يقبحها بذلك.
قَالَ محمدٌ: الشَّيْء إِذا استقبح يُقَال: كَأَنَّهُ وجهُ شَيْطَان، وَكَأَنَّهُ رَأس شَيْطَان، والشيطان لَا يُرَى، وَلكنه يستشعر أَنَّهُ أقبح مَا يكون من الْأَشْيَاء لَو نظر إِلَيْهِ، وَهَذَا كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس.
(أَيَقْتُلُنِي وَالمَشْرَفيُّ مُضَاجِعِي وَسُمْر القَنَا حَوْلي كَأَنْيَابِ أَغْوَالِ)
62
وَلم يَرَ الغُولَ وَلَا نَابَهَا.
63
﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا من حميم﴾ أَي: لمزاجًا من حميم، وَهُوَ المَاء الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ من حَرِّه.
قَالَ محمدٌ: (الشّوبُ) المصدرُ، و (الشّوبُ) الِاسْم؛ الْمَعْنى: إِن لَهُم عَلَى أكلهَا لخلْطًا ومزَاجًا من حميم.
﴿فهم على آثَارهم يهرعون﴾ يُسْرعون.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: هُرِعَ الرّجل وأُهرِعَ إِذا اسْتُحِثَّ وأسْرع.
﴿وَلَقَد أرسلنَا فيهم﴾ فِي الَّذين قبلهم ﴿منذرين﴾ يَعْنِي: الرُّسُل
﴿فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ﴾ أَي: كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار.
تَفْسِير سُورَة الصافات الْآيَات من آيَة ٧٥ إِلَى آيَة ٩٤.
﴿وَلَقَد نادانا نوح﴾ يَعْنِي: حَيْثُ دَعَا عَلَى قومه
﴿فلنعم المجيبون﴾ لَهُ
63
﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ يَعْنِي: الْغَرق.
﴿وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ﴾ فَالنَّاس كلهم ولد سَام وَحَام وَيَافث
﴿وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ يَعْنِي: أبقينا لَهُ الثّناءَ الْحَسَن
﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ يَعْنِي: مَا كَانَ بعد نوحٍ.
﴿وَإِن من شيعته لإِبْرَاهِيم﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: عَلَى منهاجه وسُنَّته
﴿إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ من الشّرك
﴿أئفكا﴾ كذبا ﴿آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ أَيْ قَدْ فَعَلْتُمْ؛ فعبدتموهم دونه
﴿فَمَا ظنكم بِرَبّ الْعَالمين﴾ أَي: مُعَذِّبكُمْ
﴿فَنظر نظرة فِي النُّجُوم﴾ فِي الْكَوَاكِب
﴿فَقَالَ إِنِّي سقيم﴾ أَي: مطعون
﴿ فتولوا عنه مدبرين( ٩٠ ) ﴾ إلى عيدهم ؛ وذلك أنهم استتبعوه لعيدهم- في تفسير الكلبي- فعصب رأسه، وقال : إني رأيت الليلة في النجوم أني سأطعن غدا ! وكانوا ينظرون في النجوم، فقال لهم هذا كراهية منه للذهاب معهم ولما أراد أن يفعل بآلهتهم كادهم بذلك.
﴿فتولوا عَنهُ مُدبرين﴾ إِلَى عيدهم؛ وَذَلِكَ أَنهم استتبعوه لعيدهم - فِي تَفْسِير الْكَلْبِيّ - فعصب رَأسه، وَقَالَ: إِنِّي رأيتُ اللَّيْلَة فِي النُّجُوم أَنِّي سأطعن غَدا! وَكَانُوا ينظرُونَ فِي النُّجُوم، فَقَالَ لَهُم هَذَا كَرَاهِيَة مِنْهُ للذهاب مَعَهم، وَلما أَرَادَ أَن يفعل بآلهتهم كادهم بذلك
﴿فرَاغ عَلَيْهِم﴾ أَي: مَال عَلَى آلِهَتهم ﴿ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾ فَكَسرهَا إِلَّا كَبِيرهمْ، وَقد مضى تَفْسِيره فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء
﴿فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ﴾ إِلَى إِبْرَاهِيم
﴿يزفون﴾ أَي يبتدرونه.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (يزفون) بِفَتْح الْيَاء وَتَشْديد الْفَاء فَالْمَعْنى: يسرعون وَأَصله من: زَفِيفِ النَّعَام، يُقَال: زفَّت النعامُ تَزِفُّ زفيفًا، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: أزفت زفافا.
64
تَفْسِير سُورَة الصافات من آيَة ٩٥ إِلَى آيَة ١٠٢
65
﴿قَالَ﴾ لَهُم إِبْرَاهِيم ﴿أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ﴾ يَعْنِي: أصنامهم
﴿وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ أَي: خَلقكُم وَخلق ذَلكَ الَّذِي تنحتون بِأَيْدِيكُمْ
﴿قَالُوا ابْنُوا لَهُ بنيانا﴾ يَقُوله بعضُهم لبَعض ﴿فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيم﴾ أَي: فِي النَّار؛ فَجمعُوا الْحَطب زَمَانًا، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّار
﴿فأرادوا بِهِ كيدا﴾ بحرقهم إِيَّاه ﴿فجعلناهم الأسفلين﴾ فِي النَّار
﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سيهدين﴾ يَعْنِي: سيهديني الطَّرِيق، هَاجر من أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ
[﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ يُرِيد: ولدا تقيا صَالحا
﴿فبشرناه بِغُلَام حَلِيم﴾ يُرِيد إِسْمَاعِيل]
﴿فَلَمَّا بلغ مَعَه السَّعْي﴾ [يُرِيد الْعَمَل لله - تَعَالَى - وَهُوَ الِاحْتِلَام]، تَفْسِير الْحَسَن يَعْنِي: سعي الْعَمَل وَقيام الْحجَّة.
