تفسير سورة الحجر

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الحجر من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لما قال:﴿ هَـٰذَا بَلاَغٌ ﴾[إبراهيم: ٥٢] إلى آخره، بيَّن أنه المكتوب في اللوح المحفوظ فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ﴾: السورة، آياتُ ﴿ ٱلْكِتَابِ ﴾: اللوح الجامع لجميع الكائنات.
﴿ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ ﴾: للرشد من الغيّ، قدَّمَ الكتاب هنا باعتبار الوجود الخارجي، وأخَّر القرآن في النمل باعتبار علمنا به ﴿ رُّبَمَا ﴾: للكثرة من استعارة أحد الضدين للآخر مبالغة.
﴿ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: حين يجتمعون مع العصاة في النار فيقولون لهم: ما أغنى عنكم الإسلام، فيغضب الله عليهم ويخرج العصاة.
﴿ لَوْ ﴾: أن.
﴿ كَانُواْ مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ ﴾: بدنياهم.
﴿ وَيُلْهِهِمُ ﴾: يشغلهم ﴿ ٱلأَمَلُ ﴾: عن الاستعداد للمعاد.
﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾: سوء صنيعهم، نسخت بالقتال ﴿ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ ﴾: ﴿ وَ ﴾ هي.
﴿ لَهَا كِتَابٌ ﴾: أجل.
﴿ مَّعْلُومٌ ﴾: مؤقت لإهلاكها.
﴿ مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾: عنه، فسر مرة، ذكَّر وجمع للمعنى ﴿ وَقَالُواْ ﴾ استهزاءٌ: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ ﴾: القرآن.
﴿ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ * لَّوْ مَا ﴾: هلاَّ.
﴿ تَأْتِينَا بِٱلْمَلائِكَةِ ﴾: ليصدقوكم.
﴿ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: فأجاب الله عنه ﴿ مَا نُنَزِّلُ ٱلْمَلائِكَةَ إِلاَّ ﴾: ملتبسا ﴿ بِٱلحَقِّ ﴾: بالحكمة، ولا حكمة فيه لأنكم تستأصلون، وفي أصلابكم من حكم بإيمانه ﴿ وَمَا كَانُواْ إِذاً مُّنظَرِينَ ﴾: مؤخرين ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾: عن التغيير، فجعلناه معجزة.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾: رسلاً.
﴿ فِي شِيَعِ ﴾: فرق.
﴿ ٱلأَوَّلِينَ * وَمَا ﴾: كان.
﴿ يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾: كقومك.
﴿ كَذَلِكَ ﴾: كإدخال الاستهزاء في قلوب هؤلاء.
﴿ نَسْلُكُهُ ﴾: ندخل الاستهزاء.
﴿ فِي قُلُوبِ ٱلْمُجْرِمِينَ * لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾: بالرسول.
﴿ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ ﴾: الله في.
﴿ ٱلأَوَّلِينَ ﴾: بإهلاك المكذبين.
﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ ﴾: فينظروا إلى الملائكة طول النهار ﴿ لَقَالُواْ ﴾: عناداً.
﴿ إِنَّمَا سُكِّرَتْ ﴾ سُدّتْ بالسحر ﴿ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ ﴾: سحر محمد عقولنا كما قالوه في غيره من المعجزات.
﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا ﴾: خلقنا.
﴿ فِي ٱلسَّمَاءِ بُرُوجاً ﴾: اثني عشر، مختلفة الهيئات والخواص مع حدة حقيقة السماء.
﴿ وَزَيَّنَّاهَا ﴾: بالنجوم.
﴿ لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾: فلا يقدر أن يطلع على أحوالها ﴿ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ ﴾: اختلس سرّاً منها.
﴿ فَأَتْبَعَهُ ﴾: لحقه ﴿ شِهَابٌ ﴾: شعلة نارة ساطعة.
﴿ مُّبِينٌ ﴾: ظاهر للمبصرين، وما ورد أنها بولادة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يقدح بكونها قبلة لجواز كونها بأسباب أُخَر، وورد أنهم منعوا بولادة عيسى عن ثلاث، وبولادة نبينا - صلى الله عليه وسلم - عن البواقي.
﴿ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾: بسطناها.
﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا ﴾: جبالاً.
﴿ رَوَاسِيَ ﴾: ثوابت.
﴿ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا ﴾: في الأرض ﴿ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ ﴾: مُقدّرٌ بمقضَى الحكمة.
﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾: ما تعيشون به.
﴿ وَ ﴾: جعلناكم.
﴿ مَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾: من نحو العيال الذين تظنون أنكم ترزقونهم ﴿ وَإِن ﴾: ما: ﴿ مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ تمثيل لكمال قدرته، شبه قدرته على كل شيء بالخزائن المودعة فيها الأشياء المعدة لإخراج كل شيء بحسب المصلحة.
﴿ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾: اقتضته حكمتنا.
﴿ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ﴾: حوامل بالماء من السحاب، ثم نُجْريها في السحاب حتى تَدُرُّكَدَرِّ اللِّقْحَة أو بمعنى الملاقح، أي: للشجر.
