تفسير سورة الحج

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الحج من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الحج
" الحجّ " بكسر أوله ويفتح.

﴿ يَوْمَ تَرَوَنْهُا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضَعةٍ ﴾ أي تسلو وتنسى، قال كثير عزة :
صحا قلبُه يا عَزَّ أو كاد يَذَهلُ ***
أي يصحو ويسلو.
﴿ مِنْ مُّضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ ﴾ أي مخلوقة.
﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ مجازه أنه في موضع أطفال والعرب تضع لفظ الواحد في معنى الجميع قال :
في حَلْقكم عظمٌ وقد شَجينا ***
وقال عباس بن مرداس :
فقلنا أَسِلموا إنا أَخوكم فقد بَرِئَت من الإحَنِ الصدورُ
وفي آية أخرى :} وَالمْلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ } أي ظهراء وقال :
إن العواذل ليس لي بأميرِ
أراد أمراء :﴿ أرذَلِ العمر ﴾ : مجازه أن يذهب العقل ويخرف.
﴿ وَتَرىَ الأرْضَ هَامِدَةً ﴾ أي يابسة لا نبات فيها ويقال : ويقال رماد هامد إذا كان يدرس.
﴿ زَوْج بَهِيجٍ ﴾ أي حسن قشيب جديد ويقال أيضاً بهج :
﴿ وَأَنَّ اللّه يَبَعْثُ ﴾ أي يجيء.
﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ ﴾ يقال جاءني فلان ثاني عطفه أي يتبختر من التكبر، قال الشماخ :
نُبَّئتُ أن رُبَيْعاً أن رَعَى إِبلاً يُهدى إلىَّ خَناه ثانَي الجيدِ
قال أبو زبيد :
فجاءهُمُ يَستنٌّ ثانيَ عِطفه له غَيَبٌ كأَنما بات يُمكَرُ
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْف ﴾ كل شاك في شيء فهو على حرف لا يثبت ولا يدوم وتقول : إنما أنت لي على حرف، أي لا أثق بك
﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَي ﴾ مجازه هاهان ابن العم، ﴿ ولبئس العشير ﴾ الخليط المعاشر.
﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَن لَّنْ يَنْصُرَهُ اللّه ﴾ مجازه أن لن يرزقه الله وأن لن يعطيه الله، قال وقف علينا سائل من بني بكر على حلقة في المسجد الجامع فقال : من ينصرني نصره الله أي من يعطيني أعطاه الله ويقال نصر المطر أرض كذا، أي جادها وأحياها، قال وبيت الراعي :
وانصري أرض عامرِ ***
أي تعمدي، وقال الراعي :
أبوك الذي أجدى عليّ بنصره فانصتَ عني بعده كُّل قائلِ
أي بعطيته وقال :
وإنك لا تعطي امرءًا فوقَ حظه ولا تَمِلك الشِقَّ الذي الغيث ناصرهُ
﴿ فلَيْمَدْدُ بِسَبَبٍ إلىَ السَّماءِ ﴾ أي بحبل.
﴿ إنَّ الذَّيِنَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا لصِّاِبئينَ والنَّصَارَى وَالمَجُوسَ والّذِين أَشْرَكُوا إنَّ اللَّه يَفِصُل بيَنَهُم يَوْمَ القِيَامَةِ ﴾ مجازه : الله يفصل بينهم، وإن من حروف الزوائد ؛ والمجوس من العجم ﴿ والذين أشركوا ﴾ من العرب، وقال آخرون : قد تبدأ العرب بالشيء ثم تحول الخبر إلى غيره إذا كان من سببه كقول الشاعر :
فمنْ يَك سائلاًعني فإني وجَروْة لا تَرود ولا تُعارُ
بدأ بنفسه ثم خبر عن فرسه وقال الأعشى :
وإن إِمراءً أهدى إليك ودونه ***من الأرض مَؤماة وبيداء سَمْلقُ
لمحقوقة أن تستجيبي لِصَوته*** وأن تعلمي أن المُعان مُوقَّفُ
بذأ بالمهدي ثم حول الخبر إلى الناقة
﴿ يُصْهَرُ بِهِ ﴾ يذاب به، قال الشاعر :
شّكَ السَّفافِيدِ الشِّواء المُصْطَهَرْ ***
ومنه قولهم : صُهارة الأَلْيَة وقال ابن أحمر :
تَرويِ لَقىً أُلقِىَ في صَفْصفٍ
***
نَصهَره الشمسُ فما ينصهرْ
تَروى : تصير له روايةٌ لفراخها كما يروى رواية القوم عليهم وهو البعير والحمار.
﴿ وَلِبَاسُهُمْ فيهَا حَرِيرٌ ﴾ مجازه لَبوسهم، قال أبو كبير الهدلي :
ومعى لَبوسٌ للبئيس كأنه رَوْقٌ بجبهة ذي نِعاج مُجِفلِ
أي مسرع، ذو نعاج يعني الثور.
﴿ سَوَاءِ العَاكِفُ فيه ﴾ أي المقيم فيه ﴿ وَالبَادِ ﴾ : الذي لا يقيم فيه. ﴿ وَمَنْ يُرِد فِيهِ بإلْحادٍ ﴾ مجازه ومن يرد فيه إلحاداً والباء من حروف الزوائد وهو الزيغ والجور والعدل عن الحق وفي آية أخرى ﴿ مِنْ طُور سينَاء تُنْبِتُ بالدُّهْنِ ﴾ مجازه تنبت الدهن والعرب قد تفعل ذلك قال الشاعر
بوادٍ يمانٍ يُنبت الشَّتَّ صدرُه وأسفله بالمَرْخ والشَّهَبانِ
المعنى : وأسفله نبت المرخ قال :
حَوْءبةٌ تُنقِض بالضُّلوعِ ***
أي تنقض الضلوع والحوءبة الدلو العظيم، يقال إنه لحوب البطن أي عظيمة قال الأعشى :
ضمنت برزق عَيالنا أرماحُنا مِلءَ المَراجِلِ والصريحَ الأجردا
أي ضمنت رزقَ عيالنا أرماحنا والباء من حروف الزوائد.
﴿ وَإذْ بَوَّأْنَا لإبرَاهِيمَ ﴾ مجازه من قوله :
ليتني كنت قبله قد بُوّأتُ مَضجعا
ويقال للرجل : هل تبوّأت بعدنا أي هل تزوجت.
