تفسير سورة الحج

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الحج من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

إلّا ستّ آياتٍ:﴿ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ﴾[الحج: ١٩] إلى:﴿ ٱلْحَمِيدِ ﴾[الحج: ٢٤] لمَّا قال: واقترب الوعد الحقُّ إلى أن قال: وإن أدري أقريب أم بعيد... الخ، أمرهم بالتهيؤ له وخوفهم بأهواله فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ﴾: بإطاعته ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ ﴾: للأشياء، إسناد مجازي فإنها من أشراطها، وبعدها طلوعُ الشمس من مغربها، أو هي النفخة الأولى ﴿ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾: أي: حين وجدت، كما دل على أن المعدوْمَ شيءٌ ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا ﴾: الزلزلة ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ ﴾: أي: حال ارتضاعها ﴿ عَمَّآ أَرْضَعَتْ ﴾: دهشة ولو كان للمطلق لكان مرضع ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾: لشدته ﴿ وَتَرَى ٱلنَّاسَ ﴾: كأنهم ﴿ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ ﴾: حقيقة ﴿ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ ﴾: فأدهشهم ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ﴾: دين ﴿ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾: كنضر بن الحارث ﴿ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ ﴾: جني وإنسي ﴿ مَّرِيدٍ ﴾: متجرد للشر، أو عار عن الخير ﴿ كُتِبَ ﴾: قضي ﴿ عَلَيْهِ ﴾: على الشيطان ﴿ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ ﴾: تبعه ﴿ فَأَنَّهُ ﴾: الشيطان ﴿ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ ﴾: يحمله ﴿ إِلَىٰ ﴾: موجبات ﴿ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ ﴾: فانظروا في بدء خلقكم لتعلموا قدرتنا عليه ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ ﴾: كآدم ﴿ ثُمَّ ﴾: ذريته ﴿ مِن نُّطْفَةٍ ﴾: مني ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾: بصير ورتها دما غليظا ﴿ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ ﴾: بصيرورتها كلحم ممضوغ ﴿ مُّخَلَّقَةٍ ﴾: تامة الخلق ﴿ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾: ناقصة ﴿ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾: كمال قدرتنا ﴿ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ ﴾: فلا نسقطه ﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾: وقت الوضع ﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ ﴾: نربيكم ﴿ لِتَبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُمْ ﴾: كمال قوتكم بين ثلاثين وأربعين سنة ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ ﴾: قبل الهرم ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ ﴾: الهرم والخوف ﴿ لْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾: كحال طفوليته ﴿ وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً ﴾: يابسة كالميت ﴿ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ﴾: المطر أو غيره ﴿ ٱهْتَزَّتْ ﴾: تحركت بنباتها ﴿ وَرَبَتْ ﴾: انتفخت وطالت ﴿ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ ﴾: صنف ﴿ بَهِيجٍ ﴾: حسن ﴿ ذٰلِكَ ﴾: الخلق ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾: الثابت الموجد ﴿ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾: فأحيي النطفة والأرض ﴿ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا ﴾: فإن التغير مقدمة الانصرام ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ ﴾: ليجازي الشكور والكفور ﴿ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ﴾: دين ﴿ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾: نظري كأبي جهل ﴿ وَلاَ هُدًى ﴾: دليل ﴿ وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾: دل على جوازه مع الثلاثة. ﴿ ثَانِيَ ﴾: لاوي عنقه إلى ﴿ عِطْفِهِ ﴾: جانب يمينه أو شماله كناية عن التكبير ﴿ لِيُضِلَّ ﴾: متعلق " يجادل " ﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾: كما في بدر ﴿ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴾: المحرق، قائلين ﴿ ذٰلِكَ ﴾: الخزي أو الإذاقة ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلعَبِيدِ ﴾: بين مبسوطا ﴿ * وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ﴾: طرف من الدين كمن على طرف عسكر إن ظفر وإلَّا فَرّ عنه ﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ ﴾: استقر على دينه ﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ﴾: ما يكرهه ﴿ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ ﴾: رجع إلى كفره ﴿ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ * يَدْعُواْ ﴾: يبعد ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ﴾: أصنامهم ﴿ ذٰلِكَ ﴾: الدعاء ﴿ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ ﴾: عن القَصْدِ ﴿ يَدْعُو لَمَنْ ﴾: لا م قسم ﴿ ضَرُّهُ ﴾: بعبادته، وهو عذاب الدارين ﴿ أَقْرَبُ ﴾: وقوعا ﴿ مِن نَّفْعِهِ ﴾: يعني الذي يتوقعه، وهو شفاعته فلا تناقض بين الآيتين ﴿ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ ﴾ الناصر ﴿ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ ﴾: الصاحب، هو ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ﴾: لا يسئل عما يفعل ﴿ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ ﴾: أي: نبيه ﴿ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ ﴾: كبعض المسلمين حين استبطأوا نصره، والكفرة استبطأوا الدوائر عليه ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ ﴾: بحبل ﴿ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ﴾: سقف بيته ﴿ ثُمَّ لْيَقْطَعْ ﴾: ليختنق ﴿ فَلْيَنْظُرْ ﴾: فليتأمل ﴿ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ﴾: من اختناقه ﴿ مَا يَغِيظُ ﴾: غيظه، هذا مثل يقال لمن يريد مالا يمكنه: دونك الحبل فاختنق ﴿ وَكَذٰلِكَ ﴾: الإنزال للآيات السابقة ﴿ أَنزَلْنَاهُ ﴾: القرآن كله ﴿ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ﴾: لحكم ﴿ وَأَنَّ ﴾: لأن ﴿ ٱللَّهَ يَهْدِي ﴾: به ﴿ مَن يُرِيدُ * إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ ﴾: يقضي ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾: بالمجازاة ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾: فيعلم ما يليق بهم ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ ﴾: ينقاد ﴿ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ ﴾: غلب أولي العقل بمن ﴿ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ ﴾: خصها بالذكر لاستبعاده منها، ومن استعمل المشترك في معانيه يعطف، ويحمل سجود كل إلى ما يناسبه، وأما غيره فيجعل ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ﴾: مبتدأ خبره، حق له الثواب الدال عليه ﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ﴾: الكفار الممتنعون من السجود الموقوف على الإيمان، وصح سجود القمرين وسائر الدواب ﴿ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ ﴾: من الإهانة والإكرام
﴿ هَـٰذَانِ ﴾: المؤمن والكافر فوجان ﴿ خَصْمَانِ ﴾: مختصمان ﴿ ٱخْتَصَمُواْ فِي ﴾: دين ﴿ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: منهما ﴿ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ ﴾: كما تقطع الثياب بقدر القامة كناية عن إحاطتها عليهم ﴿ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ ﴾: ماء حار قطرة منه تذيب الجبال ﴿ يُصْهَرُ ﴾: يذاب ﴿ بِهِ ﴾: بالحميم ﴿ مَا فِي بُطُونِهِمْ ﴾: الأمعاء ﴿ وَٱلْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَّقَامِعُ ﴾: سياط ﴿ مِنْ حَدِيدٍ ﴾: لو ضرب بمقمع منها جبل لتفتت ﴿ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا ﴾: من النار بأن تَرميهم إلى أعلاها ﴿ مِنْ غَمٍّ ﴾: غمومها ﴿ أُعِيدُواْ فِيهَا ﴾: بالمقامع.
﴿ وَ ﴾: يقال لهم إهانة: ﴿ ذُوقُواْ عَذَابَ ﴾: النار ﴿ ٱلْحَرِيقِ ﴾: البالغة في الإحراق ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾: هذا فصل خصومتهم ﴿ يُحَلَّوْنَ ﴾: يلبسون الحلي ﴿ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ ﴾: جمع سوار ﴿ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ ﴾:﴿ ٱلْحَـمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي صَدَقَنَا ﴾.