﴿ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ ﴾: جعلناه لكم سُقْيَا.
﴿ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ ﴾ المطر ﴿ بِخَازِنِينَ ﴾: بل هو في خزائننا.
﴿ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ ٱلْوَارِثُونَ ﴾: الباقون بعد فناء الخلق ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ ﴾: من لَدُنْ آدم.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ٱلْمُسْتَأْخِرِينَ ﴾: من سيأتي إلى آخر الدنيا.
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ﴾: للجزاء.
﴿ إِنَّهُ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله.
﴿ عَلِيمٌ ﴾: بالكلِّ ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ ﴾: آدم.
﴿ مِن صَلْصَالٍ ﴾: طين يابس يُصَوِّت إ ذا نُقر، أو طين منتن كائن ﴿ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾: مُصوَّر أو مصبوب أو منتن.
﴿ وَٱلْجَآنَّ ﴾: أبا الجن أو أبليس أو الشياطين.
﴿ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ ﴾: قبل آدم.
﴿ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ ﴾: الحر الشديد، أو نار بلا دخا، وهي بالإضافة إلى نارنا هذه كالجمد إلى الماء، والحجر إلى التراب.
﴿ وَ ﴾: اذكر.
﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلآئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ ﴾: عدَّلت خلقه.
﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ﴾: إضافة تشريف، والنفخ تمثيل لتحصيل ما يحيى به فيه.
﴿ فَقَعُواْ ﴾: اسقطوا ﴿ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ ٱلْمَلاۤئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾: تأكيد آخر لزيادة تمكين المعنى أو يفيد معنى الاجتماع.
﴿ إِلاَّ ﴾: لكن.
﴿ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ ﴾: فسر مرة ﴿ قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا ﴾: أيُّ غرض.
﴿ لَكَ ﴾ في ﴿ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن ﴾: ما صحَّ لي.
﴿ لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾: ولما تكبر ﴿ قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا ﴾: من منزلتك، فسر مرةً ﴿ فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ﴾: مطرود من الخير.
﴿ وَإِنَّ عَلَيْكَ ﴾: تلك.
﴿ ٱللَّعْنَةَ ﴾ المتصلة ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾ حدَّه به، لأنه يناسب أيام التكليف، وأما قوله:﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ ﴾[الأعراف: ٤٤] - الآية " فمعنى آخر ينسى عندها هذه لأنه أبعد غاية يضربُها الناس ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي ﴾: أَخَّرْ أجَلِىْ.
﴿ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾: أراد به أن لايموت.
﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ ﴾: فيه أجلك وهو النفحة فيموت أربعين سنة.
﴿ قَالَ رَبِّ ﴾: أُقسمُ ﴿ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي ﴾: فسر مرة.
﴿ لأُزَيِّنَنَّ ﴾: المعاصي.
﴿ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: الدنيا.
﴿ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾: أخْلصْتَهمْ لطاعتك.
﴿ قَالَ هَذَا ﴾ أي: تخليصهم عنك ﴿ صِرَاطٌ عَلَيَّ ﴾: رعايته.
﴿ مُسْتَقِيمٌ ﴾: لا انحراف عنه، أو هذا الإخلاص طريق عليَّ بلا عوج، وقُدِّمَ أن المخاطبة بواسطة الملك أو نحوه.
﴿ إِنَّ عِبَادِي ﴾: كلهم.
﴿ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ ﴾ تصديق له، والاستثناء يدفعان اشتراط أقلية المستثني من الثاني للزوم التناقض، إلا أن يجعل الثاني منقطعا ﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ ﴾: الغاوين.
﴿ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ﴾: لأنها سبعة أطباق جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية لكل طبقة باب، وسر حصره انحصار المهلكات في الركون إلى المحسوسات والشهوية والغضبية ﴿ لِكُلِّ ﴾: طبقة باب لكل.
﴿ بَابٍ ﴾: منها.
﴿ مِّنْهُمْ ﴾: من أتباعه.
﴿ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ ﴾ له، لأعلاها عصاة الموحدين ثم اليهود ثم النصارى ثم الصابئون ثم المجوس ثم المشركون ثم المنافقون.
﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾: يقال لهم: ﴿ ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ ﴾: سالمين أو مُسَلَّماً عليكم ﴿ آمِنِينَ ﴾ من الزوال.
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾: حقدٍ دنيوي، أو تحاسد على درجات الجنة.
