تفسير سورة إبراهيم

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ ألر ﴾ ساكن لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي، ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور.
﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ مجازه مستأنف أو مختصر فيه ضمير كقولك : هذا كتاب أنزلناه إليك، وفي آية أخرى :﴿ ألم ذلِكَ الكِتَابُ ﴾ وفي غيرها ما قد أظهر.
﴿ يَسْتَحِبُّونَ الحْيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ ﴾ يختارون.
﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾ يلتمسون، ويحتالون لها عوجاً، مكسور الأول مفتوح الثاني وذلك في الدِّين وَغيره، وفي الأرض مما لم يكن قائماً وفي الحائط وفي الرمح وفي السِّن عَوَجَ وَهو مفتوح الحروف.
﴿ يَسُومُونَكُمْ ﴾ أي يُولُونكم ويَبلونكم.
﴿ وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾ مجازه : وآذَنَكم ربكم، وإذ من حروف الزوائد، وتأذن تفعل من قولهم : أذَنته.
﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهمْ في أَفْوَاهِهِمْ ﴾ مجازه مجاز المثل، وموضعه موضع كفوا عما أمروا بقوله من الحق ولم يؤمنوا به ولم يسلموا، ويقال : رد يده في فمه، أي أمسك إذا لم يجب.
﴿ فَاطِرِ ﴾ أي خالق.
﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾ مجازه : ليغفر لكم ذنوبكم، ومن من حروف الزوائد، وفي آية أخرى :﴿ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾ مجازه : ما منكم أحد، وقال أبو ذُوَيْب :
جَزيتِك ضِعفَ الحبّ لمّا شكوتِه وما إن جزاكِ الضِّعفَ مَن أحدٍ قَبْلِي
أي أحدٌ قبلي.
﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾ أي في ديننا وأهل ملتنا.
﴿ خَافَ مَقَامِي ﴾ مجازه : حيث أُقيمه بين يدي للحساب.
﴿ واسْتَفْتَحُوا ﴾ مجازه : واستنصروا.
عَنود وعَنِيدٍ وعاند كلها، واحد والمعنى جائر عاند عن الحق، قال :
إذا نزلتُ فاجعلاني وَسَطَا إنّي كبير لا أُطيقُ العُنَّدا
﴿ مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ ﴾ مجازه : قُدامه وأمامه، يقال إن الموت من ورائك أي قدامك، وقال :
أتوعدني وراءَ بني رِياحٍ كذبتَ لتَقصُرنَّ يداك دونِي
أي قدام بني رياح وأمامهم، وهم دوني أي بيني وبينك، وقال :
أترجو بني مَروانَ سَمعي وطاعتي وقَوْمي تميم والفَلاةُ ورائيا
وقال :﴿ مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾ والصديد القَيح والدَّم.
﴿ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ﴾ مجازه : مثل أعمال الذين كفروا بربهم كمثل رَمادٍ، وتصديق ذلك من آية أخرى :﴿ أَحْسَنَ كلَّ شَئٍ خَلْقهُ ﴾ مجازه : أحسن كل شئ، وقال حُمَيد بن ثَوْر الهِلالّي :
وطَعْنِي إليك الليلَ حِضنَيْه إنّني لتلك إذا هابَ الهِدانُ فَعولُ
أراد : وطَعْني حِضنَي الليل إليك أولَ الليل وآخرَه، وإذا ثنّوه كان أكثر في كلامهم وأبينَ، قال :
كأن هنداً ثناياها وبَهجتَها يوم التقينا على أَدحال دَبّابِ
أراد : كأن ثنايا هِند وبهجتَها يوم التقينا على أدحال دَبّاب.
﴿ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ يقال : قد عصَف يومُنا وذاك إذا اشتدْت الريح فيه، والعرب تفعل ذلك إذا كان في ظرف صفة لغيره، وجعلوا الصفة له أيضاً، كقوله :
لقد لُمتِنَا يا أم غَيْلانَ في السُّرَى ونُمتِ وما ليل المَطِيِّ بنائمِ
ويقال : يوم ماطر، وليلة ماطرة، وإنما المطر فيه وفيها.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ ﴾ ألم تعلم، ليس رؤية عين.
(إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) جميع تابع، خرج مخرج غائب والجميع غيب.
﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخكُمْ ﴾ أي بمغيثكم، ويقال : استصرخني فأصرخته، أي استعانني فأعنته واستغاثني فأغثته.
﴿ تُؤْتِي أُكْلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾ أي تُخرج تمرتها، والحين ها هنا ستة أشهر أو نحو ذلك.
﴿ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ ﴾ أي استُؤصلت، يقال اجتَثَ الله دابرهم، أي أصلَهم.
