تفسير سورة إبراهيم

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه الجصاص . المتوفي سنة 370 هـ

قوله عز وجل :﴿ تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾. روى أبو ظبيان عن ابن عباس قال :" غدوة وعشية ". وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :" هي النخلة تطعم في كل ستة أشهر "، وكذلك رُوي عن مجاهد وعامر وعكرمة. وروى الليث بن سعد وسليمان بن أبي كثير عن علي قال :" أرى الحين سنة "، وكذلك رُوي عن الحكم وحماد من قولهما، وكذلك رُوي عن عكرمة في رواية من قوله. وقال سعيد بن المسيب :" الحِينُ شهران، من حين تصرم النخل إلى أن تطلع "، وروى عنه أن النخلة لا تكون فيها أُكُلها إلا شهرين، ورُوي عنه أن الحين ستة أشهر. وروى القاسم بن عبدالله عن أبي حازم عن ابن عباس أنه سئل عن الحين فقال :﴿ تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ﴾ : ستة أشهر، ﴿ ليسجننه حتى حين ﴾ [ يوسف : ٣٥ ] : ثلاث عشرة سنة، ﴿ لتعلمن نبأه بعد حين ﴾ [ ص : ٨٨ ] : يوم القيامة. وروى هشام بن حسان عن عكرمة أن رجلاً قال : إن فعلت كذا وكذا إلى حين فغلامه حرّ، فأتى عمر بن عبدالعزيز فسأله، فسألني عنها فقلت : إن مِنَ الحينِ حِينٌ لا يدرك قوله :﴿ وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ﴾ [ الأنبياء : ١١١ ] فأرى أن يمسك ما بين صِرَام النخل إلى حَمْلها ؛ فكأنه أعجبه. وروى عبدالرزاق عن معمر عن الحسن :﴿ تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ﴾ قال :" ما بين ستة الأشهر أو السبعة ".
قال أبو بكر : الحِينُ اسمٌ يقع على وقت مبهم، وجائز أن يراد به وقت مقدَّر، قال الله تعالى :﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ﴾ [ الروم : ١٧ ]، ثم قال :﴿ وحين تظهرون ﴾ [ الروم : ١٨ ]، فهذا على وقت صلاة الفجر ووقت الظهر ووقت المغرب على اختلاف فيه ؛ لأنه قد أريد به فعل الصلاة المفروضة في هذه الأوقات، فصار " حين " في هذا الموضع اسماً لأوقات هذه الصلوات. ويشبه أن يكون ابن عباس في الرواية التي رُويت عنه في الحين أنه غدوة وعشية ذهب إلى معنى قوله تعالى :﴿ حين تمسون وحين تصبحون ﴾ [ الروم : ١٧ ] ؛ ويُطلق ويُراد به أقصر الأوقات، كقوله تعالى :﴿ وسوف يعلمون حين يرون العذاب ﴾ [ الروم : ١٨ ] وهذا على وقت الرؤية وهو وقت قصير غير ممتدّ. ويُطلق ويُراد به أربعون سنة ؛ لأنه رُوي في تأويل قوله تعالى :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر ﴾ [ الفرقان : ٤٢ ] أنه أراد أربعين سنة، والسنة والستة الأشهر والثلاث عشرة سنة والشهران على ما ذكرنا من تأويل السلف للآية كلّه محتمل ؛ فلما كان ذلك كذلك ثبت أن الحِينَ اسمٌ يقع على وقت مُبْهَمٍ وعلى أقصر الأوقات وعلى مُدَدٍ معلومة بحسب قصد المتكلم. ثم قال أصحابنا فيمن حلف أن لا يكلم فلاناً حيناً أنه على ستة أشهر ؛ وذلك لأنه معلوم أنه لم يُرِدْ به أقصر الأوقات، إذ كان هذا القدر من الأوقات لا يُحلف عليه في العادة، ومعلوم أنه لم يُرِدْ به أربعين سنة ؛ لأن من أراد الحلف على أربعين سنة حلف على التأبيد من غير توقيت. ثم كان قوله تعالى :﴿ تُؤْتي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ﴾ لما اختلف السلف فيه على ما وصفنا كان أقصر الأوقات فيه ستة أشهر ؛ لأن من حين الصِّرَامِ إلى وقت أوان الطَّلْعِ ستة أشهر، وهو أوْلى من اعتبار السنة لأن وقت الثمرة لا يمتد سنة بل ينقطع حتى لا يكون فيه شيء، وإذا اعتبرنا ستة أشهر كان موافقاً لظاهر اللفظ في أنها تطعم ستة أشهر وتنقطع ستة أشهر ؛ وأما الشهران فلا معنى لاعتبار من اعتبرهما لأنه معلوم أن من وقت الصّرام إلى وقت خروج الطلع أكثر من شهرين، فإن اعتبر بقاء الثمرة شهرين فإنا قد علمنا أن من وقت خروج الطلع إلى وقت الصرام أكثر من شهرين أيضاً، فلما بطل اعتبار السنة واعتبار الشهرين بما وصفنا ثبت أن اعتبار الستّة الأشهر أوْلى.
سورة إبراهيم
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (إبراهيمَ) مِن السُّوَر المكية، وجاءت هذه السورةُ الكريمة على ذِكْرِ مسائل الاعتقاد، والتوحيد، وآياتِ الله عز وجل في هذا الكونِ، كما دعَتْ إلى اتباع الدِّين الخالص: {مِلَّةَ ‌إِبْرَٰهِيمَ ‌حَنِيفٗاۖ}، وقد سُمِّيتْ باسمه عليه السلام، ودعت إلى اتباع الطريق الحقِّ التي دعا إليها كلُّ الأنبياء، كما أورَدتْ ذِكْرَ الجنة والنار، وحال كلٍّ من الفريقين؛ ترغيبًا في الاتباع والطاعة، وترهيبًا عن المعصية والمخالفة، واحتوت على ذِكْرِ عظمة الله في هذا الكونِ الفسيح؛ تثبيتًا للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومَن والاه.