[
﴿قَالَ﴾ إِسْمَاعِيل
﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمر﴾ يُرِيد مَا أوحى إِلَيْك رَبك
﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين﴾ على بلَاء الله.
65
تَفْسِير سُورَة الصافات من آيَة ١٠٣ إِلَى آيَة ١١٣.
66
﴿فَلَمَّا أسلما﴾ يُرِيد إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل، يُرِيد: أسلم إِبْرَاهِيم طَوْعًا لله - تبَارك وَتَعَالَى - أَن يذبح ابْنه وبكره وواحده؛ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي التَّوْرَاة: (جادلني) بكره وواحده. وَأسلم إِسْمَاعِيل نَفسه لله]؛ أَي استسلما لأمر اللَّه، رَضِي إِبْرَاهِيم بِذبح ابْنه، وَرَضي ابْنه بِأَن يذبحه أَبُوهُ ﴿وَتَلَّهُ للجبين﴾ (ل ٢٨٩) أَي: أضجعه؛ ليذبحه وَأخذ الشَّفْرَة وَعَلِيهِ قَمِيص أَبيض قَالَ: يَا أَبَت إِنِّي لَيْسَ لي ثوبٌ تكفنني فِيهِ [غير هَذَا] فاخلعه حَتَّى تكفنني فِيهِ. [﴿وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ يُرِيد: أضجعه عَلَى جنبه إِلَى الأَرْض].
﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صدقت الرُّؤْيَا﴾ . قَالَ يحيى: ناداه بِهِ الْملك من عِنْد اللَّه ﴿أَنْ يَا إِبْرَاهِيم قد صدقت الرُّؤْيَا﴾ بِوَحْي من اللَّه عز وَجل - ﴿إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ﴾ يُرِيد: هَكَذَا نجزي الْمُوَحِّدين
﴿ إنا كذلك نجزي المحسنين( ١٠٥ ) ﴾ يريد : هكذا نجزي الموحدين ].
﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ﴾ [يُرِيد الَّذِي ابتليتك بِهِ عَظِيم أَن تذبح لي بكرك وواحدك] يَعْنِي: النِّعْمَة البيِّنة عَلَيْك من اللَّه؛ إِذْ لم تذبح ابْنك.
قَالَ مُحَمَّد (وناديناه) ذكر بعض الْعلمَاء أَنَّهُ جَوَاب ﴿فَلَمَّا أسلما وتله للجبين﴾ وَالْوَاو زَائِدَة. وَالله أعلم.
قَالَ: ﴿وفديناه بِذبح عَظِيم﴾ [يُرِيد الْكَبْش الَّذِي تقرب بِهِ هابيل ابْن آدم إِلَى اللَّه، فتقبله، وَكَانَ فِي الْجنَّة يرْعَى حَتَّى فدى اللَّه - جلّ ذِكْره - إِسْمَاعِيل] قَالَ مُجَاهِد: أَي متقبّل. قَالَ ابْن عَبَّاس: فَالْتَفت إِبْرَاهِيم؛ فَإِذا هُوَ بكبش أَبيض أقرن فذبحه.
قَالَ يحيى: وَابْنه الَّذِي أَرَادَ ذبحه: قَالَ الْحسن: هُوَ إِسْحَاق.
﴿وَتَركنَا عَلَيْهِ﴾ أبقينا عَلَيْهِ ﴿فِي الآخرين﴾ الثَّنَاء الحَسَن؛ [يُرِيد الذّكر الْحَسَن لإكرامه لإسماعيل، أَلا يذكر من بعده إِلَّا بِخَير إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ أَن إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سُورَة باخع ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين﴾ يَقُول: لَا أذكر فِي جَمِيع الْأُمَم من بعدِي إِلَّا بذكرٍ حسن.
﴿سَلام على إِبْرَاهِيم﴾ فِي الْعَالمين
﴿كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ يُرِيد الْمُوَحِّدين
﴿إِنَّه من عبادنَا الْمُؤمنِينَ﴾ يُرِيد: المصدقين الْمُوَحِّدين
﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ يُرِيد: من صَالح الْأَنْبِيَاء
(وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى
67
إِسْحاَقَ} يُرِيد: عَلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق]
﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا﴾ [يُرِيد: ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق]
﴿مُحْسِنٌ﴾ [يُرِيد: موحدًا، يَعْنِي:] مُؤمن (وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُشْرك [
﴿مُبين﴾ بَين الشّرك.
تَفْسِير الْآيَات من ١١٤ وَحَتَّى ١٢٢ من سُورَة الصافات
68
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ يُرِيد أعطينا مُوسَى وَهَارُون
﴿ونجيناهما وقومهما﴾ يُرِيد بني إِسْرَائِيل الاثْنَي عشر سبطاً ﴿من الكرب الْعَظِيم﴾ يُرِيد: الظُّلم الْعَظِيم
﴿ونصرناهم فَكَانُوا هم الغالبين﴾ يُرِيد: لفرعون
﴿وآتيناهما الْكتاب المستبين﴾ يُرِيد: التَّوْرَاة وَمَا فِيهَا من الْأَحْكَام
﴿وهديناهما﴾ يُرِيد: أرشدناهما ﴿الصِّرَاط الْمُسْتَقيم﴾ يُرِيد: الدّين القويم الْوَاضِح
﴿وَتَركنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخرين﴾ يُرِيد: الثَّنَاء الْحسن
﴿سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ .
