تفسير سورة الحج

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الحج من كتاب مجاز القرآن المعروف بـمجاز القرآن.
لمؤلفه أبو عبيدة معمر بن المثنى . المتوفي سنة 209 هـ

«سورة الحجّ» (٢٢)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ «الحج» يكسر أوله ويفتح..
«يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ»
(٢) أي تسلو وتنسى، قال كثيرّ عزّة:
صحا قلبه يا عزّ أو كاد يذهل «١»
«٢» [٥٨٩] أي يصحو ويسلو..
«مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ» (٥) أي مخلوقة..
«ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (٥) مجازه أنه فى موضع أطفال والعرب تضع لفظ الواحد فى معنى الجميع قال «٣» :
فى حلقكم عظم وقد شجينا
(٩٩) وقال عبّاس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم فقد برئت من الإحن الصدور
(١٠٠)
(١). - ٤- ٦ «أي... يذهل» : رواه ابن حجر عنه فى فتح الباري ٨/ ٣٢٥.
(٢). - ٥٨٩: صدر بيت تمامه:
وأضحى يريد الصرم أو يتدلل
فى ديوانه ٢/ ٢٨، والكامل للمبرد ص ٤١٨ والطبري ١٧/ ٨٠.
(٣). - ١٠ «قال» : القائل مسيب بن زيد بن مناة الغنوي
وفى آية أخرى «وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ» (٦٦/ ٤) أي ظهراء وقال:
إن العواذل ليس لى بأمير
«١» [٥٩٠] أراد أمراء:.
«أَرْذَلِ الْعُمُرِ» (٥) مجازه أن يذهب العقل ويخرف..
«وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً» (٥) أي يابسة لا نبات فيها ويقال:
ويقال رماد هامد إذا كان يدرس..
«زَوْجٍ بَهِيجٍ» (٥) أي حسن قشيب جديد ويقال أيضا بهج..
«وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ» (٧) أي يجىء..
«ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ» (٩) يقال جاءنى فلان ثانى عطفه أي يتبختر من التكبر «٢» «٣»، قال الشّمّاخ:
(١). - ٥٩٠: عجز بيت مع صدره فى القرطبي ١٢/ ١١ وشواهد المغني ص ١٩١ من غير عزو
(٢). - ١٠- ١١ «يقال... التكبر» : انظر هذا الكلام فى الطبري ١٧/ ٨٤.
(٣). - ٥٩٢: البيت من كلمة فى الأغانى ١٥/ ١١١ وهو مروى هكذا:
ماذا عليك من الوقوف بهامد وإنك غير صاغر.
نبّئت أن ربيعا أن رعى إبلا يهدى إلىّ خناه ثانى الجيد
«١» [٥٩٣] قال أبو زبيد:
فجاءهم يستنّ ثانى عطفه له غيب كأنما بات يمكر
«٢» [٥٩٤].
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ» (١١) كل شاك فى شىء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم «٣» وتقول: إنما أنت لى على حرف، أي لا أثق بك.
«لَبِئْسَ الْمَوْلى» (١٣) مجازه هاهنا ابن العم، «وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ» (١٣) الخليط المعاشر..
«مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ» (١٥) مجازه أن لن يرزقه الله وأن لن يعطيه الله، قال وقف علينا سائل من بنى بكر على حلقة فى المسجد الجامع فقال: من ينصرنى نصره الله أي من يعطينى أعطاه الله «٤» ويقال نصر المطر أرض كذا، أي جادها وأحياها، قال وبيت الراعي:
وانصرى أرض عامر
«٥» [٥٩٥]
(١). - ٥٩٣: ديوانه ص ٢٢ والكامل للمبرد ص ٨ والسمط ص ٢١٤. [.....]
(٢). - ٥٩٤: فى شعراء النصرانية ٢/ ٧٢.
(٣). - ٣- ٤ «كل... يدوم» : روى ابن حجر هذا الكلام عنه فى فتح الباري ٨/ ٣٣٦.
(٤). - ٨- ٩ «قال... أعطاه الله» : قال فى الجمهرة (٢/ ٣٦٠: قال الأصمعى وأبو زيد وقف علينا أعرابى فقال انصروني نصركم الله أي أعطونى.
