تفسير سورة الحج

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة الحج من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾.
٧٣٣- لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى :﴿ إن زلزلة الساعة شيء عظيم ﴾ قال :( أتدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم يقال لآدم عليه الصلاة والسلام : قم فابعث بعث النار من ذريتك، فيقول : كم ؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة ) قال : فأبلس القوم وجعلوا يبكون وتعطلوا يومهم عن الاشتغال والعمل، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال :( ما لكم لا تعملون ) فقالوا : ومن يشتغل بعمل بعد ما حدثتنا بهذا ؟ فقال :( كم أنتم في الأمم ؟ أين تاويل وشاريت ومنسك وياجوج وماجوج أمم. لا يحصيها إلا الله تعالى : إنما أنتم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود وكالرقمة في ذراع الدابة )١. [ الإحياء : ٤/١٥٨ ]
١ - رواه البخاري في كتاب الأنبياء حديث رقم : ٣٣٤٨ وأخرجه الترمذي من حديث عمران بن حصين وقال: حسن صحيح كتاب أبواب التفسير حديث رقم ٣١٨٠. ٥/١١٤-١١٥..
﴿ خلقناكم من تراب ﴾.
٧٣٤- عنى به الإنسان التوالدي. [ المضنون به على غير أهله ضمن المجموعة رقم ٤ ص : ١٤٠ ].
﴿ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ﴾.
٧٣٥- قال ابن مسعود رضي الله عنه : ما من بلد يؤاخذ فيه العبد بالنية قبل العمل إلا مكة، وتلا قوله تعالى :﴿ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ﴾ [ الإحياء : ١/٢٩٠ ].
٧٣٦- قيل في قوله تعالى :﴿ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ﴾ إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته في الوعيد. [ نفسه : ٢/٨٣ ].
﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ﴾.
٧٣٧- قال قتادة : لما أمر الله عز وجل إبراهيم- صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا وعلى كل عبد مصطفى- أن يؤذن في الناس بالحج نادى : يا أيها الناس إن الله عز وجل بنى بيتا فحجوه. [ نفسه : ١/٢٨٦ ].
﴿ وليشهدوا منافع لهم ﴾.
٧٣٨- قيل : التجارة في الموسم والأجر في الآخر، ولما سمع بعض السلف هذا قال : غفر لهم ورب الكعبة. [ نفسه : ١/٢٨٦ ].
﴿ ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾.
٧٣٩- ﴿ ثم ليقضوا تفثهم ﴾ والتفث : الشعث والاغبرار، وقضاؤه بالحلق وقص الشارب والأظافر. [ نفسه : ١/٣١٢ ].
٧٤٠ قوله تعالى :﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ لا يتناول طواف المحدث الذي نهي عنه لأن النهي عنه لا يكون مأمورا به...
الطواف مشروع بقوله تعالى :﴿ وليطوفوا بالبيت العتيق ﴾ ولكن وقوعه في حالة الحدث مكروه. [ المستصفى : ١/٩٧ ].
﴿ ذلك ومن يعظم شعائر الله ﴾.
٧٤١- قيل في تفسير قوله تعالى :﴿ ذلك ومن يعظم شعائر الله ﴾ إنه تحسينه وتسمينه. [ الإحياء : ١/٣١٣ ].
﴿ وبشر المخبتين ﴾.
٧٤٢- الإخبات : هو الإذعان والانقياد للحق بسهولة. [ روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ١٠٣ ].
﴿ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ﴾.
٧٤٣- أي الصفة التي استولت على القلب حتى حملته على امتثال الأوامر هي المطلوبة. [ الإحياء : ١/١٩٠ ].
٧٤٤- خصص الله تعالى التقوى بالإضافة إلى نفسه فقال تعالى :﴿ لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ﴾ وإنما التقوى عبارة عن كف بمقتضى الخوف. [ نفسه : ٤/٣٨٧ ].
٧٤٥- وهي صفة القلب، فمن هذا الوجه يجب لا محالة أن تكون أعمال القلب على الجملة أفضل من حركات الجوارح، ثم يجب أن تكون النية من جملتها أفضل، لأنها عبارة عن ميل القلب إلى الخير وإرادته له. [ نفسه : ٤/٣٨٧ ].
﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ﴾.
٧٤٦- قرأ ابن عباس رضي الله عنهما :﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ﴾ يعني : الصديقين، والمحدث هو الملهم، والملهم هو الذي انكشف له في باطن قلبه من جهة الداخل لا من جهة المحسوسات الخارجة. [ نفسه : ٣/٢٧ ].
﴿ فتخبت له قلوبهم ﴾.
٧٤٧-الإخبات : هو الإذعان والانقياد للحق بسهولة. [ روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ١٠٣ ].
﴿ ليرزقهم الله رزقا حسنا ﴾.
٧٤٨- قيل في قوله تعالى :﴿ ليرزقهم الله رزقا حسنا ﴾ يعني القناعة. [ نفسه : ص : ١١٨ ].
﴿ وأن الله سميع بصير ﴾.
٧٤٩- أنه تعالى :﴿ سميع بصير ﴾ يسمع ويرى لا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ولا يغيب عن بصره مرئي وإن دق، ولا يحجب سمعه بعد، ولا يدفع رؤيته ظلام، يرى من غير حدقة وأجفان، ويسمع من غير أصمخة وآذان، كما يعلم بغير القلب، ويبطش بغير جارحة، ويخلق بغير آلة، إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق. [ قواعد العقائد في التوحيد ضمن المجموعة رقم ٢ ص : ١٢٦ ].
﴿ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ﴾.
٧٥٠- من الصيغ ما يظن عموما وهي إلى الإجمال أقرب، مثل من يتمسك في إيجاب الوتر بقوله :﴿ وافعلوا الخير ﴾ مصيرا إلى أن ظاهر الأمر الوجوب.
والخير عام، وإخراج ما قام الدليل على نفي وجوبه لا يمنع التمسك به. [ المستصفى : ٢/٨٦ ].
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).