وَأَذِّنْ فيِ النَّاسِ باِلحْجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَاِمرٍ } قوم يفتحون أول الحج وقوم يكسرونه وواحد الرجال راجل بمنزلة صاحب والجميع صحاب وتاجر والجميع تجار والقائم والجميع قيام، يأتوك مُشاةً وعلى كل ضامر أي ركباناً
﴿ يأْتِينَ من كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ أي بعيد قال :
يقطعن بُعْدَ النازحِ العَميقِ
﴿ فَجّ ﴾ أي مسلك وناحية.
﴿ مِنْ بَهِيمَةِ الأنْعَامِ ﴾ خرجت مخرج ﴿ يُخْرجُكُمْ طِفْلاً ﴾ والبهائم : الأنعام والدواب.
﴿ ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ ﴾ وهو الأخذ من الشارب وقص الأظفار ونتف الأبط والاستحداد وحلق العانة.
﴿ الزُّور ﴾ الكذب.
﴿ سَحِيقٍ ﴾ والسحيق البعيد وهو من قولهم أبعده الله وأسحقه وسحقته الريح، ومنه نخلة سحوقٌ أي طويلة ويقال : بعد وسحقٌ وقال ابن قيس الرقيات :
كانت لنا جارةً فأَزعجها قاذورةٌ يَسْحَق النَّوى قُدُما
وقالوا : يُسِحق، والقاذورةُ : المتقذر الذي لا يخالط الناس لا تراه إلا معتزلاً من الناس، والنوى : من السفر.
﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوافَّ ﴾ أي مصطفة وتصف بين أيديها وهو من المضاعف، وبعضهم يجعلها من باب الياء فيقول صواف يتركون الياء من الكتاب كما يقول : هذا قاض، وواحدتها صافية لله.
﴿ فَإذَا وَجَبتْ جُنُوبُها ﴾ أي سقطت، ومنها وجوب الشمس إذا سقطت لتغيب، وقال أوس بن حجر :
ألم تكَسفِ الشمس والبدر وال كواكبُ للجبل الواجبِ
أي الواقع :} وأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } مجازه السائل الذي قنع إليكم تقدير فعله : ذهب يذهب ومعناه سأل وخضع ومصدره القنوع، قال الشماخ :
لمال المرء يُصلحه فيغني مفَاقره أعُّف من القُنوعِ
أي من الفقر والمسألة والخضوع. والمعتر الذي يعتريك يأتيك لتعطيه تقول : اعترني وعرني واعتريته واعتقيته إذا ألممت به قال حسان :
لعمرك ما المُعَتُّر يأتي بلادَنا لنمنَعه بالضايع المتهضَّمِ
وقال لبيد في القنوع :
وإعطائيَ المولَى على حين فقره إذا قال أبصرْ خَلَّتِي وقُنُوعيِ
وأما القانع في معنى الراضي فإنه من قنعت به قناعة وقناعا وقناعا وقنعا، تقديره علمت، يقال من القنوع : قنع يقنع قنوعاً، والقانع قنع يقنع قناعة وقنعاناً وقنعاً وهو القانع الراضي.
﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقّ إلاَّ أَنْ يَقولوُا رَبُّنَا اللهُ ﴾ مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير كقولك : إلا أنهم يقولون الحق.
﴿ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ﴾ مجازها مصليات.
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ ﴾ قوم، يذكَّر ويؤنَّث.
﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ ﴾ الياء من فكأيّن مُثقلة وهي قراءة الستة ويخففها آخرون قال ذو الرمة :
وكائنْ تخطَّتْ ناقتي من مَفازة وهِلْباجةٍ لا يُطلِع الهمَّ رامكُ
أي يطلب ومعناها وكم من قرية.
﴿ وَقَصْر مَشيدٍ ﴾ مجازه مجازُ مفعول من ﴿ شِدتَ نَشِيد ﴾ أي زينته بالشيد وهو الجص والجيار والملاط الجيار الصاروج وهو الكلس وقال عدي ابن زيد العبادي.
شادَهُ مرمراً وجَلّله كِلْسا فللطير في ذرَاهُ وكُورُ
وهو الكلس وقال :
كحيّة الماء بين الطَّيّ والشِّيدِ ***
﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً ﴾ الميم مضمومة لأنها من ﴿ أدخلت ﴾ والخاء مفتوحة وإذا كان من دخلت فالميم والخاء مفتوحتان.
﴿ يَكادَوُنَ يَسْطُونَ ﴾ أي يفرطون عليه ومنه السطوة.
﴿ بِشَرِّ مِّنْ ذَلِكُمُ النَّارُ ﴾ مروفوعة على القطع من شركة الباء ولكنه مستأنف خبر عنه ولم تعمل الباء فيه وقال :
وبلد بآلهِ مؤزَّرُ *** إذا استقلوا من مُناخٍ شَمَّروا
وإن بدت أعلام أرض كبَّروا ***
مؤزر مرفوع على ذلك القطع.
﴿ مَا قَدَرُو اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾ مجازه ما عرفوا الله حق معرفته، ولا وصفوفه مبلغ صفته.
﴿ فَنِعْمَ المَوْلَى ﴾ أي الرب.
سورة الحج
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الحَجِّ) من السُّوَر المدنيَّة، ومع ذلك فإنها جاءت على ذِكْرِ كثيرٍ من موضوعات السُّوَر المكِّية؛ مثل: بيان مسائلِ الاعتقاد والتوحيد، وما يَتعلَّق بمَشاهِدِ يوم القيامة وحسابِ الله عز وجل للخَلْقِ، إلا أن مِحوَرَها الرئيس كان حول رُكْنِ (الحَجِّ)، وما يتعلق به من أحكامٍ تشريعية، ودَوْرِ هذا الرُّكن في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بأحكامٍ تشريعية تتعلق بالجهاد وقتال المشركين؛ فقد مزَجتِ السورةُ بين موضوعات السُّوَر المكِّية والمدنيَّة، إلا أن مِحوَرَها تشريعيٌّ؛ كما أشرنا.