. الآية ]الزمر: [٧٤ ﴿ وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ ﴾: المحمود نفسه أو عاقبته وهو الجنة ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ ﴾: على الاستمرار ﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَ ﴾: عن ﴿ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ﴾: لمناسكهم ﴿ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ ﴾: المقيم ﴿ فِيهِ وَٱلْبَادِ ﴾: الطاريء وكذا فسره بعض بمكة، وكذا ذهب بعض كعمر وابن عباس إلى أنه يجوز لأرباب بيوت مكة منع الحاج عن النزول فيها، واستدل بها الحنفية على منع بيع جورها ويأباه: الذين أخرجوا من ديارهم، وشراء عمر دار السجن فيها بلا نكير ﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ ﴾: مرادا كائنا ﴿ بِإِلْحَادٍ ﴾: بميل عَن القصد، كما يفسره: ﴿ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾: أي: وإن لم يفعلها على مذهب ابن مسعود وبعض والظاهر أن بظلم: صفة مصدر، أي: إرادة ملتبسة بظلم، وهو الإتيان بالمراد، فلا يحتاج إلى تكلفاتهم، ويطابق على مذهب الجمهور والله تعالى أعلم ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ إِذْ بَوَّأْنَا ﴾: عينا ﴿ لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ ﴾: بريح هفافة كنست مكانه، يقال لها الخجوج لا نطماسه بالطوفان، قيل له ﴿ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ ﴾: من الشرك والأقذار ﴿ لِلطَّآئِفِينَ ﴾: حوله ﴿ وَٱلْقَآئِمِينَ ﴾: العاكفين ﴿ لْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ ﴾: المصلين ﴿ وَأَذِّن ﴾: ناد ﴿ فِي ٱلنَّاسِ ﴾: آمرا ﴿ بِٱلْحَجِّ ﴾: فقام على مقامه أو الصفا أو أبي قبيس وقال: إن ربكم اتخذ بيتا فحجوه فأجابه كل من كتب له الحج إلى يوم القيامة وهم في الأصلاب: لبيك اللهم لبيك ﴿ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾: مشاة ﴿ وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ ﴾: بعير مهزول أتبعه السفر، قُدَّمَ الرَّاجلَ لفضله، إذ " للراكب بكل خطوة سبعون حسنة وله سبعمائة من حسنات الحرم، كل حسنة مائة ألف حسنة "، وإبراهيم وإسماعيل حجا ماشيين ﴿ يَأْتِينَ ﴾: أي: الضامر باعتباره معناه ﴿ مِن كُلِّ فَجٍّ ﴾: طريق ﴿ عَميِقٍ ﴾: بعيد ﴿ لِّيَشْهَدُواْ ﴾: يحضروا مَنَافِعَ }: دينية ودنيوية ﴿ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ﴾: عشر ذي الحجة ﴿ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ ﴾: عند ذبح الهدي والضحايا ﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾: إباحة في التطوع ﴿ وَأَطْعِمُواْ ﴾: وجوبا ﴿ ٱلْبَآئِسَ ﴾: صاحب البؤس والشدة ﴿ ٱلْفَقِيرَ ﴾: المحتاج ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُواْ ﴾: ليزيلوا ﴿ تَفَثَهُمْ ﴾: وسخهم، كقص الظفر ونحوه وليؤدوا مناسكهم ﴿ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ ﴾: من البر في حجهم ﴿ وَلْيَطَّوَّفُواْ ﴾: طواف الإفاضة ﴿ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾: القديم أو المعتق من تسلط الجبابرة، وأما الحجاج فإنما جاء لدفع لدفع ابن الزبير -رضي الله عنه-، أو الجند أو الزائر، الأمر ﴿ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ ﴾: أحكامه التي يحرم هتكها ﴿ فَهُوَ ﴾: التعظيم ﴿ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ﴾: ثوابا ﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ﴾: وهو:﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ﴾.