﴿إِنَّا كَذَلِك نجزي الْمُحْسِنِينَ﴾ يُرِيد: الْمُوَحِّدين
﴿إنَّهُمَا من عبادنَا الْمُؤمنِينَ﴾ يُرِيد المصدقين بتوحيد الله.
تَفْسِير الْآيَات من ١٢٣ وَحَتَّى ١٣٢ من سُورَة الصافات
﴿وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُون﴾ [يُرِيد: أَلا تخافون]
﴿ إذ قال لقومه ألا تتقون( ١٢٤ ) ﴾ يريد : ألا تخافون.
﴿أَتَدعُونَ بعلا﴾ يُرِيد صنمًا مَا كَانَ لَهُم أَن يعبدوه، يُقَال لَهُ: البعل السَّيِّد.
تَفْسِير الْحَسَن: كَانَ اسْم صَنَمهمْ: بَعْلًا ﴿وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾ .
﴿اللَّه ربكُم وربّ آبائكم الْأَوَّلين﴾ من قَرَأَهَا بِالرَّفْع؛ فَهُوَ كَلَام مُسْتَقْبل، وَمن قَرَأَهَا بِالنّصب؛ فَالْمَعْنى وتذرون أحسن الْخَالِقِينَ اللَّه ربكُم وَرب آبائكم الْأَوَّلين.
﴿فَكَذبُوهُ فَإِنَّهُم لمحضرون﴾ يُرِيد أَنهم لمبعوثون
﴿إِلَّا عباد الله المخلصين﴾ يُرِيد: الَّذين صدقُوا وَأَخْلصُوا لله بِالتَّوْحِيدِ
﴿وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين﴾ يُرِيد: الثَّنَاء الْحسن]
﴿سَلام على إل ياسين﴾ [يُرِيد: إلْيَاس وَمن آمن مَعَه]، من قَرَأَهَا موصوله يَقُولُ هُوَ اسْمه: آل ياسين، وإلياس، ومقرأ الْحَسَن: إلياسين قَالَ: يعنيه وَمن آمن من أمته.
69
تَفْسِير الْآيَات من ١٣٣ وَحَتَّى ١٣٨ من سُورَة الصافات
70
﴿وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ نجيناه وَأَهله أَجْمَعِينَ﴾ يُرِيد بأَهْله: بَنَاته أَجْمَعِينَ]
﴿ إذ نجيناه وأهله أجمعين( ١٣٤ ) ﴾ يريد بأهله : بناته أجمعين.
﴿إِلَّا عجوزا فِي الغابرين﴾ يَعْنِي: الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ [يُرِيد: امْرَأَته، ﴿فِي الغابرين﴾ يُرِيد: الفانين، يُرِيد: بقيت حَتَّى أهلكتها فِيمَن أهلكت وَلم أنجها
﴿ثمَّ دمرنا الآخرين﴾ يُرِيد: دمرت عَلَى من بَقِي، ودمرت عَلَيْهَا مَعَهم]
﴿وانكم﴾ [يَا معشر الْمُشْركين] ﴿لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ﴾ [على مَنَازِلهمْ] ﴿مصبحين﴾ أَي: نَهَارا [يُرِيد: فِي النَّهَار إِلَى الشَّام فِي ذهابكم إِلَى الشَّام، وإقبالكم بِالتِّجَارَة وترون مَا صنعت بهم]
﴿وبالليل﴾ [يُرِيد: تمرون بهم أَيْضا] ﴿أَفَلا تعقلون﴾ يَقُوله للْمُشْرِكين، يُحَذرهُمْ أَن ينزل بهم مَا نزل بهم.
تَفْسِير الْآيَات من ١٣٩ وَحَتَّى ١٤٨ من سُورَة الصافات
﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ ﴿إِذْ أبق﴾ أَي: فرَّ من قومه
﴿إِلَى الْفلك المشحون﴾ يَعْنِي: المُوقَرَ.