﴿ إِخْوَٰناً ﴾: في المودة.
﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ ﴾: لا ينظر بعضهم قفا الآخر لدوران الأسِرَّة بهم.
﴿ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ﴾: تعبٌ.
﴿ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ ﴾ لم يقل: أني أنا المعذب لرجحان رحمته، ونيه بذكر المغفرة أنه لم يرد بالمتقين من يتقي كل ذنب ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ ﴾ نُسلّم عليكم ﴿ سَلاماً قَالَ ﴾ إبراهيم عبد رد سلامهم: ﴿ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ﴾: ، خائفون، وفسر في هود.
﴿ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ﴾: إسحاق.
﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي ﴾: بالولد.
﴿ عَلَىٰ ﴾: مع.
﴿ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ ﴾: وهو محال.
﴿ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴾: فإنه كبشارة بغير شيء.
﴿ قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِٱلْحَقِّ ﴾: بما يكون لا محالة.
﴿ فَلاَ تَكُن مِّنَ ٱلْقَانِطِينَ ﴾: الآيسين.
﴿ قَالَ ﴾: إبراهيم.
﴿ وَمَن ﴾: لا.
﴿ يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ ٱلضَّآلُّونَ ﴾: أي: هذا مني لم يكن قنوطاً بل استبعاداً عاديّاً.
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ ﴾: شأنكم الذي أرسلتم له ﴿ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ ﴾: علم أن إرسالهمم ليس لمجردها إذ يكفيها واحد كما في عيسى ويحيى، ولأنهم ذكروها في أثناء كلامهم لإزالة الوجل.
﴿ قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴾: قوم لوط.
﴿ إِلاَّ ﴾: لكن.
﴿ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ ٱلْغَابِرِينَ ﴾: الباقين مع الكفرة لتهلك معهم.
﴿ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلُونَ * قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾: أنكركم مخالفة شركم، قالوا: ما جئناك بالشر.
﴿ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ ﴾: أصحابك.
﴿ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾: يشكُّون من العذاب.
﴿ وَآتَيْنَاكَ بِٱلْحَقِّ ﴾: باليقين من عذابهم.
﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * فَأَسْرِ ﴾ اذهب في الليل.
﴿ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ ﴾: في طائفة.
﴿ مِّنَ ٱلَّيلِ وَٱتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ ﴾: سر خلفهم.
﴿ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ﴾: إلى وراءه إذا سمع الصيحة.
﴿ وَٱمْضُواْ ﴾: إلى.
﴿ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴾: وهو الشام.
﴿ وَقَضَيْنَآ ﴾: أوحينا.
﴿ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ ﴾: مُبْهَمٌ يُبيِّنُهُ: ﴿ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلآءِ مَقْطُوعٌ ﴾: أي: يستأصلون ﴿ مُّصْبِحِينَ ﴾ داخلين في الصبح ﴿ وَجَآءَ أَهْلُ ٱلْمَدِينَةِ ﴾ سدوم قرية لوط.
﴿ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾: بأضيافه طمعاً فيهم، ذكر القصة في هود بترتيب الوقوع وهنا أخر ذكرهم عن قول الرُّسل: بل جئناك، مع تقدمه ليستقل الأول ببيان كيفية نصرة الصابرين، والثاني: بمساوئ الأمم ﴿ قَالَ ﴾ لوط: ﴿ إِنَّ هَؤُلآءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ ﴾: بفضحهم ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ ﴾: لا تخجلون ﴿ قَالُواْ أَوَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ ﴾: أن تخبر أحدا من ﴿ ٱلْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلآءِ بَنَاتِي ﴾: تزوجوهنّ ﴿ إِن كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾: قضاء وطركم، فسر مرة.
﴿ لَعَمْرُكَ ﴾: حياتكم يا محمد قسمي ﴿ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾: يتحيرون، المضارع لاستحضار عمههم، أو هذه معترضة في قريش ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ ﴾: الهائلة من جبريل.
﴿ مُشْرِقِينَ ﴾: داخلين في وقت شروق الشمس أي: طلوعها، والإشراق: إضاءةٌ فيها فامتد من طلوع الصبح إليه.
﴿ فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا ﴾: عالي قراهم ﴿ سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ ﴾: فسر مرة.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ﴾ المفترسين ﴿ وَإِنَّهَا ﴾: تلك المدينة.
﴿ لَبِسَبِيلٍ ﴾: طريق.
﴿ مُّقِيمٍ ﴾: تسلكونه وترونه.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ * وَإِن ﴾: إنه.