. إلى أخره،]المائدة: ٣[ فلا تحرموا غير ﴿ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ ﴾: " من " بيانية ﴿ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ ﴾: الكذب، كحرمة البحائر ونحوها ﴿ حُنَفَآءَ ﴾: مخلصين ﴿ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ ﴾: سقط ﴿ مِنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾: لسقوطه من أوج الإسلام إلى حضيض الكفر ﴿ فَتَخْطَفُهُ ﴾: تسلبه ﴿ ٱلطَّيْرُ ﴾: فتفرقه في حواصلها، فإن الأهواء توزع أفكاره ﴿ أَوْ تَهْوِي ﴾: تسقط ﴿ بِهِ ٱلرِّيحُ ﴾: حين عصفت به ﴿ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾: بعيد، فإن الشيطان أوقعه في الظلالة والأول: مثل لمن مات كافرا والثاني لمن أمكن إيمانه علة بعد الأمر ﴿ ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ ﴾: دينه أو الهدى المشعرة باختيار أعلاها، أو بتسميتها ﴿ فَإِنَّهَا ﴾: تعظيمها من: أفعال ذوي ﴿ مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا ﴾: في الشعائر ﴿ مَنَافِعُ ﴾: كالدر وغيره ﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾: يوم النحر أو جعلها هديا ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَآ ﴾: منحرها منتهية ﴿ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ﴾: أو عنده، وهو كل الحرم ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ ﴾: أهل دين ﴿ جَعَلْنَا مَنسَكاً ﴾: بالفتح قربانا، وبالكسر موضع نسك ﴿ لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ ﴾: فقط ﴿ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ ﴾: أي: المقصود من المناسك ذكره تعالى ﴿ فَإِلَـٰهُكُمْ ﴾: أنتم ومن قبلكم ﴿ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ ﴾: فقط ﴿ أَسْلِمُواْ ﴾: انقادوا ﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ﴾: الخاشعين المتواضعين ﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾: هيبة ﴿ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴾: يتجدّدُ إنفاقهم في الخير ﴿ وَٱلْبُدْنَ ﴾: جمع بدنة، يعني الإبل لعظم بدنها ﴿ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ ٱللَّهِ ﴾: اعلام دينه ﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ﴾: منافع الدارين ﴿ فَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ﴾: على نحرها ﴿ صَوَآفَّ ﴾: قائمات على ثلاث قوائم معقولة يسرى يدها أو رجلها ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ ﴾: سقطت ﴿ جُنُوبُهَا ﴾: على الأرض بزوال روحها ﴿ فَكُلُواْ مِنْهَا ﴾: إباحة ﴿ وَأَطْعِمُواْ ٱلْقَانِعَ ﴾: المتعفف عن السؤال ﴿ وَٱلْمُعْتَرَّ ﴾: المتعرض له ﴿ كَذٰلِكَ ﴾: كما وصف نحرها قائمة ﴿ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ ﴾: مع عظمها ﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾: نعمنا ﴿ لَن يَنَالَ ٱللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا ﴾: لن يتقبلهما ﴿ وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ ﴾: إخلاص النية ﴿ مِنكُمْ ﴾: فلا تنضحوا الكعبة بلحمها ودمهل تقربا إليه ﴿ كَذٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ ﴾: كرره للتعليل ﴿ لِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ ﴾: لتعظموه شكرا ﴿ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ﴾: إلى التقرب إليه بها ﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾: أعمالهم
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ ﴾: يبالغ في دفع المشركين ﴿ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ ﴾: في أمانة الله ﴿ كَفُورٍ ﴾: لنعمه ﴿ أُذِنَ ﴾: رخص في القتال ﴿ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ﴾: يريدون قتال المشركين ومجهولا ظاهر ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾: بسبب أنهم ﴿ ظُلِمُواْ ﴾: المشهور أنها أول آية في رخصتهم فيه، نسخت سبعا وسبعين آية في نهية، ويشكل بأنها مكية ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم ﴾: مكة ﴿ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾: بلا استحقاق إخراجهم ﴿ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ﴾: مثل. ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم... إلى آخره. ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ﴾: بالجهاد ونحوه ﴿ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ ﴾: للرهبان ﴿ وَبِيَعٌ ﴾: للنصاري ﴿ وَصَلَوَاتٌ ﴾: كنائس اليهود معرب صلوثا بالمثلثة أي: المصلي بالعبرية ﴿ وَمَسَاجِدُ ﴾: للمسلمين ﴿ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً ﴾: أي: لولاه، لهدمت معابد كل الاأمم ﴿ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ﴾: ينصر دينه ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ ﴾: على نصرهم ﴿ عَزِيزٌ ﴾: غالب ﴿ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: البلاد ﴿ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ ﴾: دل على صحة أمر الخلفاء الأربعة، إذ لم يستجمع ذلك غيرهم من المهاجرين ﴿ وَلِلَّهِ ﴾: إليه ﴿ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ ﴾: مرجعها ﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ﴾: رسلهم ﴿ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ ﴾: غير النظم، لأنه ليس من القبط ﴿ فَأمْلَيْتُ ﴾: أمهلت ﴿ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾: إنكاري عليهم بإهلاكهم ﴿ فَكَأَيِّن ﴾: كثيرا ﴿ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ﴾: بإهلاك أهلها ﴿ وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾: أي: أهلها ﴿ فَهِيَ خَاوِيَةٌ ﴾: خالية ﴿ عَلَىٰ ﴾: مع السلامة ﴿ عُرُوشِهَا ﴾: سقوفها، أو ساقطة عليها ﴿ وَ ﴾: من ﴿ بِئْرٍ ﴾: عامرة ﴿ مُّعَطَّلَةٍ ﴾: متروكة الاستسقاء لهلاك أهلها ﴿ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ ﴾: رفيع أو مجصص محكم أخليناه ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: ليتفكروا فيما حل بالأمم ﴿ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ ﴾: ما يجب أن يعقل كالإيمان ﴿ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾: ما يجب سماعه كالتذكير ﴿ فَإِنَّهَا ﴾: القصة ﴿ لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ ﴾: إذ لا خلل في مشاهدتهم ﴿ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ﴾: الصفة للتأكيد ونفي التجوز ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ ﴾: لعمى قلوبهم ﴿ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ ﴾: أي: في تأنيه وحِلْمه أو تمادي عذابه ﴿ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾: أي: عندكم ﴿ وَكَأَيِّن ﴾: كثيرا ﴿ مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا ﴾: بالعذاب، فأمهل ولا أهمل ﴿ وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ ﴾: فأجازي ﴿ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾: خص الإنذار لأن مساق الكلام كان للمشاركين ﴿ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ ﴾: عن فرطاتهم، إذ هم مخلصوا الإيمان ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾: الجنة والكريم كل نوع جامع فضائله ﴿ وَٱلَّذِينَ سَعَوْاْ ﴾: بالتكذيب ﴿ فِيۤ آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ ﴾: ظانين أنهم يسبقونا ﴿ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ * وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ ﴾: بينا في مريم ﴿ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ ﴾: تلا ﴿ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ ﴾: تلاوته، يشغله بخواطر دنيوية ليدخل عليه الوهم والنسيان فيما تلاه وبإدخال سوء التأويل والتحريف ونحوه على أفهام السامعين ﴿ فَيَنسَخُ ﴾: يبطل ﴿ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ﴾: بكشف لبسه ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ ﴾: مراغمة له، كذا فسره الأكثرون أو الشيطان المشركون كانوا يلغون في القرآن لعلهم يغلبون كما سيأتي، فأبطل لغوهم وأثبت القرآن، وأما رواية أنه عليه الصلاة والسلام تلا: والنجم ووصل إلى " ومناة الثالثة الأخرى " فسبق لسانه بوسوسة الشيطان إلى قول تلك الغرانيق العلى، إن شفاعتهن لترتجى، ففرح المشركون وسجدوا معه، ثم نبهه جبريل ونزلت الآية، فمن وضع الزنادقة كما بينه