قَالَ يحيى: بلغنَا - وَالله أعلم - أَن يُونُس دَعَا قومه إِلَى اللَّه، فَلَمَّا طَال ذَلكَ عَلَيْهِ وأبوا أوحى اللَّه إِلَيْهِ أَن الْعَذَاب يَأْتِيهم يَوْم كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا دنا الْوَقْت تنحى عَنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ قبل الْوَقْت بِيَوْم جَاءَ فَجعل يطوف بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يبكي وَيَقُول: غَدا يأتيكم الْعَذَاب! فَسَمعهُ رجلٌ مِنْهُم، فَانْطَلق إِلَى الْملك
70
فَأخْبرهُ أَن سَمِعَ يُونُس يبكي. وَيَقُول: يأتيكم الْعَذَاب غَدا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلكَ الْملك دَعَا قومه، فَأخْبرهُم بذلك، وَقَالَ: إِن كَانَ هَذَا حقًّا فسيأتيكم الْعَذَاب غَدا، فَاجْتمعُوا حَتَّى نَنْظُر فِي أمرنَا، فَاجْتمعُوا فَخَرجُوا من الْمَدِينَة من الْغَد، فنظروا فَإِذا بِظُلمةٍ وريحٍ شَدِيدَة قد أَقبلت نحوهم، فَعَلمُوا أَنَّهُ الحقُّ، ففرّقوا بَين الصّبيان وأمهاتهم وَبَين الْبَهَائِم وَبَين أمهاتها، ولبسوا الشَّعر وَجعلُوا الرماد وَالتُّرَاب عَلَى رُءُوسهم تواضُعًا لله، وتضرَّعوا إِلَيْهِ وَبكوا وآمنوا، فصرف اللَّه عَنْهُمُ الْعَذَاب، وَاشْترط بعضُهم عَلَى بعضٍ أَلا يكذب أحدُهم كذبة إِلَّا قطعُوا لِسَانه، فجَاء يُونُس من الْغَد فَنظر فَإِذا الْمَدِينَة عَلَى حَالهَا، وَإِذا النَّاس داخلون وخارجون؛ فَقَالَ: أَمرنِي رَبِّي أَن أخبر قومِي أَن الْعَذَاب يَأْتِيهم غَدا فَلم يَأْتهمْ، فَكيف ألقاهم؟
﴿فَانْطَلق حَتَّى أَتَى سَاحل الْبَحْر؛ فَإِذا بسفينة فِي الْبَحْر؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِم فَأتوهُ فَحَمَلُوهُ وَلَا يعرفونه، فَانْطَلق إِلَى نَاحيَة من السَّفِينَة فتقنَّع ورقد، فَمَا مضوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَتْهُم ريحٌ كَادَت السفينةُ تغرق، فَاجْتمع أهلُ السَّفِينَة ودعوا اللَّه ثمَّ قَالُوا: أيقظوا الرجل يَدْعُو مَعنا﴾ فَفَعَلُوا فَدفع اللَّه عَنْهُمْ تِلْكَ الرّيح، ثمَّ انْطلق إِلَى مَكَانَهُ فرقد، فَجَاءَت ريحٌ كَادَت السَّفِينَة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللَّه فارتفعت الرّيح، فتفكر العَبْد الصَّالح فَقَالَ: هَذَا من خطيئتي! أَو كَمَا قَالَ، فَقَالَ لأهل السَّفِينَة (شُدوني) وثاقًا وألقوني فِي الْبَحْر، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل وحالُك حالُك، وَلَكنَّا نقترع فَمن أَصَابَته القرعةُ ألقيناه فِي الْبَحْر، فاقترعوا فأصابته الْقرعَة، فَقَالَ: قد أَخْبَرتكُم. فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل وَلَكِن اقترعوا، فاقترعوا الثَّانِيَة فأصابته الرعة، ثمَّ اقترعوا الثَّالِثَة؛ فأصابته الْقرعَة وَهُوَ قَول اللَّه:
﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ من المدحضين﴾ [يُرِيد: المسهومين] أَي: وَقع السهْم عَلَيْهِ.
71
(ل ٢٩٠) قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فقورع فَكَانَ من المقروعين وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ يحيى، وأصل الْكَلِمَة من قَوْلهم: أدحض اللَّه حُجَّته فدحضتْ؛ أَي: أزالها فَزَالَتْ.
قَالَ يحيى: فَانْطَلق إِلَى صدر السَّفِينَة ليلقي بنفْسه فِي الْبَحْر؛ فَإِذا هُوَ بحوتٍ فاتحٍ فَاه، فَانْطَلق إِلَى ذَنَب السَّفِينَة؛ فَإِذا هُوَ بالحوت فاتحًا فَاه ثمّ جَاءَ إِلَى جَانب السَّفِينَة؛ فَإِذا هُوَ بالحوت فاتحًا فَاه، ثمَّ جَاءَ إِلَى الْجَانِب الآخر، ؛ فَإِذا هُوَ بالحوت فاتحًا فَاه، فَلَمَّا رَأَى ذَلكَ ألْقى نَفسه، فالتقمه الحوتُ، وَهُوَ قَول اللَّه:
﴿فالتقمه الْحُوت وَهُوَ مليم﴾ [يُرِيد: أَن اللَّه كَانَ لَهُ لائمًا حَيْثُ أبق].
قَالَ محمدٌ: يُقَال: قد ألام الرجلُ إلامةً فَهُوَ مليمٌ، إِذا أَتَى مَا يجب أَن يُلَام عَلَيْهِ.: قَالَ يحيى: فَأوحى اللَّه إِلَى الْحُوت أَلا يَأْكُل عَلَيْهِ وَلَا يشرب، وَقَالَ: إِنِّي لم أجعلْه لَك رزقا، وَلَكِنِّي جعلت بَطْنك لَهُ سِجْنًا. فَمَكثَ فِي بطْن الْحُوت أَرْبَعِينَ لَيْلَة
﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَات﴾ كَمَا قَالَ اللَّه:
﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين﴾ والظلمات: ظلمةُ اللَّيْل، وظلمة الْبَحْر، وظلمة بطن الْحُوت، قَالَ اللَّه:
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ الْآيَة، وَقَالَ:
﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ من المسبحين﴾ الْآيَة [يُرِيد: فِي بطن الْحُوت] قَالَ الْحَسَن: أما وَالله
72
مَا هُوَ التَّسْبِيح قبل ذَلكَ، وَلكنه لما التقمه الحوتُ جعل يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّه، سُبْحَانَ اللَّه... وَيَدْعُو اللَّه.