ترتيبها المصحفي
14
نوعها
مكية
ألفاظها
831
ترتيب نزولها
72
العد المدني الأول
54
العد المدني الأخير
54
العد البصري
51
العد الكوفي
52
العد الشامي
55

* قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]:

عن البَراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عذابِ القَبْرِ، فيقال له: مَن رَبُّك؟ فيقول: رَبِّي اللهُ، ونَبيِّي محمَّدٌ ﷺ؛ فذلك قولُهُ عز وجل: {يُثَبِّتُ اْللَّهُ اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاْلْقَوْلِ اْلثَّابِتِ فِي اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا وَفِي اْلْأٓخِرَةِۖ} [إبراهيم: 27]». أخرجه مسلم (٢٨٧١).

* سورة (إبراهيمَ):

سُمِّيتْ سورة (إبراهيمَ) بذلك؛ لأنها تحدَّثتْ - بشكل رئيسٍ - عن سيدنا (إبراهيمَ) عليه السلام، وعَلاقةِ ذلك بالتوحيد.

جاءت موضوعاتُ سورة (إبراهيم) على النحوِ الآتي:

1. منزلة القرآن الكريم، وحُجِّيته على الناس جميعًا (١-٤).

2. دعوة الرُّسل في الإخراج من الظُّلمات إلى النور (٥-٨).

3. استفتاح الرسل بالنصر على أعدائهم (للدعاة) (٩-١٨).

4. نعيم أهل الجنة، وعذاب أهل النار (١٩- ٣١).

5. عظمة الله في الكون، ونِعَمُه على خَلْقه (٣٢- ٣٤).

6. نبأ إبراهيم عليه السلام في دعوته (٣٥- ٤١).

7. صُوَر من مشاهدِ يوم القيامة (٤٢-٥٢).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /1).

مقصودُ سورة (إبراهيمَ) هو التوحيدُ، وبيانُ أن هذا الكتابَ غايةُ البلاغ إلى الله؛ لأنه كافل ببيان الصراط الدالِّ عليه، المؤدي إليه، وأدلُّ ما فيها على هذا المَرامِ: قصةُ (إبراهيم) عليه السلام.

أما أمرُ التوحيد في قصة (إبراهيم) عليه السلام: فواضحٌ في آيات كثيرة من القرآن، والتوحيدُ هو ملَّةُ (إبراهيمَ) عليه السلام، التي حكَم اللهُ تعالى على مَن رَغِب عنها بقوله: {وَمَن ‌يَرْغَبُ ‌عَن مِّلَّةِ إِبْرَٰهِـۧمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُۥۚ} [البقرة: 130]. وقال الله تعالى في هذه السُّورةِ مبينًا حِرْصَ (إبراهيمَ) عليه السلام على التوحيد: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ اْجْعَلْ هَٰذَا اْلْبَلَدَ ءَامِنٗا وَاْجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ اْلْأَصْنَامَ (35) ​رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرٗا مِّنَ اْلنَّاسِۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّيۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (36)} [إبراهيم: 35-36].

وأما أمرُ الكتاب: فلأنه من جملةِ دعائه لذريتِه الذين أسكَنهم عند البيت المُحرَّم؛ ذريةِ (إسماعيلَ) عليه السلام: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ}[سورة البقرة: 129].

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السُّور" للبقاعي (2 /198).