(٥). - ٥٩٥: قطعة بيت تمامه:
إذا أدبر الشهر الحرام فودعى بلاد تميم وانصرى أرض عامر
فى الجمهرة ٢/ ٣٥٩ واللسان والتاج (نصر).
أي تعمدى، وقال الراعي:
أبوك الذي أجدى علىّ بنصره فانصت عنى بعده كلّ قائل
«١» [٥٩٦] أي بعطيّته وقال:
وإنك لا تعطى امرأ فوق حظه ولا تملك الشقّ الذي الغيث ناصره
«٢» [٥٩٧].
«فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ» (١٥) أي بحبل..
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» (١٧) مجازه: الله يفصل بينهم، و «إن» من حروف الزوائد والمجوس من العجم «وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا» من العرب، وقال آخرون: قد تبدأ العرب بالشيء ثم تحوّل الخبر إلى غيره إذا كان من سببه كقول الشاعر:
فمن يك سائلا عنى فإنى وجروة لا ترود ولا تعار
(٢٧٦) بدأ بنفسه ثم خبرّ عن فرسه وقال الأعشى:
وإن إمراء أهدى إليك ودونه من الأرض موماة وبيداء سملق (٢٧٧)
لمحقوقة أن تستجيبى لصوته وأن تعلمى أن المعان موقّف
بدأ بالمهدي ثم حوّل الخبر إلى الناقة:.
«يُصْهَرُ بِهِ» (٢٠) يذاب به، قال الشاعر:
شّك السّفافيد الشّواء المصطهر
«٣» [٥٩٨]
(١). - ٥٩٦: فى الجمهرة ٢/ ٣٦٠ من عزو.
(٢). - ٥٩٧: نسب البيت فى الطبري (١٧/ ٨٧) والقرطبي ١٢/ ٢٢ للفقعسى.
(٣). - ٥٩٨: الشطر فى ديوان المجاج ص ١٩ والطبري (١٧/ ٩٢) واللسان والتاج (صهر).
ومنه قولهم: صهارة الألية «١» وقال ابن أحمر:
تروى لقى ألقى فى صفصف تصهره الشمس فما ينصهر
«٢» [٥٩٩] تروى: تصيّر له راوية لفراخها كما يروى راوية القوم عليهم وهو البعير والحمار..
«وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ» (٢٣) مجازه لبوسهم، قال أبو كبير الهدلىّ:
ومعى لبوس للبئيس كأنه روق بجبهة ذى نعاج مجفل
(٥٨٥) أي مسرع، ذو نعاج يعنى الثور..
«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ» (٢٥) أي المقيم فيه «وَالْبادِ» : الذي لا يقيم فيه.
«وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ» (٢٥) مجازه ومن يرد فيه إلحادا والباء من حروف الزوائد وهو الزيغ والجور والعدل عن الحق وفى آية أخرى «مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ» (٢٣/ ٢٠) مجازه تنبت الدهن والعرب قد تفعل ذلك قال الشاعر
بواد يمان ينبت الشّثّ صدره وأسفله بالمرخ والشّبهان
«٣» [٦٠٠]
(١). - ١ «صهارة الألية» : يقال لما أذيب من الشحم: الصهارة والجميل وما أذيب من الأولية فهو حم إذا لم يبق فيه الودك (اللسان)
(٢). - ٥٩٩: فى الطبري ١٧/ ٩٢ والقرطبي ١٢/ ٢٧ واللسان والتاج (صهر).
(٣). - ٦٠٠: البيت فى الطبري ١٧/ ٩٤ والجمهرة ١/ ٤٥، ٣/ ٤١٤ واللسان (شت، شبه) والاقتضاب ص ٤٥٧ والقرطبي ١٢/ ٣٦. قال ابن دريد: قال الشاعر امرؤ القيس وذكر الاصبهانى أنه ليعلى الأحول- كما هو مذكور فى الاقتضاب، وقال فى اللسان: قال رجل من عبد القيس قال ابن برى قال أبو عبيدة للأحول اليشكري واسمه يعلى قال وتقديره وينبت أسفله المرخ على أن تكون الباء زائدة.. إلخ.
المعنى: وأسفله ينبت المرخ قال:
حوءبة تنقض بالضّلوع
«١» (٦٠١) أي تنقض الضلوع والحوأبة الدلو العظيم، يقال إنه لحوب البطن أي عظيمة قال الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا ملء المراجل والصريح الأجردا
«٢» (٦٠٢) أي ضمنت رزق عيالنا أرماحنا والباء من حروف الزوائد..
«وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ» (٢٦) مجازه من قوله:
ليتنى كنت قبله قد بوّأت مضجعا
(٦٠٣) ويقال للرجل: هل تبوّأت بعدنا أي هل تزوجت..
«وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالًا وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ» (٢٧) قوم يفتحون أول الحجّ وقوم يكسرونه وواحد الرجال راجل بمنزلة صاحب والجميع صحاب وتاجر والجميع تجار والقائم والجميع قيام يأتوك مشاة وعلى كل ضامر أي ركبانا «يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ» (٢٧) أي بعيد قال:
يقطعن بعد النازح العميق
«٣» (٦٠٤).
«فَجٍّ» أي مسلك وناحية
(١). - ٦٠١: الجمهرة ١/ ٢٣١ واللسان والتاج (حوب).
(٢). - ٦٠٢: ديوانه ص ١٥٤ والطبري ١٧/ ٩٤ واللسان والتاج (جرد) وشرح أدب الكاتب للجواليقى ص ٣٨٠.
(٣). - ٦٠٥: فى الكامل للمبرد ص ٦٥، ٢٢٤ والطبري ١٨/ ١٠ والاقتضاب ص ٤٥٨ والقرطبي ١٢/ ٣٥ والخزانة ٤/ ١٦٠.
«مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» (٢٨) خرجت مخرج «يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» (٢٢/ ٥) والهائم: الأنعام والدواب..
«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ «١» » (٢٩) وهو الأخذ من الشارب وقصّ الأظفار ونتف الإبط والاستحداد وحلق العانة..
«الزُّورِ» (٣٠) الكذب..
«سَحِيقٍ» (٣١) والسحيق البعيد وهو من قولهم أبعده الله وأسحقه وسحقته الرّيح، ومنه نخلة سحوق أي طوبلة ويقال: بعد وسحق وقال ابن قيس الرقيّات:
كانت لنا جارة فأزعجها قاذورة يسحق النّوى قدما
«٢» [٦٠٦] وقالوا يسحق، والقاذورة: المتقذر الذي لا يخالط الناس لا تراه إلّا معتزلا من الناس والنوى: من السفر..
«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ» (٣٦) أي مصطفّة وتصفّ بين أيديها «٣» وهو من المضاعف، وبعضهم يجعلها من باب الياء فيقول صواف يتركون الياء من الكتاب كما يقول: هذا قاض، وواحدتها صافية لله.
(١). - ٣ «التفث» نقل القرطبي (١٢/ ٢٩، ٥٠) عن ابن العربي فى تفسير هذه الكلمة أنه قال: وهذه اللفظة غريبة لم يجد أهل العربية فيها شعرا ولا أحاطوا بها خبرا خيرا لكنى تتبعت «التفث» لفة فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قال إنه قص الأظفار... إلخ.
وروى ابن دريد تفسيره هذا عنه فى الجمهرة ٢/ ٢. [.....]
(٢). - ٦٠٦: فى الطبري ١٧/ ١٠٩ واللسان والتاج (سحق).
(٣). - ١٢ «مصطفة.. أيديها» : انظر الكلام فى الطبري ١٧/ ١٠٩.
50
«فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» (٣٦) أي سقطت، ومنها وجوب الشمس إذا سقطت لتغيب، وقال أوس بن حجر:
ألم تكسف الشمس والبدر وال... كواكب للجبل الواجب
«١» [٦٠٨] أي الواقع:.
«وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» (٣٦) مجازه السائل الذي قنع إليكم تقدير فعله: ذهب يذهب ومعناه سأل وخضع «٢» ومصدره القنوع، قال الشّمّاخ:
لمال المرء يصلحه فيغنى... مفاقره أعفّ من القنوع
«٣» [٦٠٩] أي من الفقر والمسألة والخضوع. والمعترّ الذي يعتريك يأتيك لتعطيه تقول:
اعترّنى وعرّنى واعتريته واعتقيته إذا ألممت به قال حسّان:
(١). - ٦٠٨: ديوانه رقم ٣ وهو فى الطبري ١٧/ ١٠٨ والسمط ص ٤٦٦ والقرطبي ١٢/ ٦٣.