قَالَ يحيى: فَأوحى اللَّه إِلَى الْحُوت أَن يلقيه إِلَى الْبر، وَهُوَ قَوْله:
﴿فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ﴾ [يُرِيد عَلَى سَاحل قَرْيَة من قرى الْموصل يُقَال لَهَا: بَلَد
﴿بالعراء﴾ عُرْيَان قد بلي لَحْمه، وكل شَيْء مِنْهُ، مثل الصَّبِي الْمَوْلُود
﴿وَهُوَ سقيم﴾ يُرِيد الصَّبِي الْمَوْلُود].
قَالَ محمدٌ: العَراء ممدودٌ وَهُوَ الْمَكَان الْخَالِي، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ: عراءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا شجر فِيهِ وَلَا شَيْء يغطيه، وَكَأَنَّهُ من: عَرِيَ الشيءُ، والعَرَى - مقصورٌ -: النَّاحِيَة.
قَالَ يحيى: فأصابته حرارةُ الشَّمْس؛ فأنبت اللَّه عَلَيْهِ شَجَرَة من يَقْطِين - وَهُوَ القرع [تظله بورقها، وَيشْرب من لَبنهَا] فأظلته، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ [وَقَامَ من نَومه] وَقد يَبِسَتْ فَحزن عَلَيْهَا، فأوحَى اللَّه إِلَيْهِ، أحزنت عَلَى هَذِه الشَّجَرَة وَأَرَدْت أَن أهلك مائَة ألف من خلقي [كَمَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -:
﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ يُرِيد أَكثر من مائَة ألف، اللَّه أعلم الْأَكْثَرين مِنْهُم]
﴿أَوْ يزِيدُونَ﴾ أَي: بل يزِيدُونَ.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ: الْمَعْنى: وَيزِيدُونَ، الأَلِفُ صلةٌ زَائِدَة.
73
قَالَ يحيى: وبلغنا أَنهم كَانُوا عشْرين وَمِائَة ألف، فَعلم عِنْد ذَلكَ أَنَّهُ قد ابْتُلِي فَانْطَلق، فَإِذا هُوَ بذود من غنم فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا. فَقَالَ: لَيْسَ هَا هُنَا شاةٌ لَهَا لبنٌ، فَأخذ شَاة مِنْهَا، فَمسح بِيَدِهِ عَلَى ضرْعهَا فدرَّت فَشرب من لَبنهَا؛ فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: من أَنْت يَا عَبْد اللَّه؟! قَالَ: أَنَا يُونُس؛ فَانْطَلق الرَّاعِي إِلَى قومه فبشرهم بِهِ فَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا مَعَه إِلَى مَوضِع الْغنم، فَلم يَجدوا يُونُس؛ فَقَالُوا: إِنَّا شرطنا أَلا يكذب أحدٌ إِلَّا قَطعنَا لِسَانه؛ فتكلمت الشَّاة بِإِذن اللَّه؛ فَقَالَت: قد شرب من لبني. وَقَالَت شَجَرَة - كَانَ استظل تحتهَا -: قد استظلّ بظلي. فطلبوه فأصابوه فَرجع إِلَيْهِم، فَكَانَ فيهم حَتَّى قَبضه اللَّه، وَكَانُوا بِمَدِينَة يُقَال لَهَا: نِينَوَى، من أَرض الْموصل، وَهِي عَلَى دجلة.
74
﴿ إذ أبق ﴾ أي : فر من قومه ﴿ إلى الفلك المشحون( ١٤٠ ) ﴾ يعني : الموقر.
قال يحيى : بلغنا -والله أعلم- أن يونس دعا قومه إلى الله، فلما طال ذلك عليه وأبوا أوحى الله إليه أن العذاب يأتيهم يوم كذا وكذا، فلما دنا الوقت تنحى عنهم، فلما كان قبل الوقت بيوم جاء فجعل يطوف بالمدينة وهو يبكي ويقول : غدا يأتيكم العذاب ! فسمعه رجل منهم، فانطلق إلى الملك فأخبره أنه سمع يونس يبكي. ويقول : يأتيكم العذاب غدا، فلما سمع ذلك الملك دعا قومه، فأخبرهم بذلك، وقال : إن كان هذا حقا فسيأتيكم العذاب غدا، فاجتمعوا حتى ننظر في أمرنا، فاجتمعوا فخرجوا من المدينة من الغد، فنظروا فإذا بظلمة وريح شديدة قد أقبلت نحوهم، فعلموا أنه الحق، ففرقوا بين الصبيان وأمهاتهم وبين البهائم وبين أمهاتها، ولبسوا الشعر وجعلوا الرماد والتراب على رءوسهم تواضعا لله وتضرعوا إليه وبكوا وآمنوا، فصرف الله عنهم العذاب، واشترط بعضهم على بعض ألا يكذب أحدهم كذبة إلا قطعوا لسانه، فجاء يونس من الغد فنظر فإذا المدينة على حالها، وإذا الناس داخلون وخارجون ؛ فقال : أمرني ربي أن أخبر قومي أن العذاب يأتيهم غدا فلم يأتهم، فكيف ألقاهم ؟ ! فانطلق حتى أتى ساحل البحر ؛ فإذا بسفينة في البحر ؛ فأشار إليهم فأتوه فحملوه ولا يعرفونه، فانطلق إلى ناحية من السفينة فتقنع ورقد، فما مضوا إلا قليلا حتى جاءتهم ريح كادت السفينة تغرق، فاجتمع أهل السفينة ودعوا الله ثم قالوا : أيقظوا الرجل يدعو معنا ! ففعلوا فدفع الله عنهم تلك الريح، ثم انطلق إلى مكانه فرقد، فجاءت ريح كادت السفينة تغرق، فأيقظوه ودعوا الله فارتفعت الريح، فتفكر العبد الصالح فقال : هذا من خطيئتي ! أو كما قال، فقال لأهل السفينة شدوني وثاقا وألقوني في البحر، فقالوا : ما كنا لنفعل وحالك حالك، ولكنا نقترع فمن أصابته القرعة ألقيناه في البحر، فاقترعوا فأصابته القرعة، فقال : قد أخبرتكم. فقالوا : ما كنا لنفعل ولكن اقترعوا، فاقترعوا الثانية فأصابته القرعة، ثم اقترعوا الثالثة ؛ فأصابته القرعة.
