تفسير سورة إبراهيم

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ والمرادُ بأيامِ اللهِ: وَقَائِعُهُ في الأممِ وَحَوَادِثُهُ الشديدةُ الشاملةُ لِلنِّعَمِ وَالنِّقَمِ، أي: عِظْهُمْ بالترغيبِ والترهيبِ وَحَدِّثْهُمْ بما وَقَعَ لهم وَلمَنْ قَبْلَهُمْ من النِّعَمِ والنِّقَمِ ليكونَ ذلك أبلغَ في التأثيرِ.
﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي: جَعَلَ أولئك الأقوامُ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَيْدِيَهُمْ في أفواهِ أَنْفُسِهِمْ لِيَعَضُّوا عليها تَعَجُّبًا، أو تَغَيُّظًا مما جاء به الرسلُ؛ إِذْ كانَ فيه تسفيهُ أَحْلَامِهِمْ.
﴿اسْتَفْتَحُوا﴾ أي طَلَبُوا الفتحَ بِالنُّصْرَةِ عَلَى الأَعْدَاءِ.
﴿صَدِيدٍ﴾ ما يسيلُ مِنْ جَوْفِ أهلِ النارِ وَجُلُودِهِمْ من القيحِ والدَّمِ، وهو في حرارتِه يَشْوِي الوجوهَ ويقطعُ الأمعاءَ.
﴿يَتَجَرَّعُهُ﴾ يُسْقَاهُ جُرْعَةً بَعْدَ جُرْعَةٍ.
﴿وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ ولا يَقْدِرُ عَلَى ابْتِلَاعِهِ إلا بعد إبطاءٍ لحَرَارَتِهِ وَكَرَاهَتِهِ، والسوغُ: جَرَيَانُ الشَّرَابِ في الحَلْقِ بِسُهُولَةٍ، يقال: سَاغَ الشرابُ في الحلقِ: إذا سَهُلَ انْحِدَارُهُ فيه.
﴿أَجَزِعْنَا﴾ الجَزَعُ: مَرْتَبَةٌ قُصْوَى مِنْ مَرَاتِبِ الحُزْنِ؛ يَصْرِفُ الإنسانَ عما كان يُؤَمِّلُهُ.
﴿مَحِيصٍ﴾ مَصْدرٌ مِيمِيٌّ كالمغيبِ والمشيبِ وهو النجاةُ، يقال: حَاصَ عنه أي: نَجَا مِنْهُ، ويجوز أن يكون اسمَ مَكَانٍ مِنْ حَاصَ أيضًا، أي: ما لنا مَلْجَأ أو مكانٌ نَنْجُو فِيهِ.
﴿بِمُصْرِخِكُمْ﴾ بِمُغِيثِكُمْ.
﴿اجْتُثَّتْ﴾ قُطِعَتْ وَاقْتُلِعَتْ مِنْ أصلها القريبِ من سطحِ الأرضِ، وَأَصْلُ الاجْتِثَاثِ: أَخْذُ الجُثّةِ كُلِّهَا.
﴿دَارَ الْبَوَارِ﴾ يَعْنِي: دَارَ الهَلَاكِ، والبوارُ: الكَسَادُ، وَبَارَتِ السوقُ: إذا كَسَدَتْ، والبُورُ: الأرضُ الخرابُ التي لم تُزْرَعْ، وَبَارَ عَمَلُهُ: بَطَلَ، وَدَارُ البَوَارِ: دارُ الهلاكِ وهي جَهَنَّمُ.
﴿تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ تَمِيلُ إليهم، وَتَأْتِيهُمْ مُسْرِعَةً، أو: تَحِنُّ إليهم، وقيل: تَرْتَفِعُ، وقيل: تَنْزِلُ.
﴿مُهْطِعِينَ﴾ مُسْرِعِينَ إلى الدَّاعِي، وقيل: المُهْطِعُ: الدَّائِمُ النَّظَرِ.
﴿مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ رَافِعِيهَا، وقيل: خَافِضِيهَا من الذِّلَّةِ.
﴿لاَ يَرْتَدُّ﴾ لا يَرْجِعُ.
﴿طَرْفُهُمْ﴾ نَظَرُهُمْ.
﴿هَوَاء﴾ أي: خَالِيَةٌ من العقلِ والفَهْمِ لِفَرْطِ الحيرةِ والدهشةِ، ويقال للجبانِ والأحمقِ: قَلْبُهُ هواءٌ أي: لا قوةَ ولا رأيَ له.
﴿مُقَرَّنِينَ﴾ مَشْدُودِينَ بعضُهم إلى بعضٍ، يقال: قَرَنْتُ الشيءَ بالشيءِ إذا شَدَدْتَهُ معه في رِبَاطٍ وَاحِدٍ.
﴿الأَصْفَادِ﴾ أي الأغلالِ والقيودِ، وَاحِدُهَا صَفَدٌ.
﴿سَرَابِيلُهُم﴾ جَمْعُ سِرْبَالٍ وهو القميصُ.
﴿قَطِرَانٍ﴾ هُوَ القَارُ الأَسْوَدُ والزِّفْتُ، وَيُشْبِهُ المادةَ التي تُطْلَى بها الطّرُقُ الآنَ، وقيل: النُّحَاسُ.
50
سُورة الحِجْرِ
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).