تفسير سورة الحج

تفسير النسائي

تفسير سورة سورة الحج من كتاب تفسير النسائي
لمؤلفه النسائي . المتوفي سنة 303 هـ

قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ ﴾ [٢]٣٥٩- أنا محمدُ بن العلاءِ، أنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:" يقولُ الله تبارك وتعالى لآدم يوم القيامة: يا آدمُ قُم فابعث من ذُريتك بعث النار فيقولُ: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كُلِّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين ويبقى واحدٌ فعند ذلك يشيبُ الصغير ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى/ ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ فشقَّ ذلك على أصحابه، فقالو: يا رسول [الله] من كُلِّ ألفٍ تسعمائةٍ وتسعةً وتسعين ويبقى واحدٌ، فأينا ذلك الواحدُ؟ فدخل منزله ثُم خرج عليهم فقال: من يأجوج ومأجوج ألفٌ ومنكم واحدٌ وأبشروا فإني لأرجوا أن تكونوا رُبع أهل الجنةِ، فكبروا، وحمدوا الله قال: إني لأرجوا أن تكونوا ثُلثَ أهلِ الجنةِ فكبروا وحمدوا [الله، فقال إني لأرجوا الله أن تكونوا نصف أهلِ الجنةِ، فكبروا وحمدوا الله] قال: ما أنتم في الأُمم إلا كالشعرةِ البيضاءِ في الثور الأسود أو كالشعرة السوداءِ في الثور الأبيضِ ". ٣٦٠- أنا محمد بن بشارٍ، نا يحيى، نا هشامٌ، عن قتادة، عن الحسنِ، عن عمران بن حُصينٍ، قال:" كُنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ فتفاوت بين أصحابهِ في السير فرفع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صوتهُ بهاتين الآيتينِ: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [١-٢] فلما سمع بذلك أصحابهُ عرفوا أنه قولٌ يقوله، فقال: " هل تدرون أي يومٍ ذاكم؟ " قالوا: اللهُ ورسولهُ أعلمُ، قال: " ذلك يومٌ يُنادي الله فيه: يا آدم ابعث بعث النارِ، فيقول: يا ربِّ وما بعث النارِ، فيقول: من كُلِّ ألفٍ تسع مائةٍ وتسعةً وتسعين في النار وواحدٌ في الجنة " فأبلس القومُ حتى ما أوضحوا بضاحكةٍ، فلما رأى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم الذي بأصحابه قال: " اعملوا وأبشروا، فوالذي نفسُ محمدٍ بيدهِ إنكم لمع خليقتينِ ما كانتا مع شيءٍ إلا كثَّرتاهُ، يأجوج ومأجوجُ ومن مات من بني آدم وبني إبليس، قال فسُرِّيَ عن القوم بعض الذي يجدون، فقال اعملوا وأبشروا فوالذي نفسُ مُحمدٍ بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامةِ في جنب البعير أو كالرقمةِ في ذراع/ الدَّابة " ".
قوله تعالى: ﴿ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ ﴾ [١٩]٣٦١- أخبرنا محمدُ بن بشارٍ، نا عبدُ الرحمنِ، نا سُفيان، عن أبي هاشمٍ، عن أبي مجلزٍ، عن قيس بن عُبادٍ. قال: سمعتُ أبا ذرٍّ يُقسمُ لقد نزلت هذه الآيةُ ﴿ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ ﴾ في عليٍّ وحمزة وعُبيد بن الحارث وشيبة بن ربيعة وعُتبة بن ربيعة والوليد بن عُتبة اختصموا يوم بدرٍ- خالفهُ سُليمان التَّيميُّ. ٣٦٢- أنا هِلالُ بن بشرٍ، نا يوسفُ بن يعقوب، نا سُليمان التَّيميُّ، عن أبي مجلزٍ، عن قيس بن عُباد، عن عليٍّ عليه السلامُ قال: فينا نزلت هذه الآيةُ في مُبارزتنا يوم بدرٍ ﴿ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ ﴾.
