تفسير سورة إبراهيم

تفسير الشافعي

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب تفسير الشافعي
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٢٨٤- قال الشافعي : فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى :﴿ كِتَابٌ اَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ اَلنَّاسَ مِنَ اَلظُّلُمَاتِ إِلَى اَلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمُ إِلَى صِرَاطِ اِلْعَزِيزِ اِلْحَمِيدِ ﴾ وقال :﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾١ وقال :﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ اَلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾٢ وقال :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنَ اَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا اَلْكِتَابُ وَلا اَلاِيـمَانُ وَلَـاكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾٣. ( الرسالة ص : ٢٠. ون أحكام الشافعي : ١/٢١. )
١ - النحل: ٤٤..
٢ - النحل: ٨٩..
٣ - الشورى: ٥٢..
٢٨٥- قال الشافعي : فإن قال قائل : ما الحجة في أن كتاب الله مَحْضٌ بلسان العرب، لا يَخْلِطُهُ فيه غيره ؟ فالحجة فيه كتاب الله، قال الله :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ اِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾١. فإن قال قائل : فإن الرسل قبل محمد كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، وإن محمدا بُعث إلى الناس كافة، فقد يحتمل أن يكون بُعث بلسان قومه خاصة، ويكون على الناس كافة أن يتعلموا لسانه وما أطاقوا منه، ويحتمل أن يكون بُعث بألسنتهم، فهل من دليل على أنه بُعث بلسان قومه خاصة دون ألسنة العجم ؟
فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بدَّ أن يكون بعضهم تبعا لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المُتَّبع على التابع. وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسانُ النبي. ولا يجوز ـ والله أعلم ـ أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرفٍ واحد، بل كل لسان تبعٌ للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه. وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه، قال الله :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ اِلْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ اِلرُّوحُ اَلاَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ اَلْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾٢ وقال :﴿ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ﴾٣ وقال :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ اَلْقُرى وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾٤ وقال :﴿ حمِ وَالْكِتَابِ اِلْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾٥ وقال :﴿ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾٦.
قال الشافعي : فأقام حجته بأن كتابه عربي، في كل آية ذكرناها، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه ـ جل ثناؤه ـ كل لسان غير لسان العرب، في آيتين من كتابه : فقال تبارك وتعالى :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ اَلذِى يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِىٌّ وَهَاذَا لِسَانٌ عَرَبِىٌّ مُّبِينٌ ﴾٧ وقال :﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا اَعْجَمِيَّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتَ ـايَاتُهُ ءَآعْجَمِىٌّ وَعَرَبِىٌّ ﴾٨. ( الرسالة : ٤٥-٤٧. ون أحكام الشافعي : ١/٢٢-٢٣. )
١ - إبراهيم: ٤..
٢ - الشعراء: ١٩٢-١٩٥..
٣ - الرعد: ٣٧..
٤ - الشورى: ٧..
٥ - الزخرف: ١-٣..
٦ - الزمر: ٢٨..
٧ - النحل: ١٠٣..
٨ - فصلت: ٤٤..
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).