ترتيبها المصحفي
22
نوعها
مدنية
ألفاظها
1281
ترتيب نزولها
103
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
76
العد البصري
75
العد الكوفي
78
العد الشامي
74

* قوله تعالى: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ فَاْلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٞ مِّن نَّارٖ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ اْلْحَمِيمُ} [الحج: 19]:

عن قيسِ بن عُبَادٍ، عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه، قال: «أنا أوَّلُ مَن يجثو بين يدَيِ الرَّحمنِ للخُصومةِ يومَ القيامةِ».

قال قيسٌ: «وفيهم نزَلتْ: {هَٰذَانِ خَصْمَانِ اْخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْۖ}، قال: هم الذين بارَزوا يومَ بَدْرٍ: عليٌّ، وحَمْزةُ، وعُبَيدةُ، وشَيْبةُ بنُ ربيعةَ، وعُتْبةُ بنُ ربيعةَ، والوليدُ بنُ عُتْبةَ». أخرجه البخاري (٤٧٤٤).

* قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا خرَجَ النبيُّ ﷺ من مكَّةَ، قال أبو بكرٍ: أخرَجوا نبيَّهم! إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! لَيَهلِكُنَّ؛ فنزَلتْ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ اْللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39]، قال: فعرَفْتُ أنَّها ستكونُ».

قال ابنُ عباسٍ: «فهي أوَّلُ آيةٍ نزَلتْ في القتالِ». أخرجه ابن حبان (٤٧١٠).

* سورة (الحَجِّ):

سُمِّيت سورة (الحَجِّ) بذلك؛ لأنها جاءت على ذِكْرِ رُكْنِ (الحَجِّ).