أجله الأئمة، إن اتصل في بعض الروايات إلى ابن عباس فيرده:﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾]النجم: ٣[ وإنه يخل بالمنزل والمنزل غليه على أنه يروى على سبيل الشك ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾: فيما يفعله، تمكن الشيطان منه ﴿ * لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ فِتْنَةً ﴾: ضلالة ﴿ لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾: نفاق ﴿ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾: المشركين ﴿ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ ﴾: الفريقين ﴿ لَفِي شِقَاقٍ ﴾: خلاف ﴿ بَعِيدٍ ﴾: عن الحق ﴿ وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾: القرآن والتوحيد أي: ليزيد علمهم ﴿ أَنَّهُ ﴾: بأن القرآن ﴿ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ﴾: حيث أحكمه ونسخ ملقى الشيطان ﴿ فَيُؤْمِنُواْ ﴾: فيزيد إيمانهم ﴿ بِهِ ﴾: بالقرآن ﴿ فَتُخْبِتَ ﴾: تخشع ﴿ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾: دينه، " ما يوصلهم إلى الحق، وهو الجنة ﴿ وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِرْيَةٍ ﴾: شك ﴿ مِّنْهُ ﴾: من القرآن بسبب هذا الإلقاء ﴿ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ ﴾: القيامة ﴿ بَغْتَةً ﴾: فجأة ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ ﴾: لا ينتجهم خيراً، كبدر أو القيامة ﴿ ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ ﴾: بلا منازع ظاهر ﴿ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ﴾: بالمجازاة ﴿ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيٰتِنَا فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾: أفهم بالفاء أن أعمالهم سبب عقابهم، والأول تفضُّلٌ ﴿ وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوۤاْ ﴾: فيها ﴿ أَوْ مَاتُواْ ﴾: بينا في آل عمران ﴿ لَيَرْزُقَنَّهُمُ ٱللَّهُ رِزْقاً حَسَناً ﴾: الجنة ونعْمَتها ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَلِيمٌ ﴾: بهم ﴿ حَلِيمٌ ﴾: لا يعاجلهم بالعقوبة، الأمر ﴿ ذٰلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ﴾: بلا زيادة، سمي الأول عقابا ازدواجا ﴿ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ ﴾: بعقوبة أخرى ﴿ لَيَنصُرَنَّهُ ٱللَّهُ ﴾: فإنه مظلوم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾: للمنتصر حيث اتبع هواه في الانتقام وما عفى ﴿ ذٰلِكَ ﴾: النصر ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱللَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱللَّيْلِ ﴾: لتعديل أمور خلقه فكيف لا يعدل بينهم ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾: لأقوالهم ﴿ بَصِيرٌ ﴾: بأفعالهم فيجازيهم ﴿ ذٰلِكَ ﴾: الاختصاص بكمال القدرة والعلم ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾: الثابت ألوهيته ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ ٱلْبَاطِلُ ﴾: فلا قدرة له ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ ﴾: لا أعلى ولا أكبر منه
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ ٱلأَرْضُ مُخْضَرَّةً ﴾: دل بالمضارع على البقاء أثر المطر زمانا ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ ﴾: يصل علمه أو لطفه إلى الكل ﴿ خَبِيرٌ ﴾: بالتدابير ﴿ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ ﴾: المستوجب للحمد مطلقاً ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم ﴾: أعد لمنافعكم ﴿ مَّا فِي ٱلأَرْضِ وَٱلْفُلْكَ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ ٱلسَّمَآءَ ﴾: من ﴿ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلأَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾: بمشيئته كما في القيامة، أفهم منع استمساكها بذاتها ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾: فهيأ لهم أسباب الاستدلال ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ﴾: وكنتم ترابا أو نطفة ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾: للفوز ﴿ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ﴾: لنعم ربه ﴿ لِّكُلِّ أُمَّةٍ ﴾: لنبي ﴿ جَعَلْنَا مَنسَكاً ﴾: شريعة ﴿ هُمْ نَاسِكُوهُ ﴾: عالموه ﴿ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ ﴾: أرباب الملل ﴿ فِي ٱلأَمْرِ ﴾: أمر الدين، يعني لا تلتفت إلى منازعتهم فإن المفعول فاعل في أفعال المغالبة ﴿ وَٱدْعُ إِلَىٰ ﴾: عبادة ﴿ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ﴾: موصل ألى الحق ﴿ وَإِن جَادَلُوكَ ﴾: عنادا ﴿ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾: من الجدال فيجازيكم ﴿ ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾: أنت يا محمد مع مجادليك ﴿ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ ﴾: أي: ما فيها ثابت ﴿ فِي كِتَابٍ ﴾: اللوح ﴿ إِنَّ ذٰلِكَ ﴾: الاثبات فيه ﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾: لأن علمه مقتضى ذاته فيستوي تعلقه إلى الكل ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾: حجة سماوية ﴿ وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ ﴾: بدليل عقلي ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ ﴾: أي: لهم ﴿ مِن نَّصِيرٍ ﴾: ينصرهم من نكاله ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾: واضحات الدلالة على الحق ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ ﴾: الإنكار للحق ﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ ﴾: يبطشون ﴿ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ﴾: الغيظ على التالين، هو ﴿ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: أن يطعمها أياهم ﴿ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾: النار ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ ﴾: بين ﴿ مَثَلٌ ﴾: حال مستغربة كالمثل السائر في إشراككم ﴿ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: كالأصنام ﴿ لَن ﴾: يقدروا أن ﴿ يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ ﴾: لخلقه لا يقدرون بل نترقى ونتنزل: ﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ﴾: يختطف منهم ﴿ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً ﴾: مما يلطخونهم به كالطّيْب ﴿ لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ ﴾: عابد الصنم ﴿ وَٱلْمَطْلُوبُ ﴾: معبوده ﴿ مَا قَدَرُواْ ﴾: ما عرفوا ﴿ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾: معرفته، حيث أشركوهم به ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ ﴾: قادر ﴿ عَزِيزٌ ﴾: غالب ﴿ ٱللَّهُ يَصْطَفِي ﴾: يختار ﴿ مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾: ما وقع ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: ما يترقب، فلا يُسْأُل عمَّا يصطفى منهمُ ﴿ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ ﴾: فإنه مالكها ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ ﴾: وصلوا ﴿ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ ﴾: بالعبادات ﴿ وَٱفْعَلُواْ ﴾: من مكارم الأخلاق أمر بخاص ثم عام ثم أعم ﴿ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي ﴾: سبيل الله ﴿ ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾: أي: جهادا فيه حقًّا خالصًا فعكس وأضيف مبالغة ﴿ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ ﴾: اختاركم من الأمم ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾: ضيق بتكليف مالا تطيقون فلا يرد نحو المخاطرة بالنفس والمال في الحج والغزو، والزموا ﴿ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ﴾: لأنه أبو نبينا الذي هو أبو الأمة ﴿ هُوَ ﴾: الله ﴿ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ﴾: في الكتب السماوية ﴿ وَفِي هَـٰذَا ﴾: القرآن ﴿ لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ ﴾: في القيامة بإطاعتكم ﴿ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ﴾: سائر ﴿ ٱلنَّاسِ ﴾: بتبليغ الرسل إليهم ﴿ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ ﴾: شكرا ﴿ وَٱعْتَصِمُواْ ﴾: ثقوا ﴿ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ ﴾: هو ﴿ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ ﴾: هو-والله أعلم.
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).