(٢). - ١ «وكل... فزع» الذي ورد فى الفروق: رواه ابن دريد عن أبى عبيدة فى الجمهرة ١/ ٢١٥.
(٣). - ٦٠٩: ديوانه ص ٥٦ والطبري ١٧/ ١١٠ والجمهرة ٣/ ١٣٢ والقرطبي ١٢/ ٦٤ واللسان (قنع).
51
لعمرك ما المعترّ يأتى بلادنا لنمنعه بالضائع المتهضّم
«١» [٦١٢] وقال لبيد فى القنوع:
وإعطائى المولى على حين فقره إذا قال أبصر خلّتى وقنوعى
«٢» [٦١٣] وأما القانع فى معنى الراضي فإنه من قنعت به قناعة وقناعا وقنعا، تقديره علمت، يقال من القنوع: قنع يقنع قنوعا، والقانع قنع يقنع قناعة وقنعانا وقنعا وهو القانع الراضي..
«الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ» (٤٠) مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك: إلا أنهم يقولون الحق..
«لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ» (٤٠) مجازها مصلّيات «٣»..
«كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ» (٤٢) قوم، يذكّر ويؤنّث..
«فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ» (٤٥) الياء من فكأيّن مثقلة وهى قراءة الستة ويخففها آخرون قال ذو الرمّة:
(١). - ٦١٢: ديوانه ص ٣٩٥.
(٢). - ٦١٣: ديوانه ١/ ٥٠.
(٣). - ١٠ «بيوت... أسفارهم» الذي ورد فى الفروق: رواه القرطبي (١٢/ ٧١) عن أبى عبيدة.
وكائن تخطّت ناقتى من مفازة وهلباجة لا يطلع الهمّ رامك
«١» [٦١٤] أي يطلب ومعناها وكم من قرية..
«وَقَصْرٍ مَشِيدٍ» (٤٥) مجازه مجاز مفعول من «شدت نشيد» أي زيّنته بالشّيد وهو الجصّ والجيّار والملاط «٢» الجيار الصاروج وهو الكلس وقال عدى ابن زيد العبادىّ.
شاده مرمرا وجلّله كلسا فللطير فى ذراه وكور
«٣» [٦١٥] وهو الكلس وقال:
كحيّة الماء بين الطّىّ والشّيد
«٤» [٦١٦].
«لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا» (٥٩) الميم مضمومة لأنها من «أدخلت» والخاء مفتوحة وإذا كان من دخلت فالميم والخاء مفتوحتان.
(١). - ٦١٤: ديوانه ص ٤٢٤. - الهلباجة: الأهوج الفاجر: الدامك: مقيم الذي لا يبرح (شرح الديوان).
(٢). - ٤ «الملاط» : الطين الذي يجعل بين صافى البناء ويملط به الحائط (اللسان).
(٣). - ٦١٥: من كلمة فى الأغانى ٢/ ١٧- ٤٠ وشعراء النصرانية ١/ ٤٥٦ وهو فى الكامل للمبرد ص ٥٨ والطبري ١٧/ ١١٦ والقرطبي ١٢/ ٧٤ واللسان والتاج (شيد).
(٤). - ٦١٦: البيت للشماخ فى ديوانه ص ٢٥ والجمهرة ٢/ ٢٧١ واللسان والتاج (غمر).
«يَكادُونَ يَسْطُونَ» (٧٢) أي يفرطون عليه ومنه السطوة..
«بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ» (٧٢) مرفوعة على القطع من شركة الباء ولكنه مستأنف خبّر عنه ولم تعمل الباء فيه وقال:
«وبلد بآله مؤزّر... إذا استقلوا من مناخ شمّروا
«١»
«٢» «٣» [٦١٧] وإن بدت أعلام أرض كبّروا مؤزر مرفوع على ذلك القطع..
«ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (٧٤) مجازه ما عرفوا الله حق معرفته، ولا وصفوه مبلغ صفته..
«فَنِعْمَ الْمَوْلى» (٧٨) أي الرب.
(١). - ٦١٧: نسبت الاشطار فى حاشية لرؤبة ولم أجدها فى مظانها.
(٢). - ٦١٩: فى اللسان (منى). [.....]
(٣). - ٦٢٠: فى اللسان (منى).
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).