* فُضِّلتْ سورةُ (الحَجِّ) بأنها السورةُ الوحيدة من سُوَرِ القرآن الكريم التي جاء فيها سجدتانِ:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، فُضِّلتْ سورةُ الحَجِّ بأنَّ فيها سجدتَيْنِ؟ قال: «نَعم، ومَن لم يسجُدْهما فلا يَقرَأْهما». أخرجه الترمذي (٥٧٨).

جاءت سورة (الحَجِّ) على ذِكْرِ الكثير من الموضوعات؛ وهي:

1. الأمر بالتقوى، والإيمان بالساعة (١-٢).

2. المجادلة بغير علم (٣-٤).

3. الأدلة على البعث (٥-٧).

4. المجادلة بغير علم (٨-١٦).

5. الفصل بين الأُمَم، والاعتبار (١٧-٢٤).

6. الصد عن سبيل الله والمسجدِ الحرام (٢٥-٣٧).

7. الإذن بالقتال والدفاع عن المؤمنين (٣٨-٤١).

8. الاعتبار بهلاك الأُمَم السابقة (٤٢-٤٨).

9. إحكام الوعيِ للنبي صلى الله عليه وسلم (٤٩ - ٦٠).

10. من دلائلِ قدرة الله تعالى (٦١-٦٦).

11. بطلان شريعة ومنهاج المشركين (٦٧-٧٦).

12. أوامر الله للمؤمنين (٧٧-٧٨). ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /87).

ويقول شيخُ الإسلام ابنُ تيميَّةَ: «سورة الحَجِّ ‌فيها ‌مكِّيٌّ ومدَنيٌّ، وليليٌّ ونهاريٌّ، وسفَريٌّ وحضَريٌّ، وشِتائيٌّ وصَيْفيٌّ.

وتضمَّنتْ منازلَ المسيرِ إلى الله؛ بحيث لا يكون منزلةٌ ولا قاطع يَقطَع عنها.

ويوجد فيها ذِكْرُ القلوبِ الأربعة: الأعمى، والمريض، والقاسي، والمُخبِتِ الحيِّ المطمئنِّ إلى الله.

وفيها من التوحيد والحِكَم والمواعظ - على اختصارها - ما هو بَيِّنٌ لمَن تدبَّرَه.

وفيها ذِكْرُ الواجبات والمستحَبَّات كلِّها؛ توحيدًا، وصلاةً، وزكاةً، وحَجًّا، وصيامًا؛ قد تضمَّنَ ذلك كلَّه قولُه تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْرْكَعُواْ وَاْسْجُدُواْۤ وَاْعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ۩} [الحج: 77]،  فيدخُلُ في قوله: {وَاْفْعَلُواْ اْلْخَيْرَ} كلُّ واجبٍ ومستحَبٍّ؛ فخصَّصَ في هذه الآيةِ وعمَّمَ، ثم قال: {وَجَٰهِدُواْ فِي اْللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۦۚ} [الحج: 78]، فهذه الآيةُ وما بعدها لم تترُكْ خيرًا إلا جمَعَتْهُ، ولا شرًّا إلا نفَتْهُ». "مجموع الفتاوى" (15 /266).

وهذه السورةُ مِن أعاجيبِ السُّوَرِ؛ كما ذكَر ابنُ سلامةَ البَغْداديُّ، وأبو بكرٍ الغَزْنويُّ، وابنُ حزمٍ الأندلسيُّ، وابنُ تيميَّةَ.

ومِن عجائبِ هذه السورةِ الكريمة: أنه اجتمَع فيها سجودانِ، وهذا لم يحدُثْ في سورةٍ أخرى، بل قال بعضُ العلماء: «إن السجودَ الثاني فيها هو آخِرُ سجودٍ نزَل في القرآنِ الكريم». انظر: "الناسخ والمنسوخ" للبغدادي (ص126)، و"الناسخ والمنسوخ" لابن حزم (ص46)، و"تفسير القرطبي" (21/1)، و"مجموع الفتاوى" (15/266)، و"بغية السائل" (ص548).

جاءت سورة (الحَجِّ) بمقصدٍ عظيم؛ وهو دورُ رُكْنِ (الحَجِّ) العظيمُ في بناء الأمَّة ووَحْدتها، وجاءت بالحثِّ على التقوى، وخطابِ الناس بأمرهم أن يتَّقُوا اللهَ ويَخشَوْا يومَ الجزاء وأهوالَه، والاستدلالِ على نفيِ الشرك، وخطابِ المشركين بأن يُقلِعوا عن المكابرة في الاعتراف بانفراد الله تعالى بالإلهية، وعن المجادلة في ذلك اتباعًا لوساوسِ الشياطين، وأن الشياطينَ لا تُغني عنهم شيئًا، ولا ينصرونهم في الدنيا ولا في الآخرة.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /296)، والتحرير والتنوير (17 /184).