تفسير سورة الحج

تذكرة الاريب في تفسير الغريب

تفسير سورة سورة الحج من كتاب تذكرة الاريب في تفسير الغريب
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ

زلزلة الساعة الحركة الشديد وفيها قولان أحدهما أنها يوم القيامة بعد النشور والثاني أنها في الدني قبل يوم القيامة
تذهل تسلو
يجادل في الله يكذب بالقرآن
كتب عليه أي على الشيطان
مخلقة ما خلق سويا وغير مخلقة ما ألفته الأرحام من النطف قبل أن يخلقطفلا أي أطفالاوأرذل العمر قد بيناه في النحلهامدة أي ميتة يابسةاهتزت تحركت للنبات لأن النبات إذا ظهر ارتفعت الأرض عنه والزوج الجنس والبهيج المبهج والمعنى يسر
ثاني عطفه أي لاويا عتقه تكبرا ليضل اللام العاقبة
على حرف أي على شكخير أي رخاء أي على شكانقلب رجع إلى الكفر
والمولى الولي العشير الصاحب
ينصره الله يرزقهوالسبب الحبل والمعنى فليشدد حبلا في سقف بينه فليختنق به ثم ليقطع الحبل والمعنى ليصور هذا في نفسه فلينظر هل يذهب كيده أي حبلته غظه
وكثير حق عليه العذاب وهم الكفار سجودهم سجود ظلالهم
هذان خصمان يعني المؤمنين والكفار واختصموا في ربهم أي في دينه
يصهر يذاب
كلما أرادوا أن يخرجوا وذلك أن النار ترفعهم حتى ظنوا أنها ستقذفهم أعادتهم الزبانية بالمقامع
وهدوا أرشدوا في الدنيا إلى الطيب وهو لا إله إلا الله والحمد لله
وجعلناه للناس أي قبلة لصلاتهم والعاكف المقيم والبادي الذي يأتيه من غير أهله والمعنى أن العاكف والبادي يستويان في سكنى مكة والنزول بها ومن يرد فيه بإلحاد الباء زائدةوالإلحاد العدول عن القصد والمراد به أعمال الذنوب والمراد بقوله ومن يرد من يعمل
بوأنا جعلناأن لا تشرك أي وأوحينا إليه أن لا تشركوالقائمين في الصلاة
وأذن أعلمرجالا مشاةضامر أي من طول السفر يأتين من فعل النوق فج عميق طرق بعيد
منافع لهم يعني التجارةوالأيام المعلومات أيام العشرالبائس ذو البؤس
والتفث الوسخ والقذارة من طول الشعر والأظفار والشعث وقضاؤه إذهابهوالبيت العتيق سمي بذلك لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة فلم يظهر عليه جبار قط
ذلك أي الأمر ذلك ومن يعظم حرمات فيجتنب ما حرم الله عليه في الإحرام تعظيما لأمر اللهإلا ما يتلى عليكم في المائدة من المنخنقة وغيرهاوالرجس ذكرناه في المائدة والمعنى اجتنبوا الرجس الذي هو وثنوالزور الكذب
حنفاء مسلمينالسحيق البعيد وشبه المشرك في بعده من الهدى بالذي يخر من السماء
والشعائر مذكور في البقرة والمراد به ها هنا تعظيم البدن واستحسانها
لكم فيها منافع قبل أن يسميها صاحبها هديا أو يشعرها فإذا فعل ذلك فليس له من منافعها شيء وقيل لكم فيها منافع بعد إيجابها إذا احتجتم أو اضطررتم إلى شرب ألبانهاإلى أجل وهو أن تنحر ثم محلها إلى حيث يحل نحوها إلى البيت أي عند البيت والمراد به الحرم
منسكا وهو ذبح القرابين
لكم فيها خير وهو نفع الدنيا وأجر الآخرةصاف منصوبة على الحال أي إذا صنفت قوائمها وهو حال نحرهاوجبت سقطت إلى الأرضالقانع السائل والمعتز الذي يتعرض ولا يسأل
أذن للذين يقاتلون والمعنى أن يقاتلوا
وصلوات مواضع صلوات
مشيد مجصص
وإن يوما عند ربك كألف سنة المعنى أن يوما من أيام عذابكم في الآخرة كألف سنة فكيف يستعجلون العذاب
معجزين أي يثبطون الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قرأ معاجزين أراد ظانين أنهم يعجزون
تمنى تلا أمنيته تلاوته نزلت لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ فألقى الشيطان في التلاوة تلك الغرانيق العلىفينسخ يبطلثم يحكم يمنع من الباطل
ليجعل اللام متعلقة بقوله تعالى ألقى الشيطان والمرض الشك
أنه الحق إشارة إلى نسخ ما يلقي الشيطان فيؤمنوا بالنسخفتخبت تشخع
منه أي من سماعهم منكوالعقيم لا يأتي بخير وهو يوم القيامة
رزقا حسنا حلالا
مدخلا يرضون يعني الجنة
بقي عليه ظلم والمعنى من قاتل المشركين كما قاتلوه ثم بغي عليه
فلا ينازعنك المعنى فلا تنازعهم في الأمر أي في الذبائح وذلك أنهم قالوا تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتله الله يعنون الميتة
إن ذلك في كتاب يعني ما يجري في السماء والأرض في كتاب وهو اللوح المحفوظ
وما ليس لهم به علم أنه إله
والمنكر بمعنى الإنكار والمعنى أثر الإنكار من الكراهة وتعبيس الوجوهيسطون يبطشون ويقعونبشر من ذلكم أي بأشد عليكم وأكره إليكم من سماع القرآن
ضرب مثل المعنى ضرب لي مثل أي شبهت بي الأوثان وليس ها هنا مثل فاستمعوا له أي فاستمعوا حال ما شبه بييسلبهم الذباب كانوا يطلون أصنامهم بالزعفران فيأتي الذباب فيأخذ منهضعف الطالب وهو الصنم والمطلوب الذباب
ملة أبيكم أي الزموا أبيكم هو يعني الله عز رجل نفسه سماكم المسلمين من قبل أي من قبل إنزال القرآن في الكتب المنزلةوفي هذا أي في القرآن ليكون اللام متعلقة بقوله اجتنابكم
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).