﴿ كَانَ أَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ ﴾: شَجَرةٌ بقرب مدين، وهم قوم شعيب، أهلك الله أهل الأيكة بالظلة، وأهل مدين بالصيحة.
﴿ لَظَالِمِينَ * فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾: كما مر ﴿ وَإِنَّهُمَا ﴾ سدوم والأيكة.
﴿ لَبِإِمَامٍ ﴾: طريق.
﴿ مُّبِينٍ ﴾: واضح، تسلكونها.
﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ ٱلحِجْرِ ﴾: واد بين المدينة والشام، وهم ثمود، كذكبوا صالحا فأكنهم كذبوا المرسلين كما مر.
﴿ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا ﴾: كالناقة ﴿ فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ ﴾: فاستدلوا على صدقهم ﴿ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ ﴾: من عذاب الله، ظانين أنها تمنع.
﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾: داخلين في الصباح.
﴿ فَمَآ أَغْنَىٰ ﴾: دفع عنهم العذاب.
﴿ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾: من البيوت وغيرها.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ ﴾: خلقاً ملتبساً.
﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾: فَما يدُوْمُ الشّرور [والفساد] ﴿ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ ﴾: فننتقم من المكذبين.
﴿ فَٱصْفَحِ ﴾: أعرض عنهم.
﴿ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ ﴾: بلا جز، نُسخت بالقتال.
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ﴾: لكل شيء.
﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾: بكل حال.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ﴾: الآيات الفاتحة ﴿ ٱلْمَثَانِي ﴾: بيان للسبع من التثنية أو الثناء كما مرَّ في الفاتحة.
﴿ وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ ﴾: عطف الكل على البعض ﴿ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ ﴾: لا تنظر نظر راغبٍ ﴿ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً ﴾: أصنافا.
﴿ مِّنْهُمْ ﴾: من الكفار واستغن بالقرآن.
﴿ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ﴾: إن لم يؤمنوا ﴿ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ ﴾: تواضع.
﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾: كناية عن حسن التبدير والإشفاق من خفض الطائر جناحه على الفروخ وضمها إليه.
﴿ وَقُلْ إِنِّيۤ أَنَا ٱلنَّذِيرُ ٱلْمُبِينُ ﴾: البين بعذاب.
﴿ كَمَآ ﴾: كعذاب.
﴿ أَنْزَلْنَا عَلَى ٱلْمُقْتَسِمِينَ ﴾: الإثنا عشر الذين اقتسموا مداخل مكة في الموسم ينفرون الناس عن محمد - صلى الله عليه وسلم - فأهلكوا يوم بدر وفيه نظر لأن السورة مكية، فالأولى أن يجعل المقتسمين المتقاسمين على إهلاك صالح والمتخالفين مع الأنبياء بجعل مفعول التدبر: ﴿ ٱلَّذِينَ جَعَلُواْ ٱلْقُرْآنَ عِضِينَ ﴾ أجزاء كهانة وسحر أو نحوه والله تعالى أعلم.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾: ومنه اقتسامهم، وأما قوله:﴿ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ ﴾[الرحمن: ٣٩] إلى آخر، ففي موقفٍ آخر، وهو الاستعلام، وهذا للتوبيخ.
﴿ فَٱصْدَعْ ﴾: اجهر ﴿ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾: به من الشرائع.
﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾: خمسة كانوا يُؤْذون النبي - صلى الله عليه وسلم - فأهلكوا سريعاً.
﴿ ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾: عاقبتهم ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ﴾: من الطعن في دينك.
﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾: قُلْ سبحان الله وبحمده، أي: نزِّهه عن مقالتهم حامدا على ما أعطاك.
﴿ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ ﴾: المُصلين ﴿ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ ﴾: دائما.
﴿ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ ﴾: الموت المتيقن اللُّحوق لكل. واللهُ أعلمُ بالصّواب، وإلَيْه المرجعُ والمآب.
سورة الحجر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحِجْرِ) مِن السُّوَر المكية، وقد سعَتْ هذه السورةُ إلى إقامةِ الحُجَّة على الكافرين في سنَّةِ الله في إرسال الرُّسُل، الذين أوضَحوا طريق الحقِّ والهداية ودعَوْا إليه، وبيَّنُوا طريقَ الغَوايةِ وحذَّروا منه، وجاءت هذه السورةُ بأمرٍ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم بالاستمرار في طريق الدعوة، والدَّلالة على الله عز وجل؛ فالله ناصرُه وكافيه: {فَاْصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94].