قوله تعالى: ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [٢٣]٣٦٣- أنا محمودُ بن غيلان، نا النَّضرُ بن شُميلٍ، أنا شعبةُ، نا خليفةُ، قال: سمعت عبد الله بن الزُّبير يُحدثُ يخطُبُ فقال: لا تلبسوا الحرير فإنِّي، سمعت عُمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولُ [قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:]" من لبسه في الدُّنيا لم يلبسه في الآخرة "، وقال ابن الزُّبير: إنه من لبسه في الدُّنيا لم يدخل الجنة قال الله تعالى: ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾.
٣٦٤- أنا قتيبة بن سعيدٍ، نا حمادٌ، عن ثابتٍ، قال: سمعتُ عبد الله بن الزُّبير وهو على المنبر يخطبُ يقولُ: قال مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم:" من لبس الحرير في الدُّنيا لم يلبسهُ في الآخرةِ ".
قوله تعالى: ﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾ [٢٩]٣٦٧- أنا قُتيبةُ بنُ سعيدٍ، نا اللَّيثُ، عن أبي الزُّبير، عن جابر عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال:" خيرُ ما رُكبت إليهِ الرَّواحلُ مسجدي هذا والبيتُ العتيقُ ".
ذيل التفسيرقوله تعالى: [ ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾ [٣٦] ]١٩/ ٧٥٤- (عن) أحمد بن سليمان، (عن) حسين بن علي الجُعفي، (عن) زائدة، (عن) منصور، (عن) خالد الحذاء، (عن) أبي قلابة، (عن) أبي الأشعث، عن شداد بن أوس، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن الله عز وجل كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحِدَّ أحدكم إذا ذبح شفرته وليُرح ذبيحته ".
قوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ [ظُلِمُواْ] ﴾ [٣٩]٣٦٥- أنا عبدُ الرحمن بن محمد بن سلامٍ، نا إسحاق الأزرقُ، نا سُفيانُ، عن الأعمش، عن مُسلمٍ، عن سعيد بن جُبيرٍ، عن ابن عباسٍ، قال: خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم من مكة. قال أبو بكرٍ: أَخرجُوا نبيهم إنا للهِ وإنا إليه راجعون لنهلكنَّ فنزلت ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ فعرفتُ أنهُ سيكون قتالٌ. قال: قال ابن عباسٍ: فهي أولُ آية نزلت في القتالِ. ٣٦٦-/ أخبرني زكريا بنُ يحيى، نا محمدُ بنُ يحيى، نا محمدُ بن عبدِ العزيز بنُ أبي رِزمةَ، نا سلمُويه أبو صالحٍ، أنا عبدُ اللهِ، عن يُونس، عن الزهري، قال: فكان أول آية نزلت في القِتالِ كما أخبرني عُروةُ، عن عائشة ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ إلى قولهِ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[الحج: ٤٠] ثُم أُذن بالقتالِ في آيٍ كثيرٍ من القرآنِ.
قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [٤٧]٣٦٨- أنا محمدُ بنُ منصورٍ، نا الأسودُ بن عامرٍ، أنا الثوريُّ، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هُريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:" يدخُلُ فُقراءُ المُسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمس مائة عامٍ، وهو مقدارُ نصف يومٍ ". ٣٦٩- أنا هشامُ بن عمارٍ، نا محمدُ بن شعيبٍ، أنانِي مُعاوية بن سلاَّم أن أخاهُ زيد بن سلاَّمٍ، أخبره، عن أبي سلاَّمٍ أنهُ أخبره قال: أخبرني الحارثُ الأشعريُّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال:" من دعى بدعوى الجاهليةِ فإنهُ من جُثا جهنَّم قال رجلٌ: يا رسول اللهِ وإن صام وصلَّى؟ قال: نعم، وإن صام وصلَّى، فادعوا بدعوى اللهِ التي سمَّاكُمُ اللهُ بها المُسلمين، المؤمنين، عبادَ اللهِ ".
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).