وهو قول الله :﴿ فساهم فكان من المدحضين( ١٤١ ) ﴾ [ يريد : المسهومين ] أي : وقع السهم عليه.
قال محمد : المعنى : فقورع فكان من المقروعين وهو الذي أراد يحيى، وأصل الكلمة من قولهم : أدحض الله حجته فدحضت ؛ أي أزالها فزالت.
قال يحيى : فانطلق إلى صدر السفينة ليلقي بنفسه في البحر ؛ فإذا هو بحوت فاتح فاه، فانطلق إلى ذنب السفينة ؛ فإذا هو بالحوت فاتحا فاه ثم جاء إلى جانب السفينة ؛ فإذا هو بالحوت فاتحا فاه، ثم جاء إلى الجانب الآخر ؛ فإذا هو بالحوت فاتحا فاه، فلما رأى ذلك ألقى نفسه.
﴿ فالتقمه الحوت وهو مليم( ١٤٢ ) ﴾ [ يريد : أن الله كان له لائما حيث أبق ].
قال محمد : يقال : قد ألام الرجل إلامة فهو مليم، إذا أتى ما يجب أن يلام عليه. قال يحيى : فأوحى الله إلى الحوت ألا يأكل عليه ولا يشرب، وقال إني لم أجعله لك رزقا، ولكني جعلت بطنك له سجنا. فمكث في بطن الحوت أربعين ليلة ﴿ فنادى في الظلمات ﴾ كما قال الله :﴿ أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] والظلمات : ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، قال الله :﴿ فاستجبنا له ﴾ [ الأنبياء : ٨٨ ].
وقال :﴿ فلولا أنه كان من المسبحين( ١٤٣ ). . . ﴾ الآية، [ يريد : في بطن الحوت. قال الحسن : أما والله ما هو التسبيح قبل ذلك، ولكنه لما التقمه الحوت جعل يقول : سبحان الله، سبحان الله، ويدعو الله.
قال يحيى : فأوحى الله إلى الحوت أن يلقيه إلى البر.
قوله :﴿ فنبذناه بالعراء وهو سقيم ﴾ : يريد على ساحل قرية من قرى الموصل يقال لها : بلد، ﴿ بالعراء ﴾ عريان قد بلي لحمه وكل شيء منه، مثل الصبي المولود، ﴿ وهو سقيم ﴾ يريد الصبي المولود.
قال محمد : العراء ممدود وهو المكان الخالي، وإنما قيل له : عراء لأنه لا شجر فيه ولا شيء يغطيه وكأنه من : عري الشيء ؛ والعرى –مقصور- : الناحية.
قال يحيى : فأصابته حرارة الشمس ؛ فأنبت الله عليه شجرة من يقطين -وهي القرع- تظله بورقها، ويشرب من لبنها فأظلته، فنام فاستيقظ وقام من نومه وقد يبست فحزن عليها، فأوحى الله إليه : أحزنت على هذه الشجرة وأردت أن أهلك مائة ألف من خلقي.
قَوْله: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَو يزِيدُونَ﴾ قَالَ الْحَسَن: فَأَعَادَ اللَّه لَهُ الرسَالَة، فآمنوا [يُرِيد: صدقُوا] كلهم
قَالَ اللَّه: ﴿فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ يَعْنِي: إِلَى آجالهم، وَلم يُهْلِكهُمْ.
تَفْسِير الْآيَات من ١٤٩ وَحَتَّى ١٥٣ من سُورَة الصافات
﴿فاستفتهم﴾ [يَا مُحَمَّد، أهل مَكَّة]- يَعْنِي: الْمُشْركين - يَقُولُ: فاسألهم ﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُم البنون﴾ وَذَلِكَ لقَولهم أَن الْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه [يَقُولُ اللَّه سُبْحَانَهُ: أَنى يكون لَهُ ولد، وَقَالَ]
﴿أم خلقنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا﴾
74
[يُرِيد تَسْأَلهُمْ يَا مُحَمَّد: أخلقنا الْمَلَائِكَة إِنَاثًا]؟!
﴿وهم شاهدون﴾ لخَلْقهم [كَمَا قَالَ فِي الزخرف:
﴿وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتهم ويسألون﴾ ].
﴿أَلا إِنَّهُم من إفكهم﴾ كذبهمْ
﴿ليقولون﴾
75
﴿ ألا إنهم من إفكهم ﴾ كذبهم.
﴿ولد الله﴾ أَي: ولد الْبَنَات؛ يعنون: الْمَلَائِكَة
﴿اصطفي﴾ أخْتَار ﴿الْبَنَات على الْبَنِينَ﴾ أَي: لمْ يفعل.
قَالَ محمدٌ: تَفْسِير يحيى يدل عَلَى أَن قِرَاءَته (أصطفى) مَهْمُوز، وَفِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَاف بَين الْقُرَّاء.