ترتيبها المصحفي
15
نوعها
مكية
ألفاظها
658
ترتيب نزولها
54
العد المدني الأول
99
العد المدني الأخير
99
العد البصري
99
العد الكوفي
99
العد الشامي
99

سورةُ (الحِجْرِ):

سُمِّيتْ سورةُ (الحِجْرِ) بذلك؛ لذِكْرِ (الحِجْرِ) فيها، ولم يُذكَرْ في أيِّ سورة أخرى.

جاءت موضوعاتُ السورة على النحو الآتي:

1. سُنَّة الله تعالى في إرسال الرسل (١-١٥).

2. إقامة الحُجة على الكافرين (١٦- ٢٥).

3. بيان أصل الغَواية والهِداية (٢٦- ٤٨).

4. مَصارِعُ الغابرين (٤٩-٨٤).

5. الخطاب للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالمُضيِّ في أمرِ الدعوة (٨٥- ٩٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /93).

مِن مقاصدِ السورة: وصفُ الكتاب بأنه في الذِّروة من الجمعِ للمعاني، الموضِّحةِ للحق من غير اختلافٍ أصلًا، وأقرَبُ ما فيها وأمثَلُه وأشبَهُه بهذا المعنى: قصةُ أصحاب (الحِجْرِ).

وكذا مِن مقاصدها: تثبيتُ الرسول صلى الله عليه وسلم، وانتظارُ ساعة النَّصر، وأن يَصفَحَ عن الذين يؤذونه، ويَكِلَ أمرهم إلى الله، ويشتغِلَ بالمؤمنين، وأن اللهَ كافِيهِ أعداءَه.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /20) ، "التَّحرير والتنوير" لابن عاشور (14 /7).