﴿ دَارَ البَوَارِ ﴾ أي الهلاك والفناء ويقال بار يبور، ومنه قول عبد الله بن الزِّبَعْرَي :
يا رسولَ المليك إن لساني راتِقٌ ما فتقتُ إذ أنا بورُ
البور والبوار واحد.
﴿ وَجَعَلُوا للهِ أَنْدَاداً ﴾ أي أضداداً، واحدهم نِدّ ونَدِيد، قال رُؤْبة :
تُهدِي رؤوسُ المُتْرَفِين الأندادْ إلى أمير المؤمنين المُمتادْ
﴿ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ ﴾ مجازه : مبايعة فدية، { ولا خلال " : أي مُخالّة خليل، وله موضع آخَر أيضاً تجعلها جميع خلة بمنزلة جلة والجميع جلال وقلة والجميع قلال، وقال :
فيخبره مكانُ النُّون منى*** وما أُعطيتُه عَرقَ الخِلالِ
أي المخالّة.
الفُلْكَ } واحد وجميع وهو السفينة والسفن.
﴿ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ ﴾ والشمس أثنى والقمر ذكر فإذا جُمعا ذكر صفتهما لأن صفة المذكر تغلب صفة المؤنث.
﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ ﴾ { ٣٥ " : جنَبتُ الرجلَ الأمرَ، وهو يَجْنُب أخاه الشرَّ وجنَّبته واحد، وقال :
وتَنفُض مهدَه شفَقاً عليه وتَجْنُبه قَلائصُنَا الصِعابا
وشدّده ذُو الرُّمة فقال :
وشعرٍ قد أَرِقْتُ له غريبٍ أُجنِّبُه المُسانِدَ والمُحالا
﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾ مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقوله : واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة.
﴿ مُهْطِعينَ ﴾ أي مُسرعين، قال الشاعر :
بمُهْطِعٍ سُرُح كأنّ زمامه في رأس جِذع من أَوال مشذَّبُ
وقال :
بمستهطعٍ رَسْلٍ كأنّ جَدِيله بقَيْدُوم رَعْنٍ مِن صُؤَامَ مُمنَّعِ
الرَّسْل الذي لا يكلّفك شيئاً، بقيدوم : قُدَام، رَعن الجبل أنفه، صُؤام : جبل، قال يَزيد بن مُفرّغ الحِمْيَريّ :
بدِجْلةَ دارُهم ولقد أَراهم بدِجْلَةَ مُهطعين إلى السَّماعِ
﴿ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ ﴾ مجازه : رافعي رؤوسهم، قال الشَّمّاخ بن ضرار :
يباكرن العِضاةَ بمُقْنَعاتٍ نَواجذهن كالحِدَأ الوَقيعِ
أي بؤوس مرفوعات إلى العضاه ليتناولن منه والعضاة : كل شجرة ذات شوك ؛ نواجذهن أضراسهن وقال : الحدأ الفأس وأراه : الذي ليس له خلف، وجماعها حدأ، وحدأه الطير، الوقيع أي المرققة المحددة، يقال وقع حديدتك، والمطرقة يقال لها ميقعة، وقال :
أَنفضَ نحوِي رأسه وأَقْنعا كأنَّما أَبْصر شيئاً أَطعما
﴿ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ أي جُوف، ولا عقول لهم، قال حسان ابن ثابت :
أَلا أَبلغ أبا سُفْيان عني فأنت مُجوَّفٌ نَخِبٌ هَواءٌ
وقال :
ولا تك مِن أخذان كل يَراعةٍ هواءٍ كسَقْب البانِ جُوفِ مَكاسِرُهْ
اليَراعة القَصبة، واليراعة هذه الدواب الهَمَج بين البعوض والذبّان، واليَراعة النعامة. قال الراعيّ :
جاؤا بصَكِّهم واحَدبَ أَخرجتْ منه السِياطُ يَراعةٌ إجْفِيلا
أي يذهب فزعاً، كسقب البان عمود البيت الطويل
﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ ﴾ أي ما كان مكرهم لتزول منه الجبال، في قول من كسر لام لتزول الأولى ونصب اللام الآخرة ومن فتح اللام الأولى ورفع اللام الآخرة فإن مجازه المثل كأنه قال : وإن كان مكرهم تزول منه الجبال في المثل وعند من لم يؤمن.
﴿ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ﴾ أي في الأغلال، وواحدها صَفَد والصفَّد في موضع آخر : العطاء وقال الأعْشَى :
تضيفُته يوماً فقرَّب مَقْعدي وأَصفَدني على الزًّمانِة قائِدا
وبعضهم يقول : صفدني.
﴿ سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ ﴾ أي قُمصهم، وواحدها سِربال.
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).