تَفْسِير الْآيَات من ١٥٤ وَحَتَّى ١٧٠ من سُورَة الصافات
[﴿مَا لكم كَيفَ تحكمون﴾ يُرِيد: هَكَذَا تحكمون؟! تَجْعَلُونَ لأنفسكم الْبَنِينَ، وتجعلون لله الْبَنَات
﴿أَفلا تذكرُونَ﴾ يُرِيد: تتعظون]
75
﴿أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبين﴾ حجَّة بَيِّنَة.
75
﴿ أم لكم سلطان مبين ﴾ : حجة بينة.
﴿فَأتوا بِكِتَابِكُمْ﴾ الَّذِي فِيهِ حجتكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقين﴾ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ؛ أَيْ: لَيْسَ لكم بذلك حجَّة
﴿وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا﴾ تَفْسِير بَعضهم: يَقُولُ: قَالَ مشركو الْعَرَب: إِنَّه صاهر إِلَى الْجِنّ، وَالْجِنّ صنف من الْمَلَائِكَة، فَكَانَت لَهُ مِنْهُم بَنَات ﴿وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجنَّة إِنَّهُم لمحضرون﴾ [يُرِيد: لمعذبهم عَلَى هَذَا]؛ أَي: مدخلون فِي النَّار
﴿سُبْحَانَ الله﴾ ينزه نَفسه ﴿عَمَّا يصفونَ﴾ [عَمَّا يَقُولُونَ من الْكَذِب] (إِلاَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ. وَهَذَا من مقاديم الْكَلَام وَلَقَدْ علمت الْجنَّة إِنَّهُم لَمُحْضَرُونَ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ
[﴿إِلَّا عباد الله المخلصين﴾ يُرِيد: الْمُوَحِّدين، يُرِيد: أَصْحَاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمن آمن مثلهم].
﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ ﴿ل ٢٩١﴾ الْآيَة، يَقُول: ﴿فَإِنَّكُم﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿وَمَا تَعْبدُونَ﴾ يَعْنِي: مَا عبدُوا [يُرِيد: فَإِنَّكُم وآلهتكم الَّتِي تَعْبدُونَ من دون الله]
﴿مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ على مَا تَعْبدُونَ [﴿بِفَاتِنِينَ﴾ يُرِيد: مَا تقدرون لَا أَنْتُم، وَلَا من تَعْبدُونَ أَن تضلوا أحدا من عبَادي إِلَّا من كَانَ فِي سَابق علمي وقضائي وقدرتي]
﴿إِلاَ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ [يُرِيد: أَنَّهُ قد كَانَ فِي سَابق علمي أَنَّهُ يصلى الْجَحِيم].
قَالَ محمدٌ: الْقِرَاءَة فِي (صَالِ الْجَحِيم) بِكَسْر اللَّام عَلَى معنى: صالي - بِالْيَاءِ - وَالْيَاء محذوفة فِي الْمُصحف.
﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُوم﴾ [يُرِيد: مُنْذُ خلقُوا إِلَى النفخة الأولى، يسبحون اللَّه ويهللونه، ويحمدونه، ويسجدون لَهُ، لَا يعْرفُونَ من يداني عِبَادَتهم وَقَالَت الْمَلَائِكَة: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ أَي: إِلَّا لَهُ مَكَان يعبد اللَّه فِيهِ. هَذَا قَول الْمَلَائِكَة؛ أَي: ينزهون اللَّه، حَيْثُ جعلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا
[﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون﴾ فِي التَّسْبِيح والتهليل وَالتَّكْبِير
﴿وَإِنَّا لنَحْنُ المسبحون﴾ يُرِيد: أَصْحَاب التَّسْبِيح]
﴿وَإِن كَانُوا ليقولون﴾ يَعْنِي [وَإِن كَانَ أهل مَكَّة ليقولون قبل أَن يبْعَث محمدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم]
﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلين﴾ [يُرِيد: قُرْآنًا من لدن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل] أَي: كتابا مثل كتاب مُوسَى وَعِيسَى
﴿لَكنا عباد الله المخلصين﴾ الْمُؤمنِينَ [يُرِيد: التَّوْحِيد]
قَالَ الله: ﴿فَكَفرُوا بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ؛ [يُرِيد: بِمَا جَاءَ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ﴿فَسَوْفَ يعلمُونَ﴾ [تهديدًا].
قَالَ محمدٌ: ذكر قطرب أَن بعض الْقُرَّاء قَرَأَ (مخلِصين) كل مَا فِي الْقُرْآن بِكَسْر اللَّام. قَالَ: وَقَرَأَ بَعضهم كل مَا فِي الْقُرْآن ﴿مخلَصين﴾ ﴿إِنَّه كَانَ مخلَصًا﴾ كل ذَلكَ بِالْفَتْح إِلَّا ﴿مُخلصين لَهُ الدّين﴾ حَيْثُ [وَقع] فَإِنَّهُ مكسور.
تَفْسِير الْآيَات من ١٧١ وَحَتَّى ١٨٢ من سُورَة الصافات
﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُم لَهُم المنصورون﴾ فِي الدُّنْيَا، وبالحجة فِي الْآخِرَة. تَفْسِير الْحَسَن: لمْ يُقْتَلْ من الرُّسُل من أَصْحَاب الشَّرَائِع أحدٌ قطّ.
﴿ إنهم لهم المنصورون ﴾ في الدنيا، وبالحجة في الآخرة. تفسير الحسن : لم يقتل من الرسل من أصحاب الشرائع أحد قط.
