل.

قالت: وأنزَلَ اللهُ تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ جَآءُو بِاْلْإِفْكِ عُصْبَةٞ مِّنكُمْۚ} [النور: 11] العَشْرَ الآياتِ، ثم أنزَلَ اللهُ هذا في براءتي.

قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ - وكان يُنفِقُ على مِسطَحِ بنِ أُثَاثةَ؛ لقَرابتِه منه وفقرِه -: واللهِ، لا أُنفِقُ على مِسطَحٍ شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشةَ ما قال؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُواْ اْلْفَضْلِ مِنكُمْ} [النور: 22] إلى قولِه: {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [النور: 22]، قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ: بلى واللهِ إنِّي لَأُحِبُّ أن يَغفِرَ اللهُ لي، فرجَعَ إلى مِسطَحٍ النَّفقةَ التي كان يُنفِقُ عليه، وقال: واللهِ، لا أنزِعُها منه أبدًا.

قالت عائشةُ: وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سألَ زَيْنَبَ بنتَ جَحْشٍ عن أمري، فقال لزَيْنَبَ: ماذا عَلِمْتِ أو رأَيْتِ؟ فقالت: يا رسولَ اللهِ، أَحْمي سمعي وبصَري، واللهِ، ما عَلِمْتُ إلا خيرًا، قالت عائشةُ: وهي التي كانت تُسامِيني مِن أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فعصَمَها اللهُ بالوَرَعِ، قالت: وطَفِقَتْ أختُها حَمْنةُ تُحارِبُ لها، فهلَكتْ فيمَن هلَكَ.

قال ابنُ شهابٍ: فهذا الذي بلَغَني مِن حديثِ هؤلاء الرَّهْطِ، ثم قال عُرْوةُ: قالت عائشةُ: واللهِ، إنَّ الرَّجُلَ الذي قِيلَ له ما قِيلَ ليقولُ: سُبْحانَ اللهِ! فوالذي نفسي بيدِه، ما كشَفْتُ مِن كَنَفِ أُنْثَى قطُّ، قالت: ثم قُتِلَ بعد ذلك في سبيلِ اللهِ». أخرجه البخاري (٤١٤١).

* قوله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمْ عَلَى اْلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَاۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اْللَّهَ مِنۢ بَعْدِ إِكْرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [النور: 33]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «كان عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلُولَ يقولُ لجاريةٍ له: اذهَبي فابغِينا شيئًا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {وَلَا تُكْرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمْ عَلَى اْلْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَاۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اْللَّهَ مِنۢ بَعْدِ إِكْرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} [النور: 33]». أخرجه مسلم (٣٠٢٩).

* قوله تعالى: {وَعَدَ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اْلْأَرْضِ كَمَا اْسْتَخْلَفَ اْلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اْلَّذِي اْرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنٗاۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ} [النور: 55]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه المدينةَ، وآوَتْهم الأنصارُ؛ رمَتْهم العرَبُ عن قوسٍ واحدةٍ، كانوا لا يَبِيتون إلا بالسِّلاحِ، ولا يُصبِحون إلا فيه، فقالوا: تَرَوْنَ أنَّا نعيشُ حتى نكونَ آمِنِينَ مطمئنِّينَ لا نخافُ إلا اللهَ؛ فنزَلتْ: {وَعَدَ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ اْلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اْلْأَرْضِ كَمَا اْسْتَخْلَفَ اْلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اْلَّذِي اْرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنٗاۚ} إلى {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ} يعني: بالنِّعْمةِ، {فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ اْلْفَٰسِقُونَ} [النور: 55]». أخرجه الحاكم (3512).

* قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَى اْلْأَعْمَىٰ حَرَجٞ} [النور: 61]:

عن عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان المسلمون يَرغَبون في النَّفيرِ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فيَدفَعون مفاتيحَهم إلى ضَمْنَاهم، ويقولون لهم: قد أحلَلْنا لكم أن تأكلوا ما أحبَبْتم، فكانوا يقولون: إنَّه لا يَحِلُّ لنا؛ إنَّهم أَذِنوا مِن غيرِ طِيبِ نفسٍ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّيْسَ عَلَى اْلْأَعْمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى اْلْأَعْرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى اْلْمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ} [النور: 61] إلى قولِه: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ} [النور: 61]». "الصحيح المسند من أسباب النزول" (170).

* سورة (النُّور):

سُمِّيتْ سورة (النُّور) بذلك؛ لذِكْرِ النُّور فيها، وقد تكرَّر فيها سبعَ مرات، وفيها آيةُ (النُّور).

* ورَد في سورة (النُّور) كثيرٌ من الأحكام؛ لذا جاء في فضلها:

عن أبي وائلٍ رحمه الله، قالَ: «قرَأَ ابنُ عباسٍ سورةَ (النُّورِ)، ثمَّ جعَلَ يُفسِّرُها، فقال رجُلٌ: لو سَمِعتْ هذا الدَّيْلَمُ، لأسلَمتْ». " فتح الباري" لابن حجر (٧‏/١٢٦).

وعن مجاهدِ بن جَبْرٍ المكِّيِّ رحمه الله، قال: «علِّموا رجالَكم سورةَ (المائدةِ)، وعلِّموا نساءَكم سورةَ (النُّورِ)». أخرجه البيهقي (٢٤٢٨).

تضمَّنتْ سورةُ (النُّور) الموضوعات الآتية:

1. الزِّنا والأحكام المتعلقة به (١-١٠).

2. حادثة (الإفك) (١١-٢٦).

3. آداب اجتماعية (٢٧-٣٤).

4. نور الإيمان، وظلام الكفر (٣٥-٤٠).

5. مِن آثار قدرة الله وعظمته (٤١-٤٦).

6. المنافقون لم ينتفعوا بآيات الله (٤٧-٥٤).

7. جزاء الطاعة في الدنيا والآخرة (٥٥-٥٧).

8. آداب الاستئذان داخل البيت (٥٨-٦٠).

9. الأكل من بيوت الأقارب (٦١).

10. أدب المؤمن مع الرسول عليه السلام (٦٢-٦٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /172).

تضمَّن اسمُ السورة مقصدَها؛ وهو أنه تعالى شامل العلمِ، اللازمِ منه تمامُ القدرة، اللازم منه إثباتُ الأمور على غاية الحِكمة، اللازم منه تأكيدُ الشَّرف للنبي صلى الله عليه وسلم، اللازم منه شَرَفُ من اختاره سبحانه لصُحْبتِه، على منازلِ قُرْبِهم منه، واختصاصهم به، اللازم منه غايةُ النزاهة والشَّرف والطهارة لأمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، التي مات صلى الله عليه وسلم وهو عنها راضٍ، ثم ماتت هي رضي الله عنها صالحةً محسنة، وهذا هو المقصود بالذات، ولكن إثباته محتاجٌ إلى تلك المقدِّمات.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /310).