[﴿وَإِن جندنا لَهُم الغالبون﴾ يُرِيد: حزبه، مِثْلَمَا قَالَ فِي (قد سمع الله): ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حزب الله هم المفلحون﴾ ].
﴿فتول عَنْهُم حَتَّى حِين﴾ نسختها آيَة الْقِتَال [يُرِيد: الْقَتْل ببدرٍ، وَهُوَ مَنْسُوخ بِآيَة السَّيْف]
﴿وأبصرهم فَسَوف يبصرون﴾ أَي: فَسَوف يرَوْنَ الْعَذَاب [أَيْضا يَقُولُوا: أنْتَظر بهم]
﴿فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ﴾ [أَي: نزل بدارهم] ﴿فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذرين﴾ [يُرِيد: قُرَيْظَة وَالنضير] تَفْسِير الْحَسَن: يَعْنِي: النفخة الأولى؛ بهَا يهْلك اللَّه كفار آخر هَذِه الْأمة
﴿وتول عَنْهُم﴾ [يَا مُحَمَّد] ﴿حَتَّى حِين﴾ إِلَى آجالهم؛ [يُرِيد: يَوْم بدر]، وَهَذَا مَنْسُوخ نسخه الْقِتَال
﴿وَأبْصر﴾ انْتظر ﴿فَسَوف يبصرون﴾ [وعيدًا من اللَّه وتهديدًا، أَي: فَسَوف] يرَوْنَ الْعَذَاب.
﴿سُبْحَانَ رَبك﴾ ينزِّه نَفسه ﴿رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يصفونَ﴾ يكذبُون يَا مُحَمَّد، إِنَّه سيعزك وَأَصْحَابك [يُرِيد: من اتِّخَاذ الْبَنَات وَالنِّسَاء]
الْمُرْسَلِينَ} [الَّذين يبلغون رسالتي وَقَامُوا بديني وحجتي]
79
﴿وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يُرِيد: وَالْحَمْد لله، وَأَنا رب الْعَالمين، يُرِيد الْأَوَّلين والآخرين].
يَحْيَى: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: " سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: بِمَ كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ صَلاتَهُ؟ فَقَالَ: بِهَذِهِ الآيَةِ:
﴿سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين﴾ .
79
تَفْسِير سُورَة ص وَهِي مَكِّيَّة كلهَا
بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
تَفْسِير الْآيَات من ١ وَحَتَّى ٨ من سُورَة ص.
80
سورة الصافات
×
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
سورةُ (الصَّافَّات) من السُّوَر المكِّية، افتُتِحت بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المتصفِ بكلِّ كمال، المُنزَّهِ عن كلِّ نقص، مُبدِعِ العوالِمِ السماوية، وقد تعرَّضتِ السورةُ لإثبات البعث والجزاء وقُدْرة الله تعالى من خلال ذِكْرِ قِصَص الكثير من الأنبياء، مختتمةً بنصرِ الله عزَّ وجلَّ لأوليائه بعد أن بيَّنتْ جزاءَ كلٍّ من الأبرار والكفار في الدَّارَينِ، و(الصَّافَّات) هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.
ترتيبها المصحفي
37
نوعها
مكية
ألفاظها
865
ترتيب نزولها
56
العد المدني الأول
182
العد المدني الأخير
182
العد البصري
181
العد الكوفي
182
العد الشامي
182
* سورة (الصَّافَّات):
سُمِّيت سورةُ (الصَّافَّات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بالقَسَمِ الإلهيِّ بهذا اللفظ، و(الصَّافَّات): هم جموعُ الملائكة الذين يعبُدون اللهَ في صفوف.
ما تعلق بها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورةَ (الصَّافَّات) في صلاة الفجر:
عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «إن كان رسولُ اللهِ ﷺ لَيؤُمُّنا في الفجرِ بـ: {اْلصَّٰٓفَّٰتِ} ». أخرجه ابن حبان (١٨١٧).
اشتمَلتْ سورة (الصَّافَّات) على الموضوعات الآتية:
1. إعلان وَحْدانية الله تعالى (١-١٠).
2. إثبات المَعاد (١١-٢١).
3. مسؤولية المشركين في الآخرة (٢٢-٣٧).
4. جزاء الكافرين والمؤمنين (٣٨-٦١).
5. جزاء الظالمين، وألوان العذاب (٦٢-٧٤).
6. عبادُ الله المُخلَصِينَ {إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي اْلْمُحْسِنِينَ}
(٧٥-١٤٨).
7. قصة نُوحٍ ودعاؤه (٧٥-٨٢).
8. قصة إبراهيمَ والذَّبح (٨٣-١١٣).
9. قصة موسى وهارون (١١٤-١٢٢).
10. قصة إلياسَ (١٢٣-١٣٢).
11. قصة لُوطٍ (١٣٣-١٣٨).
12. قصة يونُسَ (١٣٩-١٤٨).
13. مناقشة عقائدِ المشركين (١٤٩-١٧٠).
14. نصرُ جندِ الله تعالى (١٧١- ١٨٢).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /347).
جاءت سورةُ (الصَّافَّات) بإثبات وَحْدانية الله عزَّ وجلَّ، المستحِقِّ للعبادة، المُنزَّه عن كلِّ نقص، المتصِفِ بكلِّ كمال مطلق، المتفرِّدِ بصُنْعِ العوالِمِ السماوية وإبداعها، ويَلزم من هذا الكمال ردُّ العباد ليوم الفصل، وحسابُهم بالعدل.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /409)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (23 /81).